الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فِي رَجُلٍ تَزَوَّجَ امْرَأَةً لَهَا ابْنٌ مِنْ غَيْرِهِ فَيَمُوتُ: إنَّهَا إنْ جَاءَتْ بِوَلَدٍ لِدُونِ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ يَوْمِ مَاتَ مِنْهَا وَرَّثْنَاهُ وَإِنْ جَاءَتْ بِالْوَلَدِ بَعْدَ سِتَّةِ أَشْهُرٍ لَمْ نُوَرِّثْهُ إلَّا بِبَيِّنَةٍ، وَيَكُفُّ عَنْ امْرَأَتِهِ إذَا مَاتَ وَلَدُهَا فَإِنْ لَمْ يَكُفَّ فَجَاءَتْ بِوَلَدٍ لِأَكْثَرَ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ فَلَا أَدْرِي هُوَ أَخُوهُ أَمْ لَا وَظَاهِرُ هَذَا أَنَّهُ إنْ كَفَّ عَنْ الْوَطْءِ وَرِثَ الْوَلَدُ وَإِنْ لَمْ يَكُفَّ فَإِنْ جَاءَتْ بِالْوَلَدِ بَعْدَ الْوَطْءِ لِدُونِ سِتَّةِ أَشْهُرٍ وَرِثَ أَيْضًا وَكَانَ كَمَنْ لَمْ يَطَأْ وَإِنْ جَاءَتْ بِهِ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ فَصَاعِدًا فَظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ أَنَّهُ لَا يَرِثُ وَبِهِ جَزَمَ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ إلَّا أَنْ يُقِرَّ الْوَرَثَةُ أَنَّهَا كَانَتْ حَامِلًا يَوْمَ مَوْتِ وَلَدِهَا وَقَالَ فِي الْجَامِعِ الْكَبِيرِ يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ خَرَّجَهُمَا مِنْ مَسْأَلَةِ تَعْلِيقِ الطَّلَاقِ عَلَى الْحَمْلِ الَّتِي تَقَدَّمَتْ.
[النَّوْعُ الثَّانِي الْأَحْكَامُ الثَّابِتَةُ لِلْحَمْلِ فِي نَفْسِهِ]
ِ مِنْ مِلْكٍ وَتَمَلُّكٍ وَعِتْقٍ وَحُكْمٍ بِإِسْلَامٍ وَاسْتِلْحَاقِ نَسَبٍ وَنَفْيِهِ وَضَمَانٍ وَنَفَقَةٍ، وَهَذَا النَّوْعُ هُوَ مُرَادُ مَنْ يَأَنَّ الْخِلَافَ فِي الْحَمْلِ لَهُ حُكْمٌ أَمْ لَا وَبَعْضُ هَذِهِ الْأَحْكَامِ ثَابِتَةٌ بِغَيْرِ خِلَافٍ وَلْنَذْكُرْ جُمْلَةً مِنْ هَذِهِ الْأَحْكَامِ فَمِنْهَا وُجُوبُ النَّفَقَةِ لَهُ فَيَجِبُ نَفَقَةُ الْحَمْلِ عَلَى الْأَبِ وَإِنْ كَانَتْ أَمَةً لَا نَفَقَةَ لَهَا كَالْبَائِنِ بِالِاتِّفَاقِ، وَهَذِهِ النَّفَقَةُ لِلْحَمْلِ لَا لِأُمِّهِ عَلَى أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ وَهِيَ اخْتِيَارُ الْخِرَقِيِّ وَأَبِي بَكْرٍ، وَلِهَذَا يَدُورُ مَعَهُ وُجُودًا وَعَدَمًا فَعَلَى هَذِهِ يَجِبُ مَعَ نُشُوزِ الْأُمِّ وَكَوْنِهَا حَامِلًا مِنْ وَطْءٍ شُبْهَةً أَوْ نِكَاحٍ فَاسِدٍ وَيَجِبُ عَلَى سَائِرِ مَنْ تَجِبُ عَلَيْهِ نَفَقَةُ الْأَقَارِبِ مَعَ فَقْدِ الْأَبِ بِالْمَوْتِ أَوْ الْإِعْسَارِ ذَكَرَهُ الْقَاضِي فِي خِلَافِهِ وَصَاحِبُ الْمُحَرَّرِ، وَتَسْقُطُ بِيَسَارِ الْحَمْلِ إذَا حُكِمَ لَهُ بِمِلْكٍ، ذَكَرَهُ الْقَاضِي أَيْضًا فِي الْخِلَافِ وَظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي كِتَابِ الرِّوَايَتَيْنِ يُخَالِفُ ذَلِكَ وَيَجِبُ الْإِنْفَاقُ فِي مُدَّةِ الْحَمْلِ وَلَا يَقِفُ عَلَى الْوَضْعِ نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ وَخَرَّجَ الْآمِدِيُّ وَأَبُو الْخَطَّابِ وَجْهًا إذَا قُلْنَا: لَا حُكْمَ لِلْحَمْلِ أَنَّهُ لَا يَجِبُ لِلْحَمْلِ نَفَقَةٌ حَتَّى يَنْفَصِلَ فَتَرْجِعُ بِهَا وَهُوَ ضَعِيفٌ مُصَادِمٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَإِنْ كُنَّ أُولَاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} [الطلاق: 6] وَأَمَّا أُمُّ الْوَلَدِ إذَا مَاتَ عَنْهَا سَيِّدُهَا وَهِيَ حَامِلٌ فَلَيْسَتْ مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ وَإِنْ كَانَ أَبُو الْخَطَّابِ ذَكَرَ فِي وُجُوبِ النَّفَقَةِ لَهَا لِأَجْلِ الْحَمْلِ رِوَايَتَيْنِ بَلْ نَفَقَةُ هَذِهِ مِنْ جِنْسِ نَفَقَةِ الْحَامِلِ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا، وَفِيهَا أَيْضًا رِوَايَتَانِ وَلَيْسَ ذَلِكَ مَبْنِيًّا عَلَى أَنَّ النَّفَقَةَ لِلْحَمْلِ أَوْ لِلْحَامِلِ كَمَا زَعَمَ ابْنُ الزاغوني وَغَيْرُهُ فَإِنَّ نَفَقَةَ الْأَقَارِبِ تَسْقُطُ بِالْمَوْتِ وَلَكِنْ هَذَا مِنْ بَابِ النَّفَقَةِ عَلَى الْمَحْبُوسَةِ بِحَقِّ الزَّوْجِ مِنْ مَالِهِ كَنَفَقَةِ الْبَائِنِ الْحَامِلِ نَعَمْ إنْ يَتَوَجَّهْ أَنْ يُقَالَ إنْ قُلْنَا النَّفَقَةُ لِلْحَامِلِ وَجَبَتْ كَنَفَقَةِ أُمِّ الْوَلَدِ وَالْمُتَوَفَّى عَنْهَا مِنْ التَّرِكَةِ ; لِأَنَّهُمَا مَحْبُوسَتَانِ لِحَقِّ الزَّوْجِ فَإِذَا وَجَبَتْ لَهُمَا نَفَقَةٌ فَهِيَ مِنْ مَالِهِ وَإِنْ قُلْنَا النَّفَقَةُ لِلْحَمْلِ فَهِيَ عَلَى الْوَرَثَةِ كَمَا سَبَقَ، وَهَذَا عَكْسُ مَا ذَكَرَهُ ابْنُ الزاغوني وَغَيْرُهُ وَفِي نَفَقَةِ أُمِّ الْوَلَدِ الْحَامِلِ ثَلَاثُ رِوَايَاتٍ عَنْ أَحْمَدَ: أَحَدُهَا لَا نَفَقَةَ لَهَا نَقَلَهَا حَرْبٌ وَابْنُ بُخْتَانَ.
