الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بِهِ بِغَيْرِ خِلَافٍ وَإِنَّمَا الْخِلَافُ إذَا كَانَ الْإِنْفَاقُ لِاسْتِصْلَاحِ مَا تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّ الْمُنْفِقِ إلَّا أَنَّ الْأَصْحَابَ صَرَّحُوا بِاطِّرَادِ الْخِلَافِ فِي صُورَةِ الْمُسَاقَاةِ مَعَ تَعَلُّقِ الِاسْتِصْلَاحِ فِيهَا بِعَيْنِ مَالِ الْمُنْفِقِ.
[الْقَاعِدَةُ السَّادِسَة وَالسَّبْعُونَ الشَّرِيكَانِ فِي عَيْنِ مَالٍ أَوْ مَنْفَعَةٍ إذَا كَانَا مُحْتَاجَيْنِ إلَى رَفْعِ مَضَرَّةٍ أَوْ إبْقَاءِ مَنْفَعَةٍ]
(الْقَاعِدَةُ السَّادِسَة وَالسَّبْعُونَ) : الشَّرِيكَانِ فِي عَيْنِ مَالٍ أَوْ مَنْفَعَةٍ إذَا كَانَا مُحْتَاجَيْنِ إلَى رَفْعِ مَضَرَّةٍ أَوْ إبْقَاءِ مَنْفَعَةٍ أُجْبِرَ أَحَدُهُمَا عَلَى مُوَافَقَةِ الْآخَرِ فِي الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى إنْ أَمْكَنَ أَحَدُهُمَا أَنْ يَسْتَقِلَّ بِدَفْعِ الضَّرَرِ فَعَلَهُ وَلَمْ يُجْبِرْ الْآخَرُ مَعَهُ لَكِنْ إنْ أَرَادَ الْآخَرُ الِانْتِفَاعَ بِمَا فَعَلَهُ شَرِيكُهُ فَلَهُ مَنْعُهُ حَتَّى يُعْطِيَهُ حِصَّةَ مِلْكِهِ مِنْ النَّفَقَةِ فَإِنْ احْتَاجَا إلَى تَجْدِيدِ مَنْفَعَةٍ فَلَا إجْبَارَ.
وَيَنْدَرِجُ تَحْتَ ذَلِكَ صُوَرٌ: مِنْهَا: إذَا انْهَدَمَ الْحَائِطُ الْمُشْتَرَكُ فَالْمَذْهَبُ إجْبَارُ الْمُمْتَنِعُ مِنْهُمَا بِالْبِنَاءِ مَعَ الْآخَرِ نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةٍ جَمَاعَةٌ فَإِنَّ الْإِجْبَارَ هُنَا مِنْ جِنْسِ الْمُعَاوَضَةِ فِي الْأَمْوَالِ الْمُشْتَرَكَةِ وَاجِبَةٌ لِدَفْعِ الضَّرَرِ بِالِانْتِزَاعِ بِالشُّفْعَةِ وَبَيْعِ مَا لَا يُمْكِنُ قِسْمَتُهُ وَالْمُغْنِي فِيهِ أَنَّ الْمَالِكَ مُسْتَحِقٌّ الِانْتِفَاعَ بِمِلْكِهِ وَيَجِبُ عَلَى شَرِيكِهِ تَمْكِينُهُ مِنْهُ فَإِذَا دَار الْأَمْرُ بَيْنَ تَعْطِيلِ الْحَقِّ بِالْكُلِّيَّةِ وَبَيْنَ الْمُعَاوَضَةِ عَلَيْهِ فَالْمُعَاوَضَةُ عَلَيْهِ أَوْلَى لِأَنَّهُ يَرْجِعُ فِيهَا إلَى الِانْتِفَاعِ بِالْبَدَلِ بِخِلَافِ التَّعْطِيلِ وَأَمَّا الرِّوَايَةُ الثَّابِتَةُ بِعَدَمِ الْإِجْبَارِ فَهِيَ مَأْخُوذَةٌ مِنْ نَصِّ أَحْمَدَ عَلَى عَدَمِ الْإِجْبَارِ فِي بِنَاءِ حِيطَانِ السُّفْلِ إذَا كَانَ الْعُلُوُّ لِآخَرَ وَانْهَدَمَ الْكُلُّ أَنَّهُ لَا يُجْبَرُ صَاحِبُ الْعُلُوِّ عَلَى الْبِنَاءِ مَعَ صَاحِبِ السُّفْلِ فِي السُّفْلِ وَالْفَرْقُ وَاضِحٌ لِأَنَّ السُّفْلَ مِلْكُهُ مُخْتَصٌّ بِصَاحِبِهِ بِخِلَافِ الْحَائِطِ الْمُشْتَرَكِ وَلِذَلِكَ عَقَدَ الْخَلَّالُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بَابًا وَذَكَرَ النَّصَّ بِالْإِجْبَارِ فِي الْحَائِطِ وَالنَّصَّ بِانْتِفَائِهِ بِالصُّورَةِ الْأُخْرَى وَعَلَى تَقْدِيرِ ثُبُوتِ هَذِهِ الرِّوَايَةِ فِي الْحَائِطِ فَلِلشَّرِيكِ الِاسْتِبْدَادُ بِبِنَائِهِ مِنْ مَالِهِ بِغَيْرِ إذْنِ حَاكِمٍ وَصَرَّحَ الْقَاضِي فِي خِلَافِهِ وَاعْتَبَرَ فِي الْمُجَرَّدِ اسْتِئْذَانَ الْحَاكِمِ وَنَصَّ أَحْمَدُ عَلَى أَنَّهُ يُشْهِدُ عَلَى ذَلِكَ، وَلَهُ مَنْعُ الشَّرِيكِ الْآخَرُ مِنْ الِانْتِفَاعِ بِمَا كَانَ لَهُ عَلَيْهِ مِنْ الْحُقُوقِ إنْ أَعَادَهُ بِآلَةٍ جَدِيدَةٍ مِنْ مَالِهِ وَإِنْ أَعَادَهُ بِآلَتِهِ الْأُولَى فَفِيهِ وَجْهَانِ:
أَحَدُهُمَا: لَيْسَ لَهُ الْمَنْعُ لِأَنَّهُ عَيْنُ مِلْكِهِمَا الْمُشْتَرَكِ وَهُوَ قَوْلُ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ وَابْنِ عَقِيلٍ وَالْأَكْثَرِينَ.
