الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
نَجَاسَةً وَغَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ زَوَالُهَا فَإِنَّهُ يَبْنِي عَلَى الْأَصْلِ، وَكَذَلِكَ فِي النِّكَاحِ وَالطَّلَاقِ وَغَيْرِهِمَا.
وَمِنْهَا: إذَا شَكَّ فِي طُلُوعِ الْفَجْرِ فِي رَمَضَانَ فَإِنَّهُ يُبَاحُ لَهُ الْأَكْلُ حَتَّى يَتَيَقَّنَ طُلُوعَهُ نَصَّ عَلَيْهِ، أَحْمَدُ، وَلَا عِبْرَةَ فِي ذَلِكَ بِغَلَبَةِ الظَّنِّ وَبِالْقَرَائِنِ وَنَحْوِهَا مَا لَمْ يَكُنْ مُسْتَنِدًا إلَى إخْبَارِ ثِقَةٍ بِالطَّلْعِ.
وَمِنْهَا: إذَا زَنَى مَنْ لَهُ زَوْجَةٌ وَوَلَدٌ فَأَنْكَرَ أَنْ يَكُونَ وَطِئَ زَوْجَتَهُ، قَالَ أَصْحَابُنَا: لَا يُرْجَمُ ; لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْوَطْءِ وَلُحُوقُ النَّسَبِ يَثْبُتُ بِمُجَرَّدِ الْإِمْكَانِ وَوُجُودِ الْقَرَائِنِ.
[الْقِسْمُ الثَّالِثُ مَا عُمِلَ فِيهِ بِالظَّاهِرِ وَلَمْ يُلْتَفَتْ إلَى الْأَصْلِ]
ِ وَلَهُ صُوَرٌ: مِنْهَا: إذَا شَكَّ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ الصَّلَاةِ أَوْ غَيْرِهَا مِنْ الْعِبَادَاتِ فِي تَرْكِ رُكْنٍ مِنْهَا فَإِنَّهُ لَا يَلْتَفِتُ إلَى الشَّكِّ، وَإِنْ كَانَ الْأَصْلُ عَدَمَ الْإِتْيَانِ بِهِ وَعَدَمَ بَرَاءَةِ الذِّمَّةِ لَكِنَّ الظَّاهِرَ مِنْ أَفْعَالِ الْمُكَلَّفِينَ لِلْعِبَادَاتِ أَنْ تَقَعَ عَلَى وَجْهِ الْكَمَالِ فَيَرْجِعُ هَذَا الظَّاهِرُ عَلَى الْأَصْلِ، وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ الْوُضُوءِ وَغَيْرِهِ عَلَى الْمَنْصُوصِ عَنْ أَحْمَدَ، وَفِي الْوُضُوءِ وَجْهٌ أَنَّ الشَّكَّ فِي تَرْكِ بَعْضِهِ بَعْدَ الْفَرَاغِ كَالشَّكِّ فِي ذَلِكَ قَبْلَ الْفَرَاغِ ; لِأَنَّ حُكْمَهُ بَاقٍ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْهُ، بِخِلَافِ الصَّلَاةِ وَغَيْرِهَا.
وَمِنْهَا: لَوْ صَلَّى ثُمَّ رَأَى عَلَيْهِ نَجَاسَةً وَشَكَّ هَلْ لَحِقَتْهُ قَبْلَ الصَّلَاةِ أَوْ بَعْدَهَا وَأَمْكَنَ الْأَمْرَانِ فَالصَّلَاةُ صَحِيحَةٌ، وَإِنْ كَانَ الْأَصْلُ عَدَمَ انْعِقَادِ الصَّلَاةِ وَبَقَاؤُهَا فِي الذِّمَّةِ حَتَّى يَتَيَقَّنَ صِحَّتَهَا، لَكِنْ حُكِمَ بِالصِّحَّةِ ; لِأَنَّ الظَّاهِرَ صِحَّةُ أَعْمَالِ الْمُكَلَّفِ وَجَرَيَانُهَا عَلَى الْكَمَالِ وَعَضَّدَ ذَلِكَ أَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ مُقَارَنَةِ الصَّلَاةِ لِلنَّجَاسَةِ، وَتُرْجَعُ الْمَسْأَلَةُ حِينَئِذٍ إلَى تَعَارُضِ أَصْلَيْنِ رُجِّحَ أَحَدُهُمَا بِظَاهِرٍ عَضَّدَهُ.
