الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لِأَحَدِهِمَا اعْتِقْ نَصِيبَكَ عَنِّي عَلَى هَذِهِ الدَّنَانِيرِ الْعَشَرَةِ فَفَعَلَ عَتَقَ نَصِيبُ الْمَسْئُولِ عَنْ السَّائِلِ وَهَلْ يَسْرِي عَلَيْهِ إلَى حِصَّةِ الْآخَرِ أَمْ لَا؟ . إنْ قُلْنَا: إنَّ النُّقُودَ تَتَعَيَّنُ بِالتَّعْيِينِ لَمْ يَسْرِ لِأَنَّ الْمَسْئُولَ مَلَكَهَا عَلَيْهِ بِالْعَقْدِ فَلَمْ يَبْقَ فِي مِلْكِ السَّائِلِ شَيْءٌ فَصَارَ مُعْسِرًا وَإِنْ قُلْنَا: لَا يَتَعَيَّنُ سَرَى إلَى حِصَّةِ الشَّرِيكِ كَمَا لَوْ اشْتَرَى ذَلِكَ النَّصِيبَ بِثَمَنٍ فِي الذِّمَّةِ لِأَنَّهُ مَالِكٌ لِقِيمَةِ حِصَّةِ الْآخَرِ وَذَكَرَ السَّامِرِيُّ وَيُفِيدُ هَذَا أَنَّ الدَّيْنَ الْمُسْتَغْرِقَ لَا يَمْنَعُ السِّرَايَةَ.
[الْمَسْأَلَةُ السَّابِعَةُ الْعَبْدُ هَلْ يَمْلِكُ بِالتَّمْلِيكِ أَمْ لَا]
(السَّابِعَةُ) الْعَبْدُ هَلْ يَمْلِكُ بِالتَّمْلِيكِ أَمْ لَا؟ فِي الْمَسْأَلَةِ رِوَايَتَانِ عَنْ أَحْمَدَ. أَشْهَرُهُمَا عِنْدَ الْأَصْحَابِ أَنَّهُ لَا يَمْلِكُ وَهُوَ اخْتِيَارُ الْخِرَقِيِّ وَأَبُو بَكْرٍ وَالْقَاضِي وَالْأَكْثَرِينَ.
وَالثَّانِيَةُ: يَمْلِكُ اخْتَارَهَا ابْنُ شَاقِلَا وَصَحَّحَهَا ابْنُ عَقِيلٍ وَصَاحِبُ الْمُغْنِي
وَلِهَذَا الْخِلَافِ فَوَائِدُ كَثِيرَةٌ جِدًّا (فَمِنْهَا) لَوْ مَلَّكَ السَّيِّدُ عَبْدَهُ مَالًا زَكَوِيًّا فَإِنْ قُلْنَا: لَا يَمْلِكُهُ فَزَكَاتُهُ عَلَى السَّيِّدِ لِأَنَّهُ مِلْكُهُ وَإِنْ قُلْنَا: يَمْلِكُهُ فَلَا زَكَاةَ عَلَى السَّيِّدِ لِانْتِفَاءِ مِلْكِهِ لَهُ وَلَا عَلَى الْعَبْدِ لِأَنَّ مِلْكَهُ مُزَلْزَلٌ وَلِهَذَا لَمْ يَلْزَمْهُ فَفِيهِ نَفَقَةُ الْأَقَارِبِ، وَلَا يُعْتَقُ عَلَيْهِ رَحِمُهُ بِالشِّرَاءِ هَذَا مَا قَالَ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ، مِنْهُمْ أَبُو بَكْرٍ وَالْقَاضِي وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ وَفِي كَلَامِ أَحْمَدَ إيمَاء إلَيْهِ وَحَكَى بَعْضُ الْأَصْحَابِ رِوَايَةَ وُجُوبِ زَكَاتِهِ عَلَى الْعَبْدِ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ مِلْكُهُ وَمِنْهُمْ مَنْ اشْتَرَطَ مَعَ ذَلِكَ إذْنَ السَّيِّدِ ; لِقَوْلِ أَحْمَدَ فَيُزَكِّيه بِإِذْنِ سَيِّدِهِ وَإِنَّمَا مُرَادُهُ أَنَّ الْمَالَ لِلسَّيِّدِ وَزَكَاتَهُ عَلَيْهِ.
وَالْعَبْدُ كَالْوَكِيلِ وَالْمُودَعِ فَلَا يُزَكِّي بِدُونِ إذْنِهِ وَعَنْ ابْنِ حَامِدٍ أَنَّهُ ذَكَرَ احْتِمَالًا بِوُجُوبِ زَكَاتِهِ عَلَى السَّيِّدِ عَلَى كِلَا الْقَوْلَيْنِ لِأَنَّهُ إمَّا مِلْكٌ لَهُ أَوْ فِي حُكْمِ مِلْكِهِ لِتَمَكُّنِهِ مِنْ التَّصَرُّفِ فِيهِ كَسَائِرِ أَمْوَالِهِ.
(وَمِنْهَا) إذَا مَلَّكَهُ السَّيِّدُ وَأَهَلَّ عَلَيْهِ هِلَالُ الْفِطْرِ فَإِنْ قُلْنَا لَا يَمْلِكُهُ فَفِطْرَتُهُ عَلَى السَّيِّدِ وَإِنْ قُلْنَا يَمْلِكُهُ فَوَجْهَانِ:
أَحَدُهُمَا: لَا فِطْرَةَ لَهُ عَلَى أَحَدٍ، قَالَهُ الْقَاضِي وَابْنُ عَقِيلٍ اعْتِبَارًا بِزَكَاةِ الْمَالِ كَمَا سَبَقَ
وَالثَّانِي: فِطْرَتُهُ عَلَى السَّيِّدِ، صَحَّحَهُ صَاحِبُ الْمُغْنِي لِأَنَّ نَفَقَتَهُ عَلَى السَّيِّدِ وَكَذَلِكَ فِطْرَتُهُ.
