الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَهَا هُنَا مَسَائِلُ كَثِيرَةٌ مُتَرَدِّدَةٌ بَيْنَ الضَّرْبَيْنِ: (مِنْهَا) مَنْ شَرَعَ فِي صِيَامِ كَفَّارَةِ ظِهَارٍ أَوْ يَمِينٍ أَوْ غَيْرِهِمَا ثُمَّ وَجَدَ الرَّقَبَةَ، فَالْمَذْهَبُ لَا يَلْزَمُهُ الِانْتِقَالُ لِأَنَّ ذَلِكَ رُخْصَةٌ، فَهُوَ كَصِيَامِ الْمُتَمَتِّعِ.
وَفِيهِ وَجْهٌ يُلْزِمُهُ الِانْتِقَالَ لِأَنَّ الْكَفَّارَاتِ مَشْرُوعَةٌ بِإِرْبَاغِ وَالزَّجْرِ وَفِيهَا مِنْ التَّغْلِيظِ مَا يُنَافِي الرُّخْصَةَ الْمُطْلَقَةَ، وَلِهَذَا يَلْزَمُ شِرَاءُ الرَّقَبَةِ بِثَمَنٍ فِي الذِّمَّةِ إذَا كَانَ مَالُهُ غَائِبًا، وَلَوْ لَمْ يَجِدْ مَنْ يَبِيعُهُ رَقَبَةً بِالدَّيْنِ وَمَالُهُ غَائِبٌ فَهَلْ يَلْزَمُهُ انْتِظَارُهُ أَوْ يَجُوزُ لَهُ الْعُدُولُ إلَى الصِّيَامِ لِلْمَشَقَّةِ أَوْ يُفَرِّقُ بَيْنَ الظِّهَارِ وَغَيْرِهِ عَلَى أَوْجُهٍ مَعْرُوفَةٍ.
(وَمِنْهَا) الْمُتَيَمِّمُ إذَا شَرَعَ فِي الصَّلَاةِ ثُمَّ وَجَدَ الْمَاءَ فَفِي بُطْلَانِهَا رِوَايَتَانِ ; لِأَنَّ التَّيَمُّمَ مِنْ حَيْثُ كَوْنُهُ رُخْصَةً عَامَّةً فَهُوَ كَصِيَامِ الْمُتَمَتِّعِ، وَمِنْ حَيْثُ كَوْنُهُ ضَرُورَةً يُشْبِهُ الْعِدَّةَ بِالْأَشْهُرِ.
وَبَيَانُ الضَّرُورَةِ أَنَّهُ تُسْتَبَاحُ مَعَهُ الصَّلَاةُ بِالْحَدَثِ فَإِنَّهُ غَيْرُ رَافِعٍ لَهُ عَلَى الْمَذْهَبِ فَلَا يَجُوزُ إتْمَامُ الصَّلَاةِ مُحْدِثًا مَعَ وُجُودِ الْمَاءِ الرَّافِعِ لَهُ.
(وَمِنْهَا) إذَا نَكَحَ الْمُعْسِرُ الْخَائِفُ لِلْعَنَتِ أَمَةً ثُمَّ زَالَ أَحَدُ الشَّرْطَيْنِ، فَهَلْ يَنْفَسِخُ نِكَاحُهُ.
عَلَى رِوَايَتَيْنِ وَالنِّكَاحُ فِيهِ شَوْبُ عِبَادَةٍ.
[الْقَاعِدَةُ الثَّامِنَة مِنْ قَدَرَ عَلَى بَعْضِ الْعِبَادَةِ وَعَجَزَ عَنْ باقيها هَلْ يَلْزَمُهُ الْإِتْيَانُ بِمَا قَدَرَ عَلَيْهِ]
(الْقَاعِدَةُ الثَّامِنَةُ) : مَنْ قَدَرَ عَلَى بَعْضِ الْعِبَادَةِ وَعَجَزَ عَنْ بَاقِيهَا هَلْ يَلْزَمُهُ الْإِتْيَانُ بِمَا قَدَرَ عَلَيْهِ مِنْهَا أَمْ لَا؟
هَذَا أَقْسَامٌ: (أَحَدُهَا) أَنْ يَكُونَ الْمَقْدُورُ عَلَيْهِ لَيْسَ مَقْصُودً فِي الْعِبَادَةِ بَلْ هُوَ وَسِيلَةٌ مَحْضَةٌ إلَيْهَا كَتَحْرِيكِ اللِّسَانِ فِي الْقِرَاءَةِ وَإِمْرَارِ الْمُوسَى عَلَى الرَّأْسِ فِي الْحَلْقِ وَالْخِتَانِ، فَهَذَا لَيْسَ بِوَاجِبٍ لِأَنَّهُ إنَّمَا وَجَبَ ضَرُورَةُ الْقِرَاءَةِ وَالْحَلْقِ وَالْقَطْعِ، وَقَدْ سَقَطَ الْأَصْلُ فَسَقَطَ مَا هُوَ مِنْ ضَرُورَتِهِ.