وَمِنْهَا: إذَا اخْتَلَفَ الْجِنْسَانِ بَعْدَ الْعَقْدِ فِي بَعْضِ شَرَائِطِ صِحَّةِ الْعَقْدِ، كَمَا إذَا ادَّعَى الْبَائِعُ أَنَّهُ كَانَ صَبِيًّا أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ وَأَنْكَرَ الْمُشْتَرِي فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُشْتَرِي عَلَى الْمَذْهَبِ، وَنَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ فِي صُورَةِ دَعْوَى الصَّغِيرِ فِي رِوَايَةِ ابْنِ مَنْصُورٍ ; لِأَنَّ الظَّاهِرَ وُقُوعُ الْعُقُودِ عَلَى وَجْهِ الصِّحَّةِ دُونَ الْفَسَادِ وَإِنْ كَانَ الْأَصْلُ عَدَمَ الْبُلُوغِ وَالْإِذْنِ.
وَذَكَرَ الْأَصْحَابُ وَجْهًا آخَرَ فِي دَعْوَى الصَّغِيرِ أَنَّهُ يُقْبَلُ ; لِأَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ تَكْلِيفُهُ وَالْأَصْلُ عَدَمُهُ، بِخِلَافِ دَعْوَى عَدَمِ الْإِذْنِ مِنْ مُكَلَّفٍ فَإِنَّ الْمُكَلَّفَ لَا يَتَعَاطَى فِي الظَّاهِرِ إلَّا الصَّحِيحَ.
قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: وَهَكَذَا يَجِيءُ فِي الْإِقْرَارِ وَسَائِرِ التَّصَرُّفَاتِ إذَا اخْتَلَفَا هَلْ وَقَعَتْ بَعْدَ الْبُلُوغِ أَوْ قَبْلَهُ ; لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي الْعُقُودِ الصِّحَّةُ فَإِمَّا أَنْ يُقَالَ هَذَا عَامٌّ وَإِمَّا أَنْ يُفَرَّقَ بَيْنَ أَنْ يَتَيَقَّنَ أَنَّهُ وَقْتُ التَّصَرُّفِ كَانَ مَشْكُوكًا فِيهِ غَيْرَ مَحْكُومٍ بِبُلُوغِهِ أَوْ لَا يَتَيَقَّنُ، فَأَمَّا مَعَ تَيَقُّنِ الشَّكِّ قَدْ تَيَقَّنَّا صُدُورَ التَّصَرُّفِ مِمَّنْ لَمْ تَثْبُتْ أَهْلِيَّتُهُ وَالْأَصْلُ عَدَمُهَا، فَقَدْ شَكَكْنَا فِي شَرْطِ الصِّحَّةِ وَذَلِكَ مَانِعٌ مِنْ الصِّحَّةِ، وَأَمَّا فِي الْحَالَةِ الْأُخْرَى فَإِنَّهُ يَجُوزُ صُدُورُهُ فِي حَالِ الْأَهْلِيَّةِ وَحَالِ عَدَمِهَا وَالظَّاهِرُ صُدُورُهُ وَقْتَ الْأَهْلِيَّةِ، وَالْأَصْلُ عَدَمُهُ قَبْلَ وَقْتِهَا، فَالْأَهْلِيَّةُ هُنَا مُتَيَقِّنٌ وُجُودُهَا.