(وَمِنْهَا) تَكْفِيرُهُ بِالْمَالِ فِي الْحَجِّ وَالْأَيْمَانِ وَالظِّهَارِ وَنَحْوِهَا، وَفِيهِ لِلْأَصْحَابِ طُرُقٌ أَحَدُهَا الْبِنَاءُ عَلَى مِلْكِهِ وَعَدَمِهِ فَإِنْ قُلْنَا يَمْلِكُ فَلَهُ التَّكْفِيرُ بِالْمَالِ فِي الْجُمْلَةِ وَإِلَّا فَلَا وَهَذِهِ طَرِيقَةُ الْقَاضِي وَأَبِي الْخَطَّابِ وَابْنِ عَقِيلٍ وَأَكْثَرِ الْمُتَأَخِّرِينَ ; لِأَنَّ التَّكْفِيرَ بِالْمَالِ يَسْتَدْعِي مِلْكَ الْمَالِ فَإِذَا كَانَ هَذَا غَيْرَ قَابِلٍ لِلْمِلْكِ بِالْكُلِّيَّةِ فَفَرْضُهُ الصِّيَامُ خَاصَّةً وَعَلَى الْقَوْلِ بِالْمِلْكِ فَإِنَّهُ يُكَفِّرُ بِالْإِطْعَامِ وَهَلْ يُكَفِّرُ بِالْعِتْقِ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ لِأَنَّ الْعِتْقَ يَقْتَضِي الْوَلَاءَ وَالْوِلَايَةَ وَالْإِرْثَ وَلَيْسَ الْعَبْدُ مِنْ أَهْلِهَا.
وَهَلْ يَلْزَمُهُ التَّكْفِيرُ بِالْمَالِ أَوْ يَجُوزُ لَهُ مَعَ إجْزَاءِ الصِّيَامِ الْمُتَوَجِّهِ إنْ كَانَ فِي مِلْكِهِ مَالٌ فَأَذِنَ لَهُ السَّيِّدُ بِالتَّكْفِيرِ مِنْهُ لَزِمَهُ ذَلِكَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي مِلْكِهِ بَلْ أَرَادَ السَّيِّدُ أَنْ يَمْلِكَهُ لِيُكَفِّرَ لَمْ يَلْزَمْهُ كَالْحُرِّ الْمُعْسِرِ إذَا بُذِلَ لَهُ مَالٌ. وَعَلَى هَذَا يَتَنَزَّلُ مَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْمُغْنِي مِنْ لُزُومِ التَّكْفِيرِ بِالْمَالِ فِي الْحَجِّ وَنَفْيِ اللُّزُومِ فِي الظِّهَارِ
(الطَّرِيقَةُ الثَّانِيَةُ) : أَنَّ فِي تَكْفِيرِهِ بِالْمَالِ بِإِذْنِ السَّيِّدِ رِوَايَتَيْنِ مُطْلَقَتَيْنِ سَوَاءٌ قُلْنَا يَمْلِكُ أَوْ لَا يَمْلِكُ حَكَاهَا الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ عَنْ شَيْخِهِ ابْنِ حَامِدٍ وَغَيْرِهِ مِنْ الْأَصْحَابِ وَهِيَ طَرِيقَةُ أَبِي بَكْرٍ فَوَجْهُ عَدَمِ تَكْفِيرِهِ بِالْمَالِ مَعَ الْقَوْلِ بِالْمِلْكِ أَنْ يَمْلِكَهُ ضَعِيفٌ لَا يَحْتَمِلُ الْمُوَاسَاة وَلِهَذَا لَمْ يَجِبْ فِيهِ الزَّكَاةُ وَلَا نَفَقَةُ الْأَقَارِبِ فَكَذَلِكَ الْكَفَّارَاتُ وَالْوَجْهُ تَكْفِيرُهُ بِالْمَالِ مَعَ الْقَوْلِ بِانْتِفَاءِ مِلْكِهِ. مَأْخَذَانِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّ تَكْفِيرَهُ بِالْمَالِ إنَّمَا هُوَ تَبَرُّعٌ لَهُ مِنْ السَّيِّدِ وَإِبَاحَةٌ لَهُ أَنْ يُكَفِّرَ مِنْ مَالِهِ وَالتَّكْفِيرُ عَنْ الْغَيْرِ لَا يُشْتَرَطُ دُخُولُهُ فِي مِلْكِ الْمُكَفَّرِ عَنْهُ، كَمَا يَقُولُ فِي رِوَايَةٍ فِي كَفَّارَةِ الْمُجَامِعِ فِي رَمَضَانَ إذَا عَجَزَ عَنْهَا وَقُلْنَا لَا يَسْقُطُ تَكْفِيرُ غَيْرِهِ عَنْهُ إلَّا بِإِذْنِهِ جَازَ أَنْ يَدْفَعَهَا إلَيْهِ وَكَذَلِكَ فِي سَائِرِ الْكَفَّارَاتِ عَلَى إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ وَلَوْ كَانَتْ قَدْ دَخَلَتْ فِي مِلْكِهِ لَمْ يَجُزْ أَنْ يَأْخُذَهَا هُوَ لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ حِينَئِذٍ إخْرَاجًا لِلْكَفَّارَةِ
(وَالْمَأْخَذُ الثَّانِي) : أَنَّ الْعَبْدَ ثَبَتَ لَهُ فِي مِلْكٍ قَاصِرٍ بِحَسَبِ حَاجَتِهِ إلَيْهِ وَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ لَهُ الْمِلْكُ الْمُطْلَقُ التَّامُّ فَيَجُوزُ أَنْ يَثْبُتَ لَهُ فِي الْمَالِ الْمُكَفَّرِ بِهِ مِلْكٌ يُنْتِجُ لَهُ التَّكْفِيرُ بِالْمَالِ دُونَ بَيْعِهِ وَهِبَتِهِ كَمَا أَثْبَتْنَا لَهُ فِي الْأَمَةِ مِلْكًا قَاصِرًا أُبِيحَ لَهُ التَّسَرِّي بِهَا دُونَ بَيْعِهَا وَلَا هِبَتِهَا عَلَى مَا سَنَذْكُرُهُ وَهَذَا اخْتِيَارُ الشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّينِ.
