الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قَالَ: لَا هَذَا طَرِيقٌ لِلْمُسْلِمِينَ. قُلْتُ: إنَّمَا هِيَ بِئْرٌ تُحْفَرُ وَيُسَدُّ رَأْسُهَا. قَالَ: أَلَيْسَ فِي طَرِيقِ الْمُسْلِمَيْنِ أَكْرَهُ هَذَا كُلَّهُ فَمَنَعَ مِنْ التَّصَرُّفِ فِي بَاطِنِ الطَّرِيقِ بِالْحَفْرِ، وَنَقَلَ عَنْهُ ابْنُ هَانِئٍ وَابْنُ بُخْتَانَ وَالْفَضْلُ بْنُ زِيَادٍ فِي رَجُلٍ فِي دَارِهِ شَجَرَةٌ، فَنَبَتَ مِنْ عُرُوقِهَا شَجَرَةٌ فِي دَارِ رَجُلٍ آخَرَ، لِمَنْ هَذِهِ الشَّجَرَةُ؟ قَالَ: مَا أَدْرِي مَا هَذَا وَرُبَمَا كَانَ ضَرَرًا عَلَى صَاحِبِ الْأَرْضِ.
قَالَ الْقَاضِي وَظَاهِرُ هَذَا أَنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ فِيهَا ضَرَرٌ وَهُوَ أَنْ تَكُونَ عُرُوقُهَا تَحْتَ الْأَرْضِ لَا يُؤْخَذُ بِقَلْعِهَا ; لِأَنَّ الضَّرَرَ إنَّمَا يَكُونُ بِظُهُورِهَا عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ. انْتَهَى وَفِيهِ نَظَرٌ، وَصَرَّحَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي الْوَاضِحِ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ بِوُجُوبِ إزَالَةِ عُرُوقِ شَجَرَتِهِ مِنْ أَرْضِ غَيْرِهِ
(وَمِنْهَا) إشْرَاعُ الْأَجْنِحَةِ وَالسَّابَاطَاتِ وَالْخَشَبِ وَالْحِجَارَةِ فِي الْجِدَارِ إلَى الطَّرِيقِ فَلَا يَجُوزُ وَيَضْمَنُ بِهِ نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ أَبِي طَالِبٍ وَابْنِ مَنْصُورٍ وَمُهَنَّا وَغَيْرِهِمْ. وَلَمْ يُعْتَبَرْ إذْنُ الْإِمَامِ فِي ذَلِكَ، وَكَذَلِكَ ذَكَرَ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ وَصَاحِبُ الْمُغْنِي وَقَالَ الْقَاضِي فِي خِلَافِهِ وَالْأَكْثَرُونَ يُجَوِّزُ بِإِذْنِ الْإِمَامِ مَعَ انْتِفَاءِ الضَّرَرِ بِهِ، وَفِي شَرْحِ الْهِدَايَةِ لِلشَّيْخِ مَجْدُ الدِّينِ فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ " إنْ كَانَ لَا يَضُرُّ بِالْمَارَّةِ جَازَ " وَهَلْ يَفْتَقِرُ إلَى إذْنِ الْإِمَامِ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ: إحْدَاهُمَا، يَفْتَقِرُ ; لِأَنَّهُ مِلْكٌ مُشْتَرَكٌ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ فَلَا يَجُوزُ تَخْصِيصُهُ بِجِهَةٍ خَاصَّةٍ إلَّا لِلْإِمَامِ.