وَالثَّانِي: يُنْفَقُ عَلَيْهَا مِنْ نَصِيبِ مَا فِي بَطْنِهَا نَقَلَهَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى الْكَحَّالُ، وَالثَّالِثَةُ إنْ لَمْ تَكُنْ
وَلَدَتْ مِنْ سَيِّدِهَا قَبْلَ ذَلِكَ فَنَفَقَتُهَا مِنْ جَمِيعِ الْمَالِ إذَا كَانَتْ حَامِلًا وَإِنْ كَانَتْ وَلَدَتْ قَبْلَ ذَلِكَ فَهِيَ فِي عِدَادِ الْأَحْرَارِ يُنْفِقُ عَلَيْهَا مِنْ نَصِيبِهَا نَقَلَهَا عَنْهُ جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ وَهِيَ مُشْكِلَةٌ جِدًّا وَمَعْنَاهَا عِنْدِي وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّهَا إذَا كَانَتْ حَامِلًا وَلَمْ تَضَعْ مِنْ سَيِّدِهَا قَبْلَ ذَلِكَ فَنَفَقَتُهَا مِنْ جَمِيعِ الْمَالِ لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ حَبْسِهَا عَلَى سَيِّدِهَا بِالْحَمْلِ فَتَكُونُ النَّفَقَةُ عَلَيْهِ حَيْثُ لَمْ يَثْبُتْ اسْتِيلَادُهَا بَعْدُ، وَيَجُوزُ أَنْ لَا تَصِيرُ أُمَّ وَلَدٍ بِالْكُلِّيَّةِ وَتُسْتَرَقُّ فَإِذَا أَنْفَقَ عَلَيْهَا مِنْ جَمِيعِ الْمَالِ فَإِنْ بَيَّنَ عِتْقَهَا وَقَدْ اسْتَوْفَتْ الْوَاجِبَ لَهَا وَإِنْ رُقَّتْ لَمْ يَذْهَبْ عَلَى الْوَرَثَةِ شَيْءٌ مِنْ حَيْثُ أُنْفِقَ عَلَى رَقِيقِهِمْ مِنْ مَالِهِمْ وَإِنْ كَانَتْ وَلَدَتْ قَبْلَ ذَلِكَ مِنْ سَيِّدِهَا فَقَدْ ثَبَتَ لَهَا حُكْمُ الِاسْتِيلَادِ فِي حَيَاةِ السَّيِّدِ وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِهِ هِيَ فِي عِدَادِ الْأَحْرَارِ، وَحِينَئِذٍ يُعْتَقُ لِمَوْتِ السَّيِّدِ بِلَا رَيْبٍ فَإِيجَابُ نَفَقَتِهَا عَلَى وَلَدِهَا أَوْلَى مِنْ إيجَابِهَا مِنْ مَالِ سَيِّدِهَا وَيَزِيدُهُ إيضَاحًا فِي الْمَسْأَلَةِ الْآتِيَةِ
(وَمِنْهَا) وُجُوبُ نَفَقَةِ الْأَقَارِبِ عَلَى الْحَمْلِ مِنْ مَالِهِ وَقَدْ نَصَّ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ الْكَحَّالِ أَنَّ نَفَقَةَ أُمِّ الْوَلَدِ الْحَامِلِ مِنْ نَصِيبِ مَا فِي بَطْنِهَا ذَكَرَهُ الْقَاضِي فِي خِلَافِهِ وَاسْتَشْكَلَهُ الشَّيْخُ مَجْدُ الدِّينِ قَالَ ; لِأَنَّ الْحَمْلَ إنَّمَا يَرِثُ بِشَرْطِ خُرُوجِهِ حَيًّا وَيُوقَفُ نَصِيبُهُ فَكَيْفَ يَتَصَرَّفُ فِيهِ قَبْلَ تَحَقُّقِ الشَّرْطِ؟ وَيُجَابُ عَنْهُ بِأَنَّ هَذَا النَّصَّ يَشْهَدُ لِثُبُوتِ مِلْكِهِ بِالْإِرْثِ مِنْ حِينِ مَوْتِ مَوْرُوثِهِ وَإِنَّمَا خُرُوجُهُ حَيًّا يَتَبَيَّنُ بِهِ وُجُودُ ذَلِكَ فَإِذَا حَكَمْنَا لَهُ بِالْمِلْكِ ظَاهِرًا جَازَ التَّصَرُّفُ فِيهِ بِالنَّفَقَةِ الْوَاجِبَةِ عَلَيْهِ وَعَلَى مَنْ يَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ لَا سِيَّمَا وَالنَّفَقَةُ عَلَى أُمِّهِ يَعُودُ نَفْعُهَا إلَيْهِ كَمَا يَتَصَرَّفُ فِي مَالِ الْمَفْقُودِ إذَا غَلَبَ عَلَى الظَّنِّ هَلَاكُهُ وَيُقَسَّمُ مَالُهُ بَيْنَ وَرَثَتِهِ، وَإِنْ جَازَ أَنْ يَكُونَ حَيًّا بَلْ هُوَ الْأَصْلُ حَتَّى لَوْ قَدِمَ حَيًّا وَقَدْ اُسْتُهْلِكَ مَالُهُ فِي أَيْدِي الْوَرَثَةِ فَفِي ضَمَانِهِ رِوَايَتَانِ، وَكَذَا يُقَالُ فِي مَالِ الْحَمْلِ وَيَشْهَدُ لَهُ إذَا أَنْفَقَ الزَّوْجُ عَلَى الْبَائِنِ يَظُنُّهَا حَامِلًا ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنَّهَا لَمْ تَكُنْ حَامِلًا فَفِي الرُّجُوعِ رِوَايَتَانِ أَيْضًا، وَقَدْ يُحْمَلُ إيجَابُ الْأُمِّ مِنْ نَصِيبِ الْحَمْلِ عَلَى أَنَّ الْأُمَّ تَرْجِعُ بِهِ عَلَى نَصِيبِهِ إذَا وَضَعَتْهُ حَيًّا وَفِيهِ بُعْدٌ
(وَمِنْهَا) مَلَكَهُ بِالْمِيرَاثِ وَهُوَ مُنْفِقٌ عَلَيْهِ فِي الْجُمْلَةِ لَكِنْ هَلْ يَثْبُتُ لَهُ الْمِلْكُ بِمُجَرَّدِ مَوْتِ مَوْرُوثِهِ وَتَبَيَّنَ ذَلِكَ بِخُرُوجِهِ حَيًّا أَوْ لَمْ يَثْبُتْ لَهُ الْمِلْكُ حَتَّى يَنْفَصِلَ حَيًّا؟ فِيهِ خِلَافٌ بَيْنَ الْأَصْحَابِ وَهَذَا الْخِلَافُ مُطَرِّدٌ فِي سَائِرِ أَحْكَامِهِ الثَّابِتَةِ لَهُ هَلْ هِيَ مُعَلَّقَةٌ بِشَرْطِ انْفِصَالِهِ حَيًّا فَلَا يَثْبُتُ قَبْلَهُ أَوْ هِيَ ثَابِتَةٌ لَهُ فِي حَالِ كَوْنِهِ حَامِلًا لَكِنَّ ثُبُوتَهَا مُرَاعًى بِانْفِصَالِهِ حَيًّا فَإِذَا انْفَصَلَ حَيًّا تَبَيَّنَّا ثُبُوتَهَا مِنْ حِينِ وُجُودِ أَسْبَابِهَا، وَهَذَا هُوَ تَحْقِيقُ مَعْنَى قَوْلِ مَنْ قَالَ هَلْ الْحَمْلُ لَهُ حُكْمٌ أَمْ لَا؟
وَاَلَّذِي يَقْتَضِيهِ نَصُّ أَحْمَدَ فِي الْإِنْفَاقِ عَلَى أُمِّهِ مِنْ نَصِيبِهِ أَنَّهُ يَثْبُتُ لَهُ الْمِلْكُ بِالْإِرْثِ مِنْ حِينِ مَوْتِ أَبِيهِ وَصَرَّحَ بِذَلِكَ ابْنُ عَقِيلٍ وَغَيْرُهُ مِنْ الْأَصْحَابِ، وَنُقِلَ عَنْ أَحْمَدَ مَا يَدُلُّ عَلَى خِلَافِهِ أَيْضًا فَرَوَى عَنْهُ جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ فِي نَصْرَانِيٍّ مَاتَ وَامْرَأَتُهُ نَصْرَانِيَّةٌ وَكَانَتْ حُبْلَى فَأَسْلَمَتْ بَعْدَ مَوْتِهِ ثُمَّ وَلَدَتْ هَلْ تَرِثُ؟ قَالَ: لَا، وَقَالَ إنَّمَا مَاتَ أَبُوهُ وَهُوَ لَا يَعْلَمُ مَا هُوَ وَإِنَّمَا يَرِثُ بِالْوِلَادَةِ وَحَكَمَ لَهُ بِحُكْمِ الْإِسْلَامِ
وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى الْكَحَّالُ: قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ مَاتَ نَصْرَانِيٌّ وَامْرَأَتُهُ حَامِلٌ فَأَسْلَمَتْ بَعْدَ مَوْتِهِ قَالَ: مَا فِي بَطْنِهَا مُسْلِمٌ قُلْتُ يَرِثُ أَبَاهُ إذَا كَانَ كَافِرًا وَهُوَ مُسْلِمٌ؟ قَالَ لَا يَرِثُهُ فَصَرَّحَ بِالْمَنْعِ مِنْ إرْثِهِ مِنْ أَبِيهِ مُعَلِّلًا بِأَنَّ إرْثَهُ يَتَأَخَّرُ إلَى مَا بَعْدَ وِلَادَتِهِ ; لِأَنَّهُ قَبْلَ ذَلِكَ مَشْكُوكٌ فِي وُجُودِهِ وَإِذَا تَأَخَّرَ تَوْرِيثُهُ إلَى مَا بَعْدَ الْوِلَادَةِ فَقَدْ سَبَقَ الْحُكْمُ بِإِسْلَامِهِ زَمَنَ الْوِلَادَةِ إمَّا بِإِسْلَامِ أُمِّهِ كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ كَلَامُ أَحْمَدَ هُنَا أَوْ بِمَوْتِ أَبِيهِ عَلَى ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ، وَالْحُكْمُ بِالْإِسْلَامِ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى الْعِلْمِ بِهِ بِخِلَافِ التَّوْرِيثِ وَهَذَا يَرْجِعُ إلَى أَنَّ التَّوْرِيثَ يَتَأَخَّرُ عَنْ مَوْتِ الْمَوْرُوثِ إذَا انْعَقَدَ سَبَبُهُ فِي حَيَاةِ الْمَوْرُوثِ وَأُصُولُ أَحْمَدَ تَشْهَدُ لِذَلِكَ فِي إسْلَامِ الْقَرِيبِ الْكَافِرِ قَبْلَ قِسْمَةِ الْمِيرَاثِ، وَأَمَّا عَلَى مَا صَرَّحَ بِهِ ابْنُ عَقِيلٍ وَغَيْرُهُ وَهُوَ مُقْتَضَى رِوَايَةِ الْكَحَّالِ فِي النَّفَقَةِ فَيَرِثُ الْحَمْلُ بِمَوْتِ أَبِيهِ وَمِنْهُ وَإِنْ قُلْنَا يُحْكَمُ بِإِسْلَامِهِ بِمَوْتِ أَحَدِ أَبَوَيْهِ كَمَا سَبَقَ تَقْرِيرُهُ فِي قَاعِدَةِ اقْتِرَانِ الْحُكْمِ وَمَانِعِهِ. وَأَمَّا إنْ قِيلَ: لَا يُحْكَمُ بِإِسْلَامِهِ بِمَوْتِ أَحَدٍ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ وَاضِحٌ لَا خَفَاءَ فِيهِ وَقَدْ أَلَمَّ بِهِ بَعْضُ الْأَصْحَابِ وَأَمَّا الْقَاضِي وَالْأَكْثَرُونَ فَاضْطَرَبُوا فِي تَخْرِيجِ كَلَامِ أَحْمَدَ وَلِلْقَاضِي فِي تَخْرِيجِهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ: الْأَوَّلُ: أَنَّ إسْلَامَهُ قَبْلَ قِسْمَةِ الْمِيرَاثِ أَوْجَبَ مَنْعَهُ مِنْ التَّوْرِيثِ كَمَا أَنَّ إسْلَامَ الْكَافِرِ قَبْلَ قِسْمَةِ مِيرَاثِ الْمُسْلِمِ يُوجِبُ تَوْرِيثَهُ اعْتِبَارًا بِالْقِسْمَةِ فِي التَّوْرِيثِ وَالْمَنْعِ وَهَذِهِ طَرِيقَةُ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ وَابْنِ عَقِيلٍ فِي الْفُصُولِ وَهِيَ ظَاهِرَةُ الْفَسَادِ ; لِأَنَّ إسْلَامَ قَرِيبِ الْكَافِرِ بَعْدَ مَوْتِهِ وَثُبُوتَ إرْثِهِ لَا يُسْقِطُ تَوْرِيثَهُ مِنْهُ بِغَيْرِ خِلَافٍ فَإِنَّ تَوْرِيثَ الْمُسْلِمِ قَبْلَ الْقِسْمَةِ ثَبَتَ تَرْغِيبًا فِي الْإِسْلَامِ وَحَثًّا عَلَيْهِ وَهَذَا الْمَقْصُودُ يَنْعَكِسُ هَهُنَا.
وَالثَّانِي: أَنَّ هَذِهِ الصُّورَةَ مِنْ جُمْلَةِ صُوَرِ تَوْرِيثِ الطِّفْلِ الْمَحْكُومِ بِإِسْلَامِهِ بِمَوْتِ أَبِيهِ مِنْهُ وَنَصُّهُ هَذَا يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ التَّوْرِيثِ فَيَكُونُ رِوَايَةً ثَانِيَةً فِي الْمَسْأَلَةِ وَهَذِهِ طَرِيقَةُ الْقَاضِي فِي كِتَابِ الرِّوَايَتَيْنِ وَهِيَ ضَعِيفَةٌ ; لِأَنَّ أَحْمَدَ صَرَّحَ بِالتَّعْلِيلِ بِغَيْرِ ذَلِكَ وَلِأَنَّ تَوْرِيثَ الطِّفْلِ مِنْ أَبِيهِ الْكَافِرِ وَإِنْ حُكِمَ بِإِسْلَامِهِ بِمَوْتِهِ غَيْرُ مُخْتَلَفٍ فِيهِ حَتَّى نَقَلَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَغَيْرُهُ عَلَيْهِ الْإِجْمَاعَ فَلَا يَصِحُّ حَمْلُ كَلَامِ أَحْمَدَ عَلَى مَا يُخَالِفُ الْإِجْمَاعَ.
الثَّالِثُ: أَنَّ الْحُكْمَ بِإِسْلَامِ هَذَا الطِّفْلِ جُعِلَ بِشَيْئَيْنِ بِمَوْتِ أَبِيهِ وَإِسْلَامِ أُمِّهِ. وَهَذَا الثَّانِي مَانِعٌ قَوِيٌّ ; لِأَنَّهُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ فَلِذَلِكَ [مُنِعَ] الْمِيرَاثَ بِخِلَافِ الْوَلَدِ الْمُنْفَصِلِ إذَا مَاتَ أَحَدُ أَبَوَيْهِ فَإِنَّهُ يُحْكَمُ بِإِسْلَامِهِ وَلَا يُمْنَعُ إرْثَهُ ; لِأَنَّ الْمَانِعَ فِيهِ ضَعِيفٌ لِلِاخْتِلَافِ فِيهِ وَهَذِهِ طَرِيقَةُ الْقَاضِي فِي خِلَافِهِ وَهِيَ ضَعِيفَةٌ أَيْضًا وَمُخَالِفَةٌ لِتَعْلِيلِ أَحْمَدَ فَإِنَّ أَحْمَدَ إنَّمَا عَلَّلَ بِسَبْقِ الْمَانِعِ لِتَوْرِيثِهِ لَا بِقُوَّةِ الْمَانِعِ وَضَعْفِهِ وَإِنَّمَا وَرَّثَ أَحْمَدُ مَنْ حُكِمَ بِإِسْلَامِهِ بِمَوْتِ أَحَدِ أَبَوَيْهِ لِمُقَارَنَةِ الْمَانِعِ لَا لِضَعْفِهِ
(وَمِنْهَا) ثُبُوتُ الْمِلْكِ لَهُ بِالْوَصِيَّةِ وَفِيهِ الْخِلَافُ السَّابِقُ بِالتَّوْرِيثِ وَاخْتَارَ الْقَاضِي أَنَّ الْوَصِيَّةَ لَهُ تَعْلِيقٌ عَلَى خُرُوجِهِ حَيًّا وَالْوَصِيَّةُ قَابِلَةٌ لِلتَّعْلِيقِ بِخِلَافِ الْهِبَةِ وَابْنُ عَقِيلٍ تَارَةً وَافَقَ شَيْخَهُ وَتَارَةً خَالَفَهُ، وَحُكِمَ بِثُبُوتِ الْمِلْكِ مِنْ حِينِ مَوْتِ الْمُوصِي وَقَبُولِ الْوَلِيِّ لَهُ، وَصَرَّحَ بِهِ
أَبُو الْمَعَالِي التَّنُوخِيُّ وَبِأَنَّهُ يَنْعَقِدُ الْحَوْلُ عَلَيْهِ مِنْ حِينِ الْحُكْمِ بِالْمِلْكِ إذَا كَانَ مَالًا زَكَوِيًّا وَكَذَلِكَ فِي الْمَمْلُوكِ بِالْإِرْثِ وَحَكَى وَجْهًا آخَرَ أَنَّهُ لَا يَجْرِي فِي حَوْلِ الزَّكَاةِ حَتَّى تُوضَعَ لِلتَّرَدُّدِ فِي كَوْنِهِ حَيًّا مَالِكًا فَهُوَ كَالْمُكَاتَبِ وَلَا يُعْرَفُ هَذَا التَّفْرِيعُ فِي الْمَذْهَبِ.