وَوَجْهُ التَّفْرِيقِ بَيْنَ الْعِتْقِ وَالْإِطْعَامِ أَنَّ التَّكْفِيرَ بِالْعِتْقِ مُحْتَاجٌ إلَى مِلْكٍ بِخِلَافِ الْإِطْعَامِ ذَكَرَهُ ابْنُ أَبِي مُوسَى وَلِهَذَا لَوْ أَمَرَ مَنْ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ رَجُلًا أَنْ يُطْعِمَ عَنْهُ فَفَعَلَ أَجْزَأَتْهُ وَلَوْ أَمَرَ أَنْ يَعْتِقَ عَنْهُ فَفِي جَزَائِهِ عَنْهُ رِوَايَتَانِ وَلَوْ تَبَرَّعَ الْوَارِثُ بِالْإِطْعَامِ الْوَاجِبِ عَنْ مَوْرُوثِهِ صَحَّ وَلَوْ تَبَرَّعَ عَنْهُ بِالْعِتْقِ لَمْ يَصِحَّ وَلَوْ أَعْتَقَ الْأَجْنَبِيُّ عَنْ الْمَوْرُوثِ لَمْ يَصِحَّ وَلَوْ أَطْعَمَ عَنْهُ فَوَجْهَانِ
(الطَّرِيقَةُ الثَّالِثَةُ) أَنَّهُ لَا يُجْزِئُ التَّكْفِيرُ بِغَيْرِ الصِّيَامِ بِحَالٍ عَلَى كِلَا الطَّرِيقَيْنِ وَهِيَ ظَاهِرُ كَلَامِ أَبِي الْخَطَّابِ فِي كِتَابِ الظِّهَارِ وَصَاحِبِ التَّلْخِيصِ وَغَيْرِهِمَا لِأَنَّ الْعَبْدَ وَإِنْ قُلْنَا يَمْلِكُ فَإِنْ مِلْكَهُ ضَعِيفٌ لَا يَحْتَمِلُ الْمُوَاسَاةَ كَمَا سَبَقَ فَلَا يَكُونُ مُخَاطَبًا بِالتَّكْفِيرِ بِالْمَالِ بِالْكُلِّيَّةِ فَلَا يَكُونُ فَرْضُهُ غَيْرَ الصِّيَامِ بِالْأَصَالَةِ بِخِلَافِ الْحُرِّ الْعَاجِزِ فَإِنَّهُ قَابِلٌ لِلتَّمَلُّكِ وَمِنْ هَاهُنَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ قَالَ الْخِرَقِيِّ الْعَبْدُ أَيْضًا إذَا حَنِثَ ثُمَّ عَتَقَ لَا يُجْزِئُهُ التَّكْفِيرُ بِغَيْرِ الصَّوْمِ بِخِلَافِ الْمُعْسِرِ إذَا حَنِثَ ثُمَّ أَيْسَرَ.
وَقَالَ أَيْضًا فِي الْعَبْدِ: إذَا فَاتَهُ الْحَجُّ أَنَّهُ يَصُومُ عَنْ كُلِّ مُدٍّ مِنْ قِيمَةِ الشَّاةِ يَوْمًا وَقَالَ فِي الْحُرِّ الْمُعْسِرِ: إنَّهُ يَصُومُ فِي الْإِحْصَارِ صِيَامَ التَّمَتُّعِ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ الْعَبْدَ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الْمِلْكِ الْقَابِلِ لِتَعَلُّقِ الْوَاجِبَاتِ بِهِ فَيَتَعَلَّقُ بِهِ وُجُوبُ الصِّيَامِ بِالْأَصَالَةِ وَفِدْيَةُ الْفَوَاتِ وَالْإِحْصَارِ وَلَمْ يَرِدْ فِيهَا نَصٌّ بِغَيْرِ الْهَدْيِ فَأَوْجَبْنَا عَلَى الْعَبْدِ صِيَامًا يَقُومُ مَقَامَ الْهَدْي وَيَعْدِلُ قِيمَةَ الشَّاة كَمَا وَجَبَ فِي جَزَاء الصَّيْدِ لِأَنَّ هَذَا الصِّيَامَ وَاجِبٌ بِالْأَصَالَةِ لَيْسَ بَدَلًا عَنْ الْهَدْيِ وَيَعْدِلُ الْهَدْيَ، وَشَبِيهٌ بِهِ فَيَكُونُ فَرْضُ الْعَبْدِ بِالْأَصَالَةِ بِخِلَافِ الْحُرِّ الْمُعْسِرِ فَإِنَّ الْوَاجِبَ فِي ذِمَّتِهِ بِالْأَصَالَةِ هُوَ الْهَدْيُ فَإِنْ عَجَزَ عَنْهُ انْتَقَلَ إلَى الْبَدَلِ الَّذِي شُرِعَ لِلْهَدْيِ وَهُوَ صِيَامُ الْمُتْعَةِ.
(وَمِنْهَا) إذَا بَاعَ عَبْدًا وَلَهُ مَالٌ وَفِيهِ
لِلْأَصْحَابِ طُرُقٌ (إحْدَاهَا) الْبِنَاءُ عَلَى الْمِلْكِ وَعَدَمِهِ فَإِنْ قُلْنَا يَمْلِكُ لَمْ يُشْتَرَطْ مَعْرِفَةُ الْمَالِ وَلَا سَائِرِ شَرَائِطِ الْبَيْعِ فِيهِ لِأَنَّهُ غَيْرُ دَاخِلٍ فِي الْعَقْدِ وَإِنَّمَا اشْتَرَطَ عَلَى مِلْكِ الْعَبْدِ لِيَكُونَ عَبْدًا ذَا مَالٍ وَذَلِكَ صِفَةٌ فِي الْعَبْدِ لَا تُفْرَدُ بِالْمُعَاوَضَةِ وَهُوَ كَبَيْعِ الْمُكَاتَبِ الَّذِي لَهُ مَالٌ وَإِنْ قُلْنَا لَا يَمْلِكُ اُشْتُرِطَ لِمَالِكِهِ مَعْرِفَتُهُ وَأَنَّ بَيْعَهُ بِغَيْرِ جِنْسِ الْمَالِ أَوْ بِجِنْسِهِ بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ الثَّمَنُ أَكْثَرَ عَلَى رِوَايَةٍ وَيُشْتَرَطُ التَّقَابُضُ لِأَنَّ الْمَالَ حِينَئِذٍ دَاخِلٌ فِي عَقْدِ الْبَيْعِ وَهَذِهِ طَرِيقَةُ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ وَابْنِ عَقِيلٍ وَأَبِي الْخَطَّابِ فِي انْتِصَارِهِ وَغَيْرِهِمْ.
