الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المسألة الخامسة والستون
قال الشيخ أبو محمد الجويني في كتابه (التبصرة) في الوسوسة، باب في الأبضاع والاحتياط فيها، أصول الكتاب والسنة والإجماع متطابقة على تحريم وطء السراري اللاتي تجلبن اليوم من الروم، والهند، والترك/ إلا أن ينتصب في المغانم من جهة الإمام، من يحسن قسمتها فيقسمها من غير حيف ولا ظلم، ثم بسط الكلام في الدليل على ذلك.
فما حكم هذه الجواري التي تجلب اليوم من تلك البلاد؟ لا سيما إذا قلنا بما جعله الرافعي المذهب، من أن الجماعة اليسيرة إذا دخلوا دار الحرب متلصصين وأخذوا أشياء كان غنيمة مخمسة، فإن الغالب الذي تجلب اليوم
إنما يؤخذ على هذا النحو، نعم الإمام وجماعة جعلوا المذهب، أن ذلك مختص به السارق، فلا يخمس، فعلى هذا فلا أشكال في حل ما أخذ سرقة.
والمسئول بيان ذلك، وما الراجح دليلا في أن ذلك غنيمة مخمسة أم لا؟ مع أن ترجيح الرافعي بأنه غنيمة، يخالف قوله: بأن الغنيمة مال حصل من الكفار بالقتال والإيجاف، إذ الفرض أن ذلك أخذ خفية على وجه السرقة.
الجواب: (الحمد لله)
كتاب (التبصرة) المذكور للشيخ أبي محمد من أحسن الكتب وهو رد في نوعه، وقد رخص في أثناء كلامه في ذلك، إذا حصلت قسمة، ولو من محكم إذا جوزنا التحكيم، ورخص أيضا، في تزوجهن بعد العتق، بإذن القاضي والمعتق، وختم الكلام بأن الاحتياط في عصرنا اجتنابهن مملوكات وحرائر، ولا شك أن الذي قاله الورع.
وأما الحكم اللازم فأقول والحمد لله: الجارية المجلوبة إما أن يعلم حالها أو يجهل، فإن جهل فالرجوع في ظاهر الشرع إلى اليد، إن كانت صغيرة وإلى اليد وإقرارها إن كانت كبيرة، واليد حجة شرعية والإقرار، ولا يخفى مع
ذلك أن الورع مستحب، وإن علم حالها فهو أنواع أحدها: من يتحقق إسلامها في بلادها وأنه لم يجر عليها رق قبل ذلك، فهذه لا تحل بوجه من الوجوه إلا بزواج بشروطه.
الثاني: كافرة ممن لهم ذمة أو عهد، فكذلك.
الثالث: كافرة: من أهل الحرب مملوكة، لكافر حربي أو غيره فباعها فهي حلال لمشتريها.
الرابع/: كافرة: من أهل الحرب قهرها أو قهر سيدها كافر آخر، فإنه يملكها كلها، ويبيعها لمن شاء، وتحل لمشتريها، وهذان النوعان: الحل فيهما قطعي، وليس محل الورع، كما أن النوعين اللذين قبلهما الحرمة فيها قطعية.
النوع الخامس: كافرة من أهل الحرب لم يجر عليها رق أخذها مسلم فهذا على أقسام: أحدها: أن يأخذها جيش من جيوش المسلمين بإيجاف خيل أو ركاب فهي غنيمة، أربعة أخماسها للغائمين، وخمسها لأهل الخمس، المذكورين في سورة الأنفال وهذا لا خلاف فيه.
وغلط الشيخ تاج الدين الفزاري ............................
فقال إن حكم الفئ والغنيمة راجع إلى رأي الإمام يفعل فيه ما يراه مصلحة، وصنف في ذلك كراسة سماها:(الرخصة العميمة في أحكام الغنيمة) وانتدب له الشيخ محيي الدين النووي فرد عليه في كراسة أجاد فيها، والصواب معه قطعا، وقد تتبعت غزوات النبي صلى الله عليه وسلم وسراياه فكلها مما حصل فيه غنيمة أو فئ قسم وخمس على ما دل عليه الكتاب.
وكذلك غنائم بدر وإن كان قد جعلها لرسول بقوله (قل الأنفال لله والرسول) وقسمها رسول الله صلى الله عليه وسلم وأعطى منها سبعة أو ثمانية لم يحضروا الواقعة لأنها كانت له، ومع ذلك أعطاهم من نصيبه، (وقال
الشافعي إن الأول هو الرواية الظاهرة عنده) ونزل بعد ذلك قوله تعالى: (واعلموا أن ما غنتم من شيء فإن لله خمسة) الآية فما أعطى رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد ذلك أحدا لم يشهد الواقعة، سهما من أربعة أخماس الغنائم، ولا أخرج الخمس عن أهله ومن تتبع السير، وجد ذلك فيها مبينا مفصلا، (ولو قال الإمام من أخذ شيئا فهو له لم يصح).
