الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[الْقَاعِدَةُ الثَّمَانُونَ مَا تَكَرَّرَ حَمْلُهُ مِنْ أُصُولِ الْبُقُولِ وَالْخَضْرَاوَات هَلْ هُوَ مُلْحَقٌ بِالزَّرْعِ أَوْ بِالشَّجَرِ]
ِ؟ فِيهِ وَجْهَانِ وَيَنْبَنِي عَلَى ذَلِكَ مَسَائِلُ: مِنْهَا هَلْ يَجُوزُ بَيْعُ هَذِهِ الْأُصُولِ مُفْرَدَةً أَمْ لَا إنْ أَلْحَقْنَاهَا بِالشَّجَرِ لِتَكَرُّرِ حَمْلِهَا جَازَ فِيهِ صَرَّحَ الْقَاضِي وَابْنُ عَقِيلٍ فِي مَوْضِعٍ وَفَرَّقَا فِي مَوْضِعٍ آخَرَ بَيْنَ مَا يَتَبَاقَى مِنْهَا سِنِينَ كَالْقُطْنِ الْحِجَازِيِّ فَيَجُوزُ بَيْعُ أُصُولِهِ، وَمَا لَا يَتَبَاقَى إلَّا سَنَةً وَنَحْوَهَا لَا يَجُوزُ بَيْعُهَا إلَّا بِشَرْطِ الْقَطْعِ إلَّا أَنْ تُبَاعَ مَعَهُ الْأَرْضُ كَالزَّرْعِ وَرَجَّحَ صَاحِبُ التَّلْخِيصِ أَنَّ الْمَقَاثِيَ وَنَحْوَهَا لَا يَجُوزُ بَيْعُهَا إلَّا بِشَرْطِ الْقَطْعِ فَإِنَّهَا مَعَ أُصُولِهَا مُعَرَّضَةٌ لِلْآفَاتِ كَالزَّرْعِ وَهُوَ مُقْتَضَى كَلَامِ الْخِرَقِيِّ وَابْنِ أَبِي مُوسَى.
وَمِنْهَا: إذَا بَاعَ الْأَرْضَ وَفِيهَا هَذِهِ الْأُصُولُ فَإِنْ قُلْنَا هِيَ كَالشَّجَرِ انْبَنَى عَلَى أَنَّ الشَّجَرَ هَلْ يَدْخُلُ فِي بَيْعِ الْأَرْضِ مَعَ الْإِطْلَاقِ أَمْ لَا؟ وَفِيهِ وَجْهَانِ. وَإِنْ قُلْنَا هِيَ كَالزَّرْعِ لَمْ تَدْخُلْ فِي الْبَيْعِ وَجْهًا وَاحِدًا وَلِلْأَصْحَابِ فِي الْمَسْأَلَةِ أَيْضًا طَرِيقَانِ:
إحْدَاهُمَا أَنَّ حُكْمَهَا حُكْمُ الشَّجَرِ فِي تَبْقِيَةِ الْأَرْضِ وَهِيَ طَرِيقَةُ ابْنِ عَقِيلٍ وَصَاحِبِ الْمُحَرَّرِ.
وَالثَّانِيَة: أَنَّهَا تَتْبَعُ وَجْهًا وَاحِدًا بِخِلَافِ الشَّجَرِ لِأَنَّ تَبْقِيَتِهَا فِي الْأَرْضِ مُعْتَادٌ وَلَا يَقْصِدُ نَقْلَهَا وَتَحْوِيلَهَا فَهِيَ كَالْمَنْبُوذَاتِ وَهِيَ طَرِيقَةُ أَبِي الْخَطَّابِ وَصَاحِبِ الْمُغْنِي وَعَلَى مَا قَرَّرْنَاهُ أَوَّلًا يُخَرَّجُ فِيهَا طَرِيقَةٌ ثَالِثَةٌ أَنَّهَا لَا تَتْبَعُ وَجْهًا وَاحِدًا كَالزَّرْعِ.
وَمِنْهَا: إذَا غَصَبَ أَرْضًا فَزَرَعَ فِيهَا مَا يَتَكَرَّرُ حَمْلُهُ فَإِنْ قِيلَ هُوَ كَالشَّجَرِ فَلِلْمَالِكِ قَلْعُهُ مَجَّانًا وَإِنْ قِيلَ هُوَ كَالزَّرْعِ فَلِلْمَالِكِ تَمَلُّكُهُ بِالْقِيمَةِ وَفِي الْمَسْأَلَةِ وَجْهَانِ مَذْكُورَانِ فِي الْمُغْنِي.
وَمِنْهَا: لَوْ اشْتَرَى لُقَطَةٌ ظَاهِرَةً مِنْ هَذِهِ الْأُصُولِ فَتَلِفَتْ بِجَائِحَةٍ قَبْلَ الْقَطْعِ فَإِنْ قِيلَ حُكْمُهَا حُكْمُ ثَمَرِ الشَّجَرِ تَلِفَتْ مِنْ ضَمَانِ الْبَائِعِ، وَإِنْ قِيلَ هِيَ كَالزَّرْعِ خُرِّجَتْ عَلَى الْوَجْهَيْنِ فِي إجَاحَةِ الزُّرُوعِ.
وَمِنْهَا: لَوْ سَاقَى عَلَى هَذِهِ الْأُصُولِ فَإِنْ قِيلَ هِيَ كَالشَّجَرِ صَحَّتْ الْمُسَاقَاةُ وَإِنْ قِيلَ هِيَ كَالزَّرْعِ فَهِيَ مُزَارَعَةٌ.