(وَمِنْهَا) الْإِقْرَارُ الْمُطْلَقُ لِلْحَمْلِ هَلْ يَصِحُّ أَمْ لَا عَلَى وَجْهَيْنِ وَقَالَ التَّمِيمِيُّ لَا يَصِحُّ وَقَالَ أَبُو حَامِدٍ وَالْقَاضِي يَصِحُّ وَاخْتَلَفَ فِي مَأْخَذِ الْبُطْلَانِ فَقِيلَ ; لِأَنَّ الْحَمْلَ لَا يَمْلِكُ إلَّا بِالْإِرْثِ وَالْوَصِيَّةِ، فَلَوْ صَحَّ الْإِقْرَارُ لَهُ تَمَلَّكَ بِغَيْرِهِمَا وَهُوَ فَاسِدٌ فَإِنَّ الْإِقْرَارَ كَاشِفٌ لِلْمِلْكِ وَمُبَيِّنٌ لَهُ لَا مُوجِبٌ لَهُ وَقِيلَ ; لِأَنَّ ظَاهِرَ الْإِطْلَاقِ يَنْصَرِفُ إلَى الْمُعَامَلَةِ وَنَحْوِهَا وَهِيَ مُسْتَحِيلَةٌ مَعَ الْحَمْلِ وَهُوَ ضَعِيفٌ ; لِأَنَّهُ إذَا صَحَّ لَهُ الْمِلْكُ تَوَجَّهَ حَمْلُ الْإِقْرَارِ مَعَ الْإِطْلَاقِ عَلَيْهِ، وَقِيلَ ; لِأَنَّ الْإِقْرَارَ لِلْحَمْلِ تَعْلِيقٌ لَهُ عَلَى شَرْطٍ فِي الْوِلَادَةِ ; لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ بِدُونِ خُرُوجِهِ حَيًّا وَالْإِقْرَارُ لَا يَقْبَلُ التَّعْلِيقَ وَهَذِهِ طَرِيقَةُ ابْنِ عَقِيلٍ وَهِيَ أَظْهَرُ وَتَرْجِعُ الْمَسْأَلَةُ حِينَئِذٍ إلَى ثُبُوتِ الْمِلْكِ لَهُ وَانْتِفَائِهِ كَمَا سَبَقَ.
(وَمِنْهَا) اسْتِحْقَاقُ الْحَمْلِ مِنْ الْوَقْفِ وَالْمَنْصُوصُ عَنْ أَحْمَدَ كَمَا سَبَقَ أَنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّ حَتَّى يُوضَعَ، وَهُوَ قَوْلُ الْقَاضِي وَالْأَكْثَرِينَ وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ يَثْبُتُ لَهُ اسْتِحْقَاقُ الْوَقْفِ فِي حَالِ كَوْنِهِ حَمْلًا حَتَّى صَحَّحَ الْوَقْفَ عَلَى الْحَمْلِ ابْتِدَاءً وَقِيَاسُ قَوْلِهِ فِي الْهِبَةِ كَذَلِكَ إذْ تَمْلِيكُ الْحَمْلِ عِنْدَهُ تَمْلِيكٌ مُنْجَزٌ لَا مُعَلَّقٌ وَإِنَّمَا مَنَعَ الْقَاضِي صِحَّةَ الْهِبَةِ لَهُ ; لِأَنَّ تَمْلِيكَهُ مُعَلَّقٌ عَلَى خُرُوجِهِ حَيًّا وَالْهِبَةُ لَا تَقْبَلُ التَّعْلِيقَ وَأَفْتَى الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ بِاسْتِحْقَاقِ الْحَمْلِ مِنْ الْوَقْفِ أَيْضًا وَيُمْكِنُ التَّفْرِيقُ عَلَى الْمَنْصُوصِ بَيْنَ الْوَقْفِ وَغَيْرِهِ مِنْ الْإِرْثِ وَالْوَصِيَّةِ وَالْهِبَةِ فَإِنَّ الْوَقْفَ إنَّمَا الْمَقْصُودُ مَنَافِعُهُ وَثَمَرَاتُهُ وَفَوَائِدُهُ، وَهِيَ مُسْتَحَقَّةٌ عَلَى التَّأْبِيدِ لِقَوْمٍ بَعْدَ قَوْمٍ وَالْحَمْلُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الِانْتِفَاعِ فَلَا يَسْتَحِقُّ مِنْهُ شَيْئًا مَعَ وُجُودِ الْمُنْتَفِعِينَ بِهِ حَتَّى يُولَدَ وَيَحْتَاجَ إلَى الِانْتِفَاعِ مَعَهُمْ بِخِلَافِ الْمِلْكِ الَّذِي يَخْتَصُّ بِهِ وَاحِدٌ مُعَيَّنٌ لَا يُشَارِكُهُ فِيهِ غَيْرُهُ، فَإِنَّ هَذَا ثَبَتَ لِلْحَمْلِ وَلَا يَجُوزُ انْتِزَاعُهُ مِنْهُ مَعَ وُجُودِهِ، وَيَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ صِحَّةُ الْوَقْفِ عَلَى الْحَمْلِ الْمُعَيَّنِ دُونَ اسْتِحْقَاقِهِ مَعَ أَهْلِ الْوَقْفِ.
(وَمِنْهَا) الْأَخْذُ لِلْحَمْلِ بِالشُّفْعَةِ إذَا مَاتَ مُوَرِّثُهُ بَعْدَ الْمُطَالَبَةِ، قَالَ الْأَصْحَابُ لَا يُؤْخَذُ لَهُ ثُمَّ مِنْهُمْ مَنْ عَلَّلَ بِأَنَّهُ لَا يَخْطِبَنِي وُجُودُهُ وَمِنْهُمْ مَنْ عَلَّلَ بِانْتِفَاءِ مِلْكِهِ وَيَتَخَرَّجُ وَجْهٌ آخَرُ بِالْأَخْذِ لَهُ بِالشُّفْعَةِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ لَهُ حُكْمًا وَمِلْكًا
(وَمِنْهَا) اللِّعَانُ عَلَى الْحَمْلِ، وَفِيهِ رِوَايَتَانِ ذَكَرَهُمَا الْقَاضِي فِي خِلَافِهِ وَفِي كِتَابِ الرِّوَايَتَيْنِ إحْدَاهُمَا لَا يَصِحُّ نَفْيُهُ وَلَا الِالْتِعَانُ عَلَيْهِ ; لِأَنَّهُ غَيْرُ مُحَقَّقٍ، نَقَلَهَا أَبُو طَالِبٍ وَحَنْبَلٌ وَالْمَيْمُونِيُّ عَنْ أَحْمَدَ وَعَلَّلَ بِاحْتِمَالِ كَوْنِهِ رِبْحًا وَهَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ عِنْدَ الْأَصْحَابِ.
