الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المسألة العشرون
رأى المملوك في أدب القضاء لأبي الحسن الرسلى من أصحابنا ما لفظه:0
وإن كان أحد الخصمين وكل وكيلا، وحضر مجلس القاضي، فيجب أن يكون الموكل والوكيل والخصم يجلسون بين يديه، ولا يجوز أن يكون الموكل يجلس بجنب القاضي ويقول وكيلي جالس مع الخصم. انتهى.
وظن المملوك أنه رآه في الكفاية أيضا، وأقره الشيخ عليه، هل في كلام الأصحاب ما يخالف هذا أو يوافقه؟ مع ظهور حسنه، وعموم البلوى به، (والمسئول بيان ذلك مع الحكم بصحته أو فساده).
الجواب (الحمد لله)
نعم هو في الكفاية عنه، وهو صحيح وليس في كلام الأصحاب ما يخالفه، وإن لم يصرحوا بموافقته، لكن كلامهم لا يأباه، والمعنى فيه ظاهر، لأن الموكل هو المحكوم عليه، أو المحكوم له، وهو الذي يحلف، وهو
الذي يستوفى الحق من ماله، إن كان مالا، ومن بدنه إن كان قصاصا، أو نحوه.
والوكيل سفير في المخاصمة فقط فميل القاضي مع الموكل أشد من ميله مع الوكيل، وإجلاسه الموكل إلى جانبه مرفوعا، عن مجلس خصمه، يكسر قلب خصمه، ويفت عضده، ويوهمه أنه عند القاضي أرفع منه، فيتوهم في قلبه، أنه قد يحيف عليه لذلك.
وقد قال الأصحاب: إن الخصم إذا اختفى ولم يمكن إحضاره، ووكل القاضي عنه وكيلا، وثبت الحق، فإن كان في ماله، وله مال أخذه، وإن كان في بدنه، أرسل من يتطلبه وهجم عليه، ويستوفيه منه، وهذا بين أنه هو الخصم المحكوم عليه، والتسوية بينه وبين غريمه، كالتسوية/ بين المتخاصمين والمتحاكمين بأنفسهما.
ومما تبين لك ذلك، أن الموكل يسمى خصما، والتسوية بين الخصوم مأمور بها، ومن الدليل على أنه يسمى خصما أن الخصومة له، وقال صلى الله عليه وسلم:"إنكم تختصمون إلى ولعل بعضكم ألحن بحجته من بعض فمن قضيت له" فالمضي له من جملة الخصوم، سواء باشر الخصومة بنفسه، أم بوكيله.
وانظر كلام التنبيه: في الهدية وقوله: ممن كانت له خصومة،
ولا شك أن الموكل له خصومة، فأحكام الخصوم جارية عليه.
وقد قال عمر بن الخطاب في رسالته إلى أبي موسى:-
وآس بين الناس في مجلسك ووجهك حتى لا يطمع شريف في حيفك ولا ييأس ضعيف من عدلك.
وقال العلماء: إنه لا يمكن أحدهما أن يرفع صوته بحضرته على الآخر وأنه إذا ظهر للقاضي أن أحدهما ألحن بحجته من الآخر، وأن الضعيف لا يعلم ماله وما عليه، ولا يبلغ حجته، أمر رجلا عالما فدخل بينهما فهذا الرجل وكيل، وما أخرجهما عن خصومتهما.
وقول الرسلي يجب ولا يجوز، هو اختيار الشيخ أبي حامد ـ أعني أصل التسوية، فإنه يرى وجوبها.
وأما القاضي أبو الطيب وابن الصباغ فيريان أن التسوية في ذلك
مستحبة لا واجبة.
والذي عندي في ذلك أن الواجب على القاضي أن يظهر عدم الميل، وأما تعين المجلس عن يمينه، أو عن شماله، أو بين يديه، فأمر سهل، والأظهر فيه الاستحباب، لا الوجوب فإنه أدب.
وفي سنن أبي داود "قضى أن يجلس الخصمان بين يدي الحكم"، فالمبالغة في إظهار ذلك أدب ومستحب، وإظهار ما يفهم الخصمين استواءهما عند القاضي، واجب، إما بمجلس وإما بغيره.
وهذا المعنى يؤول إلى تحريم رفع أحدهما على الآخر، في المجلس،
ووجوب إنزاله عن منزلته إلى منزلة غريمه، إلا أن يجبر ذلك بما يفهم به غريمه، أن ذلك ليس رفعا له عليه، وأنهما عنده في الحق سواء، فحينئذ يرخص فيه. والله عز وجل أعلم.