المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المسألة الرابعة والثلاثون - قضاء الأرب في أسئلة حلب

[تقي الدين السبكي]

فهرس الكتاب

- ‌المسألة الأولى

- ‌المسألة الثانية

- ‌المسألة الثالثة

- ‌المسألة الرابعة

- ‌المسألة الخامسة

- ‌المسألة السادسة

- ‌المسألة السابعة

- ‌المسألة الثامنة

- ‌المسألة التاسعة

- ‌المسألة العاشرة

- ‌المسألة الحادية عشرة

- ‌المسألة الثانية عشرة

- ‌المسألة الثالثة عشرة

- ‌المسألة الرابعة عشرة

- ‌المسألة الخامسة عشرة

- ‌المسألة السادسة عشرة

- ‌المسألة السابعة عشرة

- ‌المسألة الثامنة عشرة

- ‌المسألة التاسعة عشر

- ‌المسألة العشرون

- ‌المسألة الحادية والعشرون

- ‌المسألة الثانية والعشرون

- ‌المسألة الثالثة والعشرون

- ‌المسألة الرابعة والعشرون

- ‌المسألة الخامسة والعشرون

- ‌المسألة السادسة والعشرون

- ‌المسألة السابعة والعشرون

- ‌المسألة الثامنة والعشرون

- ‌المسألة التاسعة والعشرون

- ‌المسألة الثلاثون

- ‌المسألة الحادية والثلاثون

- ‌المسألة الثانية والثلاثون

- ‌المسألة الثالثة والثلاثون

- ‌المسألة الرابعة والثلاثون

- ‌المسألة الخامسة والثلاثون

- ‌المسألة السادسة والثلاثون

- ‌المسألة السابعة والثلاثون

- ‌المسألة الثامنة والثلاثون

- ‌المسألة التاسعة والثلاثون

- ‌المسألة الأربعون

- ‌المسألة الحادية والأربعون

- ‌المسألة الثانية والأربعون

- ‌المسألة الثالثة والأربعون

- ‌المسألة الرابعة والأربعون

- ‌المسألة الخامسة والأربعون

- ‌المسألة السادسة والأربعون

- ‌المسألة السابعة والأربعون

- ‌المسألة الثامنة والأربعون

- ‌المسألة التاسعة والأربعون

- ‌المسألة الخمسون

- ‌المسألة الحادية والخمسون

- ‌المسألة الثانية والخمسون

- ‌المسألة الثالثة والخمسون

- ‌المسألة الرابعة والخمسون

- ‌المسألة الخامسة والخمسون

- ‌المسألة السادسة والخمسون

- ‌المسألة السابعة والخمسون

- ‌المسألة الثامنة والخمسون

- ‌المسألة التاسعة والخمسون

- ‌المسألة الستون

- ‌المسألة الحادية والستون

- ‌المسألة الثانية والستون

- ‌المسألة الثالثة والستون

- ‌المسألة الرابعة والستون

- ‌المسألة الخامسة والستون

الفصل: ‌المسألة الرابعة والثلاثون

‌المسألة الرابعة والثلاثون

قال الشيخ أبو زكريا النووي رحمه الله، في (الروضة) في باب مسح الخف، إن حكم الوضوء المضموم إليه التيمم لجراحة أو كسر، حكم المستحاضة، بالنسبة إلى جواز مسح الخف قال: وأما من محض التيمم بلا وضوء/، فإن كان لسب غير إعواز الماء فهو كالمستحاضة، وإن كان للإعواز، فقال ابن سريج هو كالمستحاضة، والصحيح المنع. انتهى.

ص: 358

فخرج من هذا، أنه يجوز لمن يتيمم لبرد ونحوه أن يمسح على الخف، ولم يجد المملوك هذا في غير الروضة، وأصله، والذي في النهاية وفروخها والتهذيب ...........................................

ص: 359

والتتمة، مسألة الجريح والمنع مطلقا، فما الدليل على هذا التفصيل؟ وهل صراح أحد به؟ وهل ما اقتضاه صحيح أم لا؟

الجواب (الحمد لله)

إنما يحصل المقصود بأمور، أحدها: قوله صلى الله عليه وسلم: "إني أدخلتهما طاهرتين" وهو حديث صحيح. وقوله: "إذا تطهر ولبس خفيه".

