الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الْأَمْرَ بِالْمَاهِيَةِ الْكُلِّيَّةِ لَيْسَ أَمْرًا بِشَيْءٍ مِنْ جُزْئِيَّاتِهَا وَالْبَيْعُ نَسْئًا كَالْبَيْعِ بِغَيْرِ نَقْدِ الْبَلَدِ وَهَذِهِ الطَّرِيقَةُ سَلَكَهَا الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ وَابْنِ عَقِيلٍ أَيْضًا فِي مَوْضِعٍ آخَرَ وَهِيَ بَعِيدَةٌ جِدًّا لِمُخَالَفَتِهِ لِمَنْصُوصِ أَحْمَدَ وَكَذَلِكَ حُكْمُ الْمُخَالَفَةِ فِي الْمَهْرِ فَلَوْ أَذِنَتْ الْمَرْأَةُ لِوَلِيِّهَا أَنْ يُزَوِّجَهَا بِمَهْرٍ سَمَّتْهُ فَزَوَّجَهَا بِدُونِهِ فَإِنَّهُ يَصِحُّ وَيَضْمَنُ الزِّيَادَةَ نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ ابْنِ مَنْصُورٍ وَحَكَى الْأَصْحَابُ رِوَايَةً أُخْرَى أَنَّهُ يَسْقُطُ الْمُسَمَّى وَيَلْزَمُ الزَّوْجَ مَهْرُ الْمِثْلِ وَكَذَا لَوْ لَمْ يُسَمَّ الْمَهْرُ فَإِنَّ الْإِطْلَاقَ يَنْصَرِفُ إلَى مَهْرِ الْمِثْلِ وَيُسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ الْأَبُ خَاصَّةً فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُ فِي عَقْدِهِ سِوَى الْمُسَمَّى وَلَوْ لَمْ تَأْذَنْ فِيهِ أَوْ طَلَبَتْ تَمَامَ الْمَهْرِ نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ مُهَنَّا وَأَمَّا الْمُخَالَفَةُ فِي عِوَضِ الْخُلْعِ إذَا خَالَعَ وَكِيلُ الزَّوْجَةِ بِأَكْثَر مِنْ مَهْرِ الْمِثْلِ أَوْ وَكِيلُ الزَّوْجِ بِدُونِهِ فِيهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ:
الْبُطْلَانُ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ حَامِدٍ وَالْقَاضِي، وَالصِّحَّةُ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي بَكْرٍ وَمَنْصُوصُ أَحْمَدَ، وَالْبُطْلَانُ بِمُخَالَفَتِهِ وَكِيلَهُ وَالصِّحَّةُ بِمُخَالَفَتِهِ وَكِيلَهَا، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي الْخَطَّابِ وَمَعَ الصِّحَّةِ يَضْمَنُ الْوَكِيلُ الزِّيَادَةَ وَالنَّقْصَ وَهَذَا الْخِلَافُ مِنْ الْأَصْحَابِ مِنْهُمْ مَنْ أَطْلَقَهُ مَعَ تَقْدِيرِ الْمَهْرِ وَتَرْكِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ خَصَّهُ بِمَا إذَا وَقَعَ التَّقْدِيرُ، فَأَمَّا مَعَ الْإِطْلَاقِ فَيَصِحُّ الْخُلْعُ وَجْهًا وَاحِدًا وَفِيهِ وَجْهَانِ آخَرَانِ ذَكَرَهُمَا الْقَاضِي:
أَحَدُهُمَا: يَبْطُلُ الْمُسَمَّى وَيَرْجِعُ إلَى مَهْرِ الْمِثْلِ.
