الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عَلَى الْآخَرِ مَا لَمْ يَلْزَمْهُ بِمُقْتَضَى الْعَقْدِ فَلَا يَصِحُّ وَفِي فَسَادِ الْعَقْدِ بِهِ خِلَافٌ وَيَتَخَرَّجُ صِحَّةُ هَذِهِ الشُّرُوطِ أَيْضًا مِنْ الشُّرُوطِ فِي النِّكَاحِ وَغَيْرِهَا وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ أَكْثَرِ الْمُتَأَخِّرِينَ وَلِذَلِكَ اسْتَشْكَلُوا مَسْأَلَةَ الْخِرَقِيِّ فِي حَصَادِ الزَّرْعِ.
وَمِنْهَا شَرْطُ إيفَاءِ الْمُسَلَّمِ فِيهِ فِي غَيْرِ مَكَانِ الْعَقْدِ وَحُكِيَ فِي صِحَّتِهِ رِوَايَتَانِ وَالْمَنْصُوصُ عَنْ أَحْمَدَ فَسَادُهُ فِي رِوَايَةِ مُهَنَّا وَأَوْمَأَ إلَيْهِ فِي رِوَايَةِ ابْنِ مَنْصُورٍ وَقَالَ [ابْنُ مَنْصُورٍ] لَيْسَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم تَسْمِيَةُ الْمَكَانِ يُشِيرُ بِذَلِكَ إلَى أَنَّ السَّلَمَ يُشْتَرَطُ فِيهِ أَنْ يُذْكَرَ فِي الْعَقْدِ أَوْصَافُ الْمُسَلَّمِ فِيهِ قَدْرُهُ وَزَمَانُ مَحَلِّهِ كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ الْحَدِيثُ وَلَيْسَ فِيهِ ذِكْرُ مَكَانِ إيفَائِهِ فَاشْتِرَاطُ ذِكْرِ مَكَانِهِ يُوهِمُ أَنَّ ذَلِكَ مِنْ جِنْسِ مَا ذُكِرَ زَمَانُهُ وَأَنَّهُ مُسْتَحَقٌّ بِنَفْسِ الْعَقْدِ بِخِلَافِ غَيْرِهِ مِنْ الْبُيُوعِ الَّتِي لَا يُذْكَرُ فِي عُقُودِهَا شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ.
[الْقَاعِدَةُ الرَّابِعَة وَالسَّبْعُونَ فِيمَنْ يَسْتَحِقُّ الْعِوَضَ عَنْ عَمَلٍ بِغَيْرِ شَرْطٍ]
(الْقَاعِدَةُ الرَّابِعَة وَالسَّبْعُونَ) : فِيمَنْ يَسْتَحِقُّ الْعِوَضَ عَنْ عَمَلٍ بِغَيْرِ شَرْطٍ وَهُوَ نَوْعَانِ:
أَحَدُهُمَا: أَنْ يَعْمَلَ الْعَمَلَ وَدَلَالَةُ حَالِهِ تَقْتَضِي الْمُطَالَبَةَ بِالْعِوَضِ.
وَالثَّانِي: أَنْ يَعْمَلَ عَمَلًا فِيهِ غَنَاءٌ عَنْ الْمُسْلِمِينَ وَقِيَامٌ بِمَصَالِحِهِمْ الْعَامَّةِ أَوْ فِيهِ اسْتِنْقَاذٌ لِمَالٍ مَعْصُومٍ مِنْ الْهَلَكَةِ
أَمَّا الْأَوَّلُ أَفْسَدَهُ تَحْتَهُ صُوَرٌ كَثِيرَةٌ كَالْمَلَّاحِ وَالْمُكَارِي وَالْحَجَّامِ وَالْقَصَّارِ وَالْخَيَّاطِ وَالدَّلَّالِ وَنَحْوِهِمْ مِمَّنْ يَرْصُدُ نَفْسَهُ لِلتَّكَسُّبِ بِالْعَمَلِ، فَإِذَا عَمِلَ اسْتَحَقَّ أُجْرَةَ الْمِثْلِ وَإِنْ لَمْ يُسَمَّ لَهُ شَيْءٌ نَصَّ عَلَيْهِ.
