الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المسألة الثامنة عشرة
قال العلامة تاج الدين بن يونس، في كتابه الإبريز، في شرح الوجيز، في آخر كتاب الضمان: خاتمة، اثنان عليهما عشرون درهما، وكل واحد منهما ضامن للآخر، فقال لهما الدائن: أبرأتكما من عشرة، يبقى عليهما بالأصالة خمسة عشر.
ووجهه ثم قال: قال شيخي كمال الدين موسى رحمه الله: ويحتمل فيما بقى بالكفالة ثلاثة أوجه، لأن سقوط خمسة من الأصالة، يقتضى سقوط خمسة من الكفالة، ثم يحتمل حصر هذه الخمسة الساقطة، بهذا الطريق في الخمسة الساقطة بالتوزيع، ويحتمل حصرها في غيرها.
ويحتمل جعلها منهما، وكل احتمال له وجه وشبه، هذا بما إذا وهبته نصف الصداق، ثم طلقها، وقلنا: الهبة تمنع الرجوع، فإن في وجه ينحصر في نصيبه، وفي وجه في نصيبها وفي وجه يشيع. انتهى.
وقع السؤال عن هذه المسألة، وعلم ما ذكره من براءة المقربين من خمسة الأصالة، وأما خمسة الكفالة، فلم يتحرر للمملوك الراجح، من الاحتمالات التي ذكرها، والمتبادر الأول.
والمسئول بيان ذلك، وإيضاحه، والراجح منه، وبيان صحة التشبيه ووجهه.
الجواب (الحمد لله)
ينبغي أن يضبط أمران أحدهما: أن الدين الذي على الأصل، وهو الذي على الكفيل لا غيره، والذمتان مشغولتان به، كالرهنين بدين واحد، ونظيره، فرض الكفاية واحد، متعلق بجماعة فليس على الاثنين في هذه المسألة أربعون بل عشرون فقط.
وهي لازمة لكل منهما، لكن الجهة مختلفة، فعلى أحدهما عشرة أصالة، وعشرة كفالة، وعلى الآخر تلك العشرة الأصالة كفالة، وتلك العشرة الكفالة أصالة، فالعشرون، على كل منهما تعددت، بحسب التعلق، لا
بحسب الذات، ولهذا يقول الفقهاء: الضمان ضم ذمة إلى ذمة.
ومن يراعى الاشتقاق يقول: الضمان جعل ما على الأصيل في ضمن ذمة/ الكفيل، وليس حقيقة إلا توثقا كالرهن، ومن ظن أن الذي على الأصيل غير الذي على الكفيل فهو واهم.
الأمر الثاني: فرع ما ذكرته في آخر كتاب الضمان من شرح المنهاج: لو كان عليهما عشرة، وهما متضامنان، فأدى أحدهما خمسة، وإن أداها عن نفسه، أو عن صاحبه، أو عنهما فلا يخفى الحكم، وإن أطلق.
قال ابن أبي هريرة: يكون بينهما مقسطا.
وقال أبو علي الطبري يصرفها، إلى ما شاء منهما، والاعتبار بنية المؤدى، والقول قوله بيمينه. ولو أبرأ المستحق أحدهما عن خمسة، فالاعتبار بنية المستحق، والقول والحكم على ما سبق في الأداء.
وإذا عرف هذان الأمران، قياس قول أبي على الطبري الرجوع إلى المشترى، ليصرفها إلى ما شاء عند الإطلاق، ومقتضى ما تقرر في باب الرهن أنه الأصح، وهو قول أبي إسحاق وهو نظير ما قبل في الطلاق.
فعلى هذا لا يأتي قول ابن يونس إلا إذا تعذرت مراجعته، ويقبل قوله بيمينه، إن قال إنه نوى شيئًا يخالف الإطلاق، ومحل ذلك في توزيع العشرة على الأصالة والكفالة، مع انقسامها بالسوية، بين الضامن والأصيل.
أما لو أراد (تخصيص أحدهما بها)، فلا تقبل قطعا، لأنه مخالف لصريح مخاطبتها بالإبراء.
ولو أراد المفاوتة بينهما ليبرأ، أحدهما من أقل من خمسة، والآخر من أكثر من خمسة، هل يسمع؟ فيه نظر مذكور في كتاب الرهن عن الصيدلاني في حكاية قول ابن أبي هريرة.
والأقرب عندي عدم السماع، وقياس قول ابن أبي هريرة أنه هنا إذا أطلق، ولم تكن له نية، تكون العشرة مقسطة، بين الأصالة والكفالة بالسوية، وهي مقسطة، بين الضامن والأصيل، كما قدمناه، فيصير كأنه قال: لكل منهما أبرأتك عن خمسة، نصفها عن الأصالة، ونصفها عن الكفالة.