وَالثَّانِيَةُ: لَا يَفْتَقِرُ ; لِأَنَّ مَنْفَعَةَ الطَّرِيقِ الْمُرُورُ وَهُوَ لَا يَخْتَلُّ بِذَلِكَ وَأَمَّا الْمَيَازِيبُ وَمَسِيلُ الْمِيَاهِ فَكَذَلِكَ عِنْدَ الْأَصْحَابِ قَالَ الْمَرُّوذِيّ: سُقِفَ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ سَطْحُ الْحَاكَّةِ وَجُعِلَ مَسِيلُ الْمِيَاهِ إلَى الطَّرِيقِ وَبَاتَ تِلْكَ اللَّيْلَةَ فَلَمَّا أَصْبَحَ قَالَ: اُدْعُ لِي النَّجَّارَ يُحَوِّلُ الْمِيزَابَ إلَى الدَّارِ. فَدَعَوْتُهُ لَهُ فَحَوَّلَهُ وَهَذَا لَا يَدُلُّ عَلَى التَّحْرِيمِ ; لِأَنَّهُ لَوْ اعْتَقَدَهُ مُحَرَّمًا لَمْ يَفْعَلْهُ ابْتِدَاءً وَإِنَّمَا حَوَّلَهُ تَوَرُّعًا لِحُصُولِ الشُّبْهَةِ فِيهِ، وَفِي الْمُغْنِي احْتِمَالٌ بِجَوَازِهِ مُطْلَقًا مَعَ انْتِفَاءِ الضَّرَرِ وَاخْتَارَهُ طَائِفَةٌ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ. وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ إخْرَاجُ الْمَيَازِيبِ إلَى الدَّرْبِ النَّافِذِ هُوَ السُّنَّةُ وَذَكَرَ حَدِيثَ الْعَبَّاسِ فِي ذَلِكَ وَالْمَانِعُونَ يَقُولُونَ مِيزَابُ الْعَبَّاسِ وَضَعَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِيَدِهِ فَكَانَ أَبْلَغَ مِنْ إذْنِهِ فِيهِ وَلَا كَلَامَ فِيمَا أَذِنَ فِيهِ الْإِمَامُ.
[الْقَاعِدَةُ التَّاسِعَةُ وَالثَّمَانُونَ أَسْبَابُ الضَّمَانِ]
(الْقَاعِدَةُ التَّاسِعَةُ وَالثَّمَانُونَ) : أَسْبَابُ الضَّمَانِ ثَلَاثَةٌ: عَقْدٌ، وَيَدٌ، وَإِتْلَافٌ. أَمَّا عُقُودُ الضَّمَانِ فَقَدْ سَبَقَ ذِكْرُهَا وَكَذَلِكَ سَبَقَ ذِكْرُ الْأَيْدِي الضَّامِنَةِ، وَأَمَّا الْإِتْلَافُ فَالْمُرَادُ بِهِ أَنْ يُبَاشِرَ الْإِتْلَافَ بِسَبَبٍ يَقْتَضِيهِ كَالْقَتْلِ وَالْإِحْرَاقِ أَوْ يَنْصِبُ سَبَبًا عُدْوَانًا فَيَحْصُلُ بِهِ الْإِتْلَافُ بِأَنْ يَحْفِرَ بِئْرًا فِي غَيْرِ مِلْكِهِ عُدْوَانًا أَوْ يُؤَجِّجَ نَارًا فِي يَوْمِ رِيحٍ عَاصِفٍ فَيَتَعَدَّى إلَى إتْلَافِ مَالِ الْغَيْرِ أَوْ كَانَ الْمَاءُ مُحْتَبِسًا بِشَيْءٍ وَعَادَتُهُ الِانْطِلَاقُ فَيُزِيلُ احْتِبَاسَهُ وَسَوَاءٌ كَانَ لَهُ اخْتِيَارٌ فِي انْطِلَاقِهِ أَوْ لَمْ يَكُنْ فَدَخَلَ تَحْتَ ذَلِكَ مَا إذَا حَلَّ وِكَاءَ زِقٍّ مَائِعٍ فَانْدَفَقَ