(وَالطَّرِيقَةُ الثَّانِيَةُ) : اعْتِبَارُ قَصْدِ الْمَالِ أَوْ عَدَمِهِ لَا غَيْرَ فَإِنْ كَانَ الْمَالُ مَقْصُودًا لِلْمُشْتَرِي اُشْتُرِطَ عِلْمُهُ وَسَائِرُ شُرُوطِ الْبَيْعِ وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مَقْصُودٍ بَلْ قَصَدَ الْمُشْتَرِي تَرْكَهُ لِلْعَبْدِ لِيَنْتَفِعَ بِهِ وَحْدَهُ لَمْ يُشْتَرَطْ ذَلِكَ لِأَنَّهُ تَابِعٌ غَيْرُ مَقْصُود وَهَذِهِ الطَّرِيقَةُ هِيَ الْمَنْصُوصَةُ عَنْ أَحْمَدَ وَأَكْثَرِ أَصْحَابِهِ كَالْخِرَقِيِّ وَأَبِي بَكْرٍ وَالْقَاضِي فِي خِلَافِهِ وَكَلَامُهُ ظَاهِرٌ فِي الصِّحَّةِ. وَإِنْ قُلْنَا: إنَّ الْعَبْدَ لَا يَمْلِكُ وَتَرْجِعُ الْمَسْأَلَةُ عَلَى هَذِهِ الطَّرِيقَةِ إلَى بَيْعِ رِبَوِيٍّ بِغَيْرِ جِنْسِهِ وَمَعَهُ مِنْ جِنْسِهِ مَا هُوَ غَيْرُ مَقْصُودٍ وَقَدْ اسْتَوْفَيْنَا الْكَلَامَ عَلَيْهَا فِي الْقَوَاعِدِ وَرَجَّحَ صَاحِبُ الْمُغْنِي هَذِهِ الطَّرِيقَةَ.
(وَالطَّرِيقَةُ الثَّالِثَةُ) : الْجَمْعُ بَيْنَ الطَّرِيقَتَيْنِ وَهِيَ طَرِيقَةُ الْقَاضِي فِي الْجَامِعِ الْكَبِيرِ وَصَاحِبِ الْمُحَرَّر وَمَضْمُونُهَا أَنَّا إنْ قُلْنَا: الْعَبْدُ يَمْلِكُ لَمْ يُشْتَرَطْ لِمَالِهِ شُرُوطُ الْبَيْعِ بِحَالٍ، وَإِنْ قُلْنَا: لَا يَمْلِكُ فَإِنْ كَانَ الْمَالُ مَقْصُودًا لِلْمُشْتَرِي اُشْتُرِطَ لَهُ شَرَائِطُ الْبَيْعِ وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مَقْصُودٍ لَهُ لَمْ يُشْتَرَطْ لَهُ ذَلِكَ.
(وَمِنْهَا) إذَا أَذِنَ الْمُسْلِمُ لِعَبْدِهِ الذِّمِّيِّ أَنْ يَشْتَرِيَ لَهُ بِمَالِهِ عَبْدًا مُسْلِمًا فَاشْتَرَاهُ فَإِنْ قُلْنَا: يَمْلِكُ لَمْ يَصِحَّ شِرَاؤُهُ لَهُ، وَإِنْ قُلْنَا: لَا يَمْلِكُ صَحَّ وَكَانَ مَمْلُوكًا لِلسَّيِّدِ.
قَالَ الشَّيْخُ مَجْدُ الدِّينِ هَذَا قِيَاسُ الْمَذْهَبِ عِنْدِي قُلْتُ وَيَتَخَرَّجُ فِيهِ وَجْهٌ آخَرُ لَا يَصِحُّ عَلَى الْقَوْلَيْنِ بِنَاءً عَلَى أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ شِرَاءُ الذِّمِّيِّ لِمُسْلِمٍ بِالْوَكَالَةِ وَلَوْ كَانَ بِالْعَكْسِ بِأَنْ يَأْذَنَ الْكَافِرُ لِعَبْدِهِ الْمُسْلِمِ الَّذِي يَثْبُتُ مِلْكُهُ عَلَيْهِ أَنْ يَشْتَرِيَ بِمَالِهِ رَقِيقًا مُسْلِمًا. فَإِنْ قُلْنَا: يَمْلِكُ صَحَّ وَكَانَ الْعَبْدُ لَهُ وَإِنْ قُلْنَا: لَا يَمْلِكُ لَمْ يَصِحَّ.
(وَمِنْهَا) تَسَرِّي الْعَبْدِ وَفِيهِ طَرِيقَانِ:
أَحَدُهُمَا: بِنَاؤُهُ عَلَى الْخِلَافِ فِي مِلْكِهِ فَإِنْ قُلْنَا: يَمْلِكُ جَازَ تَسَرِّيهِ وَإِلَّا فَلَا ; لِأَنَّ الْوَطْءَ بِغَيْرِ نِكَاحٍ وَلَا مِلْكِ يَمِينٍ مُحَرَّمٌ بِنَصِّ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَهِيَ طَرِيقَةُ الْقَاضِي وَالْأَصْحَابِ بَعْدَهُ.
وَالثَّانِيَةُ: يَجُوزُ تَسَرِّيهِ عَلَى كِلَا الرِّوَايَتَيْنِ وَهِيَ طَرِيقَةُ الْخِرَقِيِّ وَأَبِي بَكْرٍ وَابْنِ أَبِي مُوسَى وَرَجَّحَهَا صَاحِبُ الْمُغْنِي وَهِيَ أَصَحُّ فَإِنَّ مَنْصُوصَ أَحْمَدَ لَا تَخْتَلِفُ فِي إبَاحَةِ التَّسَرِّي لَهُ، فَتَارَةً عَلَّلَ بِأَنَّهُ يَمْلِكُ وَتَارَةً اعْتَرَفَ بِأَنَّهُ خِلَافُ الْقِيَاسِ وَأَنَّهُ جَازَ لِإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ عَلَيْهِ وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّهُ أَجَازَ التَّسَرِّي وَإِنْ قِيلَ لَا يَمْلِكُ اتِّبَاعًا لِلصَّحَابَةِ فِي ذَلِكَ وَوَجْهُهُ أَنَّ الْعَبْدَ وَإِنْ قِيلَ إنَّهُ لَا يَمْلِكُ فَلَا بُدَّ مِنْ أَنْ يَثْبُتَ لَهُ مِلْكُ مَا يَحْتَاجُ إلَى الِانْتِفَاعِ بِهِ وَلِذَلِكَ يَمْلِكُ عَقْدَ النِّكَاحِ وَهُوَ مِلْكٌ لِمَنْفَعَةِ الْبُضْعِ فَكَذَلِكَ يَمْلِكُ التَّسَرِّي وَيَثْبُتُ لَهُ هَذَا الْمِلْكُ الْخَاصُّ لِحَاجَتِهِ إلَيْهِ وَلَا يَجُوزُ تَسَرِّيهِ
بِدُونِ إذْنٍ. نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ جَمَاعَةٍ كَنِكَاحِهِ ; وَلِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ التَّصَرُّفَ فِي مَالِهِ بِمَا يُتْلِفُ مَالِيَّتَهُ وَيَضُرُّ بِهِ لِتَعَلُّقِ حَقِّ السَّيِّدِ بِهِ، وَالتَّسَرِّي فِيهِ إضْرَارٌ بِالْجَارِيَةِ، وَتَنْقِيصٌ لِمَالِيَّتِهَا بِالْوَطْءِ وَالْحَمْلِ وَرُبَّمَا أَدَّى إلَى تَلَفِهَا. وَنَقَلَ عَنْهُ أَبُو طَالِبٍ وَإِبْرَاهِيمُ بْنُ هَانِئٍ يَتَسَرَّى الْعَبْدُ فِي مَالِهِ كَانَ ابْنُ عُمَرَ يَتَسَرَّى عَبِيدُهُ فِي مَالِهِ فَلَا يَعِيبُ عَلَيْهِمْ.
قَالَ الْقَاضِي فِيمَا عَلَّقَهُ عَلَى حَوَاشِي الْجَامِعِ لِلْخَلَّالِ ظَاهِرُ هَذَا أَنَّهُ يَجُوزُ تَسَرِّيهِ مِنْ غَيْرِ إذْنٍ لَهُ لِأَنَّهُ مَالِكٌ لَهُ. انْتَهَى.
وَيُمْكِنُ أَنْ يُحْمَلَ نَصُّ اشْتِرَاطِهِ عَلَى التَّسَرِّي مِنْ مَالِ سَيِّدِهِ إذَا كَانَ مَأْذُونًا لَهُ وَنَصُّهُ يُقَدَّمُ عَلَى اشْتِرَاطِ تَسَرِّيهِ فِي مَالِ نَفْسِهِ الَّذِي يَمْلِكُهُ وَقَدْ أَوْمَأَ إلَى هَذَا فِي رِوَايَةِ جَمَاعَةٍ وَهُوَ الْأَظْهَرُ وَنَقَلَ الْأَثْرَمُ عَنْهُ فِي الرَّجُلِ يَهَبُ لِعَبْدِهِ جَارِيَةً لَا يَطَؤُهَا وَلَكِنَّهُ يَتَسَرَّى فِي مَالِهِ إذَا أَذِنَ لَهُ سَيِّدُهُ وَفَسَّرَ مَالَهُ بِمَالِ الْعَبْدِ الَّذِي فِي يَدَيْهِ وَهَذَا فِي اعْتِبَارِ الْإِذْنِ فِي التَّسَرِّي مِنْ مَالِ نَفْسِهِ وَتَفْرِيقِهِ بَيْنَ ذَلِكَ وَبَيْنَ الْأَمَةِ الَّتِي يَمْلِكُهَا السَّيِّدُ فِيهِ إشْكَالٌ وَلَعَلَّهُ مَنَعَ الْوَطْءَ بِدُونِ إذْنِ السَّيِّدِ فَيَكُونُ ذَلِكَ مِنْهُ اشْتِرَاطًا لِإِذْنِ السَّيِّدِ بِكُلِّ حَالٍ.
وَاعْلَمْ أَنَّ الْإِمَامَ أَحْمَدَ مُتَرَدِّدٌ فِي تَسَرِّي الْعَبْدِ بِأَمَةِ سَيِّدِهِ وَنِكَاحِهِ هَلْ هُمَا جِنْسٌ وَاحِدٌ أَمْ لَا فَقَالَ فِي رِوَايَةِ حَنْبَلٍ: لَا يَبِيعُ أَمَتَهُ الْمُزَوَّجَةَ بِعَبْدِهِ حَتَّى يُطَلِّقَهَا الْعَبْدُ فَجَعَلَهُ تَمْلِيكًا لَازِمًا وَنَقَلَ عَنْهُ الْأَكْثَرُونَ جَوَازَهُ وَاخْتَلَفَ عَنْهُ فِي بَيْعِ سُرِّيَّةِ عَبْدِهِ فَنَقَلَ عَنْهُ الْمَيْمُونِيُّ الْجَوَازَ وَنَقَلَ عَنْهُ جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمَنْعَ مُعَلَّلًا بِأَنَّ التَّسَرِّي بِمَنْزِلَةِ النِّكَاحِ يُرِيدُ أَنَّهُ لَازِمٌ لَا يَجُوزُ الرُّجُوعُ فِيهِ وَكَذَا نَقَلَ عَنْهُ ابْنُ هَانِئٍ وَغَيْرُهُ وَاخْتُلِفَ عَنْهُ فِي جَوَازِ تَسَرِّي الْعَبْدِ بِأَكْثَرَ مِنْ أَمَتَيْنِ فَنَقَلَ عَنْهُ الْمَيْمُونِيُّ الْجَوَازَ وَأَبُو الْحَارِثِ الْمَنْعَ كَالنِّكَاحِ، وَلَمْ يَخْتَلِفْ عَنْهُ فِي أَنَّ الْعَبْدَ وَسُرِّيَّتَهُ يُوجِبُ تَحْرِيمَهُمَا عَلَيْهِ لِزَوَالِ مِلْكِهِ عَنْهَا وَنَقَلَهُ عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَاخْتَلَفَ عَنْهُ فِي عِتْقِ الْعَبْدِ وَزَوْجَتِهِ هَلْ يَنْفَسِخُ بِهِ النِّكَاحُ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ بِنَاءً عَلَى تَغْلِيبِ جِهَةِ التَّمْلِيكِ فِيهِ أَوْ جِهَةِ النِّكَاحِ وَقَدْ اسْتَشْكَلَ أَكْثَرَ هَذِهِ النُّصُوصِ الْقَاضِي وَرُبَّمَا أَوَّلَهَا وَنَزَّلَهَا عَلَى مَا ذَكَرَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ وَهَذِهِ الْمَسَائِلُ الْمَذْكُورَةُ مَنْصُوصَةٌ عَنْ السَّلَفِ حُكْمًا وَتَعْلِيلًا كَمَا ذَكَرْنَا وَكَذَلِكَ قَالَ الشَّيْخُ مَجْدُ الدِّينِ ظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ إبَاحَةُ التَّسَرِّي لِلْعَبْدِ وَإِنْ قُلْنَا: لَا يَمْلِكُ فَيَكُونُ نِكَاحًا عِنْدَهُ وَحُمِلَ قَوْلُ أَبِي بَكْرٍ عَلَى مِثْلِ ذَلِكَ وَعَلَى هَذَا فَهَلْ يُشْتَرَطُ لَهُ الْإِشْهَادُ وَكَلَامُ أَحْمَدَ يَقْتَضِي اسْتِحْبَابَهُ لَا غَيْرَ وَفِي ثُبُوتِ الْمَهْرِ بِهِ خِلَافٌ مَعْرُوفٌ