ثُمَّ ذَكَرَ أَنَّ مَنْ لَمْ يُقِرَّ بِالْبُلُوغِ حَتَّى تَعَلَّقَ بِهِ حَقٌّ مِثْلُ إسْلَامِهِ بِإِسْلَامِ أَبِيهِ أَوْ ثُبُوتُ الذِّمَّةِ لَهُ تَبَعًا
لِأَبِيهِ أَوْ بَعْدَ تَصَرُّفِ الْوَلِيِّ لَهُ أَوْ تَزْوِيجِ وَلِيٍّ أَبْعَدَ مِنْهُ لِمُوَلِّيَتِهِ فَهَلْ يُقْبَلُ مِنْهُ دَعْوَى الْبُلُوغِ حِينَئِذٍ أَمْ لَا لِثُبُوتِ هَذِهِ الْأَحْكَامِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِهِ فِي الظَّاهِرِ قَبْلَ دَعْوَاهُ؟ وَأَشَارَ إلَى تَخْرِيجِ الْمَسْأَلَةِ عَلَى الْوَجْهَيْنِ فِيمَا إذَا ارْتَجَعَ الرَّجْعِيَّةَ زَوْجُهَا فَقَالَتْ قَدْ انْقَضَتْ عِدَّتِي، وَشَبَّهَهُ أَيْضًا بِمَا إذَا ادَّعَى الْمَجْهُولُ الْمَحْكُومُ بِإِسْلَامِهِ ظَاهِرًا كَاللَّقِيطِ الْمُقِرِّ بَعْدَ الْبُلُوغِ فَإِنَّهُ لَا تُسْمَعُ مِنْهُ عَلَى الصَّحِيحِ، وَكَذَا لَوْ تَصَرَّفَ الْمَحْكُومُ بِحُرِّيَّتِهِ ظَاهِرًا كَاللَّقِيطِ ثُمَّ ادَّعَى الرِّقَّ فَفِي قَبُولِهِ خِلَافٌ مَعْرُوفٌ.
وَمِنْهَا: إذَا غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ دُخُولَ وَقْتِ الصَّلَاةِ فَإِنَّهُ تَصِحُّ صَلَاتُهُ وَلَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَتَيَقَّنَ دُخُولَهُ فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ، وَحَكَى عَنْ ابْنِ حَامِدٍ أَنْ يُعْتَبَرَ التَّيَقُّنُ.
وَمِنْهَا: الْفِطْرُ فِي الصِّيَامِ يَجُوزُ بِغَلَبَةِ ظَنِّ غُرُوبِ الشَّمْسِ فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ، وَمِنْ الْأَصْحَابِ مَنْ قَالَ لَا يَجُوزُ الْفِطْرُ إلَّا مَعَ تَيَقُّنِ الْغُرُوبِ وَبِهِ جَزَمَ صَاحِبُ التَّلْخِيصِ، وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ ; لِأَنَّ الْوَقْتَ عَلَيْهِ أَمَارَاتٌ تُعْرَفُ بِهَا فَاكْتُفِيَ فِيهَا بِالظَّنِّ الْغَالِبِ، بِخِلَافِ مَا لَا أَمَارَةَ عَلَيْهِ مِنْ إتْمَامِ الصَّلَاةِ وَالطَّهَارَةِ وَالْحَدَثِ وَنَحْوِهَا، وَأَيْضًا فَالصَّلَاةُ وَالطَّهَارَةُ وَنَحْوُهُمَا كُلٌّ مِنْهُمَا عِبَادَةٌ فَعَلَيْهِ مَطْلُوبَةُ الْوُجُودِ إذَا شَكَّ فِي فِعْلِ شَيْءٍ مِنْهَا فَالْأَصْلُ عَدَمُهُ فَلَا يُخْرَجُ مِنْ عُهْدَتِهِ إلَّا بِيَقِينٍ، وَالصَّوْمُ عِبَادَةٌ وَكَفٌّ عَنْ مَحْظُورَاتٍ خَاصَّةٍ، فَمَتَى لَمْ يَتَيَقَّنْ وُقُوعَ مَحْظُورَاتِهَا فِي وَقْتِهَا لَمْ يُحْكَمْ بِبُطْلَانِهَا، وَإِنَّمَا مُنِعَ مِنْ الْخُرُوجِ مِنْهَا بِمُجَرَّدِ الشَّكِّ الْمُسَاوِي ; لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ الصَّوْمِ وَلَمْ يَتَرَجَّحْ ظَنٌّ يُعَارِضُهُ، فَإِذَا تَرَجَّحَ الظَّنُّ عُمِلَ بِهِ وَلَمْ يُحْكَمْ بِبُطْلَانِهِ بِوُقُوعِ مَحْظُورَاتِهِ حِينَئِذٍ لَا سِيَّمَا وَفِعْلُ مَحْظُورَاتِهِ مَعَ تَرْجِيحِ ظَنِّ انْقِضَائِهِ مَطْلُوبٌ شَرْعًا عَلَى الْأَظْهَرِ وَلِهَذَا جَازَ الْأَكْلُ أَوْ اُسْتُحِبَّ مَعَ ظَنِّ طُلُوعِ الْفَجْرِ حَتَّى يَتَيَقَّنَ طُلُوعَهُ كَمَا سَبَقَ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ وَقْتِ الصَّلَاةِ مِنْ وَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا ; أَنَّ الصَّلَاةَ يَجُوزُ فِعْلُهَا مَعَ غَلَبَةِ ظَنِّ دُخُولِ وَقْتِهَا وَلَا يَجِبُ، وَكَذَلِكَ الصِّيَامُ يَجُوزُ الْإِمْسَاكُ بِنِيَّةِ الصَّوْمِ مَعَ غَلَبَةِ ظَنٍّ وَلَا يَجِبُ فَهُمَا سَوَاءٌ: وَالثَّانِي: أَنَّ الصَّلَاةَ عِبَادَةٌ فَعَلَيْهِ لَا تُسْتَغْرَقُ مَجْمُوعُ وَقْتِهَا بَلْ تُفْعَلُ فِي جُزْءٍ مِنْهُ، فَإِذَا فُعِلَتْ فِي زَمَنٍ يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ أَنَّهُ مِنْ وَقْتِهَا كَفَى، وَالصَّوْمُ عِبَادَةٌ تَسْتَغْرِقُ زَمَنَهَا وَهِيَ مِنْ بَابِ الْكَفِّ وَالتَّرْكِ لَا مِنْ بَابِ الْأَعْمَالِ، فَيَكْفِي اشْتِرَاطُ الْكَفِّ عَنْ مَحْظُورَاتِهَا فِي زَمَانِهَا الْمُحَقَّقِ دُونَ الْمَشْكُوكِ فِيهِ، وَلَا يَبْطُلُ بِفِعْلِ شَيْءٍ مِنْ مَحْظُورَاتِهَا فِي زَمَنٍ لَا يَتَحَقَّقُ أَنَّهُ وَقْتُ الصِّيَامِ، إلَّا أَنْ يَكُونَ الْأَصْلُ بَقَاءَ وَقْتِ الصِّيَامِ وَلَمْ يَغْلِبْ عَلَى الظَّنِّ خُرُوجُهُ فَلَا يُبَاحُ حِينَئِذٍ الْإِقْدَامُ عَلَى الْإِفْطَارِ وَلَا تَبْرَأُ الذِّمَّةُ بِمُجَرَّدِ ذَلِكَ، وَهَذَا كَمَا قُلْنَا فِيمَنْ صَلَّى ثُمَّ رَأَى عَلَيْهِ نَجَاسَةً يُمْكِنُ أَنَّهَا لَحِقَتْهُ بَعْدَ الصَّلَاةِ سَوَاءٌ.
وَمِنْهَا: أَنَّ الْمُسْتَحَاضَةَ الْمُعْتَادَةَ تَرْجِعُ إلَى عَادَتِهَا وَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهَا عَادَةٌ فَإِلَى تَمْيِيزِهَا، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا عَادَةٌ وَتَمْيِيزٌ رَجَعَتْ إلَى غَالِبِ عَادَاتِ النِّسَاءِ وَهِيَ سِتٌّ أَوْ سَبْعٌ عَلَى الصَّحِيحِ ; لِأَنَّ الظَّاهِرَ مُسَاوَاتُهَا لَهُنَّ وَإِنْ كَانَ الْأَصْلُ عَدَمُ فَرَاغِ حَيْضِهَا حِينَئِذٍ.
وَمِنْهَا: امْرَأَةُ الْمَفْقُودِ تَتَزَوَّجُ بَعْدَ انْتِظَارِ أَرْبَعِ سِنِينَ وَيُقَسَّمُ مَالُهُ حِينَئِذٍ ; لِأَنَّ الظَّاهِرَ مَوْتُهُ، وَإِنْ كَانَ الْأَصْلُ بَقَاؤُهُ لَكِنْ هَلْ يَثْبُتُ لَهُ أَحْكَامُ الْمَعْدُومِ مِنْ حِينِ فَقَدَهُ أَوْ لَا يَثْبُتُ إلَّا مِنْ حِينِ إبَاحَةِ أَزْوَاجِهِ وَقِسْمَةِ مَالِهِ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ، يَنْبَنِي عَلَيْهِمَا لَوْ مَاتَ لَهُ فِي مُدَّةِ انْتِظَارِهِ مَنْ يَرِثُهُ فَهَلْ يُحْكَمُ بِتَوْرِيثِهِ مِنْهُ أَمْ لَا؟