وَالثَّانِي: لَهُ الْمَنْعُ حَتَّى يَأْخُذَ نِصْفَ قِيمَةِ التَّالِفِ لِأَنَّهُ مُتَقَوِّمٌ حَيْثُ وَقَعَ مَأْذُونًا فِيهِ شَرْعًا وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ أَبِي مُوسَى وَالْقَاضِي فِي خِلَافِهِ وَجَزَمَ بِهِ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ وَافْتِتَاحُ صَاحِبُ التَّلْخِيصِ عَنْ بَعْضِ مُتَأَخِّرِي الْأَصْحَابِ وَإِذَا أَعَادَهُ بِآلَةٍ جَدِيدَةٍ وَاتَّفَقَا عَلَى دَفْعِ الْقِيمَةِ جَازَ، لَكِنْ هَلْ الْمَدْفُوعُ نِصْفُ قِيمَةِ الْبِنَاءِ أَوْ نِصْفُ مَا أُنْفِقَ عَلَيْهِ؟ ذَكَرَ الْقَاضِي فِي خِلَافِهِ فِيهِ رِوَايَتَيْنِ مَأْخَذُهُمَا هَلْ ذَلِكَ مِنْ بَابِ الرُّجُوعِ بِمَا أَنْفَقَ عَلَى مِلْكِهِ بِإِذْنٍ مُعْتَبَرٍ أَوْ هُوَ
مُعَاوَضَةٌ عَنْ مِلْكِ الثَّانِي كَضَمَانِ سِرَايَةِ الْعِتْقِ وَالِاسْتِيلَادِ، وَإِنْ امْتَنَعَ الثَّانِي مِنْ الْقَوْلِ وَطَلَبَ رَفْعَ الْبِنَاءِ مِنْ أَصْلِهِ لِيُعِيدَاهُ مِنْ مَالِهِمَا فَقَدْ يَتَخَرَّجُ عَلَى هَذَا الْبِنَاءِ فَإِنْ قُلْنَا هُوَ رُجُوعٌ بِمَا أَنْفَقَ عَلَى مِلْكِهِ لَمْ يَكُنْ لَهُ الِامْتِنَاعُ وَإِنْ قُلْنَا هُوَ مُعَاوَضَةٌ فَلَهُ ذَلِكَ وَفِي الْمُجَرَّدِ وَالْفُصُولِ الْبِنَاءُ عَلَى الْإِجْبَارِ ابْتِدَاءً وَعَدَمُهُ فَإِنْ قُلْنَا يُجْبَرُ أُجْبِرَ هُنَا عَلَى التَّبْقِيَةِ وَإِلَّا فَلَا وَقَدْ يُقَالُ هُوَ مُعَاوَضَةٌ سَوَاءٌ كَانَ بِالْقِيمَةِ أَوْ بِالنَّفَقَةِ كَمَا أَنَّ زَرْعَ الْغَاصِبِ يُعَاوَضُ عَنْهُ بِالْقِيمَةِ عَلَى رِوَايَةٍ وَبِالنَّفَقَةِ عَلَى أُخْرَى وَالْإِجْبَارُ عَلَى الْمُعَاوَضَاتِ لِإِزَالَةِ الضَّرَرِ غَيْرُ مُسْتَبْعَدٍ فَإِنْ قِيلَ فَعِنْدَكُمْ لَا يَجُوزُ لِلْجَارِ مَنْعُ جَارِهِ مِنْ الِانْتِفَاعِ بِوَضْعِ خَشَبَةٍ عَلَى جِدَارِهِ فَكَيْفَ مَنَعْتُمْ هَهُنَا؟ قُلْنَا إنَّمَا مَنَعْنَاهَا هُنَا مِنْ عَوْدِ الْحَقِّ الْقَدِيمِ الْمُتَضَمِّنِ مِلْكَ الِانْتِفَاعِ قَهْرًا سَوَاءٌ كَانَ مُحْتَاجًا إلَيْهِ أَوْ لَمْ يَكُنْ، وَأَمَّا التَّمْكِينُ مِنْ الْوَضْعِ لِلِارْتِفَاقِ فَتِلْكَ مَسْأَلَةٌ أُخْرَى وَأَكْثَرُ الْأَصْحَابِ يَشْتَرِطُونَ فِيهَا الْحَاجَةَ وَالْتَزَمَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي الْمُفْرَدَاتِ تَخْرِيجَ رِوَايَةٍ مِنْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مَنَعَ الْجَارَ مِنْ وَضْعِ الْخَشَبِ مُطْلَقًا ثُمَّ اعْتَذَرَ بِأَنَّ حَقَّ الْوَضْعِ هُنَا سَقَطَ عُقُوبَةً لِامْتِنَاعِهِ مِنْ النَّفَقَةِ الْوَاجِبَةِ وَحَمَلَ حَدِيثَ الزُّبَيْرِ وَشَرِيكِهِ فِي شِرَاجِ الْحُرَّةِ عَلَى مِثْلِ ذَلِكَ.