(وَمِنْهَا) لَوْ بَاعَ السَّيِّدُ عَبْدَ نَفْسِهِ بِمَالٍ فِي يَدِهِ فَهَلْ يُعْتَقُ أَمْ لَا؟ الْمَنْصُوصُ عَنْ أَحْمَدَ أَنَّهُ يُعْتَقُ بِذَلِكَ وَذَكَرَهُ الْخِرَقِيِّ مَعَ قَوْلِهِ: إنَّ الْعَبْدَ لَا يَمْلِكُ، وَنَزَّلَهُ الْقَاضِي عَلَى الْقَوْلِ بِالْمِلْكِ فَيَكُونُ دُخُولُ السَّيِّدِ مَعَ عَبْدِهِ فِي بَيْعِهِ نَفْسَهُ بِمَالِهِ إقْرَارًا لَهُ عَلَى مِلْكِهِ فَيَصِحُّ بَيْعُهُ وَيُعْتَقُ، وَإِنْ قُلْنَا: لَا يَمْلِكُ لَمْ يَصِحَّ بَيْعُهُ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ بَيْعُهُ نَفْسَهُ هُنَا كِنَايَةٌ عَنْ عِتْقِهِ فَيُعْتَقُ بِهِ بِكُلِّ حَالٍ، وَلِهَذَا قَالَ الْأَصْحَابُ: أَنَّ بَيْعَ السَّيِّدِ عَبْدَهُ نَفْسَهُ بِمَالٍ تَعْلِيقٌ لِعِتْقِهِ عَلَى الْتِزَامِهِ فَيُعْتَقُ عَلَى مِلْكِ السَّيِّدِ فَيَكُونُ هَاهُنَا تَعْلِيقًا عَلَى إيفَاءِ
هَذَا الْمَالِ، يُعْتَقُ بِهِ أَمَّا إنْ دَفَعَ مَالًا إلَى رَجُلٍ لِيَشْتَرِيَهُ بِهِ مِنْ سَيِّدِهِ فَفَعَلَ وَأَعْتَقَهُ الْمُشْتَرِي فَهَلْ يَصِحُّ الْعَقْدُ وَيُعْتَقُ إنْ اشْتَرَاهُ الرَّجُلُ فِي الذِّمَّةِ؟ ثُمَّ نَقَدَ الْمَالَ صَحَّ وَعَتَقَ وَإِنْ اشْتَرَاهُ بِغَيْرِ الْمَالِ انْبَنَى عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ فِي تَعْيِينِ النُّقُودِ بِالتَّعْيِينِ عَلَى مَا سَبَقَ وَالْمَنْصُوصُ عَنْ أَحْمَدَ فِي رِوَايَةِ عَبْدِ اللَّهِ وَأَبِي الْحَارِثِ وَأَبِي دَاوُد الْبُطْلَانُ مُعَلَّلًا بِمَا ذَكَرْنَا وَذَكَرهُ الْخِرَقِيِّ، وَالْفَرْقُ بَيْنَ هَذِهِ وَالَّتِي قَبْلَهَا أَنَّ السَّيِّدَ لَمْ يَعْلَمْ هَهُنَا أَنَّهَا مَالُهُ فَلَا يَكُونُ إقْرَارًا لَهَا عَلَى مِلْكِ الْعَبْدِ وَنَصَّ فِي رِوَايَةِ مُهَنَّا وَحَنْبَلٍ عَلَى أَنَّهُ يُعْتَقُ وَيَغْرَمُ الْمُشْتَرِي الثَّمَنَ وَهَذَا قَدْ يَتَنَزَّلُ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ النُّقُودَ لَا تَتَعَيَّنُ.
وَقَدْ يَتَنَزَّلُ مَعَ الْقَوْلِ بِالتَّعْيِينِ عَلَى أَنَّهُ عَقْدٌ فَاسِدٌ مُخْتَلَفٌ فِيهِ فَيَنْفُذُ فِيهِ الْعِتْقُ كَمَا يَنْفُذُ الطَّلَاقُ فِي النِّكَاحِ الْمُخْتَلَفِ فِيهِ وَهُوَ أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ لِلْأَصْحَابِ وَكَذَلِكَ نَقَلَ مُهَنَّا عَنْهُ فِي عَبْدٍ دَفَعَ إلَى رَجُلٍ أَلْفَ دِرْهَمٍ مِنْ مَالِ رَجُلٍ آخَرَ فَاشْتَرَاهُ بِهَا مِنْ سَيِّدِهِ وَأَعْتَقَهُ أَنَّهُ يَرْجِعُ صَاحِبُ الْمَالِ بِمَالِهِ فَإِنْ اسْتَهْلَكَ كَانَ دَيْنًا عَلَى الْعَبْدِ وَيُعْتَقُ الْعَبْدُ وَحَمَلَ الْقَاضِي فِي مَوْضِعٍ مِنْ الْمُجَرَّدِ وَتَبِعَهُ ابْنُ عَقِيلٍ [فِي] الْمَسْأَلَةِ عَلَى أَنَّ الْعَبْدَ وَكَّلَ الرَّجُلَ فِي شِرَاءِ نَفْسِهِ مِنْ سَيِّدِهِ فَيَكُونُ الْمُشْتَرِي وَكِيلًا لِلْعَبْدِ وَتَكُونُ وَكَالَةً صَحِيحَةً قَالَ الشَّيْخُ مَجْدُ الدِّينِ فَعَلَى هَذَا يَكُونُ قَدْ عَتَقَ فِي الْبَاطِنِ فِي الْحَالِ وَيَلْزَمُ الْمُشْتَرِيَ الثَّمَنُ وَيَرْجِعُ بِهِ عَلَى الْعَبْدِ.
وَقَالَ أَيْضًا فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: هَذَا فِيهِ إشْكَالٌ لِأَنَّ الْعَبْدَ عِنْدَنَا لَا يَصِحُّ أَنْ يَشْتَرِيَ مِنْ سَيِّدِهِ شَيْئًا بِنَفْسِهِ فَكَيْفَ يَصِحُّ تَوْكِيلُهُ فِيهِ وَلِهَذَا قَالَ أَحْمَدُ لَا رِبًا بَيْنَ الْعَبْدِ وَسَيِّدِهِ قَالَ: وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَصِحَّ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْعَبْدَ يَمْلِكُ وَيَلْتَزِمُ عَلَيْهِ جَرَيَانُ الرِّبَا بَيْنَهُمَا، قَالَ وَيُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ غَلَطًا فِي كِتَابَيْهِمَا يَعْنِي الْقَاضِيَ وَابْنَ عَقِيلٍ وَأَنَّ الصَّوَابَ فِي ذَلِكَ أَنْ يُقَالَ إذَا وَكَّلَ رَجُلٌ الْعَبْدَ فِي شِرَاءِ نَفْسِهِ مِنْ سَيِّدِهِ.
