الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المسألة الثامنة والثلاثون
قد ثبت في الصحيح، "من اقتنى كلبا إلا كلب صيد، أو ماشية" الحديث. هل يتعدد النقص، لو تعددت الكلاب التي لا منفعة فيها أم لا؟
الجواب (الحمد لله)
الذي يظهر عدم التعدد، أعني تعدد نقص قيراط بكل كلب، لكن يتعدد الإثم، فإن اقتناء كل واحد منهي عنه، فلا شك يأثم بالواحد إثما، وبالاثنين اثنين، وبالثلاثة ثلاثة وهلم جرا.
ولكن لا يمكننا أن نقول ينقص من أجره بالاثنين قيراطان، وبالثلاثة ثلاثة، لأن ذلك أمر تعبدي لا يعلم إلا من الشارع، ولا دلالة لكلام الشارع على التعدد في ذلك، فإن صيغة الحديث: "من اقتنى كلبا إلى كلب صيد
أو ماشية، نقص من أجره كل يوم قيراط" وهذه الصيغة بلفظها لا تدل على التعدد وبمعناها لا تدل أيضا، لأنه لا مجال للقياس فيه.
وإذا أردت أن تعلم أن لفظها لا يدل على ذلك فاعلم أمورا: أحدها: تأمل معنى الحديث تجد/ قوله صلى الله عليه وسلم (من اقتنى) صيغة عموم في الفاعل فكل مقتن داخل في ذلك. وقوله: كلبا مطلق لأنه نكرة في الإثبات، والنكرة قد يراد بها الواحد بقيد الوحدة وقد يراد بها الجنس ويظهر ذلك بسياق الكلام وإذا نظرت نصيب الكلام ومقصوده وجدته سيق لبيان حكم الفاعل المقتنى لهذا الجنس لا للواحد منه.
والجنس لا فرق بين القليل والكثير، وأكد إرادة الجنس الاستثناء منه، والواحد لا يستثنى منه.
وقوله: نقص من عمله، حكم على الفاعل المقتنى. وقوله: كل يوم قيراط بيان للنقص ووقته، وهو أعني، قوله: كل يوم ظرف إما للنقص، وإما للعمل وإما لهما وهو المراد إن شاء الله.
ولم يذكر وقت الاقتناء فلولا المعنى لكان اللفظ يقتضى أن من اقتنى كلبا، في أي وقت كان نقص من عمله دائما كل يوم قيراط سواء خرج عن اقتنائه أم لا؟
هذا وضع اللفظ إلا أن المعنى اقتضى التخصيص والمعنى استفدناه من ترتيب الحكم وهو النقص على الوصف وهو الاقتناء، وترتيب الحكم
على الوصف يشعر بالعلية والحكم يدور على علته وجودا وعدما، فمن اقتنى نقص من عمله ما دام مقتنيا، كل يوم قيراط، عملا باللفظ وبالعلة فإذا زال الاقتناء زال النقص، لأن العلة تقتضي زوال المعلول.
والحديث اقتضى العلية كما بيناه، فهو يقتضي الزوال عند الزوال بواسطة، فإذا عاد اقتناؤه لذلك الكلب أو لغيره مما نهى عنه عاد النقص عملا بالحديث والعلة، ومن اقتنى كلبين أثم إثمين ويعاقب في الآخرة عقابين/، وينقص من عمله كل يوم من أيام الاقتناء قيراط، ولا يمكننا أن نحكم بزيادة في النقص على ذلك لأنه لم يرد به توقيف وهذا لا قياس فيه بخلاف ما تقدم من العلة المستفادة من ترتيب الشارع الحكم على الوصف الثاني في الحديث (من غسل ميتا فليغتسل ومن مسه فليتوضأ).
ولم يقل أحد إنه إذا غسل ميتين يغتسل غسلين فعلمنا أن الصيغة لا دلالة لها على ذلك.
الثاني: أنه إذا زنا ثم زنا قبل أن يحد عن الأول لم يحد إلا حدا واحدا والإثم متعدد.
الرابع: إذا لبس المحرم ثم لبس في مجالس قبل أن يكفر عن الأول كفاه عنهما كفارة واحدة في القديم، والصحيح الجديد كفارتان وهذا لا يرد علينا، لأنه جناية على الحج، فلذلك تعدد كالجماع والصيد.
الخامس: من قتل قتيلا فله سلبه فلا شك أن من قتل قتيلين له سلبهما فإن الضمير في له سلبه يقتضي تعميم القتيل، ولأن المعنى أن ذلك جزاء القتيل، فيتعدد بتعدد سببه، وهو مما يدرك بالقياس، بخلاف نقص الأجر الذي لا يدرك إلا بالتعبد، لا سيما في القدر المخصوص.
السادس: (من عزى مصابا فله مثل أجره)، ولا شك أن من
عزى مصابين فله مثل أجرها، للأمرين المتقدمين من اللفظ والمعنى إما للفظ فلأن الضمير في أجر للمصاب فيعم للإضافة، وإما لمعنى فلأنه جزاء على إحسانه إليه، وجبره لقلبه عند انصداعه.