الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المسألة الثالثة والخمسون
نقل الروياني عن والده رحمهما الله تعالى، أنه إذا شرع المسافر في صوم رمضان ونذر إتمامه، أنه لا يلزمه، فإن إيجاب الشرع أقوى، والإتمام غير واجب، وكما لو نذر أن يقصر الصلاة أو يتمها، فإن الحكم لا يتغير بنذره، فإن الشارع لم يوجب أحدهما معينا، فلم يصح التعيين فيه، لجهة النذر. انتهى.
هل هذا الذي ذكره متفق عليه؟ وهل ينقدح خلافه؟.
الجواب: (الحمد لله)
قد حكى الرافعي وجهين، فيما لو نذر أن لا يفطر في السفر في رمضان، أحدهما: ونسبه إبراهيم المروزي، إلى عامة الأصحاب، أنه لا ينعقد نذره، وله أن يفطر إن شاء لأن في التزامه إبطال رخصة الشرع.
وقد قال فيه صلى الله عليه وسلم (إن الله تصدق عليكم فاقبلوا صدقته) والثاني: وهو اختيار صاحب التهذيب، وشيخه القاضي انعقاده، ووجوب الوفاء، كما في سائر المستحبات.
قال وكذلك الحكم: فيما إذا نذر إتمام الصلاة/ في السفر، إذا قلنا إن الإتمام أفضل، ثم قال: وذكر الإمام على مساق الوجه الأول، أنه إذا نذر المريض أن يقوم في الصلاة، ويتكلف المشقة، لم يلزمه الوفاء، وأنه لو نذر صوما، وشرط أن لا يفطر بالمرض لم يلزمه الوفاء، لأن الواجب بالنذر لا يزيد على الواجب شرعا والمرض يرخص فيه. انتهى.
فالصورة التي ذكرها الروياني، لا شك أن صاحب التهذيب وشيخه يخالفان، ويقولان: إنه يلزم الإتمام، ومحل ذلك حيث يكون يطيقه، حتى يكون الإتمام أفضل وأما على الوجه الأول، المنسوب إلى عامة الأصحاب،
فقد علمت تصريحهم، بأنه لا ينعقد نذره، لما فيه من إبطال الرخصة، فيحتمل، أن يقولوا بذلك في الصورة التي ذكرها الرياني، ويحتمل أن يقولوا هذه صورة خاصة، ليس فيها إبطال رخصة عامة، فينعقد نذره، ويلزمه الوفاء، والقول بلزوم الوفاء يخالف ما قاله الإمام، فيمن نذر صوما، وشرط أن لا يفطر بالمرض، لكن ذلك هل هو لعدم انعقاد النذر، أو انعقد؟ ولكن الواجب بالنذر لا يزيد على الواجب بالشرع، فيه احتمال، يجري مثله، في كلام الروياني، والمفهوم من كلام الرافعي الأول، (وهو أنه لا ينعقد نذره).
وينبني على هذين الاحتمالين، في مسألة الروياني، أنه لو أفطر فلا شك أنه يجب القضاء عن رمضان وهو يكفي عن النذر، إن قيل بصحته، ولكن لو كان صائما تطوعا، ونذر إتمامه، وقلنا النذر ينعقد ولكنه لا يلزم الإتمام لأن الواجب بالنذر، لا يزيد/ على الواجب بالشرع، فإذا أفطر ينبغي أن يجب عليه القضاء، إن قيل بصحة النذر، (وقد اختلفوا فيما إذا نذر أن يصلي الظهر في جماعة فصلاها منردا، هل يجب قضاؤها أولا؟ إذا قلنا بصحة النذر، وهذا مثله وأولى بوجوب القضاء، حتى يقطع به، لأن هناك وجد تأدية الفرض في الجملة، وهنا لم يوجد شيء).
إذا عرفت ذلك ارجع إلى كلام الروياني. فقوله: لا يلزمه، يحتمل أن يكون لعدم انعقاد نذره، كما يقوله عامة الأصحاب في الصورة المطلقة، ويحتمل أن يكون مع انعقاد نذره، وهو المناسب لتعليله، بأن إيجاب الشرع أقوى، لكنا لا نعرف من صرح به.
وقوله: وكما لو نذر أن يقصر الصلاة، أو يتمها، فإن الحكم لا يتغير بنذره، قد علمت النقل الصريح فيما إذا نذر الإتمام، حيث يكون أفضل، وحكاية الخلاف فيه.
وعلى قياسه يكون فيما إذا نذر القصر إذا بلغ سفره ثلاثة أيام، فإن القصر أفضل، فقياس قول صاحب التهذيب وشيخه، بلا شك انعقاد نذره، ولزوم الوفاء به، فقد تغير الحكم بالنذر عندهما.
وقوله: إن الشارع لم يوجب أحدهما معينا، فلم يصح التعيين فيه لجهة النذر يرد عليه ما حكيناه من الخلاف في الإتمام، وما حكاه الأصحاب من الخلاف، في نذر تطويل القيام، وقراءة سورة معينة، وإقامة الوتر، وركعتي الفجر، وأشباه ذلك.
فإن قلت: قد قال القاضي فيمن وجب عليه كفارة يمين، فنذر تعيين إحدى الخصال، أنه لا يلزم، لأنه فيه تغيير إيجاب الله تعالى، وهذا يوافق كلام الروياني/، ويرد على القاضي فيما تقدم عنه قلت: من نذر الصوم في السفر، ما غير ما أوجه الشرع من الصوم، ونحن لا نقول: إن الواجب على
المسافر، أحد الشهرين، كما يقوله: بعض الأصوليين، وإنما الواجب صوم رمضان، ورخص له الشرع في تأخيره، ومع ذلك، الأفضل له الصوم، إذا وجد قوة، إذا نذره، لم يترك شيئا مما أمر الشرع به، بل زاد على ما هو الأفضل في حقه. أما الكفارة فقد نص الشارع فيها على ثلاث خصال مقصودة له بأعيانها، وخير بينها، ولعل القاضي لا يوافق من يقول: إن متعلق التخيير لا وجوب فيه، ومتعلق الوجوب لا تخيير فيه.
وليس الواجب إلا القدر المشترك، بل يقول إن كل واحد واجب على التخيير، ومعناه أنه واجب، إذا لم يفعل غيره، ويجوز العدول عنه إلى غيره، فنذره واحد معينا منها، يفوت هذه الخاصية المقصودة للشرع، فلذلك لم يصح، بخلاف ما نحن فيه، وليعلم أن المراتب ثلاث جهات أحدها: الكفارة وأعيانها مقصودة، لا يجوز التصرف فيها بالنذر.
الثانية: القربات التي قصدها الشرع، ولها أنواع يقع عليها،
وللشرع تصرف في تفضيل بعضها على بعض، كتطويل القراءة، وقراءة سورة معينة، والصوم في السفر، وما أشبه ذلك.
ففي نذره خلاف (لأنها مطلوبة قبل النذر على وجه، وبعده على وجه آخر).
الثالثة: نذر الصلاة، والصوم والحج مطلقا، أو عددا منه، وما أشبهه ابتداء، من غير تغيير أمر، فيصح/ قطعا، وإن كان في نذره تغيير له، من النفل إلى الفرض، لأن كل نذر كذلك، وإنما دعانا إلى ذكر هذا، أنه قد يتوهم من كلام الروياني، أن النذر متى اقتضى تغييرا لا يصح، وكل نذر يقتضي بالتغيير، فقسمناه على هذه المراتب الثلاث.