وَالثَّانِي: يُخَيَّرُ الزَّوْجُ بَيْنَ قَبُولِ الْعِوَضِ نَاقِصًا وَلَا شَيْءٌ لَهُ غَيْرُهُ وَيَسْقُطُ حَقُّهُ مِنْ الرَّجْعَةِ وَبَيْنَ رَدِّهِ عَلَى الْمَرْأَةِ وَيَثْبُتُ لَهُ الرَّجْعَةُ وَفِي مُخَالَفَتِهِ وَكِيلَ الزَّوْجَةِ وَجْهٌ آخَرُ أَنَّهُ يَلْزَمُهَا أَكْثَر الْأَمْرَيْنِ مِنْ الْمُسَمَّى وَمَهْرِ الْمِثْلِ. ذَكَرَهُ ابْنُ الْبَنَّا
(الْقِسْمُ السَّادِس) التَّصَرُّفُ لِلْغَيْرِ بِمَالِ الْمُتَصَرِّفِ مِثْلُ أَنْ يَشْتَرِيَ بِعَيْنِ مَالِهِ سِلْعَةً لِزَيْدٍ فَفِي الْمُجَرَّدِ يَقَعُ بَاطِلًا رِوَايَةً وَاحِدَةً وَمِنْ الْأَصْحَابِ مَنْ خَرَّجَهُ عَلَى الْخِلَافِ فِي تَصَرُّفِ الْفُضُولِيِّ وَهُوَ أَصَحُّ ; لِأَنَّ الْعَقْدَ يَقِفُ عَلَى الْإِجَازَةِ وَيُعْتَبَرُ الثَّمَنُ مِنْ مَالِهِ يَكُونُ إقْرَاضًا لِلْمُشْتَرِي لَهُ أَوْ هِبَةً لَهُ فَهُوَ كَمَنْ وَجَبَ لِغَيْرِهِ عَقْدٌ فِي مَالِهِ فَقَبِلَهُ الْآخَرُ بَعْدَ الْمَجْلِسِ وَقَدْ نَصَّ أَحْمَدُ عَلَى صِحَّةِ مِثْلِ ذَلِكَ فِي النِّكَاحِ فِي رِوَايَةِ أَبِي طَالِبٍ وَالصَّحِيحُ فِي تَوْجِيهِهَا أَنَّهَا مِنْ بَابِ وَقْفِ الْعُقُودِ عَلَى الْإِجَازَةِ وَهُوَ مَأْخَذُ ابْنِ عَقِيلٍ وَغَيْرِهِ فَعَلَى هَذَا لَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ عَقْدٍ وَعَقْدٍ فَكُلُّ مَنْ أَوْجَبَ عَقْدَ الْغَائِبِ عَنْ الْمَجْلِسِ فَبَلَغَهُ فَقَبِلَهُ فَقَدْ أَجَازَهُ وَأَمْضَاهُ وَيَصِحُّ عَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ، وَيَرَى أَبُو بَكْرٍ رِوَايَةً أُخْرَى أَنَّهُ لَا يَصِحُّ إلَّا فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ وَاخْتَارَهَا.
[الْمَسْأَلَةُ الْحَادِيَةُ وَالْعِشْرُونَ الصَّفْقَةُ الْوَاحِدَةُ هَلْ تَتَفَرَّقُ فَيَصِحُّ بَعْضُهَا دُونَ بَعْضٍ أَمْ لَا]
[الْحَادِيَةُ وَالْعِشْرُونَ]
(الْفَائِدَةُ الثَّانِيَةُ) : الصَّفْقَةُ الْوَاحِدَةُ هَلْ تَتَفَرَّقُ فَيَصِحُّ بَعْضُهَا دُونَ بَعْضٍ أَمْ لَا فَإِذَا بَطَلَ بَعْضُهَا بَطَلَ كُلُّهَا؟ فِي الْمَسْأَلَةِ رِوَايَتَانِ أَشْهَرُهُمَا أَنَّهَا تَتَفَرَّقُ وَلِلْمَسْأَلَةِ صُوَرٌ:
