الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المسألة الثامنة
قال القاضي حسين في (تعليقه) في باب الإجارة فرع إذا قال رجل لآخر: احمل متاعي على دابتك، إلى موضع كذا، فحمله على دابته بنفسه، وساقها فتلفت الدابة في يد المالك في الطريق، فالضمان على صاحب المتاع، لأنه استعار منه دابته ونفسه، والمستعار مضمون على المستعير، إلا أنه لا يضمن صاحب الدابة إذا مات في الطريق، لأنه حر، والحر لا تثبت عليه اليد انتهى
هل صورة المسألة: أن صاحب المتاع قبضها منه، ثم أعادها إليه؟
ويكون الضمير في قوله فحمله عائد إلى صاحب المتاع وفيه بعد، أو إلى صاحب الدابة وهو المتبادر، وإذا كان كذلك فكيف يدخل في ضمانه، ولم يحصل في يده بوجه
الجواب (الحمد لله)
هذه المسألة في (التعليقة) كما ذكرتم، وفي التهذيب وفي الشرح الكبير للرافعي في الورقة الخامسة من كتاب العارية، في شرح قول الوجيز والمستعير كل طالب أخذ المال لحاجة نفسه.
قال الرافعي في آخره: ولو كان / لأحد الرفيقين في السفر متاع وللآخر دابة فقال: صاحب المتاع للآخر: احمل متاعى على دابتك. فأجابه، فصاحب المتاع مستعير لها.
ولو قال: صاحب الدابة: أعطني متاعك لأضعه على الدابة، فهو مستودع متاعه، ولا تدخل الدابة في ضمان صاحب المتاع، أورده في التهذيب.
هذا لفظ الرافعي، وذكرته أنا في المنهاج، وطكرت معه أن البغوي قال في (الفتاوى) فيما إذا ثال: لرجل احمل متاعي هذا على دابتك، فحمله
فتلفت، أن الأصحاب قالوا يضمن، وأن شيخه كان يوقل: الذي عندي أنه لا يجب عليه ضمان الدابة، لأن ضمان الدابة إما أن يكون باستعمال مال الغير أو بلد، لا جائز أن يقال بالاستعمال، لأن الاستعمال مأذون فيه، وباليد لا يجب الضمان، لأن الدابة في يد ما لكها فيما هو إلا إن استعان به في نقل متاعه إلى بلده، وبهذا لا يجب ضماندابته، فإنه إذا قال: خذ هذه الوديعة اجعلها في هذا الصندوق، ما قال أحد: إن الصندوق مضمون لأنه استعان بصندوقه في حفظ ماله.
قال: وفي الفتاوى للقاضي إن استعان بعبده وحماره في نقل متاعه، لا يضمن العبد والحمار، لأنه في يد المالك.
قال علي السبكي: وقد وقفت على ذلك في فتاوى القاضي حسين ونص كلامه:
مسألة ـ رجل استعان برجل، في نقل أمتعة إلى موضع بنفسه أو بحماره ففعل، ووضع الأمتعة على الحمار، وساق إلى باب دار الآمر، أجاب لا يكون مضمونا، لأن صاحب الحمار لم يسلط الآمر عليه، بل الحمار في يد المالك.
ولو استعان بحماره وعبده فساق عبده الحمار فكلاهما دخل في ضمانه، ويكون عاربة مضمونة تجب ضمان كل واحد إذا تلف.
ولو استعان بصاحب الحمار، فصاحب الحمار أناب عبده مناب
نفسه لا بأمر المستعير، والعبد وضع الأمتعة على الحمار، فمات العبد والحمار، لا يكون مضمونا، لأن الآمر ما استعار العبد، بل العبد في يد مالكه وكذا الحمار، هذا نص كلامه في الفتاوى، وهو مخالف لما قاله في التعليقة.
وقلت: في (شرح المنهاج) إن هذا حق / متى تلفت في يد مالكها لم يضمنها صاحب المتاع، لأنها ليست بعارية، إلا أن تفرض إعارة، وأن المستعير استعان بالمالك في تسييرها، فيحتمل أن يقال: إن المالك في هذه الحال نائبة عن المستعير، فيستعير ضمان العارية، ويحتمل أن يقال إن يد المالك لا تكون نائبة عن غيره، فلا ضمان إذا تلفت في يد مالكها.
ويشهد للأول أن في فتاوي البغوي أيضا: أنه لو استعار دابة ليحمل عليها متاعا، فقال المعير لغلامه احمل هذا المتاع على الدابة، واذهب به فحمل الغلام فهلكت في الطريق، قال: يضمن المستعير إذا حمل المعير المتاع بإذنه. انتهى.
وهو يقتضي أنه جعل اليد المستعير. انتهى ما ذكرته في ضرح المنهاج.
وقد علمت نقل الغوي عن الأصحاب الضمان، وقد يوافقه قول
صاحب التنبيه وإن تداعيا بعيرا ولأحدهما عليه حمل، فالقول قول صاحب الحمل مع يمينه.
قال ابن الرفعة لانفراده بالانتفاع به، قال القاضي أبو الطيب وابن الصباغ وهذا بخلاف ما لو تداعيا عبدا لأحدهما عليه قميص وسراويل، فإنه لا يحكم له، ومن انفرد بالانتفاع كانت اليد له، وليس كذلك العبد، فإن المنفعة هناك تعود إلى العبد، فلم يجعل يدا.
قال ابن الصباغ: ولأن الحمل لا يجوز أن يحمله على الجمل إلا بحق، ويجوز أ? يجبر لاعبد على لبس القميص، ومالكه وغير إذا كان عريانا، وبذله له. انتهى
فإن كانت صورة المسألة أكانا مع البعير أو كان الذي معه ليس
صاحب الحمل فهو يوافقه، لأن المتاع حينئذ سبب في اليد المضمنة. ولكني أخشي أن تكون ورة مسألة التنبيه فيما إذا كان في يدهما أولا يد لأحدهما عليه، وحينئذ يصح الترجيح بالمتاع، والرافعي ذكر في فروع آخر الدعاوى: ـ
فيما لو تنازعا دابة أو جارية حاملا، والحمل لأحدهما بالاتفاق، أنها في يده وأطلق، أو دارا ولأحدهما فيها متاع، والذي يظهر لي/ الآن أن حمل المتاع على الدابة تارة بقصد به التبرع بحمله فقط، كما يتبرع بحفظ الوديعة مع بقاء الدابة صاحبها، ومنافعها له، فلا ضمان، وتارة بقصد به التبرع بمنافع الدابة فيضمن، (وتارة يطلق وهو محتمل، والأقرب تنزيله على المعنى الثاني فيضمن).
وأما مسألة الوديعة التي احتج بها البغوي ففيها مرجح، لعدم الضمان ووهو لفظ الوديعة وإرادة القصد الأول وهذا يقتضي ترجيح الضمان عند الإطلاق، كما قاله الأصحاب والقاضي في التعليقة، ويخالفه ما قاله في (الفتاوى)
وما اخترته (في شرح المنهاج) لكن بالتفصيل الذ ذكرته والله أعلم.