أَوْ فَتَحَ قَفَصًا عَنْ طَائِرٍ فَطَارَ أَوْ حَلَّ عَبْدًا آبِقًا فَهَرَبَ هَذَا هُوَ الَّذِي ذَكَرَهُ ابْنُ حَامِدٍ وَالْقَاضِي وَالْأَكْثَرُونَ ; لِأَنَّهُ تَسَبَّبَ إلَى الْإِتْلَافِ بِمَا يَقْتَضِيهِ عَادَةً وَاسْتَثْنَى ابْنُ عَقِيلٍ فِي فُنُونِهِ مَا كَانَ مِنْ الطُّيُورِ يَأْلَفُ الْبُرُوجَ وَيَعْتَادُ الْعَوْدَ فَقَالَ لَا ضَمَانَ فِي إطْلَاقِهِ وَإِنْ لَمْ يَعُدْ ; لِأَنَّ الْعَادَةَ جَارِيَةٌ بِعَوْدِهِ فَلَيْسَ إطْلَاقُهُ إتْلَافًا وَقَالَ: أَيْضًا فِي الْفُنُونِ الصَّحِيحُ التَّفْرِقَةُ بَيْنَ مَا يُحَالُ الضَّمَانُ عَلَى فِعْلِهِ كَالْآدَمِيِّ وَمَا لَا يُحَالُ عَلَيْهِ الضَّمَانُ كَالْحَيَوَانَاتِ وَالْجَمَادَاتِ فَإِذَا حَلَّ قَيْدَ الْعَبْدِ لَمْ يَضْمَنْ ; لِأَنَّ الْعَبْدَ لَهُ اخْتِيَارٌ وَيَصِحُّ إحَالَةُ الضَّمَانِ عَلَيْهِ فَيَقْطَعُ مُبَاشَرَتَهُ لِلتَّلَفِ بِسَبَبِ مُطْلَقِهِ، وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ إنَّمَا يَصِحُّ لَوْ كَانَ الْعَبْدُ مِنْ أَهْلِ الضَّمَانِ لِسَيِّدِهِ فَأَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ مِنْ أَهْلِ الضَّمَانِ لِلسَّيِّدِ تَعَيَّنَ إحَالَةُ الضَّمَانِ عَلَى الْمُتَسَبِّبِ وَلِهَذَا قَالَ الْأَصْحَابُ إنَّ جِنَايَةَ الْعَبْدِ الْمَغْصُوبِ عَلَى سَيِّدِهِ مَضْمُونَةٌ عَلَى الْغَاصِبِ حَيْثُ لَمْ يَكُنْ الْعَبْدُ مِنْ أَهْلِ الضَّمَانِ لِلسَّيِّدِ فَأُحِيلَ عَلَى الْغَاصِبِ لِتَعَدِّيهِ بِوَضْعِ يَدِهِ عَلَيْهِ مَعَ أَنَّهُ لَيْسَ سَبَبًا لِلْجِنَايَةِ وَلَكِنْ خَرَّجَ ابْنُ الزاغوني فِي الْإِقْنَاعِ وَجْهًا آخَرَ أَنَّهُ لَا ضَمَانَ عَلَى الْغَاصِبِ ; لِأَنَّ الْجِنَايَةَ مِنْ أَصْلِهَا غَيْرُ قَابِلَةٍ لِلتَّضْمِينِ لِتَعَلُّقِهَا بِالرَّقَبَةِ الْمَمْلُوكَةِ لِلْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ فَلَا يَلْزَمُ الْغَاصِبَ شَيْءٌ مِنْهَا وَلَا يَلْزَمُ مِثْلَهُ فِي مُطْلَقِ الْعَبْدِ ; لِأَنَّهُ مُتَسَبِّبٌ إلَى الْإِتْلَافِ فَإِذَا لَمْ يُمْكِنْ إحَالَةُ الضَّمَانِ عَلَى الْمُبَاشِرِ أُحِيلَ عَلَى الْمُتَسَبِّبِ صِيَانَةً لِلْجِنَايَةِ عَلَى مَالِ الْمَعْصُومِ عَنْ الْإِهْدَارِ مَهْمَا أَمْكَنَ، وَخَرَّجَ الْآمِدِيُّ وَجْهًا آخَرَ أَنَّ جِنَايَةَ الْعَبْدِ عَلَى سَيِّدِهِ مَضْمُونَةٌ عَلَيْهِ فِي ذِمَّتِهِ يُتَّبَعُ بِهَا بَعْدَ عِتْقِهِ.