[الْقَاعِدَةُ الْحَادِيَة وَالثَّمَانُونَ النَّمَاءُ الْمُتَّصِل فِي الْأَعْيَانِ الْمَمْلُوكَة]
(الْقَاعِدَةُ الْحَادِيَة وَالثَّمَانُونَ) : النَّمَاءُ الْمُتَّصِلُ فِي الْأَعْيَانِ الْمَمْلُوكَةِ الْعَائِدَةِ إلَى مَنْ انْتَقَلَ الْمِلْكُ عَنْهُ بِالْمَفْسُوخِ تَتْبَعُ الْأَعْيَانَ عَلَى ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ عِنْدَ أَصْحَابِنَا وَالْمَنْصُوصُ عَنْ أَحْمَدَ أَنَّهُ لَا يَتْبَعُ وَهُوَ الَّذِي ذَكَرَهُ الشِّيرَازِيُّ فِي الْمُبْهِجِ، وَلَمْ يَحْكِ فِيهِ خِلَافًا وَهُوَ اخْتِيَارُ ابْنِ عَقِيلٍ صَرَّحَ بِهِ فِي كِتَابِ الصَّدَاقِ وَالشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ وَيَتْبَعُ الْأَصْلَ فِي التَّوْثِقَةِ وَالضَّمَانِ عَلَى الْمَشْهُورِ. وَيَتَخَرَّجُ عَلَى ذَلِكَ مَسَائِلُ: مِنْهَا: الْمَرْدُودُ بِالْعَيْبِ إذَا كَانَ قَدْ زَادَ زِيَادَةً مُتَّصِلَةً كَالسِّمَنِ وَتَعَلُّمِ صِنَاعَةٍ فَالْمَشْهُورُ عِنْدَ
الْأَصْحَابِ أَنَّ الزِّيَادَةَ لِلْبَائِعِ تَبَعًا لِأَصْلِهَا وَلَا يَسْتَحِقُّ الْمُشْتَرِي عَلَيْهِ شَيْئًا وَخَرَّجَ ابْنُ عَقِيلٍ بِأَنَّ الزِّيَادَةَ لِلْمُشْتَرِي وَكَذَلِكَ قَالَ الشِّيرَازِيُّ وَزَادَ أَنَّهُ يَرْجِعُ عَلَى الْبَائِعِ بِقِيمَةِ النَّمَاءِ وَكَذَلِكَ ذَكَرَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ إبْهَامِهِ مِنْ عُمُومِ كَلَامِ أَحْمَدَ فِي رِوَايَةِ أَبِي طَالِبٍ إذَا اشْتَرَى غَنَمًا فَنَمَتْ ثُمَّ اسْتَحَقَّتْ فَالنَّمَاءُ لَهُ قَالَ وَهَذَا يَعُمُّ الْمُنْفَصِلَ وَالْمُتَّصِلَ قُلْت وَقَدْ نَصَّ أَحْمَدُ عَلَى الرُّجُوعِ بِقِيمَةِ النَّمَاءِ الْمُتَّصِلِ صَرِيحًا كَمَا قَالَ الشِّيرَازِيُّ فِي رِوَايَةِ ابْنِ مَنْصُورٍ فِيمَنْ اشْتَرَى سِلْعَةً فَنَمَتْ عِنْدَهُ وَكَانَ بِهَا دَاءٌ فَإِنْ شَاءَ الْمُشْتَرِي حَبَسَهَا وَرَجَعَ بِقَدْرِ الدَّوَاءِ وَإِنْ شَاءَ رَدَّهَا وَرَجَعَ عَلَيْهِ بِقَدْرِ النَّمَاءِ وَتَأَوَّلَهَا الْقَاضِي عَلَى أَنَّ النَّمَاءَ الْمُتَّصِلَ يَرُدُّهُ مَعَهَا وَهُوَ ظَاهِرُ الْفَسَادِ لِأَنَّ الضَّمِيرَ فِي قَوْلِهِ رَجَعَ يَعُودُ إلَى الْمُشْتَرِي وَفِي قَوْلِهِ عَلَيْهِ يَعُودُ إلَى الْبَائِعِ وَإِنَّمَا يَرْجِعُ الْمُشْتَرِي عَلَى [الْبَائِعِ بِقِيمَةِ] النَّمَاءِ الْمُنْفَصِلِ، وَوَجْهُ الْإِجْبَارِ هُنَا عَلَى دَفْعِ الْقِيمَةِ أَنَّ الْبَائِعَ قَدْ أُجْبِرَ عَلَى أَخْذِ سِلْعَتِهِ وَرَدِّ ثَمَنِهَا فَكَذَلِكَ نَمَاؤُهَا الْمُتَّصِل بِهَا يَتْبَعُهَا فِي حُكْمِهَا وَإِنْ لَمْ يَقَعْ عَلَيْهِ الْعَقْدُ وَالْمَرْدُودُ بِالْإِقَالَةِ وَالْخِيَارِ يَتَوَجَّهُ فِيهِ مِثْلُ ذَلِكَ إلَّا أَنْ يُقَالَ الْفَسْخُ لِلْخِيَارِ وَقَعَ لِلْعَقْدِ مِنْ أَصْلِهِ بِخِلَافِ الْعَيْبِ وَالْإِقَالَةِ وَقَدْ صَرَّحَ بِذَلِكَ الْقَاضِي وَابْنُ عَقِيلٍ فِي خِلَافِهِمَا وَفِيهِ بُعْدٌ
وَمِنْهَا الْمَبِيعُ إذَا أَفْلَسَ مُشْتَرِيهِ قَبْلَ نَقْدِ الثَّمَنِ وَوَجَدَهُ الْبَائِعُ قَدْ نَمَا نَمَاءً مُتَّصِلًا قَالَ الْقَاضِي وَأَصْحَابُهُ يَرْجِعُ بِهِ وَلَا شَيْءَ لِلْمُفْلِسِ وَكَذَلِكَ ابْنُ أَبِي مُوسَى ذَكَرَ الرُّجُوعَ وَهُوَ مَأْخُوذٌ مِمَّا رَوَى الْمَيْمُونِيُّ وَإِسْحَاقُ بْنُ إبْرَاهِيمَ عَنْ أَحْمَدَ إذَا زَادَتْ الْعَيْنُ أَوْ نَقَصَتْ يَرْجِعُ فِي الزِّيَادَةِ وَالنُّقْصَانِ، وَلَفْظُ رِوَايَةِ إِسْحَاقَ قِيلَ لَهُ فَإِنْ كَانَ زَادَ أَوْ نَقَصَ يَوْمَ اشْتَرَاهُ قَالَ هُوَ أَحَقُّ بِهِ زَادَ أَوْ نَقَصَ، وَهَذَا يُحْتَمَلُ أَنْ يُرَادَ بِهِ زِيَادَةُ السِّعْرِ وَنُقْصَانُهُ وَإِنْ اُسْتُبْعِدَ ذَلِكَ فَلَيْسَ فِي اسْتِحْقَاقِ الرُّجُوعِ مَا يُنَافِي مُطَالَبَتَهُ بِقِيمَةِ الزِّيَادَةِ كَمَا لَوْ كَانَتْ الزِّيَادَةُ صِبْغًا فِي الثَّوْبِ.