وَالثَّانِيَة: تَلَاعُنٌ بِالْحَمْلِ نَقَلَهَا ابْنُ مَنْصُورٍ عَنْ أَحْمَدَ قَالَ الْخَلَّالُ هُوَ قَوْلٌ أَوَّلٌ وَذَكَرَ النَّجَّادُ أَنَّهُ هُوَ الْمَذْهَبُ وَاخْتَارَهُ صَاحِبُ الْمُغْنِي، وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ يَخْرُجُ صِحَّةُ اسْتِلْحَاقِ الْحَمْلِ وَالْإِقْرَارِ بِهِ ; لِأَنَّ لُحُوقَ النَّسَبِ أَسْرَعُ ثُبُوتًا مِنْ نَفْيِهِ وَالْمَنْصُوصُ عَنْ أَحْمَدَ
فِي رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ الْإِقْرَارُ بِهِ وَهُوَ مُنْزَلٌ عَلَى قَوْلِهِ: إنَّهُ لَا يَنْتَفِي بِاللِّعَانِ عَلَيْهِ.
(وَمِنْهَا) وُجُوبُ الْغُرَّةِ بِقَتْلِهِ إذَا أَلْقَتْهُ أُمُّهُ مَيِّتًا مِنْ الضَّرْبِ وَهُوَ ثَابِتٌ بِالسُّنَّةِ الصَّحِيحَةِ وَقَدْ أَنْكَرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَلَى مَنْ اعْتَرَضَ عَلَى ذَلِكَ مُعَلِّلًا بِأَنَّهُ لَمْ يُشَارِكْ الْأَحْيَاءَ فِي صِفَاتِهِمْ الْخَاصَّةِ مِنْ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَالِاسْتِهْلَالِ وَأَنَّ ذَلِكَ يَقْتَضِي إهْدَارَهُ، وَنَسَبَهُ إلَى أَنَّهُ مِنْ إخْوَانِ الْكُهَّانِ حَيْثُ تَكَلَّمَ بِكَلَامٍ مُسَجَّعٍ بَاطِلٍ فِي نَفْسِهِ، وَالْعَجَبُ كُلُّ الْعَجَبِ مِمَّنْ يَدَّعِي التَّحْقِيقَ وَيَرْتَضِي لِنَفْسِهِ مُشَارَكَةَ هَذَا الْمُعْتَرِضِ، وَيَقُولُ الْقِيَاسُ يَقْتَضِي إهْدَارَهُ وَلَيْسَ كَمَا ظَنَّهُ فَإِنَّ هَذَا الْجَنِينَ إمَّا أَنْ يَكُونَ صَادَفَهُ الضَّرْبُ وَفِيهِ حَيَاةٌ وَيَكُونُ ذَلِكَ قَبْلَ وُجُودِ الْحَيَاةِ فِيهِ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ قَدْ فَارَقَتْهُ الْحَيَاةُ ; لِأَنَّهُ لَوْ مَاتَ لَمْ يَسْتَقِرَّ فِي الْبَطْنِ وَحِينَئِذٍ فَالْجَانِي إمَّا أَنْ يَكُونَ قَتَلَهُ أَوْ مَنَعَ انْعِقَادَ حَيَاتِهِ فَضَمِنَهُ بِالْغُرَّةِ لِتَفْوِيتِ انْعِقَادِ حَيَاتِهِ كَمَا ضَمِنَ الْمَغْرُورُ وَلَدَهُ بِالْغُرَّةِ لِتَفْوِيتِ انْعِقَادِهِمْ أَرِقَّاءَ وَلَمْ يَضْمَنُوا كَمَالَ الدِّيَةِ وَالْقِيمَةِ أَيْضًا فَإِنَّ دَلَائِلَ حَيَاتِهِ وَسُقُوطِهِ مَيِّتًا عَقِيبَ الضَّرْبَةِ كَالْقَاطِعِ بِأَنَّهَا هِيَ الَّتِي قَتَلَتْهُ وَلَعَلَّ ذَلِكَ الظَّنَّ فَوَّتَ مَرْتَبَةَ اللَّوْثِ الْمُوجِبِ لِلْقَسَامَةِ، وَإِنْ مَاتَتْ أُمُّهُ قَبْلَهُ فَمَوْتُهَا سَبَبُ قَتْلِهِ بِالِاخْتِنَاقِ وَفَقْدِ التَّعَدِّي. وَذَلِكَ يُوجِبُ الضَّمَانَ وَلَا يُشْتَرَطُ الِانْفِصَالُ إلَّا لِثُبُوتِ الضَّمَانِ فِي الظَّاهِرِ فَلَوْ مَاتَتْ الْأُمُّ وَجَنِينُهَا وَجَبَ ضَمَانُهُمَا لَكِنْ اشْتَرَطَ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ ابْنِ مَنْصُورٍ الِانْفِصَالَ، قَالَ فِي امْرَأَةٍ قُتِلَتْ وَهِيَ حَامِلٌ إذَا لَمْ يُلْقَ الْجَنِينُ فَلَيْسَ فِيهِ شَيْءٌ، قَالَ الْقَاضِي وَالْأَصْحَابُ: يَكْفِي أَنْ يَظْهَرَ مِنْهُ يَدٌ أَوْ رِجْلٌ أَوْ يَكُونَ قَدْ انْشَقَّ جَوْفُهَا فَشُوهِدَ الْجَنِينُ وَإِنْ لَمْ يَنْفَصِلْ ; لِأَنَّ الْعِلْمَ بِحَالِهِ يَحْصُلُ بِذَلِكَ وَقَدْ قَالَ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ أَبِي طَالِبٍ إذَا كَانَ الْجَنِينُ فِي بَطْنِ أُمِّهِ فَقُتِلَتْ الْأُمُّ وَمَاتَ الْجَنِينُ فَعَلَى الْعَاقِلَةِ دِيَةُ الْأُمِّ وَدِيَةُ الْجَنِينِ وَلَمْ يُشْتَرَطْ الِانْفِصَالُ.
وَلَوْ مَاتَتْ امْرَأَةٌ وَشُوهِدَ لِجَوْفِهَا حَرَكَةٌ ثُمَّ عُصِرَ جَوْفُهَا فَخَرَجَ الْجَنِينُ مَيِّتًا فَهَلْ تَضْمَنُهُ الْعَاصِرَةُ عَلَى احْتِمَالَيْنِ ذَكَرَهُمَا الْقَاضِي وَأَبُو الْخَطَّابِ فِي خِلَافِهِمَا أَحَدُهُمَا تَضْمَنُهُ ; لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ مَاتَ بِجِنَايَةِ الْعَصْرِ.
وَالثَّانِي: لَا يُضْمَنُ ; لِأَنَّهُ مُنْخَنِقٌ بِمَوْتِ أُمِّهِ فَلَا يَبْقَى جِنَايَةٌ بَعْدَهَا.
. وَهَلْ يَخْتَصُّ الضَّمَانُ بِجَنِينِ الْآدَمِيَّةِ أَمْ يَتَعَدَّى إلَى غَيْرِهَا مِنْ الْحَيَوَانَاتِ؟ ذَهَبَ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ إلَى الِاخْتِصَاصِ ; لِأَنَّ ضَمَانَ الْجَنِينِ الْمَيِّتِ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ، قَالُوا: وَإِنَّمَا يَجِبُ ضَمَانُ مَا نَقَصَ مِنْ أُمِّهِ بِالْجِنَايَةِ، وَنَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ ابْنِ مَنْصُورٍ، وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ يَجِبُ ضَمَانُ جَنِينِ الْبَهَائِمِ بِعُشْرِ قِيمَةِ أُمِّهِ كَجَنِينِ الْأَمَةِ وَقِيَاسُهُ جَنِينُ الصَّيْدِ فِي الْحَرَمِ وَالْإِحْرَامِ، وَالْمَشْهُورُ أَنَّهُ يُضْمَنُ بِمَا نَقَصَ أُمُّهُ أَيْضًا ; لِأَنَّ غَيْرَ الْآدَمِيِّ لَا يُضْمَنُ بِمُقَدَّرٍ وَإِنَّمَا يُضْمَنُ بِمَا نَقَصَ.
وَلَوْ أَلْقَتْ الْبَهِيمَةُ بِالْجِنَايَةِ جَنِينًا حَيًّا ثُمَّ مَاتَ فَاحْتِمَالَانِ ذَكَرَهُمَا الْقَاضِي وَابْنُ عَقِيلٍ فِي الرَّهْنِ أَحَدُهُمَا يُضْمَنُ قِيمَةُ الْوَلَدِ حَيًّا لَا غَيْرُ.