ص: 360

وهو حديث حسن. والفقهاء يقولون فلبس بالفاء، ورأيته في كتب الحديث بالواو، ولم يتحرر لي ذلك، وتكلم الفقهاء في دلالة قوله:"أدخلتهما طاهرتين" على اشتراط كمال الطهارة، (ولا حاجة بنا هنا إلى ذلك وإنما المقصود اشتراط الطهارة) ولا شك فيه.

الثاني: قوله (تطهر) فعل مسند إلى المتطهر، وقوله:(طاهرتين) لا يقتضى إلا طهارة الرجلين، فهل يقال لمن طهر رجليه أنه تطهر؟ والأقرب أنه لا يقال ذلك، لأن تطهر مسند إلى جملة البدن، فيقتضى هذا أنه لابد من طهارة جميع البدن.

الثالث: يتولد مما قلناه، فرع وهو أنه لو توضأ وضوءه، ارتفع به حدثه كاملا وكان عليه جنابة، فغسل رجليه عنها، أو أكثر أسافل بدنه، أو غسل بدنه كله، إلا لمعة في أعالي بدنه، تركها عمدا، أو سهوا/، ثم لبس الخفين ثم تذكره فأكمل غسل الجنابة.

هل له أن يمسح تمسكا بأنه أدخل الرجلين طاهرتين أو لا؟ لأنه لم يكن جميع بدنه طاهرا، من نظر إلى الحديث الأول وحده، اقتضى جواز المسح، والذي يظهر لنا أنه لا يجوز، تمسكا بالحديث الثاني.

ويقول صفوان:

ص: 361

لكن من جنابة، ولم يقل من جنابة حادثة، فاقتضى أن ينزع من الجنابة مطلقا، سواء كانت قبل اللبس أم بعده/.

هذه المسألة ليست من غرضنا هنا، ولكنها فائدة سنحت فقيدناها.

الرابع: قد يقال التطهر: وإن كان مسندا إلى جميع البدن مطلقا يصدق على التطهر عن الحدث الأصغر، والتطهر عن الحدث الأكبر، ولا عموم فيه، فيصدق بأيهما كان، فإذا توضأ يصدق أنه تطهر، وإن كان عليه غسل الجنابة.

والجواب أن تطهر يقتضى رفع الحدث، والحدث أعم من الأصغر والأكبر، ورفع الأعم يقتضى رفع جميع أفراده، فلا يقال تطهر على الإطلاق، إلا لمن ارتفع حدثه كله، ولذلك يفهم من قوله تعالى:(لا يمسه إلا المطهرون) ومن قوله صلى الله عليه وسلم: " لا يمس القرآن إلى طاهر"

ص: 362

الطهارة عن الجميع.

الخامس: شرط المسح تقدم الطهارة، وبقاء حكمها، وهذا الأصل ينبني عليه الجواب، أما تقدم الطهارة فعنينا به تقدم الطهارة، على لبس الخف، على ما استقر في كلام الفقهاء بدليله وتفصيله.

وأما بقاء حكمها، فلأن الشرط معتبر مع الشروط والمشروط هو المسح، فجوازه مستند إلى الطهارة المتقدمة، وهو من آثارها فلو انقطع حكمها بالكلية، امتنع المسح، وانقطاع حكمها بالكلية، بأن تنقضي مدة المسح، وهو محدث، أو تطهر الرجل فإن المسح مشروط بالطهارة، وبدوام الساتر وبالمدة، فإذا زالا لم يبق للطهارة مطلقا وإن أوجب الحدث وضوءا جديدا، لأن جواز المسح من أحكامها مستفاد منها.

واقتضاء الحدث الطارئ للمسح، أو للتخير بينه وبين الغسل، أو

ص: 363

للغسل وإقامة المسح بدلاً عنه، إنما هو من آثار الطهارة الماضية، ولولاها لكان موجب الغسل عينا، فعلمنا أن الطهارة الماضية وإن طرأ الحدث عليها باقية الحكم، فيما يتعلق بالمسح معتبرة فيه محكوم بصحتها، ولا نقول بعد انقضاء المدة، وظهور الرجل، إن الطهارة تبطل أو انتهت نهايتها فاضبط هذا، فعليه مبنى الجواب.