وَقَالَ الْخِرَقِيِّ لَيْسَ لَهُ الرُّجُوعُ وَذَكَرَ الْقَاضِي فِي كِتَابِ الْهِبَةِ مِنْ خِلَافِهِ أَنَّهُ مَنْصُوصٌ عَنْ أَحْمَدَ فَيَكُونُ أُسْوَةً بِالْغُرَمَاءِ كَمَا لَوْ طَلَّقَ الزَّوْجُ قَبْلَ الدُّخُولِ وَقَدْ زَادَ الصَّدَاقُ زِيَادَةً مُتَّصِلَةً وَفَارَقَ الرَّدَّ بِالْعَيْبِ عِنْدَ مَنْ سَلَّمَهُ لِأَنَّ الرَّدَّ بِالْعَيْبِ قَدْ رَضِيَ الْمُشْتَرِي بِرَدِّهِ بِزِيَادَتِهِ بِخِلَافِ الْمُفْلِسِ.
وَلِأَنَّ الرَّدَّ بِالْعَيْبِ اسْتَنَدَ إلَى سَبَبٍ مُقَارِنٍ لِلْعَقْدِ وَالْفَسْخُ هُنَا اسْتَنَدَ إلَى سَبَبٍ حَادِثٍ وَهُوَ حُكْمُ الْحَاكِمِ وَهُوَ شَبِيهٌ بِالطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ وَيُنْتَقَضُ الْأَوَّلُ بِمَا لَوْ اشْتَرَى عَبْدًا بِثَوْبٍ فَوَجَدَ صَاحِبُ الثَّوْبِ بِهِ عَيْبًا فَإِنَّهُ يَرُدُّهُ وَيَأْخُذُ الْعَبْدَ وَإِنْ كَانَ قَدْ سَمِنَ.
وَالثَّانِي: بِمَا لَوْ بَاعَهُ عَيْنًا بَعْدَ إفْلَاسِهِ وَقَبْلَ حَجْرِ الْحَاكِمِ فَإِنَّ حَجْرَهُ إنَّمَا هُوَ مُعْتَبَرٌ لِثُبُوتِ الْمُفْلِسِ وَظُهُورِهِ.
وَقَدْ سَبَقَ نَصَّ أَحْمَدَ بِذَلِكَ وَأَيْضًا فَلَوْ بَاعَهُ بَعْدَ الْحَجْرِ وَلَمْ يَعْلَمْ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ بِهَا فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ. وَفَرَّقَ الْأَوَّلُونَ بَيْنَ رُجُوعِ الْبَائِعِ هَهُنَا وَبَيْنَ الصَّدَاقِ بِأَنَّ الصَّدَاقَ يُمْكِن لِلزَّوْجِ الرُّجُوعُ إلَى بَدَلِهِ تَامًّا بِخِلَافِ الْبَائِعِ فَإِنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ الدُّخُولُ إلَى حَقِّهِ تَامًّا إلَّا بِالرُّجُوعِ، هَذَا ضَعِيفٌ لِأَنَّ انْدِفَاعَ الضَّرَرِ عَنْهُ بِالْبَدَلِ لَا يُسْقِطُ حَقَّهُ مِنْ
الْعَيْنِ وَلَوْ كَانَ ثَابِتًا ثُمَّ يَبْطُلُ بِمَا لَوْ كَانَتْ الزَّوْجَةُ مُفْلِسَةً فَإِنَّ حَقَّهُ لَا يَثْبُتُ فِي الْعَيْنِ فَبَطَلَ الْفَرْقُ وَيَتَخَرَّجُ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ مَنْصُورٍ فِي الرَّدِّ بِالْعَيْبِ أَنْ يَرْجِعَ الْبَائِعُ هَهُنَا وَيَرُدُّ قِيمَةَ الزِّيَادَةِ كَمَا لَوْ صَبَغَ الْمُفْلِسُ الثَّوْبَ.
وَمِنْهَا: مَا وَهَبَ الْأَبُ لِوَلَدِهِ إذَا زَادَ زِيَادَةً مُتَّصِلَةً فَهَلْ يَمْنَعُ رُجُوعَ الْأَبِ أَمْ لَا؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ مَعْرُوفَتَيْنِ.
وَالْمَنْصُوصُ عَنْ أَحْمَدَ فِي رِوَايَةِ ابْنِ مَنْصُورٍ امْتِنَاعُ الرُّجُوعِ وَعَلَى الْقَوْلِ بِجَوَازِهِ فَلَا شَيْء] عَلَى الْأَبِ لِلزِّيَادَةِ لِأَنَّهَا تَابِعَةٌ لِمَا يُبَاحُ لَهُ مِنْ مَالِ وَلَدِهِ فَهُوَ بِالرُّجُوعِ وَالْقَبْضِ يَتَمَلَّكُ لَهَا.
