الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَطْءِ الْمُكَاتَبَةِ إذَا اسْتَثْنَاهُ فِي عَقْدِ الْكِتَابَةِ وَهَلْ الْكِتَابَةُ إلَّا عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ عَلَى الْمَنَافِعِ.
النَّوْعُ الثَّانِي: الْمَنَافِعُ الَّتِي مُلِكَتْ مُجَرَّدَةً عَنْ الْأَعْيَانِ أَوْ كَانَتْ أَعْيَانُهَا غَيْرَ قَابِلَةٍ لِلْمُعَاوَضَةِ فَهَذَا مَحِلُّ الْخِلَافِ الَّذِي نَتَكَلَّمُ فِيهِ هَهُنَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
[الْقَاعِدَةُ الثَّامِنَةُ وَالثَّمَانُونَ الِانْتِفَاعِ وَإِحْدَاثِ مَا يُنْتَفَعُ بِهِ مِنْ الطُّرُقِ]
(الْقَاعِدَةُ الثَّامِنَةُ وَالثَّمَانُونَ) : فِي الِانْتِفَاعِ وَإِحْدَاثِ مَا يُنْتَفَعُ بِهِ مِنْ الطُّرُقِ الْمَسْلُوكَةِ فِي الْأَمْصَارِ وَالْقُرَى وَهَوَائِهَا وَقَرَارِهَا. أَمَّا الطَّرِيقُ نَفْسُهُ فَإِنْ كَانَ ضَيِّقًا أَوْ أَحْدَثَ فِيهِ مَا يَضُرُّ بِالْمَارَّةِ فَلَا يَجُوزُ بِكُلِّ حَالٍ، وَأَمَّا مَعَ السَّعَةِ وَانْتِفَاءِ الضَّرَرِ فَإِنْ كَانَ الْمُحْدِثُ فِيهِ مُتَأَبِّدًا كَالْبِنَاءِ وَالْغِرَاسِ فَإِنْ كَانَ لِمَنْفَعَةٍ خَاصَّةٍ بِآحَادِ النَّاسِ لَمْ يَجُزْ عَلَى الْمَعْرُوفِ مِنْ الْمَذْهَبِ وَإِنْ كَانَ لِمَنْفَعَةٍ عَامَّةٍ فَفِيهِ خِلَافٌ مَعْرُوفٌ ; مِنْهُمْ مَنْ يُطْلِقُهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَخُصُّهُ بِحَالَةِ انْتِفَاءِ إذْنِ الْإِمَامِ فِيهِ وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مُتَأَبِّدٍ وَنَفْعُهُ خَاصٌّ كَالْجُلُوسِ وَإِيقَافِ الدَّابَّةِ فِيهِ فَفِيهِ خِلَافٌ أَيْضًا. وَأَمَّا الْقَرَارُ الْبَاطِنُ فَحُكْمُهُ حُكْمُ الظَّاهِرِ عَلَى الْمَنْصُوصِ. وَأَمَّا الْهَوَاءُ فَإِنْ كَانَ الِانْتِفَاعُ بِهِ خَاصًّا بِدُونِ إذْنِ الْإِمَامِ فَالْمَعْرُوفُ مَنْعُهُ بِإِذْنِهِ فِيهِ خِلَافٌ وَيَنْدَرِجُ تَحْتَ ذَلِكَ مَسَائِلُ كَثِيرَةٌ.
(مِنْهَا) إذَا حَفَرَ فِي طَرِيقٍ وَاسِعٍ بِئْرًا فَإِنْ كَانَ لِنَفْعِ الْمُسْلِمِينَ فَفِيهِ طَرِيقَانِ:
أَحَدُهُمَا: إنْ كَانَ بِإِذْنِ الْإِمَامِ جَازَ وَإِنْ كَانَ بِدُونِ إذْنِهِ فَفِيهِ رِوَايَتَانِ قَالَهُ الْقَاضِي وَابْنُ عَقِيلٍ وَصَاحِبُ الْمُحَرَّرِ.