وَالثَّانِي: عَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَمْرَيْنِ مِنْ قِيمَتِهِ أَوْ مَا نَقَصَتْ الْأُمُّ، وَكَذَلِكَ ذَكَرَ صَاحِبُ الْمُغْنِي فِي الْأَمَةِ إذَا
أَسَقَطَتْ الْجَنِينَ، هَلْ يَجِبُ ضَمَانُهُ فَقَطْ أَوْ يَجِبُ مَعَهُ ضَمَانُ نَقْصِهَا أَوْ ضَمَانُ أَكْثَرِ الْأَمْرَيْنِ ثَلَاثُ احْتِمَالَاتٍ وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ وَلَمْ يَذْكُرْ الْقَاضِي سِوَاهُ وَخَرَّجَ الشَّيْخُ مَجْدُ الدِّينِ أَنَّ جَنِينَ الْأَمَةِ يُضْمَنُ بِمَا نَقَصَتْ أُمُّهُ لَا غَيْرُ بِنَاءً عَلَى قَوْلِهِ إنَّ الرَّقِيقَ لَا يُضْمَنُ بِمُقَدَّرٍ بَلْ بِمَا يَنْقُصُ بِكُلِّ حَالٍ.
وَلَوْ قَتَلَ صَيْدًا مَاخِضًا فَفِيهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ
أَحَدُهَا: يَفْدِيهِ بِمِثْلِهِ مِنْ النَّعَمِ مَاخِضٍ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي الْخَطَّابِ.
وَالثَّانِي: يَفْدِيهِ بِقِيمَتِهِ مِثْلَهُ ; لِأَنَّ اللَّحْمَ الْمَاخِضَ يَفْسُدُ فَقِيمَةُ الْمِثْلِ أَزْيَدُ مِنْ قِيمَةِ لَحْمِهِ وَهُوَ قَوْلُ الْقَاضِي.
وَالثَّالِثُ: يُجْزِيهِ أَنْ يَفْدِيَهُ بِمِثْلِهِ غَيْرَ مَاخِضٍ ; لِأَنَّ هَذِهِ الصِّفَةَ عَيْبٌ فِي اللَّحْمِ فَلَا يُعْتَبَرُ فِي الْمِثْلِ كَسَائِرِ الْعُيُوبِ ذَكَرَهُ فِي الْمُغْنِي احْتِمَالًا
(وَمِنْهَا) هَلْ يُوصَفُ قَتْلُ الْجَنِينِ بِالْعَمْدِيَّةِ أَمْ لَا؟ ، قَالَ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ ابْنِ مَنْصُورٍ فِي امْرَأَةٍ شَرِبَتْ دَوَاءً فَأَسْقَطَتْ: إنْ كَانَتْ تَعَمَّدَتْ فَأَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يُعْتَقَ رَقَبَةٌ، وَإِنْ سَقَطَ حَيًّا ثُمَّ مَاتَ فَالدِّيَةُ عَلَى عَاقِلَتِهَا لِأَبِيهِ وَلَا يَكُونُ لِأُمِّهِ شَيْءٌ ; لِأَنَّهَا الْقَاتِلَةُ. قِيلَ لَهُ: فَإِنْ شَرِبَتْ عَمْدًا؟ قَالَ: هُوَ شَبِيهُ الْعَمْدِ شَرِبَتْ وَلَا تَدْرِي يَسْقُطُ أَمْ لَا. عَسَى لَا يَسْقُطُ. الدِّيَةُ عَلَى الْعَاقِلَةِ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَمْ يَجْعَلْهُ عَمْدًا لِلشَّكِّ فِي وُجُودِهِ لَا لِلشَّكِّ فِي الْإِسْقَاطِ بِالدَّوَاءِ ; لِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ الْإِسْقَاطُ مَعْلُومًا كَمَا أَنَّ الْقَتْلَ بِالسُّمِّ وَنَحْوِهِ مَعْلُومٌ وَمِنْ هَذِهِ الرِّوَايَةِ أَخَذَ الْأَصْحَابُ رِوَايَةَ وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ بِقَتْلِ الْعَمْدِ وَلَا يَصِحُّ ذَلِكَ فَإِنَّهُ صَرَّحَ بِأَنَّهُ لَيْسَ بِعَمْدٍ وَإِنَّمَا هُوَ شِبْهُ عَمْدٍ.
(وَمِنْهَا) عِتْقُ الْجَنِينِ هَلْ يَنْفُذُ مِنْ حِينِهِ أَوْ هُوَ مَوْقُوفٌ عَلَى خُرُوجِهِ حَيًّا؟ فِي الْمَسْأَلَةِ رِوَايَتَانِ:
إحْدَاهُمَا: يَنْفُذُ مِنْ حِينِهِ وَهُوَ الْمَذْهَبُ.
وَالثَّانِيَةُ: لَا يُعْتَقُ حَتَّى تَضَعَهُ حَيًّا نَصَّ عَلَيْهَا فِي رِوَايَةِ ابْنِ مَنْصُورٍ قَالَ: لَا يَجِبُ الْعِتْقُ إلَّا بِالْوِلَادَةِ، وَهُوَ عَبْدٌ حَتَّى يُعْلَمَ أَنَّهُ حَيٌّ أَوْ مَيِّتٌ وَكَذَلِكَ الْخِلَافُ إذَا أُعْتِقَ تَبَعًا لِعِتْقِ أُمِّهِ أَوْ يَمْلِكُهُ مِمَّنْ يُعْتَقُ بِرَحِمٍ
وَيَتَفَرَّعُ عَلَى هَذَا الْأَصْلِ فُرُوعٌ: الْفَرْعُ الْأَوَّلُ: لَوْ زَوَّجَ ابْنَهُ بِأَمَتِهِ فَوَلَدَتْ وَلَدًا بَعْدَ مَوْتِ الْجَدِّ سَيِّدِ الْأَمَةِ فَإِنْ قُلْنَا يَعْتِقُ الْحَمْلُ فَقَدْ عَتَقَ عَلَى جَدِّهِ نَصَّ عَلَى ذَلِكَ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ أَبِي طَالِبٍ وَصَالِحٍ وَإِنْ قُلْنَا لَا يَعْتِقُ حَتَّى يُوضَعَ فَهُوَ تَرِكَةٌ مَوْرُوثَةٌ عَنْ سَيِّدِهِ فَيَرِثُ مِنْهُ أَبُوهُ وَأَعْمَامُهُ بِقَدْرِ حِصَصِهِمْ وَيَعْتِقُ عَلَيْهِمْ بِالْمِلْكِ نَصَّ عَلَى ذَلِكَ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ الْمَرُّوذِيّ وَهَذَا ; لِأَنَّنَا إنْ قُلْنَا لَيْسَ لِلْحَمْلِ حُكْمٌ فَالْمَعْنَى أَنَّهُ لَا يَثْبُتُ لَهُ حُكْمُ الْأَوْلَادِ الْمُسْتَقِلِّينَ وَإِلَّا فَهُوَ مَوْجُودٌ حَقِيقَةً وَمُودَعٌ فِي أُمِّهِ فَالْمِلْكُ فِيهِ قَائِمٌ وَطَرَدَ الْقَاضِي وَابْنُ عَقِيلٍ الْخِلَافَ فِي ثُبُوتِ مِلْكِهِ أَيْضًا وَذَكَرَا فِي الْوَصِيَّةِ أَنَّهُ لَوْ وَصَّى بِأَمَةٍ لِزَوْجِهَا وَهِيَ حَامِلٌ مِنْهُ فَوَلَدَتْ فَإِنْ قُلْنَا: لِلْحَمْلِ حُكْمٌ فَهُوَ مُوصًى بِهِ مَعَهَا يَتْبَعُهَا فِي الْوَصِيَّةِ، وَإِنْ قُلْنَا: لَا حُكْمَ لَهُ لَمْ يَدْخُلْ فِي الْوَصِيَّةِ وَكَانَ مِلْكًا لِمَنْ وَلَدَتْهُ فِي مِلْكِهِ ; لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ ثَبَتَ لَهُ حُكْمٌ بِظُهُورِهِ. فَإِنْ وَلَدَتْهُ فِي حَيَاةِ الْمُوصَيْ فَهُوَ لَهُ أَوْ بَعْدَ مَوْتِهِ وَقَبْلَ الْقَبُولِ فَهُوَ لِمَنْ حَكَمْنَا لَهُ بِالْمِلْكِ فِي تِلْكَ الْحَالِ عَلَى الْخِلَافِ فِيهِ وَإِنْ وَلَدَتْهُ بَعْدَ قَبُولِهِ فَهُوَ لَهُ وَيَعْتِقُ عَلَيْهِ، وَهَذَا يَقْتَضِي هَهُنَا أَنَّا إذَا قُلْنَا لَا حُكْمَ لِلْحَمْلِ وَلَا يَعْتِقُ عَلَى جَدِّهِ فَمَاتَ الْجَدُّ وَوُضِعَ بَعْدَ مَوْتِهِ أَنَّهُ إذَا كَانَ
وَضْعُهُ بَعْدَ الْقِسْمَةِ فَهُوَ مِلْكٌ لِمَنْ حَصَلَتْ الْأَمَةُ لَهُ، وَإِنْ كَانَ قَبْلَ الْقِسْمَةِ فَهُوَ مُشْتَرَكٌ بَيْنَهُمْ لَا ; لِأَنَّهُ مَوْرُوثٌ عَنْ أَبِيهِمْ بَلْ ; لِأَنَّهُ نَمَاءُ مِلْكِهِمْ الْمُشْتَرَكِ فَظَهَرَ بِهَذَا أَنَّ لِلْأَصْحَابِ فِي مَعْنَى كَوْنِ الْحَمْلِ لَهُ حُكْمٌ أَوْ لَا حُكْمَ لَهُ طَرِيقَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ هَلْ هُوَ كَجُزْءٍ مِنْ أَجْزَاءِ أُمِّهِ أَوْ كَالْمَعْدُومِ وَإِنَّمَا يُحْكَمُ بِوُجُودِهِ بِالْوَضْعِ.