وَمِنْهَا: إذَا أَصْدَقَهَا شَيْئًا فَزَادَ زِيَادَةً مُتَّصِلَةً ثُمَّ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ لَمْ يَكُنْ لَهُ الرُّجُوعُ فِي نِصْفِهِ وَسَقَطَ حَقُّهُ مِنْهُ إلَى قِيمَةِ النِّصْفِ ذَكَرَهُ الْخِرَقِيِّ وَلَمْ نَعْلَمْ عَنْ أَحَدٍ مِنْ الْأَصْحَابِ خِلَافَهُ حَتَّى جَعَلَهُ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ رِوَايَةً وَاحِدَةً وَفَرَّقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْبَائِعِ الْمُفْلِسِ بِأَنَّ فَسْخَ الْبَائِعِ رَفْعٌ لِلْعَقْدِ مِنْ أَصْلِهِ وَالطَّلَاقُ قَاطِعٌ لِلنِّكَاحِ مِنْ حِينِهِ فَلَا يَكُونُ لِلزَّوْجِ حَقٌّ فِي الزِّيَادَةِ وَهَذَا مَمْنُوعٌ فَإِنَّ الْفَسْخَ بِالْفَلَسِ رَفْعٌ لِلْعَقْدِ مِنْ حِينِهِ أَيْضًا فَهُوَ كَالطَّلَاقِ، وَخَرَّجَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ الرُّجُوعَ فِي النِّصْفِ بِزِيَادَةٍ مُتَّصِلَةٍ مِنْ الرِّوَايَةِ الْمَحْكِيَّةِ عَنْ أَحْمَدَ فِي الرُّجُوعِ فِي نِصْفِ الزِّيَادَةِ الْمُنْفَصِلَةِ وَأَوْلَى. وَسَنَذْكُرُ أَصْلَ هَذِهِ الرِّوَايَةِ فِيمَا بَعْدُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَيَتَخَرَّجُ فِيهِ وَجْهٌ آخَرُ بِالرُّجُوعِ فِي النِّصْفِ بِزِيَادَتِهِ وَبِرَدِّ قِيمَةِ الزِّيَادَةِ كَمَا فِي الْفَسْخِ بِالْعَيْبِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ. وَهَذَا إذَا كَانَتْ الْعَيْنُ يُمْكِنُ فَصْلُهَا وَقِسْمَتُهَا.
وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَهُوَ شَرِيكٌ بِقِيمَةِ النِّصْفِ يَوْمَ الْإِصْدَاقِ
وَمِنْهَا: إذَا اشْتَرَى قَصِيلًا بِشَرْطِ الْقَطْعِ فَتَرَكَهُ حَتَّى سَنْبَلَ وَاشْتَدَّ أَوْ ثَمَرًا وَلَمْ يَبْدُ صَلَاحُهُ بِشَرْطِ الْقَطْعِ فَتَرَكَهُ حَتَّى بَدَأَ صَلَاحُهُ فَهَلْ يَبْطُلُ الْبَيْعُ بِذَلِكَ أَمْ لَا؟ فِيهِ رِوَايَتَانِ: أَشْهَرُهُمَا أَنَّهُ يَبْطُلُ وَهُوَ اخْتِيَارُ الْخِرَقِيِّ وَأَبِي بَكْرٍ وَابْنِ أَبِي مُوسَى وَالْقَاضِي وَالْأَكْثَرِينَ وَلِلْبُطْلَانِ مَأْخَذَانِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّ تَأْخِيرَهُ مُحَرَّمٌ لِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى فَأَبْطَلَ الْبَيْعَ كَتَأْخِيرِ الْقَبْضِ فِي الرِّبَوِيَّات وَلِأَنَّهُ وَسِيلَةٌ إلَى شِرَاءِ الثَّمَرَةِ وَبَيْعِهَا قَبْلَ بُدُوِّ صَلَاحِهَا وَهُوَ مُحَرَّمٌ، وَوَسَائِلُ الْمُحَرَّمِ مَمْنُوعَةٌ وَبِهَذَا عَلَّلَ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ أَبِي طَالِبٍ.
وَالْمَأْخَذُ الثَّانِي: أَنَّ مَالَ الْمُشْتَرِي اخْتَلَطَ بِمَالِ الْبَائِعِ قَبْلَ التَّسْلِيمِ عَلَى وَجْهٍ لَا يَتَمَيَّزُ مِنْهُ فَبَطَلَ بِهِ الْبَيْعُ كَمَا لَوْ تَلِفَ فَإِنَّ تَلَفَهُ فِي هَذِهِ الْحَالِ يُبْطِلُ الْبَيْعَ لِضَمَانِهِ عَلَى الْبَائِعِ فَعَلَى الْمَأْخَذِ الْأَوَّلِ لَا يَبْطُلُ الْبَيْعُ إلَّا بِالتَّأْخِيرِ إلَى بُدُوِّ الصَّلَاحِ وَاشْتِدَادِ الْحَبِّ وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ فِي رِوَايَةِ أَبِي طَالِبٍ وَظَاهِرُ كَلَام الْخِرَقِيِّ، وَيَكُونُ تَأَخُّرُهُ إلَى مَا قَبْلَ ذَلِكَ جَائِزًا وَقَدْ نَصَّ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ الْحَسَنِ بْنِ بَوَّابٍ عَلَى أَنَّهُ إذَا أَخَّرَهُ حَتَّى تَلِفَ بِعَاهَةٍ قَبْلَ صَلَاحِهِ أَنَّهُ مِنْ ضَمَانِ الْبَائِعِ مُعَلِّلَا بِأَنَّ هَذَا نَشَأَ فِي مِلْكِ الْبَائِعِ وَنَخْلِهِ فَلَمَّا عَلَّلَ بِانْفِصَالِهِ لِمِلْكِ الْبَائِعِ عَلِمَ أَنَّ الْبَيْعَ لَمْ يَكُنْ مُنْفَسِخًا قَبْلَ تَلَفِهِ وَكَانَ التَّأْخِيرُ تَفْرِيطًا وَلَوْ كَانَ الْمُشْتَرَى رَطْبَةً أَوْ مَا أَشْبَهَهَا مِنْ النَّعْنَاعِ وَالْهِنْدَبَا أَوْ صُوفًا عَلَى ظَهْرٍ فَتَرَكَهَا حَتَّى طَالَتْ لَمْ يَنْفَسِخْ الْبَيْعُ لِأَنَّهُ لَا نَهْيَ فِي بَيْعِ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ وَهَذِهِ طَرِيقَةُ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ.