وَالثَّانِي: فِيهِ رِوَايَتَانِ عَلَى الْإِطْلَاقِ قَالَهُ أَبُو الْخَطَّابِ وَصَاحِبُ الْمُغْنِي إذْ الْبِئْرُ مَظِنَّةُ الْعَطَبِ، وَإِنْ كَانَ الْحَفْرُ لِنَفْسِهِ ضَمِنَ بِكُلِّ حَالٍ وَلَوْ كَانَ فِي فِنَائِهِ نَصَّ عَلَيْهِ وَلَا يَجُوزُ إذْنُ الْإِمَامِ فِيهِ عِنْدَ الْأَصْحَابِ. وَفِي الْأَحْكَامِ السُّلْطَانِيَّةِ لِلْقَاضِي أَنَّ لَهُ التَّصَرُّفَ فِي فِنَائِهِ بِمَا شَاءَ مِنْ حَفْرٍ وَغَيْرِهِ إذَا لَمْ يَضُرَّ وَإِمَّا فِي فِنَاءِ غَيْرِهِ، فَإِنْ أَضَرَّ بِأَهْلِهِ لَمْ يَجُزْ وَإِنْ لَمْ يَضُرَّ جَازَ وَهَلْ يُعْتَبَرُ إذْنُهُمْ أَوْ إذْنُ الْإِمَامِ فِي فِنَاءِ الْمَسْجِدِ عَلَى وَجْهَيْنِ.
(وَمِنْهَا) إذَا بَنَى مَسْجِدًا فِي طَرِيقٍ وَاسِعٍ لَمْ يَضُرَّ بِالْمَارَّةِ قَالَ الْأَكْثَرُونَ مِنْ الْأَصْحَابِ إنْ كَانَ بِإِذْنِ الْإِمَامِ جَازَ وَإِلَّا فَرِوَايَتَانِ وَقَالَ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ ابْنِ الْحَكَمِ أَكْرَهُ الصَّلَاةَ فِي الْمَسْجِدِ الَّذِي لَا يُؤْخَذُ مِنْ الطَّرِيقِ إلَّا أَنْ يَكُونَ بِإِذْنِ الْإِمَامِ، وَمِنْهُمْ مَنْ أَطْلَقَ الرِّوَايَتَيْنِ وَكَلَامُ أَحْمَدَ أَكْثَرُهُ غَيْرُ مُقَيَّدٍ قَالَ فِي رِوَايَةِ الْمَرُّوذِيّ الْمَسَاجِدُ الَّتِي فِي الطَّرَقَاتِ حُكْمُهَا أَنْ تُهْدَمَ. وَقَالَ إسْمَاعِيلُ الشَّالَنْجِيُّ: سَأَلْت أَحْمَدَ عَنْ طَرِيقٍ وَاسِعٍ لِلْمُسْلِمِينَ عَنْهُ غِنًى وَبِهِمْ إلَى أَنْ يَكُونَ هُنَاكَ مَسْجِدُ حَاجَةٍ هَلْ يَجُوزُ أَنْ يُبْنَى هُنَاكَ مَسْجِدٌ؟ قَالَ: لَا بَأْسَ بِذَلِكَ إذَا لَمْ يَضُرَّ بِالطَّرِيقِ. قَالَ: وَسَأَلْت أَحْمَدَ هَلْ يُبْنَى عَلَى خَنْدَقِ مَدِينَةِ الْمُسْلِمِينَ مَسْجِدٌ لِلْمُسْلِمِينَ عَامَّةً؟ قَالَ: لَا بَأْسَ بِذَلِكَ إذَا لَمْ يَضُرَّ بِالطَّرِيقِ.