وَأَمَّا الثَّانِي: فَيَدْخُلُ تَحْتَهُ صُوَرٌ: مِنْهَا مَنْ قَتَلَ مُشْرِكًا فِي حَالِ الْحَرْبِ مُغَرِّرًا بِنَفْسِهِ فِي قَتْلِهِ فَإِنَّهُ يَسْتَحِقُّ سَلَبَهُ بِالشَّرْعِ لَا بِالشَّرْطِ فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ.
وَمِنْهَا: الْعَامِلُ عَلَى الصَّدَقَاتِ فَإِنَّهُ يَسْتَحِقُّ أُجْرَةَ عَمَلِهِ بِالشَّرْعِ.
قَالَ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ صَالِحٍ: الْعَامِلِينَ عَلَيْهَا: الَّذِينَ جَعَلَ اللَّهُ لَهُمْ الثَّمَنَ فِي كِتَابَةِ السُّلْطَانِ وَقَالَ فِي رِوَايَةِ حَنْبَلٍ يَكُونُ لَهُمْ الَّذِي يَرَاهُ الْإِمَامُ وَظَاهِرُ هَذَا أَنْ يَجِبَ ذَلِكَ لَهُ بِالشَّرْعِ إمَّا مُقَدَّرًا أَوْ غَيْرَ مُقَدَّرٍ وَالْوَلِيُّ يَأْخُذُ بِنَفْسِهِ وَقَدْ أَمَرَهُ اللَّهُ بِالِاسْتِعْفَافِ مَعَ الْغِنَى وَأَيْضًا فَأَمْوَالُ الزَّكَاةِ حَقٌّ لِغَيْرِ مُعَيَّنٍ بِخِلَافِ مَالِ الْيَتِيمِ وَأَيْضًا فَمَالُ الزَّكَاةِ يَسْتَحِقُّهُ جَمَاعَةٌ مِنْ الْغَنِيِّ فَالْعَامِلُ الَّذِي حَصَلَ الزَّكَاةَ وَجَبَاهَا أَوْلَى وَأَيْضًا فَالْعَامِلُ هُوَ الَّذِي جَمَعَ الْمَالَ وَحَصَّلَهُ بِخِلَافِ وَلِيِّ الْيَتِيمِ وَذَكَرَ الْقَاضِي فِي الْأَحْكَامِ السُّلْطَانِيَّةِ أَنَّ قِيَاسَ الْمَذْهَبِ أَنَّ الْعَامِلَ لَا يَسْتَحِقُّ إذَا لَمْ يُشْتَرَطْ لَهُ جُعْلٌ إلَّا أَنْ يَكُونَ مَعْرُوفًا بِأَخْذِ الْأُجْرَةِ عَلَى عَمَلِهِ وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ لِأَنَّ حَقَّهُ ثَابِتٌ بِالنَّصِّ فَهُوَ كَجُعْلِ رَدِّ الْإِبَاقِ وَأَوْلَى لِوُرُودِ الْقُرْآنِ بِهِ.
وَمِنْهَا: مَنْ رَدَّ آبِقًا عَلَى مَوْلَاهُ فَإِنَّهُ يَسْتَحِقُّ عَلَى رَدِّهِ جُعْلًا بِالشَّرْعِ سَوَاءٌ شَرَطَهُ أَوْ لَمْ يَشْرُطْهُ عَلَى ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ وَفِيهِ أَحَادِيثُ مُرْسَلَةٌ وَآثَارٌ وَالْمَعْنَى فِيهِ الْحَثُّ عَلَى حِفْظِهِ عَلَى سَيِّدِهِ وَصِيَانَةِ الْعَبْدِ عَمَّا يَخَافُ مِنْ لِحَاقِهِ بِدَارِ الْحَرْبِ وَالسَّعْيِ فِي الْأَرْضِ بِالْفَسَادِ وَلِهَذَا الْمَعْنَى اخْتَصَّ الْوُجُوبُ بِرَدِّ الْآبِقِ [دُونَ غَيْرِهِ مِنْ الْحَيَوَانِ وَالْمَتَاعِ وَسَوَاءٌ كَانَ مَعْرُوفًا
بِرَدِّ الْإِبَاقِ] أَوْ لَمْ يَكُنْ إلَّا السُّلْطَانُ فَإِنَّهُ لَا شَيْءَ لَهُ نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ حَرْبٍ لِانْتِصَابِهِ لِلْمَصَالِحِ وَلَهُ حَقٌّ فِي بَيْتِ الْمَالِ عَلَى ذَلِكَ وَكَذَلِكَ لَمْ يَكُنْ لَهُ الْأَكْلُ مِنْ مَالِ الْيَتِيمِ كَمَا سَبَقَ.