وَعَلَى الْمَأْخَذِ الثَّانِي
يَبْطُلُ الْبَيْعُ بِمُجَرَّدِ الزِّيَادَةِ وَاخْتِلَاطِ الْمَالَيْنِ إلَّا أَنَّهُ يُعْفَى عَنْ الزِّيَادَةِ الْيَسِيرَةِ كَالْيَوْمِ وَالْيَوْمَيْنِ وَنَصَّ عَلَى ذَلِكَ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ أَحْمَدَ بْنِ سَعِيدٍ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الثَّمَرِ وَالزَّرْعِ وَغَيْرِهِمَا مِنْ الرَّطْبَةِ وَالْبُقُولِ وَالصُّوفَةِ وَهِيَ طَرِيقَةُ أَبِي بَكْرٍ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَالْقَاضِي فِي خِلَافِهِ وَصَاحِبِ الْمُغْنِي وَبِمِثْلِ ذَلِكَ أَجَابَ أَبُو الْحَسَنِ الْجَزَرِيُّ فِيمَنْ اشْتَرَى خَشَبًا لِيَقْطَعَهُ فَتَرَكَهُ حَتَّى اشْتَدَّ وَغَلُظَ أَنَّ الْبَيْعَ يَنْفَسِخُ وَمَتَى تَلِفَ بِجَائِحَةٍ بَعْدَ التَّمَكُّنِ مِنْ قَطْعِهِ فَهُوَ مِنْ ضَمَانِ الْمُشْتَرِي وَهُوَ مُصَرَّحٌ بِهِ فِي الْمُجَرَّدِ وَالْمُغْنِي وَتَكُونُ الزَّكَاةُ عَلَى الْبَائِعِ عَلَى هَذَا الْمَأْخَذِ بِغَيْرِ إشْكَالٍ وَإِمَّا عَلَى الْأَوَّلِ فَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ عَلَى الْمُشْتَرِي لِأَنَّ مِلْكَهُ إنَّمَا يَنْفَسِخُ بَعْدَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ وَفِي تِلْكَ الْحَالِ تَجِبُ الزَّكَاةُ فَلَا تَسْقُطُ بِمُقَارَنَتِهِ الْفَسْخَ عَلَى رَأْيِ مَنْ يَرَى جَوَازَ اقْتِرَانِ الْحُكْمِ وَمَانِعِهِ كَمَا سَبَقَ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ عَلَى الْبَائِعِ ثُمَّ يَذْكُرُ الْأَصْحَابُ فِيهِ خِلَافًا لِأَنَّ الْفَسْخَ بِبُدُوِّ الصَّلَاحِ اسْتَنَدَ إلَى سَبَبٍ سَابِقٍ عَلَيْهِ وَهُوَ تَأْخِيرُ الْقَطْعِ وَقَدْ يُقَالُ يَبْدُو الصَّلَاحُ بِتَعَيُّنِ انْفِسَاخِ الْعَقْدِ مِنْ حِينِ التَّأْخِيرِ وَنَقَلَ أَبُو طَالِبٍ عَنْ أَحْمَدَ فِيمَا إذَا تَرَكَهُ حَتَّى صَارَ شَعِيرًا إنْ أَرَادَ حِيلَةً فَسَدَ الْبَيْعُ فَمِنْ الْأَصْحَابِ مَنْ جَعَلَ هَذِهِ رِوَايَةً ثَالِثَةً بِالْبُطْلَانِ مَعَ قَصْدِ التَّحَيُّلِ عَلَى شِرَاءِ الزَّرْعِ قَبْلَ اسْتِنَادِهِ لِلتَّبْقِيَةِ كَابْنِ عَقِيلٍ فِي التَّذْكِرَةِ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ بَلْ مَتَى تَعَمَّدَ الْحِيلَةَ فَسَدَ الْبَيْعُ مِنْ أَصْلِهِ وَلَمْ يَنْعَقِدْ بِغَيْرِ خِلَافٍ، وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِيمَا إذَا لَمْ يَقْصِدْ الْحِيلَةَ ثُمَّ تَرَكَهُ حَتَّى بَدَا صَلَاحُهُ كَصَاحِبِ الْمُغْنِي.
وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ قَصْدُ الْحِيلَةِ إنَّمَا يُؤَثِّرُ فِي الْإِثْمِ لَا فِي الْفَسَادِ وَعَدَمِهِ وَهِيَ طَرِيقَةُ الْقَاضِي، وَإِذَا تَقَرَّرَ هَذَا فَالزِّيَادَةُ إنَّمَا تُعْلَمُ بِاخْتِلَافِ الْقِيمَةِ لِعَدَمِ تَمْيِيزِهَا فِي نَفْسِهَا وَهِيَ تَفَاوُتُ مَا بَيْنَ الْقِيمَةِ يَوْمَ الشِّرَاءِ وَبَعْدَ الزِّيَادَةِ الْحَادِثَةِ [بَعْدَهُ] ، كَذَلِكَ قَالَ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ وَنَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ ابْنِ مَنْصُورٍ عَلَى مَا سَيَأْتِي، وَهُوَ مُتَمَشٍّ عَلَى الْمَأْخَذِ الثَّانِي فِي الِانْفِسَاخِ بِمُجَرَّدِ الزِّيَادَةِ بَعْدَ الْعَقْدِ.
وَأَمَّا عَلَى الْمَأْخَذِ الْأَوَّلِ فَالزِّيَادَةُ هِيَ تَفَاوُتُ مَا بَيْنَ الْقِيمَةِ قَبْلَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ وَبَعْدَهُ لِأَنَّهُ لَمْ يَزُلْ عَنْهُ مِلْكُ الْمُشْتَرِي وَقْتَ ظُهُورِ الصَّلَاحِ، وَبِذَلِكَ جَزَمَ فِي الْكَافِي وَحَكَاهُ فِي الْمُغْنِي احْتِمَالًا عَنْ الْقَاضِي، وَبَقِيُّ الْكَلَامُ فِي حُكْمِ الزِّيَادَةِ عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ.