قَالَ الْجُوزَجَانِيُّ فِي الْمُتَرْجَمِ: وَاَلَّذِي عَنَى أَحْمَدَ مِنْ الضَّرَرِ بِالطَّرِيقِ مَا وَقَّتَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مِنْ السَّبْعِ الْأَذْرُعِ كَذَا قَالَ وَمُرَادُهُ أَنَّهُ
يَجُوزُ الْبِنَاءُ إذَا فَضَلَ مِنْ الطَّرِيقِ سَبْعَةُ أَذْرُعٍ وَالْمَنْصُوصُ عَنْ أَحْمَدَ أَنَّ قَوْلَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم «إذَا اخْتَلَفْتُمْ فِي الطَّرِيقِ فَاجْعَلُوهُ سَبْعَةَ أَذْرُعٍ» فِي أَرْضٍ مَمْلُوكَةٍ لِقَوْمٍ أَرَادُوا الْبِنَاءَ فِيهَا وَتَشَاجَرُوا فِي مِقْدَارِ مَا يَتْرُكُونَهُ مِنْهَا لِلطَّرِيقِ وَبِذَلِكَ فَسَّرَهُ ابْنُ بَطَّةَ وَأَبُو حَفْصٍ الْعُكْبَرِيُّ وَالْأَصْحَابُ وَأَنْكَرُوا جَوَازَ تَضْيِيقِ الطَّرِيقِ الْوَاسِعِ إلَى أَنْ يَبْقَى مِنْهُ سَبْعَةُ أَذْرُعٍ.
(وَمِنْهَا) بِنَاءُ غَيْرِ الْمَسَاجِدِ فِي الطُّرُقَاتِ فَإِنْ كَانَ الْبِنَاءُ لِلْوَقْفِ عَلَى الْمَسْجِدِ فَهُوَ كَبِنَاءِ الْمَسْجِدِ قَالَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ بْنُ تَيْمِيَّةَ وَكَذَا إنْ كَانَ لِمَصْلَحَةٍ عَامَّةٍ كَخَانٍ مُسَبَّلٍ وَنَحْوِهِ وَإِنْ كَانَ لِمَنْفَعَةٍ تَخْتَصُّ بِأَحَدِ النَّاسِ فَالْمَشْهُورُ عَدَمُ جَوَازِهِ ; لِأَنَّ الطَّرِيقَ مُشْتَرَكٌ فَلَا يَمْلِكُ أَحَدٌ إسْقَاطَ الْحَقِّ الْمُشْتَرَكِ مِنْهُ وَالِاخْتِصَاصُ بِهِ وَلَا يَمْلِكُ الْإِمَامُ الْإِذْنَ فِي ذَلِكَ وَفِي كِتَابِ الطُّرُقَاتِ لِابْنِ بَطَّةَ أَنَّ بَعْضَ الْأَصْحَابِ أَفْتَى بِجَوَازِهِ وَأَخَذَهُ مِنْ نَصِّ أَحْمَدَ فِي بِنَاءِ الْمَسْجِدِ. وَالْفَرْقُ وَاضِحٌ ; لِأَنَّ بِنَاءَ الْمَسْجِدِ حَقُّ الِاشْتِرَاكِ فِيهِ بَاقٍ غَيْرَ أَنَّهُ انْتَقَلَ مِنْ اسْتِحْقَاقِ الْمُرُورِ إلَى اسْتِحْقَاقِ اللُّبْثِ لِلْعِبَادَةِ، وَكَلَامُ أَحْمَدَ يَدُلُّ عَلَى الْمَنْعِ قَالَ فِي رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ: إذَا كَانَ الطَّرِيقُ قَدْ سَلَكَهُ النَّاسُ وَصُيِّرَ طَرِيقًا فَلَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهَا شَيْئًا قَلِيلًا وَلَا كَثِيرًا. وَقَالَ فِي رِوَايَةِ الْعَبَّاسِ بْنِ مُوسَى إذَا نَضَبَ الْمَاءُ عَنْ جَزِيرَةٍ لَمْ يُبْنَ فِيهَا ; لِأَنَّ فِيهَا ضَرَرًا وَهُوَ أَنَّ الْمَاءَ يَرْجِعُ قَالَ الْقَاضِي مَعْنَاهُ إذَا بَنَى فِي طَرِيقِ الْمَارَّةِ فَضَرَّ بِالْمَارَّةِ فِي ذَلِكَ الطَّرِيقِ فَلَمْ يُجَوِّزْهُ، وَكُرِهَ فِي رِوَايَةِ ابْنِ بُخْتَانَ أَنْ يَطْحَنَ فِي الْغُرُوبِ وَقَالَ رُبَّمَا غَرِقَتْ السُّفُنُ وَقَالَ فِي رِوَايَةِ مُثَنَّى: إذَا كَانَتْ فِي طَرِيقِ النَّاسِ فَلَا يُعْجِبُنِي وَالْغُرُوبُ كَأَنَّهَا طَاحُونٌ يُصْنَعُ فِي النَّهْرِ الَّذِي تَجْرِي فِيهِ السُّفُنُ وَكُرِهَ شِرَاءُ مَا يُطْحَنُ فِيهَا. وَذَكَرَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي الْغُرْبَةِ فِي النَّهْرِ: إنْ كَانَ وَضْعُهَا بِإِذْنِ الْإِمَامِ وَالطَّرِيقُ وَاسِعٌ وَالْجَرَيَانُ مُعْتَدِلٌ بِحَيْثُ يُمْكِنُ الِاحْتِرَازُ مِنْهُ جَازَ وَإِلَّا لَمْ يَجُزْ. وَلَعَلَّ الْغُرْبَةَ كَالسَّفِينَةِ لَا تَتَأَبَّدُ بِخِلَافِ الْبِنَاءِ وَحُكْمُ الْغِرَاسِ حُكْمُ الْبِنَاءِ وَقَدْ قَالَ أَحْمَدُ فِي النَّخْلَةِ الْمَغْرُوسَةِ فِي الْمَسْجِدِ: أَنَّهَا غُرِسَتْ بِغَيْرِ حَقٍّ فَلَا أُحِبُّ الْأَكْلَ مِنْهَا وَلَوْ قَلَعَهَا الْإِمَامُ كَانَ أَوْلَى وَمِنْ الْأَصْحَابِ مَنْ أَطْلَقَ فِيهَا الْكَرَاهَةَ كَصَاحِبِ الْمُبْهِجِ وَجَعَلَ ثَمَرَهَا لِجِيرَانِ الْمَسْجِدِ الْفُقَرَاءِ وَنَصَّ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ ابْنِ هَانِئٍ وَابْنِ بُخْتَانَ فِي دَارِ السَّبِيلِ يُغْرَسُ فِيهَا كَرْمٌ قَالَ: إنْ كَانَ يَضُرُّ بِهِمْ فَلَا. وَظَاهِرُهُ جَوَازُهُ مَعَ انْتِفَاءِ الضَّرَرِ وَلَعَلَّ الْغَرْسَ كَانَ لِجِهَةِ السَّبِيلِ أَيْضًا.
(وَمِنْهَا) اخْتِصَاصُ آحَادِ النَّاسِ فِي الطَّرِيقِ بِانْتِفَاعٍ لَا يَتَأَبَّدُ فَمِنْ ذَلِكَ الْجُلُوسُ لِلْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ فَقَالَ الْأَكْثَرُونَ: إنْ كَانَ الطَّرِيقُ وَاسِعًا وَلَا ضَرَرَ فِي الْجُلُوسِ بِالْمَارَّةِ جَازَ بِإِذْنِ الْإِمَامِ وَبِدُونِ إذْنِهِ وَإِلَّا لَمْ يَجُزْ وَلِلْإِمَامِ أَنْ يُقْطِعَهُ مَنْ شَاءَ وَذَكَرَ الْقَاضِي فِي الْأَحْكَامِ السُّلْطَانِيَّةِ فِي جَوَازِهِ بِدُونِ إذْنِ الْإِمَامِ رِوَايَتَيْنِ، وَحَكَى فِي كِتَابِ الرِّوَايَتَيْنِ فِي الْمَسْأَلَةِ رِوَايَتَيْنِ بِالْجَوَازِ وَالْمَنْعِ ثُمَّ حَمَلَهُمَا عَلَى اخْتِلَافِ حَالَتَيْنِ ; فَالْجَوَازُ إذَا لَمْ يَضُرَّ بِالْمَارَّةِ وَالْمَنْعُ إذَا ضَرَّ وَجَعَلَ حَقَّ الْجُلُوسِ كَحَقِّ الِاسْتِطْرَاقِ ; لِأَنَّهُ لَا يُعَطِّلُ
حَقَّ الْمُرُورِ بِالْكُلِّيَّةِ فَهُوَ كَالْقِيَامِ لِحَاجَةٍ وَأَظُنُّ أَنَّ ابْنَ بَطَّةَ حَكَى قَبْلَهُ رِوَايَتَيْنِ مُطْلَقَتَيْنِ فِي الْجَوَازِ وَعَدَمِهِ وَكَذَلِكَ ذَكَرَ صَاحِبُ الْمُقْنِعِ فِي الْجُلُوسِ فِي الطَّرِيقِ الْوَاسِعِ هَلْ يُوجِبُ ضَمَانَ مَا عَثُرَ بِهِ عَلَى رِوَايَتَيْنِ وَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى الْخِلَافِ فِي جَوَازِهِ، وَأَمَّا الْقَاضِي فَقَالَ: لَا يَضْمَنُ بِالْجُلُوسِ رِوَايَةً وَاحِدَةً.
