الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مِنْهَا) مِلْكُ الْمُسْتَعِيرِ فَإِنَّهُ يَمْلِكُ الِانْتِفَاعَ لَا الْمَنْفَعَةَ إلَّا عَلَى رِوَايَةِ ابْنِ مَنْصُورٍ عَنْ أَحْمَدَ أَنَّ الْعَارِيَّةَ الْمُؤَقَّتَةَ تَلْزَمُ كَذَا قَالَ الْأَصْحَابُ، وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ: لُزُومُ الْعَارِيَّةِ الْمُؤَقَّتَةِ إنَّمَا يَدُلُّ عَلَى وُجُوبِ الْوَفَاءِ بِبَدَلِ الِانْتِفَاعِ لَا عَلَى تَمْلِيكِ الْمَنْفَعَةِ.
(وَمِنْهَا) الْمُنْتَفِعُ بِمِلْكِ جَارِهِ مِنْ وَضْعِ خَشَبٍ وَمَمَرٍّ فِي دَارٍ وَنَحْوِهِ وَإِنْ كَانَ بِعَقْدِ صُلْحٍ فَهُوَ إجَارَةٌ.
(وَمِنْهَا) إقْطَاعُ الْأَرْفَاقِ كَمَقَاعِدِ الْأَسْوَاقِ وَنَحْوِهَا. (وَمِنْهَا) الطَّعَامُ فِي دَارِ الْحَرْبِ قَبْلَ حِيَازَتِهِ يَمْلِكُ الْغَانِمُونَ الِانْتِفَاعَ بِهِ بِقَدْرِ الْحَاجَةِ وَقِيَاسُهُ الْأَكْلُ مِنْ الْأُضْحِيَّةِ وَالثَّمَرِ الْمُعَلَّقِ وَنَحْوِهِ.
(وَمِنْهَا) أَكْلُ الضَّيْفِ لِطَعَامِ الْمُضِيفِ فَإِنَّهُ إبَاحَةٌ مَحْضَةٌ لَا يَحْصُلُ بِهِ الْمِلْكُ بِحَالٍ عَلَى الْمَشْهُورِ عِنْدَنَا وَعَنْ أَحْمَدَ رِوَايَةٌ بِإِجْزَاءِ الْإِطْعَامِ فِي الْكَفَّارَاتِ وَيَنْزِلُ عَلَى أَحَدِ قَوْلَيْنِ، إمَّا أَنَّ الضَّيْفَ يَمْلِكُ مَا قُدِّمَ إلَيْهِ وَإِنْ كَانَ مِلْكًا خَاصًّا بِالنِّسْبَةِ إلَى الْأَكْلِ، وَإِمَّا أَنَّ الْكَفَّارَةَ لَا يُشْتَرَطُ فِيهَا تَمْلِيكٌ.
(وَمِنْهَا) عَقْدُ النِّكَاحِ، وَتَرَدَّدَتْ عِبَارَاتُ الْأَصْحَابِ فِي مَوْرِدِهِ هَلْ هُوَ الْمِلْكُ أَوْ الِاسْتِبَاحَةُ؟ فَمِنْ قَائِلٍ هُوَ الْمِلْكُ. ثُمَّ تَرَدَّدُوا هَلْ هُوَ مِلْكُ مَنْفَعَةِ الْبُضْعِ أَوْ مِلْكُ الِانْتِفَاعِ بِهَا وَقِيلَ بَلْ هُوَ الْحِلُّ لَا الْمِلْكُ وَلِهَذَا يَقَعُ الِاسْتِمْتَاعُ مِنْ جِهَةِ الزَّوْجَةِ مَعَ أَنَّهُ لَا مِلْكَ لَهَا وَقِيلَ بَلْ الْمَعْقُودُ عَلَيْهِ ازْدِوَاجٌ كَالْمُشَارَكَةِ وَلِهَذَا فَرَّقَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ بَيْنَ الِازْدِوَاجِ وَمِلْكِ الْيَمِينِ وَإِلَيْهِ مَيْلُ الشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّينِ فَيَكُونُ مِنْ بَابِ الْمُشَارَكَاتِ دُونَ الْمُعَاوَضَاتِ.
[الْقَاعِدَةُ السَّابِعَة وَالثَّمَانُونَ مَا يَقْبَلُ النَّقْلَ وَالْمُعَاوَضَةَ مِنْ الْحُقُوقِ الْمَالِيَّةِ وَالْأَمْلَاكِ]
(الْقَاعِدَةُ السَّابِعَة وَالثَّمَانُونَ) : فِيمَا يَقْبَلُ النَّقْلَ وَالْمُعَاوَضَةَ مِنْ الْحُقُوقِ الْمَالِيَّةِ وَالْأَمْلَاكِ، أَمَّا الْأَمْلَاكُ التَّامَّةُ فَقَابِلَةٌ لِلنَّقْلِ بِالْعِوَضِ وَغَيْرِهِ فِي الْجُمْلَةِ، وَأَمَّا مِلْكُ الْمَنَافِعِ فَإِنْ كَانَ بِعَقْدٍ لَازِمٍ مَلَكَ فِيهِ نَقْلَ الْمِلْكِ بِمِثْلِ الْعَقْدِ الَّذِي مَلَكَ بِهِ أَوْ دُونَهُ دُونَ مَا هُوَ أَعْلَى مِنْهُ وَيَمْلِكُ الْمُعَاوَضَةَ عَلَيْهِ أَيْضًا صَرَّحَ بِهِ الْقَاضِي فِي خِلَافِهِ وَيَنْدَرِجُ تَحْتَ هَذَا صُوَرٌ:
(مِنْهَا) إجَارَةُ الْمُسْتَأْجَرِ جَائِزَةٌ عَلَى الْمَذْهَبِ الصَّحِيحِ بِمِثْلِ الْأُجْرَةِ وَأَكْثَرَ وَأَقَلَّ.
(وَمِنْهَا) إجَارَةُ الْوَقْفِ.
(وَمِنْهَا) إجَارَةُ الْمَنَافِعِ الْمُوصَى بِهَا وَصَرَّحَ بِهَا الْقَاضِي فِي خِلَافِهِ.
(وَمِنْهَا) إجَارَةُ الْمَنَافِعِ الْمُسْتَثْنَاةِ فِي عَقْدِ الْبَيْعِ.
(وَمِنْهَا) إجَارَةُ [أَرْضِ] الْعَنْوَةِ الْخَرَاجِيَّةُ، وَالْمَذْهَبُ الصَّحِيحُ صِحَّتُهَا وَهُوَ نَصُّ أَحْمَدَ وَلَكِنْ اُسْتُحِبَّ الْمُزَارَعَةُ فِيهَا عَلَى الِاسْتِئْجَارِ، وَحَكَى الْقَاضِي وَابْنُ عَقِيلٍ رِوَايَةً أُخْرَى بِالْمَنْعِ كَرِبَاعِ مَكَّةَ وَقَدْ أَشَارَ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ حَنْبَلٍ إلَى كَرَاهَةِ مَنْعِهَا وَسَنَذْكُرُهُ فِي مَوْضِعِهِ
(وَمِنْهَا) إعَارَةُ الْعَارِيَّةُ الْمُؤَقَّتَةِ إذَا قِيلَ بِلُزُومِهَا وَمِلْكِ الْمَنْفَعَةِ فِيهَا فَإِنَّهُ يَجُوزُ وَلَا تَجُوزُ الْإِجَارَةُ ; لِأَنَّهَا أَعْلَى صَرَّحَ بِهِ
الْقَاضِي فِي خِلَافِهِ، وَأَمَّا إجَارَةُ إقْطَاعِ الِاسْتِغْلَالِ الَّتِي مَوْرِدُهَا مَنْفَعَةُ الْأَرْضِ دُونَ رَقَبَتِهَا فَلَا نَقْلَ فِيهَا نَعْلَمُهُ، وَكَلَامُ الْقَاضِي قَدْ يُشْعِرُ بِالْمَنْعِ ; لِأَنَّهُ جَعَلَ مَنَاطَ صِحَّةِ الْإِجَارَةِ لِلْمَنَافِعِ لُزُومَ الْعَقْدِ وَهَذَا مُنْتَفٍ فِي الْإِقْطَاعِ وَقَدْ قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رحمه الله: يَجُوزُ، وَجَعَلَ الْخِلَافَ فِيهِ مُبْتَدَعًا وَقَرَّرَهُ بِأَنَّ الْإِمَامَ جَعَلَهُ لِلْجُنْدِ عِوَضًا عَنْ أَعْمَالِهِمْ فَهُوَ كَالْمَمْلُوكِ بِعِوَضٍ وَلِأَنَّ إذْنَهُ فِي الْإِيجَارِ عُرْفِيٌّ فَجَازَ كَمَا لَوْ صَرَّحَ بِهِ، وَلَوْ تَهَايَأَ الشَّرِيكَانِ عَلَى الْأَرْضِ وَقُلْنَا لَا يَلْزَمُ فَهَلْ لِأَحَدِهِمَا إجَارَةُ حِصَّتِهِ؟ الْأَظْهَرُ جَوَازُهُ ; لِأَنَّ الْمُهَايَآتِ إذَا فُسِخَتْ عَادَ الْمِلْكُ مُشَاعًا فَيَخْرُجُ عَلَى الْخِلَافِ فِي إجَارَةِ الْمُشَاعِ وَتُسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ الْحُقُوقُ الثَّابِتَةُ دَفْعًا لِضَرَرِ الْأَمْلَاكِ فَلَا يَصِحُّ النَّقْلُ فِيهَا بِحَالٍ وَتَصِحُّ الْمُعَاوَضَةُ عَلَى إثْبَاتِهَا وَاسْتِيفَائِهَا.