وَمِنْهَا: مَنْ أَنْقَذَ مَالَ غَيْرِهِ مِنْ التَّلَفِ كَمَنْ خَلَّصَ عَبْدَ غَيْرِهِ مِنْ فَلَاة مُهْلِكَةٍ أَوْ مَتَاعَهُ مِنْ مَوْضِعٍ يَكُونُ هَلَاكُهُ فِيهِ مُحَقَّقًا أَوْ قَرِيبًا مِنْهُ بِالْبَحْرِ وَفَمِ السُّبُعِ فَنَصَّ أَحْمَدُ عَلَى وُجُوبِ الْأُجْرَةِ لَهُ فِي الْمَتَاعِ وَذَكَرَهُ الْقَاضِي وَابْنُ عَقِيلٍ وَصَاحِبُ الْمُغْنِي فِي الْعَبْدِ أَيْضًا وَحَكَى الْقَاضِي فِيهِ احْتِمَالًا بِعَدَمِ الْوُجُوبِ كَاللُّقَطَةِ وَأَوْرَدَ فِي الْمُجَرَّدِ عَنْ نَصِّ أَحْمَدَ فِيمَنْ خَلَّصَ مِنْ فَمِ السَّبُعِ شَاةً أَوْ خَرُوفًا أَوْ غَيْرَهُمَا فَهُوَ لِمَالِكِهِ الْأَوَّلِ وَلَا شَيْءَ لِلْمُخَلِّصِ وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ لِأَنَّ هَذَا يُخْشَى هَلَاكُهُ وَتَلَفُهُ عَلَى مَالِكِهِ بِخِلَافِ اللُّقَطَةِ وَكَذَلِكَ لَوْ انْكَسَرَتْ السَّفِينَةُ فَخَلَّصَ قَوْمٌ الْأَمْوَالَ مِنْ الْبَحْرِ فَإِنَّهُ يَجِبُ لَهُمْ الْأُجْرَةُ عَلَى الْمُلَّاكِ مَا ذَكَرَهُ فِي الْمُغْنِي لِأَنَّ فِيهِ حَثًّا وَتَرْغِيبًا فِي إنْقَاذِ الْأَمْوَالِ مِنْ التَّهْلُكَةِ فَإِنَّ الْغَوَّاصَ إذَا عَلِمَ أَنَّهُ يَسْتَحِقُّ الْأُجْرَةَ غَرَّرَ بِنَفْسِهِ وَبَادَرَ إلَى التَّخْلِيصِ بِخِلَافِ مَا إذَا عَلِمَ أَنَّهُ لَا شَيْءَ لَهُ فَهُوَ فِي مَعْنَى رَدِّ الْآبِقِ وَفِي مُسَوَّدَةِ شَرْحِ الْهِدَايَةِ لِأَبِي الْبَرَكَاتِ: وَعِنْدِي أَنَّ كَلَامَ أَحْمَدَ عَلَى ظَاهِرِهِ فِي وُجُوبِ الْأُجْرَةِ عَلَى تَخْلِيصِ الْمَتَاعِ مِنْ الْمَهَالِكِ دُونَ الْآدَمِيِّ لِأَنَّ الْآدَمِيَّ أَهْلٌ فِي الْجُمْلَةِ لِحِفْظِ نَفْسِهِ وَفِيهِ نَظَرٌ وَقَدْ يَكُونُ صَغِيرًا أَوْ عَاجِزًا وَتَخْلِيصُهُ أَهَمُّ وَأَوْلَى مِنْ الْمَتَاعِ وَلَيْسَ فِي كَلَامِ أَحْمَدَ تَفْرِقَةٌ فَأَمَّا مَنْ عَمِلَ فِي مَالِ غَيْرِهِ عَلَى غَيْرِ مَا ذَكَرْنَا فَالْمَعْرُوفُ مِنْ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ لَا أُجْرَةَ لَهُ وَنَقَلَ أَبُو جَعْفَرٍ الْجُرْجَانِيُّ عَنْ أَحْمَدَ فِي رَجُلٍ عَمِلَ فِي قَنَاةِ رَجُلٍ بِغَيْرِ إذْنِهِ فَقَالَ لِهَذَا الَّذِي عَمِلَ نَفَقَتُهُ إذَا عَمِلَ مَا يَكُونُ مَصْلَحَةً لِصَاحِبِ الْقَنَاةِ وَهَذِهِ تَتَخَرَّجُ عَلَى أَصْلَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّ الْغَاصِبَ يَكُونُ شَرِيكًا بِآثَارِ عَمَلِهِ.