أَحَدُهَا: أَنَّهُ يَجْمَعُ الْعَقْدَيْنِ مَا يَجُوزُ الْعَقْدُ عَلَيْهِ وَمَا لَا يَجُوزُ بِالْكُلِّيَّةِ إمَّا مُطْلَقًا أَوْ فِي تِلْكَ الْحَالِ فَيَبْطُلُ الْعَقْدُ فِيمَا لَا يَجُوزُ عَلَيْهِ الْعَقْدُ بِانْفِرَادِهِ وَهَلْ يَبْطُلُ فِي الْبَاقِي؟ عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ. وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ عُقُودِ الْمُعَاوَضَاتِ وَغَيْرِهَا كَالرَّهْنِ وَالْهِبَةِ وَالْوَقْفِ وَلَا بَيْنَ مَا يَبْطُلُ بِجَهَالَةِ عِوَضِهِ كَالْمَبِيعِ وَمَا لَا يَبْطُلُ كَالنِّكَاحِ فَإِنْ النِّكَاحَ فِيهِ رِوَايَتَانِ
مَنْصُوصَتَانِ عَنْ أَحْمَدَ غَيْرَ أَنَّ صَاحِبَ الْمُغْنِي اخْتَارَ أَنَّ الْبَيْعَ إذَا كَانَ الثَّمَنُ مُنْقَسِمًا عَلَيْهِ بِالْقِيمَةِ كَعَبْدَيْنِ أَحَدُهُمَا مَغْصُوبٌ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ الْعَقْدُ فِيهِمَا تَعْلِيلًا بِجَهَالَةِ الْعِوَضِ بِخِلَافِ مَا يُقْسَمُ الثَّمَنُ عَلَيْهِ بِالْأَجْزَاءِ كَقَفِيزٍ مِنْ صُبْرَةٍ وَاحِدَةٍ وَهَذَا مَأْخَذُ الْبُطْلَانِ وَرَاءَ تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ كَمَا لَوْ قَالُوا فِيمَا إذَا بَاعَ مَعْلُومًا وَمَجْهُولًا: إنَّهُ لَا يَصِحُّ رِوَايَةً وَاحِدَةً ; لِجَهَالَةِ الثَّمَنِ فَهَذَا هُوَ الْمَانِعُ هُنَا مِنْ تَفْرِيقِهِمَا وَفِي التَّلْخِيصِ أَنَّ لِلْبُطْلَانِ فِي الْكُلِّ مَأْخَذَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: كَوْنُ الصِّفَةِ لَا تَقْبَلُ التَّجْزِئَةَ وَالِانْقِسَامَ.
وَالثَّانِي: جَهَالَةُ الْعِوَضِ قَالَ: فَعَلَى الْأَوَّلِ يَطَّرِدُ الْخِلَافُ فِي كُلِّ الْعُقُودِ وَعَلَى الثَّانِي لَا يَطَّرِدُ فِيمَا لَا عِوَضَ فِيهِ أَوْ لَا يَفْسُدُ بِفَسَادِ عِوَضِهِ كَالنِّكَاحِ، قَالَ عَلَى الْأَوَّلِ لَوْ قَالَ يُقْبَلُ كُلُّ وَاحِدٍ بِكَذَا لَمْ يَصِحَّ وَيَصِحُّ عَلَى الثَّانِي انْتَهَى ثُمَّ إنَّهُ حَكَى فِي تَعَدُّدِ الصَّفْقَةِ تَفْصِيلَ الثَّمَنِ وَجْهَيْنِ وَصَحَّحَ بِعَدَدِهَا فَعَلَى هَذَا يَصِحُّ فِي قَوْلِهِ: يُقْبَلُ كُلُّ وَاحِدٍ بِكَذَا عَلَى الْمَأْخَذَيْنِ ثُمَّ أَنَّهُ اخْتَارَ أَنَّ الْمُتَبَايِعَيْنِ إنْ عَلِمَا أَنَّ بَعْضَ الصَّفْقَةِ غَيْرُ قَابِلٍ لِلْبَيْعِ لَمْ يَصِحَّ رِوَايَةً وَاحِدَةً ; لِأَنَّهُمَا دَخَلَا عَلَى جَهَالَةِ الثَّمَنِ وَإِنْ جَهِلَا ذَلِكَ فَهُوَ مَحَلُّ الرِّوَايَتَيْنِ ; لِأَنَّ الْجَهْلَ بِمِثْلِ ذَلِكَ تَأْثِيرٌ فِي الصِّحَّةِ كَمَا لَوْ شَرَى الْمَبِيعَ الَّذِي لَا يَسْقُطُ أَرْشُهُ بَعْدَ الْعِتْقِ وَهَذَا