وَالثَّانِي: وَهُوَ الْمَنْصُوصُ أَنَّهُ مَمْلُوكٌ مُنْفَصِلٌ عَنْ أُمِّهِ وَمُودَعٌ فِيهَا وَلَكِنْ هَلْ يَثْبُتُ لَهُ حُكْمُ الْوَلَدِ الْمُسْتَقِلِّ بِدُونِ انْفِصَالِهِ أَوْ لَا يَثْبُتُ لَهُ ذَلِكَ حَتَّى يَنْفَصِلَ.
الْفَرْعُ الثَّانِي إذَا أَعْتَقَ الْأَمَةَ الْحَامِلَ عَتَقَ حَمْلُهَا مَعَهَا. وَلَكِنْ هَلْ يَقِفُ عِتْقُهُ عَلَى انْفِصَالِهِ أَوْ يُعْتَقُ مِنْ حِينِ عِتْقِ أُمِّهِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ وَقِيَاسُ مَا ذَكَرَهُ الْقَاضِي وَابْنُ عَقِيلٍ أَنَّهُ لَا يُعْتَقُ بِالْكُلِّيَّةِ إذْ هُوَ كَالْمَعْدُومِ قَبْلَ الْوَضْعِ وَهُوَ بَعِيدٌ جِدًّا فَإِنَّ أَسْوَأَ مَا يُقَدَّرُ فِي الْحَمْلِ أَنَّهُ وَرَدَ عَلَيْهِ الْعِتْقُ فِي حَالٍ مَنَعَ مِنْ نُفُوذِهِ مَانِعٌ فَوَقَفَ عَلَى زَوَالِهِ كَعِتْقِ الْمَرِيضِ لِكُلِّ رَقِيقِهِ، فَإِنَّهُ، يَقِفُ عَلَى إجَازَةِ الْوَرَثَةِ وَمِنْ أَصْلِنَا أَنَّ الْعِتْقَ قَبْلَ الْمِلْكِ يَصِحُّ تَعْلِيقُهُ عَلَيْهِ فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ فَإِنْ كَانَ أَصْلُهُ مَوْجُودًا فِي مِلْكِهِ صَحَّ تَعْلِيقُهُ بِغَيْرِ خِلَافٍ عِنْدَ الْمُحَقِّقِينَ كَمَنْ قَالَ لِأَمَتِهِ كُلُّ وَلَدٍ تَلِدِينَهُ حُرٌّ، وَهَذَا الْعِتْقُ قَدْ بَاشَرَ بِالْعِتْقِ أَمَتَهُ وَحَمْلُهَا مُتَّصِلٌ بِهَا فَوَقَفَ نُفُوذُ عِتْقِهِ عَلَى صَلَاحِيَّتِهِ لِلْعِتْقِ بِظُهُورِهِ، وَقَدْ صَرَّحَ الْقَاضِي فِي خِلَافِهِ بِأَنَّهُ لَوْ أَعْتَقَ الْحَمْلَ وَكَانَ عَلَقَةً عَتَقَ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَمْلُوكًا حِينَئِذٍ نُظِرَ إلَى هَذَا الْمَعْنَى وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
الْفَرْعُ الثَّالِثُ: أَعْتَقَ الْأَمَةَ وَاسْتَثْنَى حَمْلَهَا صَحَّ وَكَانَ الْوَلَدُ رَقِيقًا نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ جَمَاعَةٍ وَتُوقَفُ فِيهِ رِوَايَةُ ابْنِ الْحَكَمِ، وَخَرَّجَ ابْنُ أَبِي مُوسَى وَالْقَاضِي أَنَّهُ لَا يَصِحُّ اسْتِثْنَاؤُهُ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ كَجُزْءٍ مِنْ أَجْزَائِهَا وَخَرَّجُوهُ مِنْ عَدَمِ صِحَّةِ اسْتِثْنَائِهِ فِي الْبَيْعِ، وَلَا يَصِحُّ ; لِأَنَّ الْبَيْعَ تُنَافِيهِ الْجَهَالَةُ بِخِلَافِ الْعِتْقِ.
الْفَرْعُ الرَّابِعُ: أَعْتَقَ الْمُوسِرُ أَمَةً لَهُ حَمْلُهَا لِغَيْرِهِ فَهَلْ يُعْتَقُ بِالسِّرَايَةِ أَمْ لَا؟ إنْ قُلْنَا أَنَّهُ مُسْتَقِلٌّ بِنَفْسِهِ لَمْ يَسْرِ إلَيْهِ الْعِتْقُ وَإِنَّمَا دَخَلَ مَعَ الْأُمِّ إذَا كَانَ مَمْلُوكًا لِمَالِكِهَا تَبَعًا لِاتِّصَالِهِ بِالْأُمِّ وَاجْتِمَاعِهِمَا فِي مِلْكِهِ كَمَا يَتْبَعُ الطَّلْعُ الْمُؤَبَّرُ لِلنَّخْلِ فِي الْعَقْدِ إذَا كَانَ مِلْكًا لِمَالِكِهِ وَلَا يَتْبَعُ إذَا كَانَ مِلْكًا لِغَيْرِهِ وَهَذَا اخْتِيَارُ السَّامِرِيِّ وَصَاحِبَيْ التَّلْخِيصِ وَالْمُحَرَّرِ.
وَقَالَ الْقَاضِي وَالشَّرِيفُ أَبُو جَعْفَرٍ وَأَبُو الْخَطَّابِ يُعْتَقُ وَيَضْمَنُهُ لِمَالِكِهِ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ كَجُزْءٍ مِنْهَا.
الْفَرْعُ الْخَامِسُ: لَوْ أَعْتَقَ الْحَمْلَ وَحْدَهُ صَحَّ وَنَفَذَ وَهَلْ يُعْتَقُ مِنْ حِينِهِ أَوْ يَقِفُ عَلَى خُرُوجِهِ حَيًّا مَبْنِيٌّ عَلَى مَا سَبَقَ وَأَشَارَ الْقَاضِي وَابْنُ عَقِيلٍ فِي دِيَاتِ الْأَجِنَّةِ إلَى خِلَافٍ لَنَا فِي صِحَّةِ عِتْقِهِ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ كَالْمَعْدُومِ وَهُوَ ضَعِيفٌ.
وَقِيَاسُ قَوْلِ مَنْ قَالَ هُوَ كَجُزْءٍ مِنْهَا أَنْ يَسْرِيَ عِتْقُهُ إلَيْهَا وَهُوَ ضَعِيفٌ أَيْضًا. وَيَنْبَنِي عَلَى هَذَا الْفَرْعِ لَوْ ضَرَبَ بَطْنَ أَمَةٍ حَامِلٍ فَأَعْتَقَ السَّيِّدُ حَمْلَهَا بَعْدَ الْجِنَايَةِ أَوْ أَعْتَقَهُ السَّيِّدُ
ثُمَّ جَنَى عَلَيْهِ ثُمَّ انْفَصَلَ مَيِّتًا أَوْ انْفَصَلَ حَيًّا ثُمَّ مَاتَ عَقِيبَ الِانْفِصَالِ.