وَمِنْهَا: إذَا انْهَدَمَ السَّقْفُ الَّذِي بَيْنَ سُفْلِ أَحَدِهِمَا وَعُلُوِّ الْآخَرِ فَذَكَرَ الْأَصْحَابُ فِي الْإِجْبَارِ الرِّوَايَتَيْنِ وَالْمَنْصُوصُ هَهُنَا أَنَّهُ إنْ انْكَسَرَ خَشَبُهُ فِيهِ فَبِنَاؤُهُمَا بَيْنَهُمَا لِأَنَّ الْمَنْفَعَةَ لَهُمَا جَمِيعًا وَظَاهِرُهُ الْإِجْبَارُ وَإِنْ انْهَدَمَ السَّقْفُ وَالْحِيطَانُ لَمْ يُجْبَرْ صَاحِبُ الْعُلُوِّ عَلَى بِنَاءِ الْحِيطَانِ لِأَنَّهَا خَاصٌّ مِلْكُ صَاحِبِ السُّفْلِ وَلَكِنَّهُ يُجْبَرُ عَلَى أَنْ يَبْنِيَ مَعَهُ السَّقْفَ فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ أَشْهَدَ عَلَيْهِ وَمَنَعَهُ مِنْ الِانْتِفَاعِ بِهِ حَتَّى يُعْطِيَهُ حَقَّهُ وَيُجْبَرُ صَاحِبُ السُّفْلِ عَلَى بِنَائِهِ لِأَنَّهُ سُتْرَةٌ لَهُ نَقَلَ ذَلِكَ عَنْهُ أَبُو طَالِبٍ، وَنَقَلَ عَنْهُ ابْنُ الْحَكَمِ أَنَّ صَاحِبَ السُّفْلِ لَا يُجْبَرُ عَلَى بِنَاءٍ لِأَجْلِ صَاحِبِ الْعُلُوِّ لَكِنَّ صَاحِبَ الْعُلُوِّ لَهُ أَنْ يَبْنِيَ الْحِيطَانَ مُ عَلَيْهَا وَيَمْنَعَ صَاحِبَ السُّفْلِ مِنْ الِانْتِفَاعِ بِهِ حَتَّى يُعْطِيَهُ مَا بَنَى بِهِ السُّفْلَ وَيَكُونُ لَهُمَا جَمِيعًا وَهَذَا يَحْتَمِلُ أَنَّهُ أَرَادَ أَنْ يُعْطِيَهُ مَا بَنَى بِهِ الْحِيطَانَ فَيَصِيرُ الْبَيْتُ كَمَا كَانَ لِأَحَدِهِمَا سُفْلُهُ وَلِلْآخَرِ عُلُوُّهُ وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُعْطِيَهُ نِصْفَ قِيمَةِ بِنَاءِ السُّفْلِ وَتَكُونَ الْحِيطَانُ مُشْتَرَكَةً بَيْنَهُمَا وَلِذَلِكَ حَكَى الْأَصْحَابُ رِوَايَتَيْنِ فِي مُشَارَكَةِ صَاحِبِ الْعُلُوِّ لِصَاحِبِ السُّفْلِ فِي بِنَاءِ الْحِيطَانِ حَتَّى أَخَذَ الْقَاضِي مِنْهُمَا رِوَايَةً بِعَدَمِ الْإِجْبَارِ فِي الْحَائِطِ الْمُشْتَرَكِ وَهُوَ بَعِيدٌ لِأَنَّ هَذَا الْمَعْنَى لَوْ كَانَ صَحِيحًا لَكَانَ الِاشْتِرَاكُ حَادِثًا بَعْدَ الْبِنَاءِ، فَلَا يَلْحَقُ بِهِ الْمِلْكُ الْمُشْتَرَكِ قَبْلَ الْبِنَاءِ وَحَكَى الْقَاضِي فِي خِلَافِهِ فِي إجْبَارِ صَاحِبِ السُّفْلِ عَلَى بِنَاءِ حَائِطِهِ لِحَقِّ صَاحِبِ الْعُلُوِّ ثَلَاثَ رِوَايَاتٍ أَحَدُهَا إجْبَارُهُ مُنْفَرِدًا بِنَفَقَتِهِ وَأَخَذَهَا مِنْ رِوَايَةِ أَبِي طَالِبٍ وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ أَحْمَدَ عَلَّلَ بِأَنَّهُ سُتْرَةٌ لَهُ فَعَلِمَ أَنَّ إجْبَارَهُ لِحَقِّ جَارِهِ لَا لِحَقِّ صَاحِبِ الْعُلُوِّ وَلَكِنْ قَدْ يُقَالُ إنَّ تَضَرُّرَ صَاحِبِ الْعُلُوِّ بِتَرْكِ بِنَاءِ السُّفْلِ أَشَدُّ مِنْ تَضَرُّرِ الْجَارِ بِتَرْكِ السُّتْرَةِ لِأَنَّ هَذَا
يَمْنَعُهُ حَقَّهُ بِالْكُلِّيَّةِ بِخِلَافِ تَرْكِ السُّتْرَةِ وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ هِيَ الْمَذْهَبُ عِنْدَ ابْنِ أَبِي مُوسَى.