ضَعِيفٌ فَإِنَّ الْبَائِعَ عَلِمَ بِالْعَيْبِ فِي الْعَقْدِ وَلَا يَمْنَعُ الصِّحَّةَ وَكَذَا فِي بَيْعِ النَّجْشِ وَاخْتَارَ الْبَائِعُ بِزِيَادَةٍ عَلَى الثَّمَنِ عَمْدًا فَإِنَّ الْبَيْعَ يَصِحُّ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ وَيَسْقُطُ بَعْضُ الثَّمَنِ وَهَاهُنَا طَرِيقَةٌ ثَانِيَةٌ لِدَفْعِ جَهَالَةِ الثَّمَنِ وَهِيَ تَقْسِيطُهُ عَلَى عَدَدِ الْمَبِيعِ لَا عَلَى الْقِيَمِ. ذَكَرَهُ الْقَاضِي وَابْنُ عَقِيلٍ وَجْهًا فِي بَابِ الشَّرِكَةِ وَالْكِتَابَةِ مِنْ الْمُجَرَّدِ وَالْفُصُولِ فِيمَا إذَا بَاعَ عَبْدَيْنِ أَحَدُهُمَا لَهُ وَالْآخَرُ لِغَيْرِهِ أَنَّ الثَّمَنَ يَتَقَسَّطُ عَلَيْهِمَا نِصْفَيْنِ كَمَا لَوْ تَزَوَّجَ امْرَأَتَيْنِ فِي عَقْدٍ وَهَذَا بَعِيدٌ جِدًّا وَلَا أَظُنُّ يَطَّرِدُ إلَّا فِيمَا إذَا كَانَ جِنْسًا وَاحِدًا. وَذَكَرَ فِي بَابِ الضَّمَانِ مِنْ كِتَابَيْهِمَا طَرِيقَةً ثَالِثَةً وَهِيَ أَنَّهُ يُمْسِكُ وَيَصِحُّ الْعَقْدُ عَلَيْهِ بِكُلِّ الثَّمَنِ أَوْ يَرُدُّهُ وَهَذَا فِي غَايَةِ الْفَسَادِ اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يَخُصَّ هَذَا بِمَنْ كَانَ عَالِمًا بِالْحَالِ، وَأَنَّ بَعْضَ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ لَا يَصِحُّ الْعَقْدُ عَلَيْهِ فَيَكُونُ قَدْ دَخَلَ عَلَى بَذْلِ الثَّمَنِ فِي مُقَابَلَةِ مَا يَصِحُّ عَلَيْهِ الْعَقْدُ خَاصَّةً كَمَا نَقُولُ فِيمَنْ أَوْصَى لِحَيٍّ وَمَيِّتٍ يَعْلَمُ مَوْتَهُ بِشَيْءٍ أَنَّ الْوَصِيَّةَ كُلَّهَا لِلْحَيِّ. وَلِبَعْضِهِمْ طَرِيقَةٌ أُخْرَى فِي الْمَسْأَلَةِ وَهِيَ إنْ كَانَ مِمَّا لَا يَجُوزُ عَلَيْهِ الْعَقْدُ غَيْرُ قَابِلٍ لِلْمُعَاوَضَةِ بِالْكُلِّيَّةِ، كَالطَّرِيقِ بَطَلَ الْبَيْعُ ; لِأَنَّهُ غَيْرُ قَابِلٍ لِلتَّحَوُّلِ بِالْكُلِّيَّةِ وَقِيَاسُهُ الْخَمْرُ وَإِنْ كَانَ قَابِلًا لِلصِّحَّةِ فَفِيهِ الْخِلَافُ. ذَكَرَهُ الْأَزَجِيُّ وَلَا يَثْبُتُ ذَلِكَ فِي الْمَذْهَبِ. وَعَلَى الْقَوْلِ بِالتَّفْرِيقِ فَلِلْمُشْتَرِي الْخِيَارُ إذَا لَمْ يَكُنْ عَالِمًا بِتَبْعِيضِ الصَّفْقَةِ عَلَيْهِ وَلَهُ أَيْضًا الْأَرْشُ إذَا أَمْسَكَ بِالْقِسْطِ فِيمَا يَنْقُصُ بِالتَّفْرِيقِ كَالْعَبْدِ الْوَاحِدِ وَالثَّوْبِ الْوَاحِدِ ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْمُغْنِي فِي الضَّمَانِ.