أَمَّا رِوَايَةُ الِانْفِسَاخِ فَفِيهَا رِوَايَتَانِ: إحْدَاهُمَا أَنَّهَا لِلْبَائِعِ وَهِيَ اخْتِيَارُ ابْنِ أَبِي مُوسَى وَالْقَاضِي وَنَقَلَهَا أَبُو طَالِبٍ وَغَيْرُهُ عَنْ أَحْمَدَ لِأَنَّ الْبَيْعَ مَتَى انْفَسَخَ يَعُودُ إلَى بَائِعِهِ بِنَمَائِهِ الْمُنْفَصِلِ كَسِمَنِ الْعَبْدِ وَنَحْوِهِ بَلْ هُنَا أَوْلَى لِأَنَّهُ نَمَاءٌ مِنْ تَيَقُّنِهِ فِي مِلْكِهِ فَحَقُّهُ فِيهِ أَقْوَى.
وَالثَّانِيَة: يَتَصَدَّقَانِ بِهَا مَعَ فَسَادِ الْبَيْعِ.
قَالَ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ وَالرِّوَايَتَيْنِ نَقَلَهَا حَنْبَلٌ قَالَ وَهِيَ مَحْمُولَةٌ عِنْدِي عَلَى الِاسْتِحْبَابِ بِوُقُوعِ الْخِلَافِ فِي صِحَّةِ الْعَقْدِ وَفَسَادِهِ وَمُسْتَحَقِّ النَّمَاءِ فَأَسْتَحِبُّ الصَّدَقَةَ بِهِ وَأَنْكَرَ الشَّيْخُ مَجْدُ الدِّينِ ثُبُوتَ هَذِهِ الرِّوَايَةِ وَقَالَ هِيَ سَهْوٌ مِنْ الْقَاضِي، قَالَ وَإِنَّمَا ذَكَرَهَا الْقَاضِي فِي خِلَافِهِ
مُسْتَدِلًّا بِهَا عَلَى الصِّحَّةِ فَأَمَّا مَعَ الْفَسَادِ فَلَا وَجْهَ لِهَذَا الْقَوْلِ، وَأَمَّا ابْنُ أَبِي مُوسَى فَقَالَ وَعَنْهُ يَتَصَدَّقُ الْبَائِعُ بِالْفَضْلِ لِأَنَّهُ نَمَاءٌ فِي غَيْرِ مِلْكِهِ، وَهَذَا التَّعْلِيلُ يَرُدُّ عَلَيْهِ الزِّيَادَةَ فِي الْمَرْدُودِ بِالْعَيْبِ وَنَحْوِهِ، لَكِنَّ الْمُرَادَ أَنَّ هَذِهِ الزِّيَادَةَ عَادَتْ إلَيْهِ لِانْفِسَاخِ الْعَقْدِ عَلَى وَجْهٍ مَنْهِيٍّ عَنْهُ فِي الشَّرْعِ بِخِلَافِ الرَّدِّ بِالْعَيْبِ. ثُمَّ حَكَى رِوَايَةً ثَالِثَةً بِاشْتِرَاكِ الْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي فِي الزِّيَادَةِ، وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ تَرْجِعُ إلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ الزِّيَادَةَ الْمُتَّصِلَةَ لَا تُتَّبَعُ فِي الْفَسْخِ بَلْ تَبْقَى عَلَى مِلْكِ الْمُشْتَرِي، وَإِنَّمَا شَارَكَهُ الْبَائِعُ فِيهَا لِأَنَّهَا نَمَتْ مِنْ مِلْكِهِ وَمِلْكِ الْمُشْتَرِي وَلَوْلَا ذَلِكَ لَانْفَرَدَ بِهَا الْمُشْتَرِي وَخَصَّ ابْنُ أَبِي مُوسَى هَذَا الْخِلَافَ بِالثِّمَارِ، فَأَمَّا الزَّرْعُ فَلَمْ يَذْكُرْ فِيهِ خِلَافًا [إلَّا] أَنَّ الزِّيَادَةَ لِلْبَائِعِ، وَأَمَّا عَلَى رِوَايَةِ الصِّحَّةِ فَفِي حُكْمِ الزِّيَادَةِ ثَلَاثُ رِوَايَاتٍ إحْدَاهُنَّ إنَّمَا يَشْتَرِكَانِ بَيْنَهُمَا [فِيهَا] ، نَقَلَهَا أَحْمَدُ بْنُ سَعِيدٍ لِحُدُوثِهَا عَلَى مِلْكَيْهِمَا كَمَا سَبَقَ وَحَمَلَهَا الْقَاضِي عَلَى الِاسْتِحْبَابِ وَلَا يَصِحُّ، وَبِالِاشْتِرَاكِ أَجَابَ أَبُو حَفْصٍ الْبَرْمَكِيُّ فِيمَنْ اشْتَرَى [خَشَبًا] لِلْقَطْعِ فَتَرَكَهُ حَتَّى اشْتَدَّ وَغَلُظَ.