وَالثَّانِيَة: يُجْبَرُ عَلَى الِاتِّفَاقِ عَلَى وَجْهِ الِاشْتِرَاك نَقَلَهَا يَعْقُوبُ بْنُ بُخْتَانَ فَقَالَ يَشْتَرِكُونَ عَلَى السُّفْلِ وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ رضي الله عنه.
الثَّالِثَةُ لَا يُجْبَرُ وَهِيَ رِوَايَةُ ابْنِ الْحَكَمِ وَحَكَى فِي الْمُجَرَّدِ إجْبَارَ كُلٍّ مِنْهُمَا عَلَى أَنْ يَبْنِيَ مَعَ الْآخَرِ الْحِيطَانَ رِوَايَتَانِ وَكَذَا فِي الْإِجْبَارِ عَلَى بِنَاءِ السَّقْفِ الَّذِي يَخْتَصُّ بِمِلْكِ صَاحِبِ الْعُلُوِّ وَحَاصِلُ هَذَا يَرْجِعُ إلَى أَنَّهُ هَلْ يَلْزَمُ الْإِنْسَانُ بِنَاءَ مِلْكِهِ الْخَاصِّ بِهِ إذَا كَانَ انْتِفَاعُ غَيْرِهِ بِهِ مُسْتَحَقًّا كَمَا يَلْزَمُهُ دَفْعُ الضَّرَرِ عَنْهُ بِبِنَاءِ السُّتْرَةِ وَهَلْ يَلْزَمُ الشَّرِيكَ فِي الِانْتِفَاعِ الْبِنَاءُ مَعَ الْمَالِكِ كَالشَّرِيكِ فِي الْمِلْكِ وَعَلَى هَذَا يُخَرَّجُ إذَا كَانَ لَهُ عَلَى حَائِطِ جَارٍ لَهُ يُحَاذِيهِ سَابَاطٌ بِحَقٍّ فَانْهَدَمَ الْحَائِطُ هَلْ يُجْبَرُ الْمَالِكُ عَلَى بِنَائِهِ؟ وَظَاهِرُ كَلَامِ الْقَاضِي فِي خِلَافِهِ إجْبَارُهُ أَنْ يَبْنِيَهُ مُنْفَرِدًا بِهِ بِغَيْرِ خِلَافٍ وَلَعَلَّ هَذَا فِيمَا إذَا كَانَ بِحَقِّ مُعَاوَضَةٍ وَمِثْلُهُ ذَكَرَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي فُنُونِهِ فِي مَنْ لَهُ حَقُّ إجْرَاءِ مَائِهِ عَلَى سَطْحِ غَيْرِهِ فَعَابَ السَّطْحَ وَلَوْ بِجَرَيَانِ مَائِهِ عَلَيْهِ لَمْ يَلْزَمْ صَاحِبَ الْمَاءِ الْمُشَارَكَةُ فِي الْإِصْلَاحِ وَكَذَا لَوْ كَانَ مَاءُ تِلْكَ الدَّارِ يَجْرِي إلَى بِئْرٍ بِحَقٍّ فَعَابَتْ فَعَابَتْ الْبِئْرُ لَمْ يَلْزَمْ صَاحِبَ الْمَاءِ الْمُشَارَكَةُ فِي إصْلَاحِهَا وَيُخَرَّجُ ذَلِكَ كُلُّهُ عَلَى الْخِلَافِ فِي السُّفْلِ الَّذِي عُلُوُّهُ لِمَالِكٍ [آخَرَ] يَتَوَجَّهُ وَيَرْجِعُ إلَى أَنَّ الشَّرِكَةَ فِي الِانْتِفَاعِ هَلْ هِيَ كَالشَّرِكَةِ فِي الْمِلْكِ
(وَمِنْهَا) الْقَنَاةُ الْمُشْتَرَكَةُ إذَا تَهَدَّمَتْ نَصَّ أَحْمَدُ عَلَى الْإِجْبَارِ عَلَى الْعِمَارَةِ كَمَا سَبَقَ وَلَمْ يَذْكُرْ ابْنُ أَبِي مُوسَى فِيهِ خِلَافًا وَإِنَّمَا ذَكَرَ الرِّوَايَتَيْنِ فِي الْحَائِطِ وَالْفَرْقُ أَنَّ الْحَائِطَ يُمْكِنُ قِسْمَتُهُ بِخِلَافِ الْقَنَاةِ وَالْبِئْرِ وَطَرَدَ الْقَاضِي وَالْأَكْثَرُونَ فِيهِ الرِّوَايَتَيْنِ وَإِذَا لَمْ نَقُلْ بِالْإِجْبَارِ فَعَمَّرَ أَحَدُهُمَا لَمْ يَكُنْ لَهُ مَنْعُ الْآخَرِ مِنْ الْمَاءِ. ذَكَرَهُ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ وَابْنُ عَقِيلٍ وَصَاحِبُ التَّلْخِيصِ وَالْمُغْنِي