الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المسألة الثانية والأربعون
المذهب الصحيح، أن الواجب في التكفين، ثوب واحد، وقد أشكل على المملوك، أن بعض الورثة، أو كلهم ـ على ما ارتضاه الشيخ أبو زكريا ـ إذا امتنعوا من الثلاثة، أجبروا عليها، وكيف يجبر الشخص على
المندوب، وهذا رجوع إلى الوجه الشاذ أن الواجب ثلاثة أثواب.
(وما الحكم يما لو مات ولم يخلف إلا صغارا، فهل يقتصر الولي على ثوب، أم يكفنه بثلاثة؟) والظاهر ـ من قولنا أن الورثة إذا منعوا بأجمعهم كفن بثلاثة ـ أنه يكفن هنا بثلاثة، وهو مشكل على المملوك، إذ مال الطفل لا يتسع للمندوبات، وما الدليل بأن الميت يقدم بالمندوبات على حق الورثة؟.
الجواب: (الحمد لله)
الثوب الواحد واجب لحق الله تعالى والثلاثة واجبة لحق الميت، لأنها لجمالة، كما يترك للمفلس دست ثوب يليق به، فهما حقان مختلفان، فلا تناقض، ولا نقول إن الثلاثة مندوبة، بل واجبة، إلا أن يسقطها الميت
بوصية، وما أجبرنا الورثة على مندوب، وإنما أجبرناهم على واجب عليهم لمورثهم.
وكيف يليق أنهم يشاحون/ أباهم، في ثيابه التي كان يقدم بها، في حال الحياة، وهم إنما يأخذون ميراثه فضلة عنه، وليس هذا رجوعا إلى الوجه الشاذ، أن الواجب ثلاثة أثواب، لأن ذلك الوجه يجعلها حقا لله تعالى.
ولو مات وخلف ورثة أطفالا، فالحكم كذلك، ليس للولي أن يقتصر على ثوب واحد، إذا لم يوص الميت به، بل يكفنه في ثلاثة ويكل الأطفال إلى الله، وهذا المعنى، أغنى عن الجواب، عن كون مال الطفل يتسع للمندوبات، فلا هذه مندوبات ولا هذا مال طفل، سالما عن التعليق به.
ومن الدليل على ذلك، أن مصعب بن عمير مات ولم يخلف إلا نمرة،
إذا غطوا بها رأسه بدت رجلاه، وإذا غطوا رجليه بدا رأسه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم (غطوا بها رأسه، واجعلوا على رجليه من الإذخر).
فانظر كيف كفنه النبي صلى الله عليه وسلم في الثمرة، وهي زائدة على ما يستر العورة؟ ولا مال له غيرها، ولم يقدم ورثته بالزائد على ساتر العورة، ولو جازت المضايقة في الزائد على الثوب الواحد، لجازت المضايقة في الزائد على ما يستر العورة.
وقوله: صلى الله عليه وسلم (في المحرم كفنوه في ثوبيه).
فقدمه على الورثة، ومن الدليل على ذلك، قوله: صلى الله عليه وسلم (ما تركناه صدقة) وقد كفن في ثلاثة أثواب، بإجماع الصحابة.
وقد ظهر بما ذكرناه أن قول السائل ما الدليل على أن الميت يقدم بالمندوبات؟ ليس لما بيناه أنها ليست مندوبات، بل واجبات لحقه، وإذا كان يقدم بها/ في حال الحياة على الغرماء فتقديمه بها بعد الموت على ورثته الذين هم فضلة عنه أولى.
والمختار أن الورثة كلهم، إذا أجمعوا على منعه من التكفين في الثلاثة لا يسمع منهم ويكفن فيها كما مال إليه النووي، وحجته ما قلناه، ولا يرد
على هذا قولنا: إن للغرماء نفعا منها، لأن حق الغرماء أكد، وهو نظر لحق الميت، لبراءة ذمته، وقد زال التجمل، وخرجت الذمة، فلا يتوقع الوفاء، بخلاف حال الحياة. والله أعلم.