الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المسألة الحادية والعشرون
رجل بعث إلى آخر جارية، فماتت عنده، فقال باعثها: إنما بعثتها إليك لتشتريها، وقال المبعوث إليه، بل هدية، فمن المصدق؟ وهل هذا كما لو قال: بعتكه فقال: بل وهبتنيه أم لا؟ للاتفاق هناك على نقل الملك، (والمسئول بيان ذلك).
ورأى المملوك على بعض نسخ فتاوي البغوض، أنه سئل عن جارية مميزة، جاءت إلى رجل،/ فقالت: إن سيدي بعثني إليك هدية، (فهل له قبول خبرها بذلك؟ كما لو بعث على يدها هدية)، أجاب نعم، له قبولها، والتصرف فيها بذلك، وربما قال: والاستمتاع بها، هذا معنى كلامه.
وقد استبعده المملوك غاية البعد، فهل الأمر كما ذكر؟ ولعل هذا النقل غير صحيح، أم الحكم كذلك؟ كما لو بعث على يدها هدية.
الجواب (الحمد لله)
أما المسألة فيسبق إلى الذهن أن القول قول الباعث، لأنه الدافع، وهو
أعلم بنيته، لكن دعواه السوم، يقتضي تضمين القابض، والأصل عدمه، وجعل القابض مستاما من غير قصده السوم، ولا ما يدل عليه بعيد، وقبول قول القابض في الهدية لا يمكن أيضا.
فلو كانت الجارية موجودة أمرناه بردها، بعد تحليف كل منهما، وجعلها أمانة، أما ردها فلعدم ثبوت الملك، وأما الأمانة فلأن القبض حصل بالإذن، ولم يعترف القابض أنه قبض لغرض نفسه، حتى يضمنه، فلم يبق إلا مجرد الإقباض وهو غير مضمن، فينزل على أقل الدرجات، وهو الوديعة.
لكن الجارية قد تلفت، فإذا ادعى الباعث قيمتها بحكم السوم، حلف القابض على نفيه وبرئ عنها، وإن ادعى القابض الهدية، فلا فائدة في دعواه بعد موتها، نعم قد يختلفان فيما عساه، يدخل في ملك سيدها بعد موتها، من جهتها، فإذا حصل التداعي لذلك، حلف كل منهما على نفي ما يدعى عليه، وحكم بأنها، وما حصل بسببها للباعث.
وأما مؤنة التجهيز فكل منها قوله: يقتضي أنها عليه، فإن حلف كل منهما حيث يسوغ التداعي وحكم بأنها للباعث اختص بها.
وأما كون هذه المسألة كاختلافهما في البيع والهبة فلا، لأن هناك اختلافًا في عقد واتفقا على ملك وهنا لم يختلفا في عقد ولا/ اتفقا على ملك وإنما اختلفا في قصد، والقول قول مدعيه إلا في التضمين المستدعي زيادة على قصده.
ولا يرد على هذا قبول الأصحاب دعوى الراهن الإقباض عن العارية، لأنا نحمله على أنهم أرادوا قبول قول، في أن القبض ليس من جهة الرهن، أما إيجاب الضمان فبعيد، لأن العارية تستدعي عقدا، ولا يرد أيضًا قبولهم قوله في أحد الدينين، إذا لم يقصد القابض القبض عن الدين أصلا، لأنا نقول إذا كان حيث يجبر على قبول الدين، لم يلتفت إلى عدم قصده.
أما إذا كان حيث لا يجبر فينبغي أن لا يدخل في ملكه، إلا برضاه، والأصحاب لم يصرحوا في هذه الصورة بشيء، ولكن إطلاقهم يقتضي القبول، والإمام استشكل القبول وأطلق هذا الاستشكال أيضا، والصواب عندي التفصيل الذي ذكرته.
وأما المسألة الثانية: فإن احتف بخبر المميزة قرائن تفيد العلم بصدقها، فلا شك في قبولها والتصرف فيها، والاستمتاع بها، وقد حكى الإجماع على أنه يحل للزوج الإقدام على وطء الزوجة، التي زفت إليه ولم يرها قط قبل ذلك، بل عقد عليها هو أو وكيله في الغيبة، ولكنه اعتماد على النسوة اللاتي معها، والقرائن المحتفة بذلك.
وهذا الإجماع المحكى لا شك فيه، فهو معلوم من عمل الناس، من لدن النبي صلى الله عليه وسلم إلى اليوم، وإن لم تنته القرائن إلى حد إفادة العلم، بل حصل غلبة الظن فكذلك، ويحل الاستمتاع والوطء لغلبة الظن، وإن حصل/ ظن الصدق مستندا إلى خبرها فقط، من غير قرينة جاز قبولها، والتصرف فيها، لإطلاق الأصحاب جواز قبول الخبر في حمل الهدية.
وأما الاستمتاع والوطء فينبغي أن يتوقف فيه، على قرينة احتياطا للأبضاع، وبدون ظن الصدق لا يحل الوطء، ويجوز القبول إذا لم يظن الكذب، لأن الظاهر الصدق في الخبر. والله أعلم.