وَأَوْجَبَهُ الْقَاضِي فِي تَحْرِيكِ اللِّسَانِ خَاصَّةً وَهُوَ ضَعِيفٌ جِدًّا.
الْقِسْمُ الثَّانِي: مَا وَجَبَ تَبَعًا لِغَيْرِهِ وَهُوَ نَوْعَانِ.
أَحَدُهُمَا: مَا كَانَ وُجُوبُهُ احْتِيَاطًا لِلْعِبَادَةِ لِيَتَحَقَّقَ حُصُولُهَا كَغَسْلِ الْمِرْفَقَيْنِ فِي الْوُضُوءِ فَإِذَا قُطِعَتْ الْيَدُ مِنْ الْمِرْفَقِ هَلْ يَجِبُ غَسْلُ رَأْسِ الْمِرْفَقِ الْآخَرِ أَمْ لَا؟ عَلَى وَجْهَيْنِ: أَشْهَرُهُمَا عِنْدَ الْأَصْحَابِ الْوُجُوبُ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ.
وَاخْتِيَارُ الْقَاضِي فِي كِتَابِ الْحَجِّ مِنْ خِلَافِهِ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ وَحُمِلَ كَلَامُ أَحْمَدَ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ.
هَذَا إذَا بَقِيَ شَيْءٌ مِنْ الْعِبَادَةِ كَمَا فِي وُضُوءِ الْأَقْطَعِ، أَمَّا إذَا لَمْ يَبْقَ شَيْءٌ بِالْكُلِّيَّةِ سَقَطَ التَّبَعُ كَإِمْسَاكِ جُزْءٍ مِنْ اللَّيْلِ فِي الصَّوْمِ فَلَا يَلْزَمُ مَنْ أُبِيحَ لَهُ الْفِطْرُ بِالِاتِّفَاقِ.
(وَالثَّانِي) مَا وَجَبَ تَبَعًا لِغَيْرِهِ عَلَى وَجْهِ التَّكْمِيلِ وَاللَّوَاحِقَ مِثْلُ رَمْيِ الْجِمَارِ وَالْمَبِيتِ بِمِنًى لِمَنْ لَمْ يُدْرِكْ
الْحَجَّ، فَالْمَشْهُورُ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ لِأَنَّ ذَلِكَ كُلَّهُ مِنْ تَوَابِعِ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ، فَلَا يَلْزَمُ مَنْ لَمْ يَقِفْ بِهَا.
وَحَكَى ابْنُ أَبِي مُوسَى رِوَايَةً أُخْرَى بِلُزُومِهَا ; لِأَنَّهَا عِبَادَاتٌ فِي نَفْسِهَا مُسْتَقِلَّةٌ، وَمِنْ أَمْثِلَةِ ذَلِكَ: الْمَرِيضُ إذَا عَجَزَ فِي الصَّلَاةِ عَنْ وَضْعِ وَجْهِهِ عَلَى الْأَرْضِ وَقَدَرَ عَلَى وَضْعِ بَقِيَّةِ أَعْضَاءِ السُّجُودِ، فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ ذَلِكَ عَلَى الصَّحِيحِ، لِأَنَّ السُّجُودَ عَلَى بَقِيَّةِ الْأَعْضَاءِ إنَّمَا وَجَبَ تَبَعًا لِلسُّجُودِ عَلَى الْوَجْهِ وَتَكْمِيلًا لَهُ.
وَالْقِسْمُ الثَّالِثُ: مَا هُوَ جُزْءٌ مِنْ الْعِبَادَةِ وَلَيْسَ بِعِبَادَةٍ فِي نَفْسِهِ بِانْفِرَادِهِ، أَوْ هُوَ غَيْرُ مَأْمُورٍ بِهِ لِضَرُورَةٍ (فَالْأَوَّلُ) كَصَوْمِ بَعْضِ الْيَوْمِ لِمَنْ قَدَرَ عَلَيْهِ وَعَجَزَ عَنْ إتْمَامِهِ فَلَا يَلْزَمُهُ بِغَيْرِ خِلَافٍ.
(وَالثَّانِي) كَعِتْقِ بَعْضِ الرَّقَبَةِ فِي الْكَفَّارَةِ فَلَا يَلْزَمُ الْقَادِرَ عَلَيْهِ إذَا عَجَزَ عَنْ التَّكْمِيلِ لِأَنَّ الشَّارِعَ قَصْدُهُ تَكْمِيلُ الْعِتْقِ مَهْمَا أَمْكَنَ، وَلِهَذَا شَرَعَ السِّرَايَةَ وَالسِّعَايَةَ وَقَالَ «لَيْسَ لِلَّهِ شَرِيكٌ» فَلَا يَشْرَع عِتْقُ بَعْضِ الرَّقَبَةِ.
الْقِسْمُ الرَّابِعُ: مَا هُوَ جُزْءٌ مِنْ الْعِبَادَةِ وَهُوَ عِبَادَةٌ مَشْرُوعَةٌ فِي نَفْسِهِ فَيَجِبُ فِعْلُهُ عِنْدَ تَعَذُّرِ فِعْلِ الْجَمِيعِ بِغَيْرِ خِلَافٍ، بِرَابِهَا عَلَيْهِ مَسَائِلُ كَثِيرَةٌ:(مِنْهَا) الْعَاجِزُ عَنْ الْقِرَاءَةِ يَلْزَمُهُ الْقِيَامُ لِأَنَّهُ وَإِنْ كَانَ مَقْصُودُهُ الْأَعْظَمُ الْقِرَاءَةَ لَكِنَّهُ أَيْضًا مَقْصُودٌ فِي نَفْسِهِ وَهُوَ عِبَادَةٌ مُنْفَرِدَةٌ.
(وَمِنْهَا) مَنْ عَجَزَ عَنْ بَعْضِ الْفَاتِحَةِ لَزِمَهُ الْإِتْيَانُ بِالْبَاقِي.
(وَمِنْهَا) مَنْ عَجَزَ عَنْ بَعْضِ غُسْلِ الْجَنَابَةِ لَزِمَهُ الْإِتْيَانُ بِمَا قَدَرَ مِنْهُ لِأَنَّ تَخْفِيفَ الْجَنَابَةِ مَشْرُوعٌ وَلَوْ بِغَسْلِ أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ كَمَا يُشْرَعُ لِلْجُنُبِ إذَا أَرَادَ النَّوْمَ أَوْ الْوَطْءَ أَوْ الْأَكْلَ وَيَسْتَبِيحُ بِهِ اللُّبْثَ فِي الْمَسْجِدِ عِنْدَنَا وَوَقَعَ التَّرَدُّدَ فِي مَسَائِلَ أُخَرَ.
مِنْهَا: الْمُحْدِثُ إذَا وَجَدَ مَا يَكْفِي بَعْضَ أَعْضَائِهِ فَفِي وُجُوبِ اسْتِعْمَالِهِ وَجْهَانِ، وَمَأْخَذُ مَنْ لَا يَرَاهُ وَاجِبًا إمَّا أَنَّ الْحَدَثَ الْأَصْغَرَ لَا يَتَبَعَّضُ رَفْعُهُ فَلَا يَحْصُلُ بِهِ مَقْصُودٌ، أَوْ أَنَّهُ يَتَبَعَّضُ لَكِنَّهُ يَبْطُلُ بِالْإِخْلَالِ بِالْمُوَالَاةِ فَلَا يَبْقَى لَهُ فَائِدَةٌ، أَوْ أَنَّ غَسْلَ بَعْضِ أَعْضَاءِ الْمُحْدِثِ غَيْرُ مَشْرُوعٍ بِخِلَافِ غَسْلِ بَعْضِ أَعْضَاءِ الْجُنُبِ كَمَا تَقَدَّمَ.
(وَمِنْهَا) إذَا قَدَرَ عَلَى بَعْضِ صَاعٍ فِي صَدَقَةِ الْفِطْرِ فَهَلْ يَلْزَمُهُ إخْرَاجُهُ عَلَى رِوَايَتَيْنِ، وَمَأْخَذُ عَدَمِ الْوُجُوبِ أَنَّهُ كَفَّارَةٌ بِالْمَالِ فَلَا يَتَبَعَّضُ كَمَا لَوْ قَدَرَ عَلَى التَّكْفِيرِ بِإِطْعَامِ بَعْضِ الْمَسَاكِينِ وَالصَّحِيحُ الْوُجُوبُ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْكَفَّارَةِ مِنْ وَجْهَيْنِ:
(أَحَدُهُمَا) : أَنَّ الْكَفَّارَةَ بِالْمَالِ تَسْقُطُ إلَى بَدَلٍ هُوَ الصَّوْمُ بِخِلَافِ الْفِطْرَةِ.
(وَالثَّانِي) أَنَّ الْكَفَّارَةَ لَا بُدَّ مِنْ تَكْمِيلِهَا، وَالْمَقْصُودُ مِنْ التَّكْفِيرِ بِالْمَالِ تَحْصِيلُ إحْدَى الْمَصَالِحِ الثَّلَاثِ عَلَى