القسم الثاني: أن ينجلى الكفار عنها بغير إيجاف من المسلمين، أو يموت عنها من لا وارث له من أهل الذمة وما أشبه ذلك.
فهذه فئ يصرف لأهله الذين ذكرهم الله في سورة الحشر، والخمس منه، لأهل الخمس، والأربعة الأخماس للشافعي فيها اليوم قولان أصحهما أنها للمقاتلة، والثاني أنها للمصالح، فالجارية التي تؤخذ/ من
الفيء على هذا الحكم، فكل جارية علم أنها من غنمية أو فئ لا تحل حتى تملك من كل من تملكها من أهل الغنيمة أو من المتولى عليهم، أو الوكيل عنهم، أو ممن انتقل الملك إليه من جهتهم، ولو بقى فيها قيراط لا يحل حتى يتملكه ممن هو له.
القسم الثالث: أن يغزو واحد أو اثنان بإذن الإمام فما حصل لهما من الغنيمة يختصمان بأربعة أخماس ويأخذ أهل الخمس منه الخمس الباقي، هذا مذهبنا ومذهب جمهور العلماء فلا فرق بين أن تكون السرية قليلة أو كثيرة.
لأن النبي صلى الله عليه وسلم بعث ابن أنيس سرية وحده، وبعث عمرو بن أمية
الضمري مع أنصاري سرية وحدها، وبوب الشافعي على ذلك في (الأم) الرجل يغنم وحده وذكره الأصحاب: الشيخ أبو حامد والمحاملي، والماوردي والجرجاني والروياني وغيرهم.
القسم الرابع: أن يغزو واحد أو اثنان أو أكثر بغير إذن الإمام، فالحكم كذلك عندنا وعند جمهور العلماء، فيما يتعلق بالغنيمة وإن كان الغزو بغير إذن الإمام مكروها.
القسم الخامس: أن يكون الواحد أو الاثنان ونحوهما لسوا على صورة الغزاة، بل متلصصين فقد ذكر الأصحاب أنهم إذا دخلوا بخمس ما أخذوه على الصحيح، وعللوه بأنهم غرروا بأنسهم فكان كالقتال، وهذا التعليل يقتضى أنه لم ينقطع في الجملة عن معنى الغزو، والإمام في موضع حكى هذا وضعه.
وقال إن المشهور عدم التخسيس، وفي موضع ادعى إجماع الأصحاب على أنه يختص به، ولا يخمس، وجعل مال الكفار على ثلاثة أقسام: غنيمة، وفيئا، وغيرهما كالسرقة فيمتلكه من أخذه قياسا على المباحثات، ووافقه
الغزالي على ذلك وهو مذهب أبي حنيفة، وقال البغوي إن الواحد إذا أخذ من حربي شيئا على جهة السوم فجحده أو هرب منه اختص به ويما قاله: نظر/، ويحتمل أن يقال يجب رده، لأنه كان ائتمنه فإن صح ما قاله البغوي، وافق الغزالي بطريق الأولى.
وقال أبو إسحاق إن المأخوذ على جهة الاختلاس ئ وقال الماوردي إنه غنيمة وما قاله الماوردي موافق لكلام الأكثرين وما قاله: أبو إسحاق إن أراد بالفئ الغنيمة حصل الوفاق، وإلا فلا وإن زعم أنه ينزع من المختس، ويعطي جميعه لغيره من المقاتلة وأهل الخمس فبعيد.
ورأيت في كتب المالكية من الغنيمة عن ابن القاسم في عبد لمسلم أبقى من سيده، فدخل بلاد العدو، وخرج طائعا بأموال أنها كلها له ولسيده، ولا يخمس. وفي عبد دخل قرية من قرى العدو متلصصا، فأخذ مالا يخمس، فقيل له ما الفرق؟ فقال إن الذي أبق لم يدخل ليصيب مالا ولا خرج ليقاتل، فلذلك لم أخمس ما أخذه بخلاف المتلصص وهذا فرق حسن لو قيل بأن من لم يكن على صورة الغزو ولا قصده البته يختص بما أخذه، ومن كان كذلك (يخمس ما أخذه، كان له) وجه، ولكن قوة كلام الشافعي
وجمهور أصحابنا يأباه، (ويجعلون مال الكفار كله) قسمين.
إما فيئا وإما غنيمة، لا ثالث لهما، إلا على ما قاله الإمام (والغزالي وهو وجه) لبعض الأصحاب.
وقال: سحنون من المالكية.
(إن ما أخذه العبد لا يخمس) مطلقا لأن المخاطب بقوله (واعلموا أن ما غنمتم ـ من شيء) الأحرار (وعلى قياسه يكون) ما أخذه النساء والصبيان كذلك.
فهذا القسم الخامس (من النوع الخامس) قد اشتمل على صور ولم يردها الأصحاب بل ذكروها (مدرجة مع القسم الرابع) فالجارية المأخوذة على هذه الصور فيها هذا الخلاف، واجتنابها محل الورع والله أعلم بالصواب.