لِأَنَّ الْمَاءَ بَاقٍ عَلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ مِنْ الْمِلْكِ وَالْإِبَاحَةِ وَإِنَّمَا أَزَالَ الضَّرَرَ عَنْ طَرِيقِهِ وَلَا يَقَعُ الِاشْتِغَالُ عَلَى مِلْكِ الْآلَاتِ الْمَعْمُورِ بِهَا، وَفِي الْخِلَافِ الْكَبِيرِ وَالتَّمَامِ لِأَبِي الْحُسَيْنِ لَهُ الْمَنْعُ مِنْ الِانْتِفَاعِ بِالْقَنَاةِ وَيَشْهَدُ لَهُ نَصَّ عَلَيْهِ بِالْمَنْعِ مِنْ سُكْنَى السُّفْلِ إذَا بَنَاهُ صَاحِبُ الْعُلُوِّ وَمَنَعَ الشَّرِيكَ مِنْ الِانْتِفَاعِ بِالْحَائِطِ إذَا أُعِيدَ بِآلَاتِهِ الْعَتِيقَةِ لِأَنَّ ذَلِكَ كُلَّهُ انْتِفَاعٌ بِمَا بَذَلَ فِيهِ الشَّرِيكُ مَالَهُ فَيُمْنَعُ مِنْهُ بِغَيْرِ إذْنِهِ وَلِأَنَّ إنْفَاقَهُ عَلَى نَفْسِهِ وَشَرِيكِهِ جَائِزٌ فَيَسْتَحِقُّ الرُّجُوعَ وَلَا يَكُونُ مُتَبَرِّعًا.
وَمِنْهَا: أَنَّ مَا يَقْبَلُ الْقِسْمَةَ مِنْ الْأَعْيَانِ إذَا طَلَبَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ قِسْمَتَهُ أُجْبِرَ الْآخَرُ عَلَيْهَا وَعَلَى الْتِزَامِ كُلَفِهَا وَمُؤَنِهَا لِتَكْمِيلِ نَفْعِ الشَّرِيكِ، فَأَمَّا مَا لَا يَقْبَلُ الْقِسْمَةَ فَإِنَّهُ يُجْبَرُ أَحَدُهُمَا عَلَى بَيْعِهِ إذَا طَلَبَ الْآخَرُ بَيْعَهُ نَصَّ أَحْمَدُ عَلَى ذَلِكَ فِي رِوَايَةِ الْمَيْمُونِيِّ فَقَالَ إذَا اخْتَلَفُوا فِي الْقِسْمَةِ فَلَيْسَ لِلْمُضَارِّ شَيْءٌ إذَا كَانَ يَدْخُلُهُ نُقْصَانُ ثَمَنِهِ بِيعَ وَأُعْطُوا الثَّمَنَ وَكَذَا نَقَلَ حَنْبَلٌ عَنْ أَحْمَدَ أَنَّهُ قَالَ كُلُّ قِسْمَةٍ مِنْهَا ضَرَرٌ لَا أَرَى أَنْ يُقْسَمَ. مِثْلُ عَبْدٍ بَيْنَ رَجُلَيْنِ وَأَرْضٌ فِي قِسْمَتِهَا ضَرَرٌ وَيُقَالُ لِصَاحِبِهَا إمَّا أَنْ تَشْتَرِيَ
وَإِمَّا أَنْ تَتْرُكَهُ إذَا كَانَ ضَرَرًا وَصَرَّحَ بِذَلِكَ ابْنُ أَبِي مُوسَى وَالْقَاضِي وَالْحَلْوَانِيُّ وَالشِّيرَازِيُّ وَابْنُ عَقِيلٍ وَالسَّامِرِيُّ وَصَاحِبُ التَّرْغِيبِ، وَصَرَّحَ بِمِثْلِهِ فِي إجَارَةِ الْعَيْنِ إذَا لَمْ يَتَّفِقَا عَلَى الْمُهَايَأَةِ أَوْ تَشَاحَّا، وَكَذَلِكَ قَالَ الْقَاضِي فِي خِلَافِهِ وَأَبُو الْخَطَّابِ فِي انْتِصَارِهِ، وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ صَرَّحُوا بِأَنَّهُ يُبَاعُ عِنْدَ طَلَبِ الْقِسْمَةِ وَإِنْ لَمْ يَطْلُبْ الْبَيْعَ. وَلِهَذَا مَأْخَذَانِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ إذَا تَعَذَّرَ قِسْمَةُ الْعَيْنِ عُدِلَ إلَى قِسْمَةِ بَدَلِهَا وَهُوَ الْقِيمَةُ، وَهَذَا مَأْخَذٌ مَنْ قَالَ يُبَاعُ بِمُجَرَّدِ طَلَبِ الْقِسْمَةِ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ.