فَهَذَا يَنْبَنِي عَلَى أَنَّ الْعِتْقَ هَلْ حَصَلَ قَبْلَ الِانْفِصَالِ أَوْ لَمْ يَحْصُلْ إلَّا بَعْدَهُ، وَعَلَى أَصْلٍ آخَرَ وَهُوَ إذَا جَرَحَ رَقِيقًا ثُمَّ عَتَقَ فَسَرَى إلَى نَفْسِهِ فَمَاتَ هَلْ يَضْمَنُهُ بِدِيَةِ حُرٍّ أَوْ بِقِيمَةِ عَبْدٍ عَلَى رِوَايَتَيْنِ فَإِذَا عُلِمَ هَذَا فَهَهُنَا صُوَرٌ أَرْبَعَةٌ:
(أَحَدُهَا) أَنْ يَجْنِيَ عَلَيْهِ ثُمَّ يَعْتِقَ ثُمَّ يَنْفَصِلَ مَيِّتًا فَيَنْبَنِي عَلَى أَنَّ الْعِتْقَ هَلْ حَصَلَ لَهُ حَالَ كَوْنِهِ حَمْلًا أَمْ لَا، فَإِنْ قُلْنَا لَمْ يَحْصُلْ لَهُ الْعِتْقُ حِينَئِذٍ وَجَبَ ضَمَانُهُ بِضَمَانِ جَنِينٍ مَمْلُوكٍ عُشْرُ قِيمَةِ أُمِّهِ وَإِنْ قُلْنَا قَدْ عَتَقَ انْبَنَى عَلَى الْخِلَافِ فِي اعْتِبَارِ الضَّمَانِ بِحَالِ السِّرَايَةِ أَوْ الْجِنَايَةِ، فَإِنْ قُلْنَا: الِاعْتِبَارُ بِحَالِ الْجِنَايَةِ فَكَذَلِكَ وَإِنْ قُلْنَا بِحَالِ السِّرَايَةِ فَفِيهِ غُرَّةُ ضَمَانِ جَنِينٍ حُرٍّ.
وَقِيلَ يَضْمَنُهُ ضَمَانُ رَقِيقٍ وَجْهًا وَاحِدًا كَذَلِكَ ذَكَرَهُ الْقَاضِي وَابْنُ عَقِيلٍ إذْ لَمْ يَتَحَقَّقْ عِتْقُهُ لِجَوَازِ تَلَفِهِ قَبْلَهُ وَحَكَيَا أَيْضًا فِيمَا إذَا لَوْ أَعْتَقَ الْأُمَّ بَعْدَ الْجِنَايَةِ ثُمَّ أَلْقَتْ جَنِينَهَا وَجْهَيْنِ مُخَرَّجَيْنِ مِنْ الِاخْتِلَافِ فِي اعْتِبَارِ حَالَةِ السِّرَايَةِ أَوْ الْجِنَايَةِ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا غَيْرُ مُتَوَجِّهٍ.
(وَالصُّورَةُ الثَّانِيَةُ) : أَنْ يُجْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ يَعْتِقَ ثُمَّ يَنْفَصِلَ حَيًّا ثُمَّ يَمُوتَ فَقَدْ حَصَلَ لَهُ الْعِتْقُ بِغَيْرِ خِلَافٍ فَيَنْبَنِي عَلَى الْخِلَافِ فِي اعْتِبَارِ الضَّمَانِ هَلْ هُوَ بِحَالَةِ السِّرَايَةِ أَوْ الْجِنَايَةِ؟ كَمَا تَقَدَّمَ وَفِي مُسَوَّدَةِ شَرْحِ الْهِدَايَةِ يَضْمَنُهُ بِدِيَةِ حُرٍّ رِوَايَةً وَاحِدَةً وَهُوَ سَهْوٌ.
(الصُّورَةُ الثَّالِثَةُ) : أَنْ يَعْتِقَ أَوَّلًا ثُمَّ يُجْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ يَنْفَصِلَ حَيًّا، فَيَجِبُ ضَمَانُهُ بِدِيَةِ حُرٍّ إنْ قُلْنَا: عَتَقَ وَهُوَ حَمْلٌ، وَإِنْ قُلْنَا: لَا يَعْتِقُ إلَّا بَعْدَ الِانْفِصَالِ انْبَنَى عَلَى الْخِلَافِ فِي اعْتِبَارِ الضَّمَانِ هَلْ هُوَ بِحَالَةِ الْجِنَايَةِ أَوْ السِّرَايَةِ فَإِنْ قُلْنَا بِحَالَةِ السِّرَايَةِ ضَمِنَهُ بِدِيَةِ حُرٍّ وَإِلَّا ضَمِنَهُ ضَمَانَ رَقِيقٍ وَظَاهِرُ كَلَامِ صَاحِبِ الْمُحَرَّرِ أَنَّهُ يَجِبُ ضَمَانُهُ بِدِيَةِ حُرٍّ وَجْهًا وَاحِدًا ; لِأَنَّ الْجِنَايَةَ وَقَعَتْ بَعْدَ الْعِتْقِ الْمُبَاشِرِ وَوُجِدَ الْمَوْتُ بَعْدَ النُّفُوذِ وَفِيهِ نَظَرٌ، وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ كَمَنْ جُنِيَ عَلَيْهِ بَعْدَ التَّعْلِيقِ ثُمَّ مَاتَ بَعْدَ وُجُودِ الصِّفَةِ.
(وَالصُّورَةُ الرَّابِعَةُ) : أَنْ يَعْتِقَ ثُمَّ يُجْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ يَنْفَصِلَ مَيِّتًا فَإِنْ قُلْنَا عَتَقَ وَهُوَ حَمْلٌ ضَمِنَهُ ضَمَانَ جَنِينٍ حُرٍّ وَإِنْ قُلْنَا إنَّهُ لَمْ يَعْتِقْ ضَمِنَهُ ضَمَانَ جَنِينِ رَقِيقٍ وَنَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ ابْنِ مَنْصُورٍ مُعَلِّلًا بِأَنَّهُ لَمْ يَعْتِقْ بَعْدُ، وَفِي الْخِلَافِ الْكَبِيرِ وَالْمُحَرَّرِ أَنَّ حَرْبًا نَقَلَ ذَلِكَ أَيْضًا عَنْ أَحْمَدَ وَلَيْسَ كَذَلِكَ وَإِنَّمَا حَكَاهُ أَحْمَدُ فِي رِوَايَتِهِ عَنْ الزُّهْرِيِّ وَقَالَ مَا أَدْرِي كَيْفَ وَجْهُهُ.
وَقَالَ الْقَاضِي وَابْنُ عَقِيلٍ إذَا قُلْنَا لَا يَصِحُّ عِتْقُ الْحَمْلِ فَوُجُودُهُ كَعَدَمِهِ فِي جَمِيعِ هَذِهِ الصُّوَرِ فَهُوَ ضَعِيفٌ كَمَا سَبَقَ.
(وَمِنْهَا) وُرُودُ الْعُقُودِ عَلَى الْحَامِلِ كَالْبَيْعِ وَالْهِبَةِ وَالْوَصِيَّةِ وَالْإِصْدَاقِ قَالَ الْقَاضِي وَابْنُ عَقِيلٍ: إنْ قُلْنَا: لِلْحَمْلِ حُكْمٌ فَهُوَ دَاخِلٌ فِي الْعَقْدِ وَيَأْخُذُ قِسْطًا مِنْ الْعِوَضِ، وَإِنْ قُلْنَا: لَا حُكْمَ لَهُ لَمْ يَأْخُذْ قِسْطًا مِنْ الْعِوَضِ وَكَانَ بَعْدَ وَضْعِهِ حُكْمُهُ حُكْمُ النَّمَاءِ الْمُنْفَصِلِ فَلَوْ رُدَّتْ الْعَيْنُ بِعَيْبٍ أَوْ إفْلَاسٍ أَوْ طَلَاقٍ فَإِنْ قُلْنَا لَهُ حُكْمٌ، رُدَّ مَعَ الْأَصْلِ وَإِلَّا