وَهَهُنَا فَرْعٌ مُتَرَدَّدٌ فِيهِ بَيْنَ ضَمَانِ الْيَدِ وَضَمَانِ الْإِتْلَافِ وَهُوَ مَا إذَا حَفَرَ بِئْرًا عُدْوَانًا أَوْ نَصَبَ شَبَكَةً أَوْ مِنْجَلًا لِلصَّيْدِ ثُمَّ مَاتَ ثُمَّ وَقَعَ فِي الْبِئْرِ حَيَوَانٌ مَضْمُونٌ أَوْ عَثَرَ بِآلَاتِ الصَّيْدِ حَيَوَانٌ مَضْمُونٌ فَإِنْ جَعَلْنَاهُ مِنْ بَابِ الْإِتْلَافِ ضَمِنَ مِنْ التَّرِكَةِ وَبِهِ صَرَّحَ فِي الْمُجَرَّدِ وَابْنُ عَقِيلٍ فِي الْفُصُولِ فِي بَابِ الرَّهْنِ حَتَّى قَالَا: لَوْ بِيعَتْ التَّرِكَةُ لَفُسِخَ فِي قَدْرِ الضَّمَانِ مِنْهَا لِسَبْقِ سَبَبِهِ وَلَوْ كَانَتْ التَّرِكَةُ عَبْدًا فَأَعْتَقَهُ الْوَرَثَةُ قَبْلَ الْوُقُوعِ ضَمِنُوا قِيمَةَ الْعَبْدِ كَالْمَرْهُونِ صَرَّحَ بِهِ الْقَاضِي فِي الْخِلَافِ وَإِنْ جَعَلْنَاهُ مِنْ ضَمَانِ الْيَدِ فَهَلْ يُجْعَلُ كَيَدِ الْمُشَاهَدَةِ بَعْدَ الْمَوْتِ أَوْ يَجْعَلُ الْيَدَ لِمَنْ انْتَقَلَ الْمِلْكُ إلَيْهِ يُحْتَمَلُ عَلَى وَجْهَيْنِ أَصْلُهُمَا اخْتِلَافُ الْأَصْحَابِ فِيمَا لَوْ نَصَبَ شَبَكَةً فَوَقَعَ فِيهَا صَيْدٌ بَعْدَ مَوْتِهِ هَلْ هُوَ تَرِكَةٌ مَوْرُوثَةٌ جَعْلًا لَهَا كَيَدِهِ الْمُشَاهَدَةِ أَوْ هُوَ مِلْكٌ لِلْوَرَثَةِ ; لِأَنَّهَا صَارَتْ كَأَيْدِيهِمْ؟ وَاَلَّذِي صَرَّحَ بِهِ الْقَاضِي وَابْنُ عَقِيلٍ أَنَّهُ تَرِكَةٌ مَوْرُوثَةٌ وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ فِي الِانْتِصَارِ: بَلْ هُوَ مِلْكٌ لِلْوَرَثَةِ بِانْتِقَالِ مِلْكِ الشَّبَكَةِ إلَيْهِ كَمَا يَتَوَلَّدُ مِنْ النِّتَاجِ الْمَوْرُوثِ وَيُثْمِرُ مِنْ الشَّجَرِ وَأَمَّا فِي الْعُدْوَانِ الْمُجَرَّدِ فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَنْقَطِعَ حُكْمُهُ بِمَوْتِهِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ ضَمَانُهُ مِنْ تَرِكَةِ الْمُتَعَدِّي لِانْعِقَادِ سَبَبِهِ فِي حَيَاتِهِ، وَيُشْبِهُ ذَلِكَ الْخِلَافَ فِيمَنْ مَالَ حَائِطُهُ فَطُولِبَ بِنَقْضِهِ فَبَاعَهُ ثُمَّ سَقَطَ هَلْ يَسْقُطُ عَنْهُ الضَّمَانُ؟ فِيهِ وَجْهَانِ سَبَقَ ذِكْرُهُمَا، وَهَلْ يَجِبُ الضَّمَانُ عَلَى مَنْ انْتَقَلَ الْمِلْكُ إلَيْهِ إذَا اسْتَدَامَهُ أَمْ لَا؟ الْأَظْهَرُ وُجُوبُهُ عَلَيْهِ كَمَنْ اشْتَرَى حَائِطًا مَائِلًا فَإِنَّهُ يَقُومُ مَقَامَ الْبَائِعِ فِيهِ