السادس: لنا وجهان في الحدث، هل يقال إنه يبطل الوضوء أو لا؟ أصحهما لا يقال بطل، بل انتهى، كما ينتهي/ الصيام بالليل والثاني قاله ابن القاص إنه يبطل الوضوء بالحدث، ينبغي أن يكون معنى هذا، أن الوضوء هل أباح الصلاة دائما؟ أو إلى غاية وهي الحدث، فيقول ابن القاض مأخوذ من أنه أباحها دائما فالحدث أبطل الدوام، والأصح أنه أباحها إلى غاية، والوجهان نظير الخلاف في النسخ، هل هو رفع الحكم

ص: 364

الأول أو بيان لانتهاء مدته؟ وعلى القولين لا نقول إن الأول بطل بمعنى أنه تبين أنه لم يكن صحيحا، هذا لا شك فيه، ولا بمعنى أن الشارع الآن حكم ببطلانه فيما مضى.، بل يحمل قول ابن القاض على أنه بطل من الآن، أو يخرج على أن الفسخ رفع العقد، من أصله أو من حينه، فإن قلنا

ص: 365

من حينه فمن الآن، وإن قلنا من أصله، فنحكم الآن بإبطال ما مضى، وهو بعيد، لأنه كان يلزم عليه قضاء الصلوات الماضية وهو خلاف الإجماع المعلوم من الدين بالضرورة، فيتأول على أن المراد ارتفاع كل آثاره من الآن، بحيث لا يبقى منها شيء، ويكون هذا معنى الارتفاع من أصله، حتى ينتقض الملك في الزوائد، ولا نقول تبين أنها لم يحدث على ملكه بل هو انتقاض فيها.

السابع: حكم الشارع قد يكون بالصحة، وقد يكون بالبطلان ابتداء، وقد يكون بالإبطال بعد الانعقاد، وذلك في العقود بالفسوخ التي تحصل، إما من المتعاقدين ............................................

ص: 366

أو من الحاكم إذا تعذر الإمضاء ونحوه، أو بسبب حادث كتلف المبيع قبل القبض ونحوه، وذلك كله بأسباب حادثة لا ترجع إلى أصل العقد بوجه من الوجوه.

وأما في العبادات فلا يكون بسبب جديد إلا في أثناء العبادة، كما يطرأ في الصلاة، والصوم والحج، من المفسدات، من غير تعلق بضعف في ابتدائها ولا يكون بعدها، إذا مضت على الكمال أصلا، لكن إذا مضت على نوع من الضعف قد يطرأ بعدها ما يبطلها، مثاله: طهارة المستحاضة وطهارة المتيمم، لأنهما طهارتا ضرورة. أما طهارة المستحاضة فوضوء مع الحدث المضاد له، احتمل للضرورة فيبطل بالشفاء لزوال سببه/، وزوال السبب كزوال المسبب، فلا يبقى لوضوئها بعد شفائها أثر بالكلية، ولا يبطل بحدث آخر غير الاستحاضة، بل ينقطع حكمه بالنسبة إلى احتياجها إلى وضوء جديد، كما في غيرها.

وأما المتيمم فإن كان لإعواز الماء فيبطل تيممه، برؤية الماء، عند جمهور العلماء، خلافا لأبي سلمة بن عبد الرحمن.

ص: 367

وحجة الجمهور أنه أبيح له التيمم للضرورة، وقد زالت الضرورة، فصار وجودها كعدمها، وصار ما حصل بسببها كالعدم، فلا حكم له من الآن.

ثم فصل الجمهور في رؤية الماء، بين أن يكون قبل الصلاة أو فيها، ولم يفرقوا في شفاء المستحاضة، بل قالوا بالبطلان، فدل على أن رؤية الماء في الإبطال أضعف من الشفاء وإن كان التيمم لسبب غير الإعواز، كالمرض، والجرح، الجبيرة، والبرد، ونحوه، فيبطل بزوال هذه الأسباب، لأن زوالها بالنسبة إليه كرؤية الماء بالنسبة إليه، وفي كلتا حالتي، التيمم، لا يبطل حكمه بالحدث، كما قلناه في المستحاضة.

الثامن: مسح الخف رخصة شرعت إرفاقا، ليتمكن العبد بها من الجمع بين الاستكثار من عبادة ربه، والتردد في حوائج معاشه.

التاسع: الطهارة تطلق على الوضوء الرافع للحدث حقيقة، وتطلق

ص: 368

على الوضوء كيف كان، فيدخل فيه وضوء المستحاضة، وتطلق على التيمم وهل إطلاقها عليه بطريق الحقيقة أو المجاز؟ رجح النووي الأول وغيره الثاني.