وَالثَّانِي: أَنَّ حَقَّ الشَّرِيكِ فِي نِصْفِ الْقِيمَةِ مِثْلًا لَا فِي قِيمَةِ النِّصْفِ فَلَوْ بَاعَ نَصِيبَهُ مُفْرَدًا لَنَقَصَ حَقُّهُ وَيَدُلُّ عَلَى أَنَّ حَقَّهُ فِي نِصْفِ الْقِيمَةِ أَنَّ الشَّرْعَ أَمَرَ فِي السِّرَايَة أَنْ يُقَوَّمَ الْعَبْدُ كُلُّهُ ثُمَّ يُعْطَى الشُّرَكَاءُ قِيمَةَ حِصَصِهِمْ، وَقَدْ نَصَّ الْأَصْحَابُ عَلَى أَنَّ لِلْوَلِيِّ بَيْعَ التَّرِكَةِ عَلَى الصِّغَارِ وَالْكِبَارِ إذَا كَانَ فِي تَبْعِيضِهَا ضَرَرٌ وَاحْتِيجَ إلَى الْبَيْعِ، وَمَا دَلَّ عَلَيْهِ كَلَامُ بَعْضِهِمْ مِنْ امْتِنَاعِ الْبَيْعِ عَلَى الْكِبَارِ فِي غَيْرِ هَذِهِ الصُّورَةِ قَدْ يَكُونُ بِنَاءً عَلَى أَنَّ ضَرَرَ مَا نَقَصَ لَيْسَ بِمَانِعٍ مِنْ قِسْمَةِ الْإِجْبَارِ كَقَوْلِ الْخِرَقِيِّ، وَإِنَّمَا الْمَانِعُ مِنْهُمَا أَنْ لَا يَنْتَفِعَ بِالْمَقْسُومِ فَحِينَئِذٍ يَكُونُ عَدَمُ الْإِجْبَارِ عَلَى الْبَيْعِ فِي حَالَةِ نَقْصِ الْقِيمَةِ مَبْنِيًّا عَلَى أَنَّ الْقِسْمَةَ مُمْكِنَةٌ وَمَعَ الْإِجْبَارِ عَلَيْهَا لَا يَقَعُ الْإِجْبَارُ عَلَى الْبَيْعِ ثُمَّ وَجَدْتُ فِي مَسَائِلِ ابْنِ مَنْصُورٍ عَنْ أَحْمَدَ فِي عَبْدٍ بَيْنَ رَجُلَيْنِ أَرَادَ أَحَدُهُمَا أَنْ يَبِيعَ وَأَبَى الْآخَرُ، قَالَ أَحْمَدُ يَبِيعُ كُلٌّ مِنْهُمَا حِصَّتَهُ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا إجْبَارَ عَلَى الْبَيْعِ مَعَ الشَّرِيك، وَهَذَا كُلُّهُ فِي الْمُشَاعِ الْمُشْتَرَك، فَأَمَّا الْمُتَمَيِّزُ كَمَنْ فِي أَرْضِهِ غَرْسٌ لِغَيْرِهِ أَوْ فِي ثَوْبِهِ صَبْغٌ لِغَيْرِهِ إذَا طَلَبَ أَحَدُهُمَا أَنْ يَبِيعَ الْآخَرُ مَعَهُ فَفِي إجْبَارِهِ وَجْهَانِ، أَوْرَدَهُمَا صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ فِي غِرَاسِ الْمُسْتَعِيرِ لِأَنَّهُ يُسْتَدَامُ فِي الْأَرْضِ فَلَا يَتَخَلَّصُ أَحَدُهُمَا مِنْ صَاحِبِهِ بِدُونِ الْبَيْعِ، بِخِلَافِ غَرْسِ الْغَاصِبِ فَإِنَّهُ يَتَخَلَّصُ مِنْهُ بِالْقَلْعِ، فَأَمَّا الْبَيْعُ فَفِي الْمُغْنِي وَغَيْرِهِ فِي بَيْعِ الْغَاصِبِ إنْ طَلَبَ مَالِكُ الثَّوْبِ أَنْ يَبِيعَ مَعَهُ لَزِمَهُ وَفِي الْعَكْسِ وَجْهَانِ وَجَزَمَ الْقَاضِي فِي خِلَافِهِ بِالْإِجْبَارِ عَلَى الْبَيْعِ بِطَلَبِ الْغَاصِبِ، وَأَمَّا صَبْغُ الْمُشْتَرِي إذَا أَفْلَسَ وَأَخَذَ الْبَائِعُ ثَوْبَهُ وَطَلَبَ أَحَدُهُمَا الْبَيْعَ أُجْبِرَ الْآخَرُ عَلَيْهِ، وَهَذَا لِأَنَّ الصَّبْغَ يُسْتَدَامُ فِي الثَّوْبِ فَلَا يَتَخَلَّصُ مِنْ الشَّرِكَةِ فِيهِ بِدُونِ الْبَيْع، وَإِنَّمَا فَرَّقْنَا بَيْن طَلَبِ الْغَاصِبِ وَغَيْرِهِ عَلَى وَجْهٍ لِئَلَّا يَتَسَلَّطَ الْغَاصِبُ بِعُدْوَانِهِ عَلَى إخْرَاجِ مِلْكِ غَيْرِهِ عَنْهُ قَهْرًا