وَالثَّانِي: أَنْ يُجْبَرَ عَلَى أَخْذِ قِيمَةِ آثَارِ عَمَلِهِ مِنْ الْمَالِكِ لِتَمَلُّكِهَا عَلَيْهِ وَخَرَّجَ الْقَاضِي فِي خِلَافِهِ بِأَنْ يَكُونَ شَرِيكًا بِآثَارِ عَمَلِهِ إذَا زَادَتْ بِهِ الْقِيمَةُ وَذَكَرَ نَصَّ أَحْمَدَ فِي الْعَمَلِ فِي الْقَنَاةِ مِنْ رِوَايَةِ حَرْبٍ وَابْنِ هَانِئٍ وَتَبِعَهُ عَلَى ذَلِكَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْأَصْحَابِ وَحَمَلَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي مُفْرَدَاتِهِ هَذِهِ النُّصُوصَ عَلَى أَنَّ الْعَامِلَ هُنَا فِي الْقَنَاةِ كَانَ شَرِيكًا فِيهَا وَلَيْسَ فِي الْمَنْصُوصِ شَيْءٌ يُشْعِرُ بِذَلِكَ وَمِنْ الْأَصْحَابِ مَنْ أَقَرَّ النُّصُوصَ عَلَى ظَاهِرِهَا وَجَعَلَ هَذَا الْحُكْمَ مُطَّرِدًا فِي كُلِّ مَنْ عَمِلَ عَمَلًا كَغَيْرِهِ فِيهِ مَصْلَحَةٌ لَهُ وَهُوَ مُحْتَاجٌ إلَيْهِ كَحَصَادِ زَرْعِهِ وَالِاسْتِخْرَاجِ مِنْ مَعْدِنِهِ وَنَحْوِ ذَلِكَ تَخْرِيجًا مِنْ الْعَمَلِ فِي الْقَنَاةِ وَمِنْهُمْ الْحَارِثِيُّ وَكَأَنَّهُمْ جَعَلُوهُ بِمَنْزِلَةِ تَصَرُّفِ الْفُضُولِيِّ فَلِلْمَالِكِ حِينَئِذٍ أَنْ يُمْضِيَهُ وَيَرُدَّ عِوَضَهُ وَهُوَ أُجْرَةُ الْمِثْلِ وَلَهُ أَنْ يُمْضِيَهُ فَيَكُونُ الْعَامِلُ شَرِيكًا بِالْعَمَلِ وَقَدْ قَالَ الْقَاضِي فِي بَعْضِ تَعَالِيقِهِ وَقَرَأْتُهُ بِخَطِّهِ فِي الْأَجِيرِ إذَا عَمِلَ فِي الْعَيْنِ الْمُسْتَأْجَرِ عَلَيْهَا دُونَ مَا شَرَطَ عَلَيْهِ أَنَّ الْمَالِكَ مُخَيَّرٌ إنْ شَاءَ رَدَّ عَمَلَهُ وَأَخَذَ وَصَارَ الْأَجِيرُ