(وَمِنْهَا) إذَا عَتَقَ السَّيِّدُ عَبْدَهُ وَلَهُ مَالٌ فَهَلْ يَسْتَقِرُّ مِلْكُهُ لِلْعَبْدِ أَمْ يَكُونُ لِلسَّيِّدِ عَلَى رِوَايَتَيْنِ فَمِنْهُمْ مَنْ بَنَاهُمَا عَلَى الْقَوْلِ بِالْمِلْكِ وَعَدَمِهِ فَإِنْ قُلْنَا يَمْلِكُهُ اسْتَقَرَّ مِلْكُهُ عَلَيْهِ بِالْعِتْقِ وَإِلَّا فَلَا وَهِيَ طَرِيقَةُ أَبِي بَكْرٍ وَالْقَاضِي فِي خِلَافِهِ وَصَاحِبِ الْمُحَرَّرِ وَمِنْهُمْ مَنْ جَعَلَ الرِّوَايَتَيْنِ عَلَى الْقَوْلِ بِالْمِلْكِ.
(وَمِنْهَا) لَوْ اشْتَرَى الْعَبْدُ زَوْجَتَهُ الْأَمَةَ بِمَالِهِ فَإِنْ قُلْنَا يَمْلِكُ انْفَسَخَ نِكَاحُهُ وَإِنْ قُلْنَا لَا يَمْلِكُ لَمْ يَنْفَسِخْ.
(وَمِنْهَا) لَوْ مَلَّكَهُ سَيِّدُهُ أَمَةً فَاسْتَوْلَدَهَا فَإِنْ قُلْنَا لَا يَمْلِكُ فَالْوَلَدُ مِلْكُ السَّيِّدِ وَإِنْ قُلْنَا يَمْلِكُ فَالْوَلَدُ مَمْلُوكٌ لِلْعَبْدِ لَكِنَّهُ لَا يُعْتَقُ عَلَيْهِ حَتَّى يُعْتَقَ فَإِذَا عَتَقَ وَلَمْ يَنْزِعْهُ مِنْهُ قَبْلَ عِتْقِهِ عَتَقَ عَلَيْهِ لِتَمَامِ مِلْكِهِ حِينَئِذٍ. ذَكَرَهُ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ.
(وَمِنْهَا) هَلْ يَنْفُذُ تَصَرُّفُ السَّيِّدِ فِي مَالِ الْعَبْدِ دُونَ اسْتِرْجَاعِهِ؟ إنْ قُلْنَا الْعَبْدُ لَا يَمْلِكُ صَحَّ بِغَيْرِ إشْكَالٍ وَإِنْ قُلْنَا يَمْلِكُ فَظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ أَنَّهُ يَنْفُذُ عِتْقُ السَّيِّدِ لِرَقِيقِ عَبْدِهِ قَالَ الْقَاضِي فِي الْجَامِعِ الْكَبِيرِ فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ رَجَعَ فِيهِ قَبْلَ عِتْقِهِ قَالَ وَإِنْ حُمِلَ عَلَى ظَاهِرِهِ فَلِأَنَّ عِتْقَهُ يَتَضَمَّن الرُّجُوعَ فِي التَّمْلِيكِ.
(وَمِنْهَا) الْوَقْفُ عَلَى الْعَبْدِ فَنَصُّ أَحْمَدُ عَلَى أَنَّهُ لَا يَصِحُّ فَقِيلَ إنَّ ذَلِكَ يَتَفَرَّعُ عَلَى الْقَوْلِ
بِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ فَأَمَّا: إنْ قِيلَ إنَّهُ يَمْلِكُ صَحَّ الْوَقْفُ عَلَيْهِ كَالْمُكَاتَبِ فِي أَظْهَرْ الْوَجْهَيْنِ، وَالْأَكْثَرُونَ عَلَى أَنَّهُ لَا يَصِحُّ الْوَقْفُ عَلَيْهِ فِي الرِّوَايَتَيْنِ لِضَعْفِ مِلْكِهِ.
(وَمِنْهَا) وَصِيَّةُ السَّيِّدِ لِعَبْدِهِ بِشَيْءٍ مِنْ مَالِهِ فَإِنْ كَانَ بِجُزْءٍ مُشَاعٍ مِنْهُ صَحَّ وَعَتَقَ مِنْ الْعَبْدِ بِنِسْبَةِ ذَلِكَ الْجُزْءِ لِدُخُولِهِ فِي عُمُومِ الْمَالِ وَكَمُلَ عِتْقُهُ مِنْ بَقِيَّةِ الْوَصِيَّةِ نَصَّ عَلَيْهِ، فَقِيلَ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ إنَّمَا صَحَّتْ لِعَقْدِهِ فَتَقْدِيمُ الْعِتْقِ أَهَمُّ وَأَنْفَعُ لَهُ. وَقِيلَ بَلْ الْجُزْءُ الشَّائِعُ الْمُوصَى بِهِ غَيْرُ مُتَعَيَّنٍ فَتَعَيَّنَ فِي الْعَبْدِ تَصْحِيحًا لِلْوَصِيَّةِ مَهْمَا أَمْكَنَ. وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ: مَلَكَ بِالْوَصِيَّةِ جُزْءًا مُشَاعًا مِنْ نَفْسِهِ فَتُعْتَقُ عَلَيْهِ وَمَلَكَ بِهِ بَقِيَّةَ الْوَصِيَّةِ فَصَارَ مُعْسِرًا فَسَرَى الْعِتْقُ إلَى الْبَاقِي مَضْمُونًا بِالسِّرَايَةِ مِنْ بَقِيَّةِ الْوَصِيَّةِ إذْ لَا مَالَ لَهُ سِوَاهَا كَمَنْ مَلَكَ بَعْضَ ذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْهُ بِفِعْلِهِ وَأَوْلَى. وَهَذَا الْمَأْخَذُ مَنْقُولٌ عَنْ ابْنِ سِيرِينَ وَهُوَ حَسَنٌ وَفِي كَلَامِ أَبِي الْحَسَنِ التَّمِيمِيِّ مَا يُشْعِرُ بِهِ أَيْضًا.