العاشر: الغالب المعتاد من الطهارة هو الوضوء دون التيمم، فقوله صلى الله عليه وسلم:"إني أدخلتهما طاهرتين" الظاهر أن طهارتهما كانت بالوضوء وقوله: "إني أدخلتهما طاهرتين" الظاهر أن طهارتهما كانت الوضوء وقوله: إذا تطهر مطلق، فهل يحمل على إطلاقه ليشمل التيمم، إذا قيل إنه طهارة حقيقة، أو يحمل على الغالب، كما قيل به في الأصول؟ يحتمل أن يأتي فيه خلاف من ذلك والأصح الأول، تمسكا بإطلاق اسم الطهارة في الحديث الأول، وبالتعليل بمسمى الطهارة في الحديث الثاني.

الحادي عشر: المستحاضة وجد فيها وضوء كامل، واختلف في كونه يرفع الحدث على ثلاثة أوجه: أصحها لا يرفع بل يبيح، والثاني/ يرفع، والثالث يرفع الماضي دون الحال والمستقبل ............................

ص: 369

ولا شك أنها ترتفق بمسح الخف، فلهذه الأمور كلها، كان الأصح فيها، أنها تمسح على الخف، كما نقله الفارسي، في عيون المسائل عن النص، ورجحه الأكثرون.

وبناه بعضهم على أن طهارتها ترفع الحدث، والصحيح أنها تمسح، وإن قلنا لا يرفع حدثها لاحتياجها إلى ذلك، وارتفاقها به كغيرها، ولوجود صورة غسل الرجلين فيها، ولكنها لا يجوز لها ذلك، إلا في صلاة واحدة فريضة: وهي التي توضأت لها، وما شاءت من النوافل على المشهور، الذي

ص: 370

ادعى الغزالي الإجماع عليه وأراد إجماع الأصحاب خلافا لما حكاه بعضهم عن تعليق الشيخ أبي حامد أنها تستوفى مدة المسح.

وقال بعضهم: إني لم أجده في التعليق، ومستند المشهور أن وضوءها إنما أباح فريضة واحدة، فإذا حدث قبل فعلها غير حدث الاستحاضة مسحت على الخف، لأن حكم وضوئها باق في حق تلك الفريضة، فإذا صلتها فقد

ص: 371

انتهى حكم وضوئها في الفرض، فلا تمسح لفرض آخر، كما لا تمسح بعد المدة، ولو شفيت فكذلك على المشهور لا تمسح لتلك الفريضة التي توضأت لها، بل عليها استئناف وضوء جديد لأن تلك الطهارة بطلت بزوال سببها، كما يبطل التيمم برؤية الماء.

وعن بعضهم أنه طرد الخلاف في مسحها بعد الشفاء، ويجعل انقطاع دمها بمثابة الحدث، وهو بعيد لما قدمناه.

ص: 372

واستشكل بعضهم مسح المستحاضة، من جهة أنها تجب عليها المبادرة إلى الصلاة عقب الطهارة، وليس الخف يمنع المبادرة.

والجواب أن في وجوب المبادرة ثلاثة أوجه:-

والأصح الوجوب، ولكن زمن اللبس يسير لا يمنع المبادرة، ولو طال فقد يكون في زمن الاشتغال بأسباب الصلاة، وهي لا تمنع المبادرة قطعا.

الثاني عشر: المتيمم لإعواز الماء إذا تيمم عن جميع أعضاء الوضوء، ولبس الخف ثم رأى الماء وأحدث، إما قبل رؤية الماء، وإما بعدها، قبل أداء الفرض الذي تيمم له، هل يمسح لتلك الفريضة؟ وجهان أحدهما: وهو قول أبي العباس/ ابن سريج يجوز كالمستحاضة.

والثاني هو الصحيح الذي أطبق عليه الجمهور المنع، لأنه لم يغسل رجليه ولبس الخف على حدث، وبطل حكم تيممه برؤية الماء، فكان نظير شفاء المستحاضة بل أولى بالمنع، لأنها غسلت رجليها.

ص: 373

وأما ابن سريج فإنه يرى: أن التيمم يرفع الحدث في حق صلاة واحدة، فلذلك قال: إنها تمسح لوجوب طهارة الرجلين عنده، قبل إدخالها الخف، لكنا نبحث معه على ذلك، ونقول إنه وإن كان كذلك، فقد بطل برؤية الماء، فإن كان ابن سريج يقول إن وضوء المستحاضة يرفع الحدث، وأنها تمسح بعد الشفاء استقام مذهبه، أعنى في سلامته عن التناقض، ولكن لا يقوى قوله: في كون رؤية الماء، والشفاء غير مبطلين لأنها طهارة ضرورة فيزول حكمها بزوال الضرورة والمنقول عن ابن سريج القطع فيما إذا شفيت المستحاضة يمنع المسح، فيحتمل أن يكون ذلك تفريعا على مذهب الشافعي، ويكون اختياره لنفسه أنها تمسح، كالمتيمم ويحتمل أني فرق.