الصُّورَةُ الثَّانِيَةُ: أَنْ يَكُونَ التَّحْرِيمُ فِي بَعْضِ أَفْرَادِ الصَّفْقَةِ نَاشِئًا مِنْ الْجَمْعِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْآخَرِ فَهَاهُنَا حَالَتَانِ إحْدَاهُمَا أَنْ يَمْتَازَ بَعْضُ الْأَفْرَادِ بِمَزِيَّةٍ فَهَلْ يَصِحُّ الْعَقْدُ بِخُصُوصِهِ أَمْ يَبْطُلُ فِي الْكُلِّ؟ فِيهِ
خِلَافٌ وَالْأَظْهَرُ صِحَّةُ الْمَزِيَّةِ.
(فَمِنْ أَمْثِلَةِ صُوَرِ ذَلِكَ) مَا إذَا اجْتَمَعَ عَقْدُ نِكَاحٍ بَيْنَ أُمٍّ وَبِنْتٍ فَهَلْ يَبْطُلُ فِيهِمَا أَوْ يَصِحُّ فِي الْبِنْتِ لِصِحَّةِ وُرُودِ عَقْدِهَا عَلَى عَقْدِ الْأُمِّ مِنْ غَيْرِ عَكْسٍ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ.
(وَمِنْهَا) لَوْ جَمَعَ حُرٌّ وَاجِدٌ لِلطَّوْلِ أَوْ غَيْرُ خَائِفٍ لِلْعَنَتِ بَيْنَ حُرَّةٍ وَأَمَةٍ فِي عَقْدٍ، فَفِيهِ رِوَايَتَانِ مَنْصُوصَتَانِ: إحْدَاهُمَا يَبْطُلُ النِّكَاحَانِ مَعًا.
الثَّانِيَةُ: يَصِحُّ نِكَاحُ الْحُرَّةِ وَحْدَهَا. وَهِيَ أَصَحُّ لِأَنَّهَا تَمْتَازُ بِصِحَّةِ وُرُودِ نِكَاحِهَا عَلَى نِكَاحِ الْأَمَةِ مِنْ غَيْرِ عَكْسٍ فَهِيَ كَالْبِنْتِ مَعَ الْأُمِّ وَأَوْلَى لِجَوَازِ دَوَامِ نِكَاحِ الْأَمَةِ مَعَهَا عَلَى الصَّحِيحِ أَيْضًا.
(وَمِنْهَا) أَنْ يَتَزَوَّجَ حُرٌّ خَائِفٌ لِلْعَنَتِ غَيْرُ وَاجِدٍ لِلطَّوْلِ حُرَّةً تُعِفُّهُ بِإِفْرَادِهَا وَأَمَةً فِي عَقْدٍ وَاحِدٍ وَفِيهِ وَجْهَانِ:
أَحَدُهُمَا: يَصِحُّ نِكَاحُ الْحُرَّةِ وَحْدَهَا وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ ; لِأَنَّ الْحُرَّةَ تَمْتَازُ عَلَى الْأَمَةِ بِصِحَّةِ وُرُودِ نِكَاحِهَا عَلَيْهَا فَاخْتَصَّتْ بِالصِّحَّةِ.
وَالثَّانِي: يَصِحُّ نِكَاحُهُمَا مَعًا قَالَ الْقَاضِي وَأَبُو الْخَطَّابِ فِي خِلَافَيْهِمَا ; لِأَنَّ لَهُ فِي هَذِهِ الْحَالِ قَبُولَ نِكَاحِ كُلِّ وَاحِدَة مِنْهُمَا عَلَى الِانْفِرَادِ فَيَصِحُّ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا كَمَا لَوْ جَمَعَ بَيْنَ أَمَةٍ ثُمَّ حُرَّةٍ. وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ ; لِأَنَّ قُدْرَتَهُ عَلَى نِكَاحِ الْحُرَّةِ تَمْنَعُهُ مِنْ نِكَاحِ الْأَمَةِ بِمُقَارَنَةِ نِكَاحِ الْحُرَّةِ أَوْلَى بِالْمَنْعِ. أَمَّا إذَا كَانَ الْمُتَزَوِّجُ عَبْدًا وَقُلْنَا بِمَنْعِهِ مِنْ نِكَاحِ الْأَمَةِ عَلَى الْحُرَّةِ الَّتِي تُعِفُّهُ فَفِيهِ وَجْهَانِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ كَالْحُرِّ سَوَاءٌ قَالَهُ الْقَاضِي فِي الْجَامِعِ وَصَاحِبُ الْمُحَرَّرِ.