وَالثَّانِيَةُ: يَتَصَدَّقَانِ بِهَا وَأَخَذَهَا الْقَاضِي فِي خِلَافِهِ مِنْ رِوَايَةِ حَنْبَلٍ وَتِلْكَ قَدْ صَرَّحَ فِيهَا أَحْمَدُ بِفَسَادِ الْبَيْعِ عَلَى مَا حَكَاهُ الْقَاضِي أَيْضًا فِي الْمُجَرَّدِ وَ [كِتَابِ] الرِّوَايَتَيْنِ ثُمَّ قَالَ وَهَذَا عِنْدِي عَلَى الِاسْتِحْبَابِ الْمُنْهِي عَنْ رِبْحِ مَا لَمْ يُضْمَنْ وَهَذَا لَمْ يُضْمَنْ عَلَى الْمُشْتَرِي فَكُرِهَ لَهُ رِبْحُهُ وَكُرِهَ لِلْبَائِعِ لِحُدُوثِهِ عَلَى مِلْكِ الْمُشْتَرِي، وَكَذَلِكَ مَالَ صَاحِبُ الْمُغْنِي إلَى حَمْلِهَا عَلَى الِاسْتِحْبَابِ لِأَنَّ الصَّدَقَةَ بِالشُّبُهَاتِ مُسْتَحَبٌّ وَهَذِهِ شُبْهَةٌ لِاشْتِبَاهِ الْأَمْرِ فِي مُسْتَحَقِّهَا، وَلِحُدُوثِهَا بِجِهَةٍ مَحْظُورَةٍ وَيُشْبِهُ هَذِهِ الرِّوَايَةَ مَا نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ فِي رِبْحِ مَالِ الْمُضَارَبَةِ إذَا خَالَفَ فِيهِ الْمُضَارِبُ أَنَّهُ يَتَصَدَّقُ بِهِ وَفِيمَنْ أَجَّرَ مَا اسْتَأْجَرَهُ بِرِبْحٍ أَنَّهُ يَتَصَدَّقُ بِهِ لِدُخُولِهِ فِي رِبْحِ مَا لَمْ يَضْمَنْ. وَالرِّوَايَةُ الثَّالِثَةُ أَنَّ الزِّيَادَةَ كُلَّهَا لِلْبَائِعِ نَقَلَهَا الْقَاضِي فِي خِلَافِهِ فِي مَسْأَلَةِ زَرْعِ الْغَاصِبِ، وَنَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ ابْنِ مَنْصُورٍ فِيمَنْ اشْتَرَى قَصِيلًا فَتَرَكَهُ حَتَّى سَنْبَلَ يَكُونُ لِلْمُشْتَرِي مِنْهُ بِقَدْرِ مَا اشْتَرَى يَوْمَ اشْتَرَى فَإِنْ كَانَ فِيهِ فَضْلٌ كَانَ لِلْبَائِعِ صَاحِبِ الْأَرْضِ قِيلَ لَهُ وَكَذَلِكَ النَّخْلُ إذَا اشْتَرَاهُ لِيَقْلَعَهُ فَطَلَعَ؟ قَالَ كَذَلِكَ فِي النَّخْلِ فَإِنْ كَانَ فِيهِ زِيَادَةٌ فَهُوَ لِصَاحِبِ الْأَرْضِ الْبَائِعِ، وَوَجَّهَهُ الْقَاضِي بِأَنَّ الزِّيَادَةَ مِنْ [نَمَاءِ] مِلْكِ الْبَائِعِ فَهِيَ كَالرِّبْحِ فِي الْمَالِ الْمَغْصُوبِ فَإِنَّهُ يَكُونُ لِصَاحِبِ الْمَالِ دُونَ الْغَاصِبِ وَيُلْغَى تَصَرُّفُهُ فِيهِ لِكَوْنِهِ مَحْظُورًا كَذَلِكَ هَهُنَا وَيُمْكِنُ أَنْ يُفَرَّقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ تَصَرُّفِ الْغَاصِبِ بِأَنَّ الْغَاصِبَ إنَّمَا لَهُ آثَارُ عَمَلٍ فَأُلْغِيَتْ وَهُنَا لِلْمُشْتَرِي عَيْنُ مَالٍ نَمَتْ فَكَيْفَ يَسْقُطُ حَقُّهُ مِنْ نَمَائِهَا، وَيُجَابُ عَنْهُ بِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ إنَّمَا يَسْتَحِقُّ بِالْعَقْدِ مَا وَقَعَ عَلَيْهِ الْعَقْدُ مِنْ الثَّمَرَةِ وَمَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ فَلَا حَقَّ فِيهِ وَهَذَا الْبَيْعُ لَمْ يَتِمَّ قَبْضُهُ فِيهِ وَلَا وُجِدَ فِي ضَمَانِهِ فَلَا يَسْتَحِقُّ أَنْ يَقْبِضَ غَيْرَ مَا وَقَعَ عَلَيْهِ الْبَيْعُ بِمُقْتَضَى عَقْدِهِ.
وَحَمَلَ الْقَاضِي قَوْلَ أَحْمَدَ هَهُنَا وَكَذَلِكَ النَّخْلُ إذَا اشْتَرَاهُ لِيَقْلَعَهُ عَلَى أَنَّهُ اشْتَرَى جُذُوعَهُ لِيَقْطَعَهَا.
وَقَالَ الشَّيْخُ مَجْدُ الدِّينِ وَيَحْتَمِلُ عِنْدِي أَنْ
يُقَالَ بِأَنَّ زِيَادَةَ الثَّمَرَةِ فِي صِفَتِهَا لِلْمُشْتَرِي وَمَا طَالَ مِنْ الْجِزَّةِ لِلْبَائِعِ لِأَنَّ هَذِهِ الزِّيَادَةَ لَوْ فَرَضْنَا أَنَّ الْمُشْتَرِيَ كَانَ قَدْ جَزّ مَا اشْتَرَاهُ لَأَمْكَنَ وُجُودُهَا وَيَكُونُ لِلْبَائِعِ، فَكَذَلِكَ إذَا لَمْ تُجَزَّ انْتَهَى. وَاخْتَارَ الْقَاضِي خِلَافَ هَذَا كُلِّهِ وَأَنَّ الزِّيَادَةَ كُلَّهَا لِلْمُشْتَرِي مَعَ صِحَّةِ الْعَقْدِ وَلِلْبَائِعِ مَعَ فَسَادِهِ وَلَمْ يُثْبِتْ فِي كِتَابِ الرِّوَايَتَيْنِ فِي الْمَذْهَبِ فِي هَذَا خِلَافًا، وَمَا قَالَهُ مِنْ انْفِرَادِ الْمُشْتَرِي بِالثَّمَرَةِ بِزِيَادَتِهَا مُخَالِفٌ لِمَنْصُوصِ أَحْمَدَ وَقِيَاسِهِ كَذَلِكَ عَلَى سِمَنِ الْعَبْدِ غَيْرُ صَحِيحٍ لِأَنَّ هَذِهِ الزِّيَادَةَ نَمَتْ مِنْ أَصْلِ الْبَائِعِ مَعَ اسْتِحْقَاقِ إزَالَتِهَا عَنْهُ بِخِلَافِ سِمَنِ الْعَبْدِ وَطُولِهِ وَلَوْ قَالَ مَعَ ذَلِكَ بِوُجُوبِ الْأُجْرَةِ لِلْبَائِعِ إلَى حِينِ الْقَطْعِ لَكَانَ أَقْرَبَ كَمَا أَفْتَى بِهِ ابْنُ بَطَّةَ فِيمَنْ اشْتَرَى خَشَبًا لِلْقَطْعِ فَتَرَكَهُ فِي أَرْضِ الْبَائِعِ حَتَّى غَلُظَ وَاشْتَدَّ أَنَّهُ يَكُونُ بِزِيَادَتِهِ لِلْمُشْتَرِي وَعَلَيْهِ لِصَاحِبِ الْأَرْضِ أُجْرَةُ أَرْضِهِ لِلْمُدَّةِ الَّتِي تَرَكَهَا فِيهِ وَأَخَذَهُ مِنْ غَرْسِ الْغَاصِبِ وَلَكِنَّ تَبْقِيَةَ الشَّجَرِ فِي الْأَرْضِ لَهُ أُجْرَةٌ مُعْتَبَرَةٍ وَلِلْمَالِكِ الزَّرْعُ فَأَمَّا تَبْقِيَةُ الثَّمَرِ عَلَى رُءُوسِ الشَّجَرِ فَلَا يَسْتَحِقُّ لَهُ أُجْرَةً بِحَالٍ ذَكَرَهُ الْقَاضِي فِي التَّفْلِيسِ وَحُكْمُ الْعَرَايَا إذَا تُرِكَتْ فِي رُءُوسِ النَّخْلِ [حَتَّى أَثْمَرَتْ] حُكْمُ الثَّمَرِ إذَا تُرِكَ حَتَّى يَبْدُوَ صَلَاحُهُ عِنْدَ الْقَاضِي وَأَكْثَرُ الْأَصْحَابِ ; وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ يَحْكِ خِلَافًا فِي الْبُطْلَانِ فِي الْعَرِيَّةِ بِخِلَافِ الثَّمَرِ وَالزَّرْعِ كَالْحَلْوَانِيِّ وَابْنِهِ وَيُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا بِأَنْ بَيْعَ الْعَرَايَا رُخْصَةٌ مُسْتَثْنَاةٌ مِنْ الْمُزَابَنَةِ الْمُحَرَّمَةِ شُرِعَتْ لِلْحَاجَةِ إلَى أَكْلِ الرُّطَبِ وَشِرَائِهِ بِالثَّمَنِ فَإِذَا تُرِكَ حَتَّى صَارَ تَمْرًا فَقَدْ زَالَ الْمَعْنَى الَّذِي شُرِعَتْ لِأَجْلِهِ الرُّخْصَةُ وَصَارَ بَيْعَ تَمْرٍ بِتَمْرٍ فَلَمْ يَصِحَّ إلَّا بِتَعْيِينِ الْمُسَاوَاةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَأَمَّا الْعُقُودُ فَيُتَّبَعُ فِيهَا النَّمَاءُ الْمَوْجُودُ حِينَ ثُبُوتِ الْمِلْكِ بِالْقَبُولِ أَوْ غَيْرِهِ فَلَمْ يَكُنْ مَوْجُودًا حِينَ الْإِيجَابِ أَوْ مَا يَقُومُ مَقَامَهُ فَمِنْ ذَلِكَ الْمُوصَى بِهِ إذَا نُمِّيَ نَمَاءً مُنْفَصِلًا بَعْدَ الْمَوْتِ وَقَبْلَ الْقَبُولِ فَإِنَّهُ يَتْبَعُ الْعَيْنَ إذَا احْتَمَلَهُ الثُّلُثُ ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْمُغْنِي.
وَقَالَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ إنْ قُلْنَا لَا يَنْتَقِلُ الْمِلْكُ إلَّا مِنْ حِينِ الْقَبُولِ فَالزِّيَادَةُ مَحْسُوبَةٌ كَذَلِكَ عَلَيْهِ مِنْ الثُّلُثِ، وَإِنْ قُلْنَا ثَبَتَتْ مِنْ حِينِ الْمَوْتِ فَالزِّيَادَةُ لَهُ غَيْرُ مَحْسُوبَةٍ عَلَيْهِ مِنْ التَّرِكَةِ لِأَنَّهَا نَمَاءُ مِلْكِهِ وَمِنْهُ الشِّقْصُ الْمَشْفُوعُ إذَا كَانَ فِيهِ شَجَرٌ فَنَمَا قَبْلَ الْأَخْذِ بِالشُّفْعَةِ فَإِنَّهُ يَأْخُذُهُ بِنَمَائِهِ بِالثَّمَنِ الَّذِي وَقَعَ عَلَيْهِ الْعَقْدُ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ فِي الزِّيَادَةِ وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ فِيهِ ثَمَرٌ أَوْ زَرْعٌ فَنَمَا وَقُلْنَا يَتْبَعُ فِي الشُّفْعَةِ كَمَا هُوَ أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ فِيهِمَا وَلَوْ تَأَبَّرَ الطَّلْعُ الْمَشْمُولِ بِالْبَيْعِ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي ثُمَّ أَخَذَهُ الشَّفِيعُ فَفِي تَبَعِيَّتِهِ وَجْهَانِ لِتَعَلُّقِ حَقِّهِ بِالطَّلْعِ وَنَمَائِهِ.
(وَمِنْهُ) لَوْ اشْتَرَى رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ مَا اسْتَوْلَوْا عَلَيْهِ مِنْ مَالِ مُسْلِمٍ ثُمَّ نَمَا عِنْدَ الْمُشْتَرِي نَمَاءً مُنْفَصِلًا حَتَّى زَادَتْ قِيمَتُهُ فَإِنَّهُ يَأْخُذُهُ بِالثَّمَنِ الَّذِي اشْتَرَاهُ بِهِ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ لِلزِّيَادَةِ فَنَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ مُهَنَّا، وَأَمَّا تَبَعِيَّةُ النَّمَاءِ فِي عُقُودِ التَّوَثُّقِ فَإِنَّهُ يَتْبَعُ فِي الرَّهْنِ وَأَمْوَالِ الزَّكَاةِ وَالْجَانِي فِي التَّرِكَةِ الْمُتَعَلَّقِ