وحكى البندنيجي عن ابن سريج جواز مسح المتيمم بعد رؤية

ص: 374

الماء، ومنع المستحاضة بعد الشفاء وفرق بأن رؤية الماء أخف لأنها لا تبطل الصلاة في أثنائها.

قال ابن الرفعة وهذا منه تفريع على مذهبه، حيث نص على الحكمين فيهما، وإلا ابن سريج نفسه قائل باختيار التسوية بينهما، إذا حصلا في أثناء الصلاة وجعلهما على قولين.

واعلم أن المستحاضة عذرها يدون غالبا، واحتمال طريان حدث غير الاستحاضة قبل فعل الصلاة كثير، وإن لم يكن غالبا، فتجويز المسح فيه رفق بها، وهي محتاجة إليه، والماء موجود عندها في الحالتين. وأما المتيمم للإعواز فإن دام على حاله، فلا يتصور المسح في حقه، وإن (تيمم ثم) رأى الماء بطل تيممه، كشفاء المستحاضة، ولا حاجة به إلى تجويز المسح، لأنها حالة نادرة، لا تتكرر، بخلاف المستحاضة قبل الشفاء فإنها تتوقع مثل ذلك في وقت كل صلاة، وقد يفرض/ وجدان المتيمم مالا يكفيه.

ص: 375

ويكفي لغسل وجهه، ويديه، ومسح رأسه، ومسح الخف بغير زيادة، فلا شك أنه يحب تطهير الأعضاء الثلاثة، وتقديمها، لأجل الترتيب تفريعا على الأصح فيمن قدر على بعضه ما يكفيه.

وأما الرجلان فهل نقول يمسح على الخف بذلك القدر الذي بقى، ولا يكفي إلا المسح، أو يتمم عنهما؟ فيه نظر، والأقرب الأول، ففي هذه الصورة يمكن أن يقال بجواز المسح لكنها صورة نادرة، لندرتها سكت الأصحاب عنها.

الثالث عشر: إذا ضم الوضوء إلى التيمم، بأن كان به جرح أو جبيرة، فغسل الصحيح، وتيمم عن الجريح فقد جعله الأصحاب في جواز المسح على الخف كالمستحاضة وصورة الإمام فيما: إذا لم يكن برجليه جرح، وكان يتمكن من غسلهما، قال فعلى الوجه الذي يفرع عليه، إذا غسل الممكن وتيمم، فإن كان يصلي فريضة واحدة.

فلو لبس الخف وأحدث، فإن يغسل الممكن وتيمم، ويمسح ويصلي تلك الفريضة مع نوافل بلا مزيد ثم ينزع ويعود إلى أول أمره. انتهى كلام الإمام.

فلو كان الجرح في الرجلين أو أحدهما قال ابن الرفعة لا ينبغي أن يشك في جريان ما سلف، إلا أن يقال إنه يجب وضع اللصوق، وعند وضعه يجب استيعابه فلا يكفي مسح الخف، لأنه لا يشترط استيعابه. وإذا كان الجرح في غير الرجل كما صوره الإمام، قال ابن الرفعة أن الحدث عند الأصحاب يرتفع بغسلهما، مع تمام الطهارة بالتيمم، وفيما قاله: نظر، لأن الأصح أنه يجب إعادة غسلهما، فيحتمل أن يقال إنه ارتفع عنهما، ثم عاد فيما بعد العضو الجريح، كما يعود إذا ظهرت الرجل من الخف ويحتمل أن يقال ما ارتفع ويشهد له تشبيه الرافعي ذلك بما إذا أغفل لمعة من وجهه والأول أقوى،

ص: 376

ويكون مراد الرافعي التشبيه في أصل الإعادة، وإن افترقا في المأخذ.

الرابع عشر: إذا محض التيمم لسبب غير إعواز الماء قال الرافعي إنه كطهارة المستحاضة، في جواز ترتيب المسح عليه، فإنه لا يتأثر بوجدان الماء، لكنه ضعيف لا يرفع الحدث/ كطهارتها، وتبعه النووي في الروضة وقال في شرح المهذب إنه صرح به جماعة منهم: الرافعي لكني أنا لم أره بهذا الإطلاق في غير الرافعي.

