الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المسألة الخامسة والأربعون
أطلق الأصحاب أن الشهيد في حرب الكفار لا يغسل، ولا يصلى عليه. قال ابن الأستاذ رحمه الله تفقها، نعم لو كان عاصيا بالخروج ففيه نظر عندي، قال والظاهر أنه شهيد، أما لو كان فارا حيث لا يجوز الفرار
فالظاهر أنه ليس بشهيد، فإنه من الكبائر، فلا يليق أن يكون المقتول فيه شهيدا. انتهى.
فهل ما ذكره صحيح، جار على قياس المذهب أم لا؟ وقد يكون الخروج كبيرة أيضا، بأن يتضمن عقوق الوالدين، وإذا كان كذلك فلا وجه للتفصيل.
الجواب: (الحمد لله)
أما الفار فليس بشهيد في أحكام الآخرة ولكنه شهيد في أحكام الدنيا ـ وقد ذكرته في (شرح المنهاج) وليس ذلك كما قاله ابن الأستاذ من كون الفرار كبيرة فقط لأنه أتى بضد المطلوب من الجهاد، فإن الثواب إنما يحصل بسبب الإقدام/ على العدو، والنكاية فيهم لإعلاء كلمة الله تعالى والفار قد أعرض عن ذلك.
ومن الدليل في ذلك، ما ثبت في الصحيح عن أبي قتادة عن رسول الله
صلى الله عليه وسلم أنه قام فيهم، فذكر لهم (أن الجهاد في سبيل الله والإيمان بالله، أفضل الأعمال فقام رجل فقال يا رسول الله أرأيت إن قتلت في سبيل الله تكفر عني خطاياي؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: نعم إن قتلت في سبيل الله وأنت صابر محتسب، مقبل غير مدبر "ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم" كيف قلت؟) قال أرأيت لو قتلت في سبيل الله أتكفر عني خطاي؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "نعم وأنت صابر محتسب، مقبل غير مدبر إلا الدين فإن جبريل عليه السلام قال لي ذلك".
فانظر قوله صلى الله عليه وسلم "مقبل غير مدبر" والفار مدبر، قد ترك الجهاد وراء ظهره لكنه لا يغسل ولا يصلى عليه. لأنه مات بسبب من أسباب القتال قبل انقضائه، ولا تتحقق منه تلك الحالة في الظاهر لأنا قد نراه مدبرا، ويكون قصده الجولان في الكفار والانعطاف عليهم فأجرينا عليه حكم الظاهر في الدنيا، وربطنا بمظنة، وهي الموت بسبب من أسباب القتال قبل انقضائه. وإذا حققت ما قلناه لم تعبأ بالتعليل بكون الفرار كبيرة، بل أقول: قد يكون الفرار جائزا إذا كان من أكثر من اثنين، فإذا حصل ذلك، وقتل وهو مدبر فقراره ليس كبيرة ولا صغيرة، ومع ذلك ينبغي أن لا يجري عليه حكم الشهادة في الآخرة لإطلاق الحديث، ولإنه لم تحصل به النكاية، وإن عذرنا في فراره/ نعم إن كان متحيزا إلى فئة، فيظهر أنه شهيد، لأنه لم يعرض عن الجهاد.
وأما من خرج إلى الجهاد، وكان عاصيا بخروجه وذلك إما بعقوق
الوالدين أو بدين أو نحوهما فهو كالمصلي في الدار المغصوبة والعاصي
بالسفر ونحوهما يحسن أن يتردد الفقهاء فيه، بالنسبة إلى كونه من شهداء الآخرة أو لا؟ والأقرب أنه من شهداء الآخرة لقصد إعلاء كلمة الله، وقتاله.
ولكنه قارنته معصيته من وجه آخر فلعلمه وجهان: وجه طاعة، ووجه معصية. وقد يكفر الله عنه المعصية بسبب الطاعة وقد يربوا وجه الطاعة، على وجه المعصية، أما كونه من شهداء الدنيا، بالنسبة إلى الغسل والصلاة، فلا ينبغي أن يتردد فيه، بل يكون شهيدا قطعا. والله أعلم.