وَصَرَّحَ بَعْضُهُمْ أَنَّهُ يُعْتَقُ مِنْهُ بِنِسْبَةِ الْوَصِيَّةِ مِنْ الْمَالِ فَيَسْرِي الْعِتْقُ إلَى جَمِيعِهِ إذَا احْتَمَلَهُ الثُّلُثُ بِنَاءً عَلَى الْقَوْلِ بِالسِّرَايَةِ بِالْوَصِيَّةِ بَعْدَ الْمَوْتِ وَيُكْمِلُ لَهُ بَقِيَّةَ الْوَصِيَّةِ مِنْ الْمَالِ إنْ احْتَمَلَ الثُّلُثُ ذَلِكَ وَإِنْ كَانَتْ الْوَصِيَّةُ بِجُزْءٍ مُعَيَّنٍ أَوْ مُقَدَّرٍ فَفِي صِحَّةِ الْوَصِيَّةِ رِوَايَتَانِ أَشْهَرُهُمَا عَدَمُ الصِّحَّةِ فَمِنْ الْأَصْحَابِ مَنْ بَنَاهُمَا عَلَى أَنَّ الْعَبْدَ هَلْ يَمْلِكُ أَمْ لَا وَأَشَارَ إلَى ذَلِكَ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ صَالِحٍ. وَهَذِهِ طَرِيقَةُ ابْنِ أَبِي مُوسَى وَالشِّيرَازِيِّ وَابْنِ عَقِيلٍ وَغَيْرِهِمْ. وَمِنْهُمْ مَنْ حَمَلَ الصِّحَّةَ عَلَى أَنَّ الْوَصِيَّةَ كَقَدْرِ الْمُعَيَّنِ أَوْ الْمُقَدَّرِ مِنْ التَّرِكَةِ لَا بِعَيْنِهِ فَيَعُودُ إلَى الْجُزْءِ الْمُشَاعِ وَهُوَ بَعِيدٌ جِدًّا
(وَمِنْهَا) لَوْ غَزَا الْعَبْدُ عَلَى فَرَسٍ مَلَّكَهُ إيَّاهَا سَيِّدُهُ فَإِنْ قُلْنَا يَمْلِكُهَا لَمْ يُسْهَمْ لَهَا وَلِأَنَّ الْفَرَسَ تَبَعٌ لِمَالِكِهَا فَإِذَا كَانَ مَالِكُهَا مِنْ أَهْلِ الرَّضْخ فَكَذَلِكَ فَرَسُهُ وَإِنْ قُلْنَا: لَا يَمْلِكُهَا أَسْهَمَ لَهَا لِأَنَّهَا لِسَيِّدِهِ كَذَا قَالَ الْأَصْحَابُ، وَالْمَنْصُوصُ عَنْ أَحْمَدَ فِي رِوَايَةِ ابْنِ الْحَكَمِ أَنَّهُ يُسْهَمُ لِفَرَسِ الْعَبْدِ وَتَوَقَّفَ مَرَّةً أُخْرَى، وَقَالَ لَا يُسْهَمُ لَهَا مُتَّحِدًا وَنَقَلَ عَنْهُ أَبُو طَالِبٍ إذَا غَزَا الْعَبْدُ مَعَ سَيِّدِهِ وَمَعَهُ فَرَسَانِ وَمَعَ سَيِّدِهِ فَرَسَانِ يُسْهَمُ لِفَرَسَيْ السَّيِّدِ وَلَا يُسْهَمُ لِفَرَسَيْ الْعَبْدِ لِأَنَّ الْكُلَّ لِلسَّيِّدِ وَلَا يُسْهَمُ لِأَكْثَرَ مِنْ فَرَسَيْنِ.
" تَنْبِيهٌ " الْخِلَافُ فِي مِلْكِ الْعَبْدِ بِالتَّمْلِيكِ هَلْ هُوَ مُخْتَصٌّ بِتَمْلِيكِ سَيِّدِهِ أَمْ لَا قَالَ صَاحِبُ التَّلْخِيصِ وَهُوَ مُخْتَصٌّ بِهِ فَلَا يَمْلِكُ مِنْ غَيْرِ جِهَتِهِ وَكَلَامُ الْأَكْثَرِينَ يَدُلُّ عَلَى خِلَافِهِ. وَيَتَفَرَّعُ عَلَى ذَلِكَ مَسَائِلُ: (مِنْهَا) مِلْكُهُ اللُّقَطَةَ بَعْدَ الْحَوْلِ قَالَ طَائِفَةٌ مِنْ الْأَصْحَابِ يَنْبَنِي عَلَى رِوَايَتَيْ الْمِلْكِ وَعَدَمِهِ جَعْلًا لِتَمْلِيكِ الشَّارِعِ كَتَمْلِيكِ السَّيِّدِ، وَظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ أَبِي مُوسَى أَنَّهُ يَمْلِكُ اللُّقَطَةَ وَإِنْ لَمْ يَمْلِكْ بِتَمْلِيكِ سَيِّدِهِ لِأَنَّهُ تَمْلِيك شَرْعِيٌّ يَثْبُتُ قَهْرًا فَيَثْبُتُ لَهُ حُكْمًا وَفَارَقَ الْمِيرَاثَ لِأَنَّ الْعَبْدَ لَيْسَ مِنْ أَهْلِهِ لِانْقِطَاعِ تَصَرُّفِهِ وَهُنَا هُوَ مِنْ أَهْلِ الْحَاجَةِ إلَى الْمَالِ وَعِنْدَ صَاحِبِ التَّلْخِيصِ لَا يَمْلِكُهَا بِغَيْرِ خِلَافٍ وَكَذَلِكَ فِي الْهِدَايَةِ وَالْمُغْنِي أَنَّهَا مِلْكٌ لِسَيِّدِهِ
(وَمِنْهَا) حِيَازَتُهُ الْمُبَاحَاتِ مِنْ احْتِطَابٍ أَوْ احْتِشَاشٍ أَوْ اصْطِيَادٍ أَوْ مَعْدِنٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ. فَمِنْ الْأَصْحَابِ مَنْ قَالَ: هُوَ مِلْكٌ لِسَيِّدِهِ دُونَهُ رِوَايَةً وَاحِدَةً كَالْقَاضِي وَابْنِ عَقِيلٍ لِأَنَّ جَوَارِحَ الْعَبْدِ وَمَنَافِعَهُ مِلْكٌ لِسَيِّدِهِ