وقال الإمام في صدر كلامه: لو تيمم الجريح ولبس الخف ففيه من الخلاف ما ذكرناه في المستحاضة، فيمكن أن يقول قائل: إن هذا الإطلاق يشمل ما إذا كان جريحا في جميع أعضاء الوضوء، ومحض التيمم عنها، وينزل كلام الرافعي على ذلك، أو يكون مثالا له لكن آخر كلام الإمام، يشير إلى أنه، ما أراد إلا من كان جريح بعض الأعضاء، وسواء وجد للرافعي متابع أم لم يوجد، فكلامه صحيح، للمعاني التي قدمتها، لأنه إنما امتنع عند التيمم للأعواز، لأن رؤية الماء تبطله، وإذ لم يوجد الماء فلا مسح، والتيمم لسبب غير الإعواز لا يبطله، إلا زوال ذلك السبب.

فإذا فرضنا بقاءه وأمكن امسح، فلا مانع منه، وصار كالمستحاضة. ولنرسم ذلك في مسائل.

منها ما قدمنا أن صدر كلام الإمام يشمله: وهو ما إذا كانت الجراحة عامة، لأعضاء الوضوء الأربعة، فتيمم عنها، ثم لبس الخف، ثم برأ وجهه، ويداه ورأسه ولم يبرأ رجلاه، وأحدث قبل أداء تلك الفريضة، فهاهنا، يغسل وجهه، ويديه، ويمسح رأسه ويمسح على الخف، ويصلى تلك الفريضة، وما شاء من النوافل، ويقول ببرء .....................

ص: 377

الأعضاء الثلاثة، بطل التيمم فيها فقط، ولا يبطل حكمه في الرجلين، لبقاء السبب فيهما.

ومنها إذا كان مريضا، مرضا يمنعه من استعمال الماء، في شيء من بدنه، فتيمم ولبس الخف، ثم قدر على استعمال الماء فيما سوى الرجلين، قبل الصلاة وأحدث، وهي كالمسألة المتقدمة.

ومنها: في مسألة البرد، التي تضمنها/ السؤال، وكذا المرض ونحوه، المعتبر عند الأصحاب في إباحة التيمم الخوف. والخوف قد يكون مع ظن ما يخاف منه، وقد يكون مع الشك دون الظن، بل قد يكون مع أن السلامة أغلب.

ولا شك أنه عند ظن ما يخاف منه، يحرم استعمال الماء، أما في الحالتين الأخريين، فالذي يظهر أن التيمم جائز، وأنه لو تكلف وتوضًا جاز، وبذلك كنت أمثل ـ قول منهاج البيضاوي (أو يباح كالوضوء، والتيمم) بهذا، فإن صحت هذه الصورة، فإذا تيمم لبرد أو

ص: 378

مرض ونحوه في حال يخاف من استعمال الماء التلف، ولا يظن، ثم لبس الخف ثم أحدث قبل الصلاة، والبرد والمرض باقيان، وخوف التلف مستمر، ولكن لا يظن التلف بل يشك أو يغلب السلامة، فأراد أن يتكلف ويستعمل الماء في الأعضاء الثلاثة، ويمسح على الخف، ينبغي أن يجوز كما قاله الرافعي.

ولكن لا نقل عندي في الصورة المذكورة، وفي ظني أنه مر بي في بعض كلام الأصحاب ما يخدشها.

ومنها: إذا كان معه ماء قليل يحتاج إليه للعطش فتيمم ولبس الخف، ثم أحدث قبل الصلاة، وأراد أن يستعمل ذلك الماء، بمثل ما فرضناه، ينبغي أن يجوز وإن كان في حالة يظن الهلاك بحيث يحرم عليه استعمال الماء، فعصى وغسل به وجهه، ويديه، ومسح رأسه، ومسح على الخف، كان عاصيا بذلك، ويصح المسح لأن المعصية خارجة عنه، وإنما يبطل حكم التيمم للبرد بالقدرة على الماء المسخن، أو تدفئة الأعضاء ونحو ذلك، مما فقده شرط في إباحة التيمم، ومتى دام الحال كذلك، ولم يمكن استعمال الماء تعذر المسح لا من جهة الشرع، بل من جهة الإمكان، هذا ما ظهر لي في ذلك. والله أعلم.

ص: 379