الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المسألة الخمسون
ما الذي يترجح عند مولانا وسيدنا قاضي القضاة أعز الله الإسلام ببقائه، في قراءة القرآن وإهداء الثواب للميت؟ وقد نقل الحناطي عن بعض
أصحابنا أن القارئ إن نوى ذلك قبل قراءته، لم يقع، وبعده يقع، هكذا قال فهل لهذا التفصيل وجه مرجح، أم لا فرق؟
الجواب: (الحمد لله)
قد نص الشافعي والأصحاب على أنه يقرأ ما تيسر من القرآن، ويدعو للميت عقيبها، وفيه فائدتان: إحداهما أن الدعاء عقب القراءة أقرب إلى الإجابة والثاني ينال الميت بركة القراءة، كالحاضر الحي ولا أقول إنه يحصل له ثواب مستمع، لأن الاستماع عمل، والعمل منقطع بالموت.
وفائدة ثالثة، ذكرها الرافعي عن عبد الكريم الشالوسي، أنه إن نوى القارئ بقراءته أن يكون ثوابها للميت لم يلحقه، ولكن لو قرأ، ثم جعل ما حصل من الأجر له، فهذا دعاء لحصول ذلك الأجر للميت، فينفع
الميت واخترته: في "شرح المناهج".
وقلت إنه لا دليل على منعه، وحاصل ما أقوله: أنهما مسألتان إحداهما القراءة عن الميت، وذلك بأن ينوي بقراءته أن يكون للميت، كما يقصد ذلك بحجه عنه، وبصومه عنه، إذا جوزناه، والذي يقوي في هذه أنه لا يصل إلى الميت، لأنها عبادة بدنية، لا تقبل النيابة، وليست كالصدقة، ولا كالحج، ولا كالصوم الواجب على الميت، والفرق الحاجة إلى براءة ذمته، نعم لو كان نذر قراءة، ومات وهي عليه يحتمل/ أن يقال: يجوز أن تقرأ عنه فإن لنا في الصلاة وجها غريبا أنه يصلي عنه، فهذه مسألة برأسها في القراءة ولم نر أحدا يعلمها.
والمسألة الثانية: وهي التي عليها عمل الناس، أن يقرأ القارئ، ثم يسأل الله تعالى، أن يجعل ثواب تلك القراءة للميت، فالثواب قد حصل للقارئ، وسؤاله لله تعالى دعاء ترجى إجابته، وذلك لا يمنع منه.
ولا ينبغي أن يكون فيه خلاف.
فقد كان بعض شيوخنا يقول إذا كان له أن يسأل الله تعالى أن يعطيه ما ليس له، فلأن (يكون له أن) يسأله ما هو له أولى وأحرى. ويظهر من هذا أنا لا نجزم بوصول القراءة بذلك، بل هو إلى الله تعالى، إن استجاب الدعاء وصل وإلا فلا، وإن لم يحصل دعاء ولكن قال أهديت ثواب قراءاتي إلى الميت لم يصح، لأن ذلك تصرف في الثواب، من غير إذن من الشرع فيه.
وإذا أخذ على قياس الأمور الفقهية يقال إنه لم يتصل بالقبض، فلا يصح التصرف فيه، وقول الناس في كتب الأوقاف وغيرها ويهدي ثواب ذلك إلى الميت، مرادها به الدعاء، لأنه المعهود في العادة، والدعاء قد أجمعوا عليه
أعني على حصول المدعو به، إن استجاب الله. وأما ثواب الدعاء نفسه فللداعي، والتفرقة بين أن ينوي قبل القراءة، أو بعدها، ينبغي أن يحمل على ما قاله: الشالوسي، فإن النية قبل القراءة أو معها، تحقق النيابة عن الميت، وقد قدمنا. ومجرد النية بعدها/، لا ينقل الثواب، وقد قلنا، إن مجرد الإهداء بغير الدعاء، لا ينقله، فالنية أولى أن لا تنقله.
وقد رأيت المسألة في فتاوي أبي عبد الله الحناطي قال: قال الشيخ دوير الكرخي، سمعت شيخي عبد الكريم الشالوسي يقول: إن القارئ إذا نوى بقراءته أن يكون ثوابها للميت لم يلحقه، إذ جعل له قبل حصوله، وإن قرأ ثم جعل ما حصل من المثوبة للميت تبلغه، فصارت أربع مسائل.
أحدهما النية قبل القراءة، أو معها، لا يكفي باتفاق أصحابنا، الثانية مجرد النية بعدها لا يكفي، ولم نر من قال: يكفي، إلا ما تضمنه السؤال، والظاهر أنه وهم على الشالوسي، الثالثة، جعله للميت وهو زائد على النية،
وهو مسألة الشالوسي والظاهر أنه لا يشترط الدعاء، الرابعة الدعاء، وهو الذي نقوله نحن ونختاره، وعليه العمل.
والمشهور عن الإمامين، مالك، والشافعي، عدم وصول القرآن إلى الميت، وعن الإمام أبي حنيفة، وأحمد وصوله، فإن حمل محل الخلاف، على المسألة الأولى اتجه، وكان الثاني جائزا، مع أن السلف لم يفعلوا ذلك، وإنما كثر في الأعصار المتأخرة، وذلك لا يرد ما اقتضاه الدليل، والتفصيل الذي قدمناه.
وقوله تعالى: (وأن ليس للإنسان إلا ما سعى) عنه أجوبة، منها: أن إيمانه الذي اكتسبه به مودة القارئ ودعاءه من سعيه، ومنها، أن هذا ليس له، ولكنه شيء، أهدى إليه.