وَمِنْ ذَلِكَ لَوْ رَبَطَ دَابَّتَهُ أَوْ أَوْقَفَهَا فِي الطَّرِيقِ وَالْمَنْصُوصُ مَنْعُهُ قَالَ فِي رِوَايَةِ أَبِي الْحَارِثِ إذَا أَقَامَ دَابَّتَهُ عَلَى الطَّرِيقِ فَهُوَ ضَامِنٌ لِمَا جَنَتْ لَيْسَ لَهُ فِي الطَّرِيقِ حَقٌّ، وَكَذَا نَقَلَ عَنْهُ أَبُو طَالِبٍ وَحَنْبَلٌ ضَمَانَ جِنَايَةِ الدَّابَّةِ إذَا رَبَطَهَا فِي الطَّرِيقِ، وَكَذَا أَطْلَقَ ابْنُ أَبِي مُوسَى وَأَبُو الْخَطَّابِ مِنْ غَيْرِ تَفْرِيقٍ بَيْنَ حَالَةِ التَّضْيِيقِ وَالسَّعَةِ وَمَأْخَذُهُ أَنَّ طَبْعَ الدَّابَّةِ الْجِنَايَةُ بِفَمِهَا أَوْ رِجْلِهَا فَإِيقَافِهَا فِي الطَّرِيقِ كَوَضْعِ الْحَجَرِ وَنَصْبِ السِّكِّينِ فِيهِ. وَحَكَى الْقَاضِي فِي كِتَابِ الرِّوَايَتَيْنِ رِوَايَةً أُخْرَى بِعَدَمِ الضَّمَانِ إذَا وَقَفَ فِي طَرِيقٍ وَاسِعٍ لِقَوْلِ أَحْمَدَ فِي رِوَايَةِ أَحْمَدَ بْنِ سَعِيدٍ إذَا وَقَفَ عَلَى نَحْوِ مَا يَقِفُ النَّاسُ أَوْ فِي مَوْضِعٍ يَجُوزُ أَنْ يَقِف فِي مِثْلِهِ فَنَفَحَتْ بِيَدٍ أَوْ رِجْلٍ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ قَالَ الْقَاضِي ظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا ضَمَانَ إذَا كَانَ وَاقِفًا لِحَاجَةٍ وَكَانَ الطَّرِيقُ وَاسِعًا، وَأَمَّا الْآمِدِيُّ فَحَمَلَ الْمَنْعَ عَلَى حَالَةِ ضِيقِ الطَّرِيقِ وَالْجَوَازَ عَلَى حَالَةِ سَعَتِهِ وَالْمَذْهَبُ عَنْهُ الْجَوَازُ مَعَ السَّعَةِ وَعَدَمِ الْإِضْرَارِ رِوَايَةً وَاحِدَةً، وَمِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ مَنْ جَعَلَ الْمَذْهَبَ الْمَنْعَ رِوَايَةً وَاحِدَةً وَصَرَّحَ صَاحِبُ التَّلْخِيصِ بِجَرَيَانِ الْخِلَافِ فِي صُورَتَيْ الْقِيَامِ وَالرَّبْطِ وَخَالَفَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ وَقَالَ الرَّبْطُ عُدْوَانٌ بِكُلِّ حَالٍ وَرَبْطُ السَّفِينَةِ وَإِرْسَاؤُهَا فِي النَّهْرِ الْمَسْلُوكِ.
قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ إنْ كَانَ بِإِذْنِ الْإِمَامِ وَالطَّرِيقُ وَاسِعٌ وَالْجَرَيَانُ مُعْتَدِلٌ جَازَ وَإِلَّا لَمْ يَجُزْ وَخَالَفَ بَعْضُ الْأَصْحَابِ فِي اعْتِبَارِ إذْنِ الْإِمَامِ فِي هَذَا لِتَكَرُّرِهِ، قَالَ الْمَيْمُونِيُّ: مِلْتُ أَنَا وَأَبُو عَبْدِ اللَّهِ إلَى وَدَوَاعِيَهُ يَعْنِي فِي دِجْلَةَ فَاكْتَرَى زَوْرَقًا مِنْ وَدَوَاعِيَهُ فَرَأَيْتُهُ يَتَخَطَّى زَوَّجْتُكَهُمَا عِدَّةً لِأُنَاسٍ وَلَمْ أَرَهُ اسْتَأْذَنَ أَحَدًا مِنْهُمْ قَالَ بَعْضُ الْأَصْحَابِ ; لِأَنَّهُ حَرِيمُ دِجْلَةَ وَهُوَ مُشْتَرَكٌ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ فَلَمَّا ضَيَّقُوهُ جَازَ الْمَشْيُ عَلَيْهِ وَعَلَى قِيَاسِ ذَلِكَ لَوْ وُضِعَ فِي الْمَسْجِدِ سَرِيرٌ وَنَحْوُهُ جَازَتْ الصَّلَاةُ عَلَيْهِ مِنْ غَيْرِ اسْتِئْذَانٍ بِخِلَافِ مَا إذَا بَسَطَ فِيهِ مُصَلَّى وَقُلْنَا لَا يَثْبُتُ بِهِ السَّبْقُ فَإِنَّهُ يُرْفَعُ وَيُصَلَّى مَوْضِعَهُ وَلَا يُصَلَّى عَلَيْهِ ; لِأَنَّ رَفْعَهُ لَا مَشَقَّةَ فِيهِ.
وَمِنْ ذَلِكَ الِانْتِفَاعُ بِالطَّرِيقِ بِإِلْقَاءِ الْكُنَاسَةِ وَالْأَقْذَارِ فَإِنْ كَانَ نَجَاسَةً فَهُوَ كَالتَّخَلِّي فِي الطَّرِيقِ وَهُوَ مَنْهِيٌّ عَنْهُ لَكِنْ هَلْ هُوَ نَهْيُ كَرَاهَةٍ أَوْ نَهْيُ تَحْرِيمٍ كَلَامُ الْأَصْحَابِ مُخْتَلَفٌ فِي ذَلِكَ وَإِنْ كَانَ مِمَّا يَحْصُلُ بِهِ الزَّلَقُ كَرَشِّ الْمَاءِ وَصَبِّهِ وَإِلْقَاءِ قُشُورِ الْبِطِّيخِ أَوْ يَحْصُلُ بِهِ الْعُثُورُ كَالْحَجَرِ فَلَا يَجُوزُ وَالضَّمَانُ وَاجِبٌ بِهِ وَقَدْ نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ فِي رَشِّ الْمَاءِ قَالَ فِي التَّرْغِيبِ إلَّا أَنْ يَرُشَّهُ لِيَسْكُنَ بِهِ الْغُبَارُ فَهُوَ مَصْلَحَةٌ عَامَّةٌ فَيَصِيرُ كَحَفْرِ الْبِئْرِ السَّابِلَةِ. وَفِيهِ رِوَايَتَانِ.
(وَمِنْهَا) الْحَفْرُ فِي الطَّرِيقِ وَهُوَ مَمْنُوعٌ سَوَاءٌ تَرَكَهُ ظَاهِرًا أَوْ غَطَّاهُ وَأَسْقَفَ عَلَيْهِ.
قَالَ الْمَرُّوذِيّ: سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عَنْ الرَّجُلِ يَحْفِرُ فِي فِنَائِهِ الْبِئْرَ أَوْ الْمَخْرَجَ الْمُغْلَقَ.