وعلى هذا بنى ابن يونس كلامه، أو على ما إذا تعذرت المراجعة، ولا يقال: إن الدين إذا كان واحدا، في ذمة الأصيل والكفيل/، يلزم أن تكون خمسة على كل منهما عن الأصالة، فيلزم براءتهما عن عشرة لأنا نقول: هو وإن كان واحدا بالذات، فقد تعدد بحسب التعلق كما قدمناه.
وكذلك يصح أن يبرأ عن أحدهما، دون الآخر، ويتأجل أحدهما، دون الآخر، فلا يبرأ كل واحد منهما بذلك، من دين الأصالة، إلا عن نصف الخمسة، وبذلك يصح الجواب، أن الباقي عليهما بالأصالة خمسة عشر، على كل واحد نصفها.
وأما الباقي بالكفالة، فقد ذكر كمال الدين موسى رحمه الله الاحتمالات الثلاثة.
ومقصوده: أنه على الاحتمال الأول، يكون الباقي بالكفالة خمسة عشر أيضا بينهما بالسوية، والساقط هو الخمسة التابعة لخمسة الأصالة الساقطة.
ومأخذه، حصر الخمسة الساقطة، المبرأ منها بالكفالة، بالخمسة الساقطة بالتبعية، ولكن هذا ضعيف، وإن تضمن السؤال أنه المتبادر، وإنما قلنا إنه ضعيف، لأن الخمسة الساقطة بالتبعية سقوطها معلول، لسقوط خمسة الأصالة المعلول للإبراء.
فهي متأخرة عنه بمرتبتين، والإبراء متوجه بذاته على خمسة من الكفالة يقتضى أن تكون معلولة له متأخرة عنه بمرتبة واحدة، فسقوطها أسبق من سقوط الخمسة التابعة، وعلى الاحتمال الثاني، يكون الباقي بالكفالة عشرة، ومأخذه، حصر الخمسة في غيرها، لما ذكرناه.
وعلى الاحتمال الثالث، يكون الباقي بالكفالة التي عشرة ونصفا، ولا يخفى توجيهه مما سبق.
ولولا ما لاحظناه من التعدد بحسب التعلق، لكان يتجه أن يقال: يسقط من دين الأصالة عشرة، ومن الكفالة مثله، وبقى بهما عشرة، لأنه دين واحد، لكن جوابه، ببيان التعدد في التعلقات، كما سبق.
وأما التشبيه بما إذا وهبت نصف الصداق قبل الطلاق فحسن، لكن
الفرق بينهما ما ذكرته: من توجه الإبراء إلى خمسة من الكفالة، يصح الإبراء منها.
ومسألة الصداق أصلها في هبة الكل مشكل، حتى قال الغزالي إن مذهب أبي حنيفة/ أحسن وأعدل. ومذهب الشافعي أقيس، وكل منها متجه للصواب، ذكر الغزالي ذلك في كتاب التحصين.
وتوجيه مذهب الشافعي الإجماع، على أنه: إذا تعذر رد النصف، وجب بدله، فكذلك قال: يرجع إذا وهبت الكل، وله قول آخر أنه لا يرجع فعلى هذا إذا وهبت النصف فثلاثة أقوال:
أصحها أنه لا يرجع، ويجعل كأنه تعجل حقه، والثاني يرجع في النصف الباقي، الثالث يشيع فيأخذ الربع، وبدل الربع الآخر.
ولتقرير هذه الأقوال: موضع غير هذا على إشكالها ومسألتنا أوضح منها وأبين وأبعد مأخذا عن تلك.
وفي مسألتنا شبه من مسألة أخرى، وهي إذا قال: أحد الشريكين للعبد المشترك أعتقت نصفك، فقولا الحصر والإشاعة، أحدهما ينحصر في نصيبه، (والثاني يشيع، فيعتق نصف نصيبه)، فإن كان معسرا، سرى إلى بقية نصيبه فقط.
وإن كان موسرا، سرى إلى بقية نصيبه، ثم إلى نصيب شريكه، وعلى القولين لا ينفذ عتقه في نصف نصيب شريكه، استقلالا، بل بطريق السراية، لأنه تصرف في غير الملك.
وإذا عرف ذلك، فمسألة الضمان، المستحق قادر على الإبراء، من دين الكفالة استقلالاً، وقادر على الإبراء منه تبعا، بالإبراء من أصله وبهذا فارق مسألة العتق، من بعض الوجوه، وساواها من بعض، لأن الشريك قادر على عتق نصيب شريكه، تبعا بالسراية.
فإذا أطلق المستحق الإبراء في الضمان، ينبغي تنزيله على ماله أن يفعله استقلالا، ولا ينزل على ما يفعل تبعا، أو يشيع بينهما كما لم يعمل ذلك في العتق، وبهذا تبين ضعف ما قاله ابن يونس، وأن الراجح أنه: يسقط عشرة من الكفالة، ويبقى عشرة، ويبقى من الأصالة خمسة عشر، منها، خمسة بلا كفالة، وعشرة مكفولة، والله أعلم.