وَمِنْهَا: قِسْمَةُ الْمَنَافِعِ بِالْمُهَايَأَةِ هَلْ تَجِبُ الْإِجَابَةُ إلَيْهَا أَمْ لَا؟ الْمَشْهُورُ عَدَمُ الْوُجُوبِ وَلَمْ يَذْكُرْ الْقَاضِي وَأَصْحَابُهُ فِي الْمَذْهَبِ سِوَاهُ وَفَرَّقُوا بَيْنَ الْمُهَايَأَةِ وَالْقِسْمَةِ بِأَنَّ الْقِسْمَةَ إفْرَازُ أَحَدِ الْمِلْكَيْنِ مِنْ الْآخَرِ وَالْمُهَايَأَةُ مُعَاوَضَةٌ حَيْثُ كَانَتْ اسْتِيفَاءً لِلْمَنْفَعَةِ مِنْ مِثْلِهَا فِي زَمَنٍ آخَرَ، وَفِيهَا تَأْخِيرُ أَحَدِهِمَا عَنْ اسْتِيفَاءِ حَقِّهِ فَلَا يَلْزَمُ بِخِلَافِ قِسْمَةِ الْأَعْيَانِ، وَنَصَّ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ صَالِحٍ وَحَنْبَلٍ وَأَبِي طَالِبٍ فِي الْعَبْدِ الْمُشْتَرَكِ إذَا أَعْتَقَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ نِصْفَهُ أَوْ كَاتَبَهُ فَإِنَّهُ يَكُونُ يَوْمًا لِنَفْسِهِ وَيَوْمًا لِسَيِّدِهِ الْبَاقِي، وَتَأَوَّلَهُ الْقَاضِي
عَلَى التَّرَاضِي وَهُوَ بَعِيدٌ، وَحَكَى أَبُو بَكْرٍ فِي التَّنْبِيهِ فِيهِ رِوَايَتَيْنِ، إحْدَاهُمَا: يَكُونُ يَوْمًا لِنَفْسِهِ وَيَوْمًا لِسَيِّدِهِ، وَالْأُخْرَى أَنَّ كَسْبَهُ بَيْنَهُمَا وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى وُقُوعِ الْمُهَايَأَةِ حُكْمًا مِنْ غَيْرِ طَلَبٍ وَفِي الْمَسْأَلَةِ وَجْهٌ آخَرُ أَنَّهُ تَجِبُ الْمُهَايَأَةُ بِالْمَكَانِ دُونَ الزَّمَانِ لِانْتِفَاءِ تَأَخُّرِ اسْتِيفَاءِ أَحَدِهِمَا لِحَقِّهِ فِي الْمُهَايَأَةِ بِالْأَمْكِنَةِ فَهُوَ كَقِسْمَةِ الْأَعْيَانِ وَاخْتَارَهُ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ وَعَلَى الْقَوْلِ بِانْتِفَاءِ الْوُجُوبِ مُطْلَقًا فَيَجُوزُ بِالتَّرَاضِي، وَهَلْ تَقَعُ لَازِمَةً إذَا كَانَتْ مُدَّتُهَا مَعْلُومَةً أَوْ جَائِزَةً؟ عَلَى وَجْهَيْنِ. وَالْمَجْزُومُ فِي التَّرْغِيبِ الْجَوَازُ، وَاخْتَارَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ اللُّزُومَ، وَعَلَى الْقَوْلِ بِالْجَوَازِ لَوْ رَجَعَ أَحَدُهُمَا قَبْلَ اسْتِيفَاءِ نَوْبَتِهِ فَلَهُ ذَلِكَ وَإِنْ رَجَعَ بَعْدَ الِاسْتِيفَاءِ غَرِمَ مَا انْفَرَدَ بِهِ وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ لَا يَنْفَسِخُ حَتَّى يَنْقَضِيَ الدَّوْرُ وَيَسْتَوْفِيَ كُلٌّ مِنْهُمَا حَقَّهُ مِنْهُ، وَيُمْكِنُ أَنْ يُؤْخَذَ ذَلِكَ مِنْ مَسْأَلَةِ الْقَسْمِ وَهِيَ أَنَّ مَنْ لَهُ زَوْجَتَانِ فَقَسَمَ لِإِحْدَاهُمَا ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يُطَلِّقَ الْأُخْرَى لَمْ يَجُزْ لَهُ حَتَّى يُوَفِّيَهَا حَقّهَا مِنْ الْقَسْمِ لِئَلَّا يَفُوتَ حَقُّهَا بِالطَّلَاقِ، وَلَا يُقَالُ هَذِهِ الْقِسْمَةُ لَازِمَةٌ بِخِلَافِ الْمُهَايَأَةِ لِأَنَّهَا إنَّمَا لَزِمَتْ لِأَجْلِ الْمُسَاوَاةِ بَيْنَ الزَّوْجِيَّةِ، وَلِهَذَا قَالَ الْقَاضِي وَمَنْ اتَّبَعَهُ أَنَّ قَسْمَ الِابْتِدَاءِ لَيْسَ بِوَاجِبٍ وَلَوْ اسْتَوْفَى أَحَدُهُمَا شُرَطَتِهِ ثُمَّ تَلِفَتْ الْمَنَافِعُ فِي الذَّكَرِ الْآخَرِ قَبْلَ تَمَكُّنِهِ مِنْ الْقَبْضِ، فَأَفْتَى الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رحمه الله بِأَنَّهُ يَرْجِعُ عَلَى الْأَوَّلِ بِبَدَلِ حِصَّتِهِ مِنْ تِلْكَ الْمُدَّةِ الَّتِي اسْتَوْفَاهَا مَا لَمْ يَكُنْ قَدْ رَضِيَ بِمَنْفَعَةِ الزَّمَنِ الْمُتَأَخِّرِ عَلَى أَيِّ حَالٍ كَانَ جَعْلًا لِلتَّالِفِ قَبْلَ الْقَبْضِ كَالتَّالِفِ فِي الْإِجَارَةِ قَالَ وَسَوَاءٌ قُلْنَا الْقِسْمَةُ إفْرَازٌ أَوْ بَيْعٌ فَإِنَّ الْمُعَادَلَةَ مُعْتَبَرَةٌ فِيهَا عَلَى الْقَوْلَيْنِ وَلِهَذَا ثَبَتَ فِيهَا خِيَارُ الْعَيْبِ وَالتَّدْلِيسِ انْتَهَى.
وَهَذَا عَلَى الْقَوْلِ بِالْجَوَازِ ظَاهِرٌ، وَلَكِنَّ الشَّيْخَ رَجَّحَ اللُّزُومَ. وَيَتَخَرَّجُ فِي الرُّجُوعِ حِينَئِذٍ وَجْهَانِ بِنَاءً عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ فِيمَا إذَا تَقَاسَمَ الشَّرِيكَانِ الدَّيْنَ فِي ذِمَمِ الْغُرَمَاءِ ثُمَّ تَلِفَ أَحَدُهُمَا قَبْلَ الْقَبْضِ هَلْ يَسْتَحِقُّ صَاحِبُهُ الرُّجُوعَ عَلَى الْآخَرِ فِيمَا قَبَضَهُ أَمْ لَا؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ نَقَلَهُمَا مَعًا ابْنُ مَنْصُورٍ فِي مَسَائِلِهِ عَنْ أَحْمَدَ، وَرِوَايَةُ الرُّجُوعِ حَمَلَهَا الْأَصْحَابُ عَلَى أَنَّ الْقِسْمَةَ لَمْ تَصِحَّ، لَكِنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِمْ لَمْ تَصِحَّ أَنَّهَا غَيْرُ لَازِمَةٍ لِأَنَّ الْقَبْضَ بِهَا مُحَرَّمٌ بَاطِلٌ، وَلِهَذَا قَالُوا لَوْ قَبَضَ شَيْئًا بِإِذْنِ شَرِيكِهِ لَانْفَرَدَ بِهِ عَلَى الصَّحِيحِ فَيَكُونُ حِينَئِذٍ شَبَّهَهُ بِالْمُهَايَأَةِ.
وَمِنْهَا: الزَّرْعُ وَالشَّجَرُ الْمُشْتَرَكُ إذَا طَلَبَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ سَقْيَهُ وَهُوَ مُحْتَاجٌ إلَى ذَلِكَ أُجْبِرَ الْآخَرُ عَلَيْهِ، ذَكَرَهُ الْقَاضِي، وَحَكَاهُ عَنْ أَبِي بَكْرٍ فِيمَا إذَا أَوْصَى لِأَحَدِهِمَا بِزَرْعٍ وَلِلْآخِرِ بِتِبْنِهِ وَأَخَذَهُ مِنْ مَسْأَلَةِ الْجِدَارِ وَهُوَ أَوْلَى بِالْوُجُوبِ لِأَنَّ السَّقْيَ مِنْ بَابِ حِفْظِ الْأَصْلِ وَإِبْقَائِهِ فَهُوَ شُرَطَةٍ السَّقْفِ إذَا انْكَسَرَ بَعْضُ خَشَبِهِ وَالْحَائِطُ الْمَائِلُ، وَذَلِكَ أَوْلَى بِالْوُجُوبِ مِنْ بِنَاءِ السَّاقِطِ لِأَنَّ إعَادَةَ الْحَائِطِ بَعْدَ زَوَالِهِ شَبِيهٌ بِإِحْدَاثِ الْمَنْفَعَةِ لَكِنْ لَمَّا كَانَ رَدًّا لَهُ إلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ أُلْحِقَ بِاسْتِيفَاءِ الْمَنْفَعَةِ، وَأَلْحَق الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ بِهَذَا كُلَّ مَا فِيهِ حِفْظُ الْأَصْلِ إذَا اُحْتِيجَ إلَيْهِ مِثْلُ الْحَارِسِ وَالنَّاظِرِ وَالدَّلِيلِ عَلَى الطَّرِيقِ