الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المسألة الخامسة والعشرون
وقع للمملوك فيما مع من فتاوي القفال رحمة الله، في آخر مسالة، أولها: إذا وقف داره على مسجد لم يصح، ما لم تبين جهة الوقف على ماذا؟ هذا لفظه، أما إذا وقف كتابا على عامة المسلمين، واشترط في الوقف أن لا يعار على أحد من المسلمين إلا برهن، فإنه ليس للقيم أن يعيره إلا برهن، ويكون هذا الشرط ثابتا. انتهى.
وقد رأى المملوك ما كتبه مولانا قاضي القضاة على ذلك في شرح المهذب، وهو في غاية النفاسة، ولكن بعد عهد/ المملوك به، وسؤال المملوك بيان ذلك، وظن المملوك أن كلام القفال موافق له في المعنى، وليس فيه ما يقتضي صحة الرهن بالأعيان.
الجواب (الحمد لله)
رأيت كلام القفال هذا، وهو موافق لما قلته في شرح المهذب، ولم أكن
وقفت عليه قبل ذلك، وإنما قلته تفقها، ونص ما قلته في شرح المهذب، فرع: حديث في الأعصار القريبة، وقف كتب يشترط الواقف أن لا يعار إلا برهن، أو لا يخرج من مكان تحبيسها إلا برهن، أو لا تخرج أصلا.
والذي أقول في هذا: أن الرهن لا يصح بها، لأنها عين مأمونة في يد موقوف عليه، ولا يقال لها عارية أيضا، بل الآخذ لها إذا كان من أهل الوقف مستحق للانتفاع، ويده عليها يد أمانة، فشرط أخذ الرهن عليها فاسد، وإن أعطاه كان رهنا فاسدا، وتكون في يد خازن الكتب أمانة، لأن فاسد العقود في الضمان كصحيحها، والرهن أمانة، هذا إذا أريد الرهن الشرعي، وإن أريد مدلوله لغة، وأن يكون تذكرة، فيصح الشرط، لأنه غرض صحيح، وإذا لم يعلم مراد الواقف، فيحتمل أن يقال: بالبطلان في الشرط المذكور حملا على المعنى الشرعي ويحتمل أن يقال بالصحة حملا على اللغوي، وهو الأقرب، تصحيحا للكلام ما أمكن، فإذا قال لا يخرج إلا برهن، وحملنا الرهن على المعنى اللغوي، صح الشرط، وجاز إخراجها به، ولم يجز بدونه، وإن حملناه على المعنى الشرعي لم يجز إخراجها به لتعذره ولا بدونه، إما لأنه خلاف شرط الواقف، وإما لفساد الاستثناء، فكأنه قال: لا يخرج مطلقا، ولو قال ذلك: صح، لأنه شرط فيه غرض صحيح، لأن إخراجها مظنة ضياعها، بل يجب على ناظر الوقف أن يمكن كل من يقصد الانتفاع بتلك الكتب في مكانها وفي بعض الأوقاف يقول لا يخرج إلا بتذكرة، وهذا لا باس به، ولا وجه لبطلانه، وهو كما حملنا عليه قوله: إلا برهن، في المدلول اللغوي فيصح، ويكون المقصود أن تجويز الواقف/ الانتفاع لمن يخرج به مشروط، بأن يضع في خزانة الكتب ما يتذكر هو به إعادة
الموقوف، ويتذكر الخازن به مطالبته، فيبغي أن يصح هذا، ومتى أخذه على غير هذا الوجه الذي شرط الواقف فيمتنع، ولا نقول بأن تلك التذكرة تبقى رهنا، بل له أن يأخذها، وإذا أخذها طالبه الخازن برد الكتاب، ويجب عليه أن يرده أيضا بغير طلب، ولا يبعد أن يحمل قول الواقف الرهن على هذا المعنى حتى يصحح، إذا ذكره بلفظ الرهن، تنزيلا للفظه على الصحة ما أمكن، وحينئذ يجوز إخراجه بالشرط المذكور، ويمتنع بغيره، لكن لا يثبت له أحكام الرهن، ولا يستحق بيعه، ولا بدل الكتاب الموقوف، إذا تلف بغير تفريط، ولو تلف بتفريط ضمنه، ولكن لا يتعين ذلك المرهون لوفائه، ولا يمتنع على صاحبه التصرف فيه، وهذا الذي ظهر لي في ذلك، ومما ينبه له: أنا حيث قلنا لا يجوز، إخرجها برهن، ولا بدونه، فأخرجها برهن صح الرهن، بناء على صحته بالأعيان المضمونة، لأن الكتاب بالإخراج حيث لا يجوز صار مضمونا، لكن بشرط أن يكون القابل للرهن له أهلية القبول فإن فرض أنه المخرج، فقد شارك في الضمان، وربما انعزل بذلك عن أهلية النظر، وقبول الرهن، وما أحسن قول الغزالي: الرهن وثيقة دين في عين. انتهى كلامي في شرح المهذب.
وموافقته للقفال في قوله: إنه ليس للقيم أن يعيره إلا برهن، وإن لم يبين حكم ذلك الذي سماه رهنا.