وَالثَّانِي: يَصِحُّ جَمْعُهُ بَيْنَهُمَا فِي عَقْدٍ بِغَيْرِ خِلَافٍ وَ [. ....] وَصَاحِبُ الْمُغْنِي لِأَنَّ الْعَبْدَ لَا تَمْنَعُهُ الْقُدْرَةُ عَلَى نِكَاحِ الْحُرَّةِ مِنْ نِكَاحِ الْأَمَةِ [.
.] مُقَارَنَةِ نِكَاحِهِمَا وَإِنَّمَا يُمْنَعُ بِسَبْقِ نِكَاحِ الْحُرَّةِ.
الْحَالَةُ الثَّانِيَةُ: أَنَّهُ لَا يَمْتَازُ بَعْضُهَا عَنْ بَعْضٍ بِمَوْتِهِ فَالْمَشْهُورُ الْبُطْلَانُ فِي الْكُلِّ إذْ لَيْسَ بَعْضُهَا أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي الصِّحَّةِ مِثْلُ أَنْ يَتَزَوَّجَ أُخْتَيْنِ فِي عَقْدٍ أَوْ خَمْسًا فِي عَقْدٍ فَالْمَذْهَبُ الْبُطْلَانُ فِي الْكُلِّ نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ صَالِحٍ وَأَبِي الْحَارِثِ وَنَقَلَ عَنْهُ ابْنُ مَنْصُورٍ إذَا تَزَوَّجَ أُخْتَيْنِ فِي عَقْدٍ يَخْتَارُ إحْدَاهُمَا وَتَأَوَّلَهُ الْقَاضِي عَلَى أَنَّهُ يَخْتَارُهَا بِعَقْدٍ مُسْتَأْنَفٍ وَهُوَ بَعِيدٌ. وَخَرَّجَ الْقَاضِي فِيمَا إذَا زَوَّجَ الْوَلِيَّانِ مِنْ رَجُلَيْنِ وَقَعَا مَعًا أَنَّهُ يُقْرَعُ بَيْنَهُمَا فَمَنْ أُقْرِعَ لَهُ فَهِيَ زَوْجَتُهُ وَيُخَرَّجُ هُنَا أَمْثِلَةٌ.
الصُّورَةُ الثَّالِثَةُ: أَنْ يَجْمَعَا فِي صَفْقَةٍ شَيْئَيْنِ يَصِحُّ الْعَقْدُ فِيهِمَا أَمْ يَبْطُلُ الْعَقْدُ فِي أَحَدِهِمَا قَبْلَ اسْتِقْرَارِهِ فَإِنَّهُ يَخْتَصُّ بِالْبُطْلَانِ دُونَ الْآخَرِ.
قَالَ الْقَاضِي وَابْنُ عَقِيلٍ رِوَايَةً وَاحِدَةً ; لِأَنَّ التَّفْرِيقَ وَقَعَ هُنَا دَوَامًا لَا ابْتِدَاءً وَالدَّوَامُ أَسْهَلُ مِنْ الِابْتِدَاءِ وَمَعَ هَذَا فَقَدْ حَكَمُوا فِيمَا إذَا تَفَرَّقَ الْمُتَصَارِفَانِ عَنْ قَبْضِ بَعْضِ الصَّرْفِ أَنَّهُ يَبْطُلُ الْعَقْدُ فِيمَا لَمْ يَقْبِضْ وَفِي الْبَاقِي رِوَايَتَانِ. تَفْرِيقُ الصَّفْقَةِ وَهَذَا تَفْرِيقٌ فِي الدَّوَامِ إلَّا أَنْ يُقَالَ: الْقَبْضُ فِي الصَّرْفِ شَرْطٌ لِانْعِقَادِ الْعَقْدِ لَا لِدَوَامِهِ وَأَنَّ الْعَقْدَ مُرَاعًى بِوُجُودِهِ.
صَرَّحَ بِهِ جَمَاعَةٌ مِنْ الْأَصْحَابِ فَيَكُونُ التَّفْرِيقُ