وَأَمَّا مِلْكُ الِانْتِفَاعِ وَحُقُوقُ الِاخْتِصَاصِ سِوَى الْبُضْعِ وَحُقُوقُ التَّمَلُّكِ فَهَلْ يَصِحُّ نَقْلُ الْحَقِّ فِيهَا أَمْ لَا؟ إنْ كَانَتْ لَازِمَةً جَازَ النَّقْلُ لِمَنْ يَقُومُ مَقَامَهُ فِيهَا بِغَيْرِ عِوَضٍ وَفِي جَوَازِهِ بِعِوَضٍ خِلَافٌ وَيَنْدَرِجُ ذَلِكَ فِي مَسَائِلَ:
(مِنْهَا) مَا ثَبَتَتْ عَلَيْهِ يَدُ الِاخْتِصَاصِ كَالْكَلْبِ وَالزَّيْتِ النَّجِسِ الْمُنْتَفَعِ بِهِ فَإِنَّهُ تَنْتَقِلُ الْيَدُ فِيهِ بِالْإِرْثِ وَالْوَصِيَّةِ وَالْإِعَارَةِ فِي الْكَلْبِ، وَفِي الْهِبَةِ وَجْهَانِ اخْتَارَ الْقَاضِي عَدَمَ الصِّحَّةِ وَخَالَفَهُ صَاحِبُ الْمُغْنِي وَلَيْسَ بَيْنَهُمَا خِلَافٌ فِي الْحَقِيقَةِ ; لِأَنَّ نَقْلَ الْيَدِ فِي هَذِهِ الْأَعْيَانِ بِغَيْرِ عِوَضٍ جَائِزٌ كَالْوَصِيَّةِ وَقَدْ صَرَّحَ بِهِ الْقَاضِي فِي خِلَافِهِ.
، وَأَمَّا إجَارَةُ الْكَلْبِ فَالْمَذْهَبُ أَنَّهَا لَا تَصِحُّ ; لِأَنَّهَا مُعَاوَضَةٌ وَلَا مَالِيَّةَ فِيهِ وَحَكَى أَبُو الْفَتْحِ الْحَلْوَانِيُّ فِيهَا وَجْهَيْنِ وَكَذَا خَرَّجَ أَبُو الْخَطَّابِ وَجْهًا بِالْجَوَازِ فَيَكُونُ مُعَاوَضَةً عَنْ نَقْلِ الْيَدِ وَيَرُدُّهُ النَّهْيُ عَنْ بَيْعِهِ وَقَدْ كَانَ يُمْكِنُ جَعْلُهُ مُعَاوَضَةً عَنْ نَقْلِ الْيَدِ.
(وَمِنْهَا) الْمُسْتَعِيرُ لَا يَمْلِكُ نَقْلَ حَقِّهِ مِنْ الِانْتِفَاعِ إلَّا أَنْ يَقُولَ بِلُزُومِ الْعَارِيَّةِ كَمَا سَبَقَ.
(وَمِنْهَا) مَرَافِقُ الْأَمْلَاكِ مِنْ الْأَفْنِيَةِ وَالْأَزِقَّةِ الْمُشْتَرَكَةِ تَصِحُّ إبَاحَتُهَا وَالْإِذْنُ فِي الِانْتِفَاعِ بِهَا كَالْإِذْنِ فِي فَتْحِ بَابٍ وَنَحْوِهِ.
قَالَ فِي التَّلْخِيصِ: وَيَكُونُ إعَارَةً عَلَى الْأَشْبَهِ وَتَجُوزُ الْمُعَاوَضَةُ عَنْ فَتْحِ الْأَبْوَابِ وَنَحْوِهَا ذَكَرَهُ فِي الْمُغْنِي وَالتَّلْخِيصِ وَهُوَ شَبِيهٌ بِالْمُصَالَحَةِ بِعِوَضٍ عَلَى إجْرَاءِ الْمَاءِ فِي أَرْضِهِ أَوْ فَتْحِ الْبَابِ فِي حَائِطِهِ أَوْ وَضْعِ خَشَبٍ عَلَى جِدَارِهِ وَنَحْوِهِ، وَهَذَا مُتَوَجِّهٌ عَلَى الْقَوْلِ بِمِلْكِ هَذِهِ الْمَرَافِقِ أَمَّا عَلَى الْقَوْلِ بِعَدَمِ الْمِلْكِ فَهُوَ شَبِيهٌ بِنَقْلِ الْيَدِ بِعِوَضٍ كَمَا سَبَقَ وَكَذَلِكَ ذَكَرَ الْأَصْحَابُ جَوَازَ الْمُصَالَحَةِ عَلَى الرَّوْشَنِ الْخَارِجِ فِي الدَّرْبِ الْمُشْتَرَكِ وَأَمَّا [عَلَى] الشَّجَرَةِ فَفِيهَا خِلَافٌ مَعْرُوفٌ لِكَوْنِهَا لَا تَدُومُ عَلَى حَالَةٍ وَاحِدَةٍ وَأَمَّا الِانْتِفَاعُ بِأَفْنِيَةِ الْأَمْلَاكِ وَالْمَسَاجِدِ بِغَيْرِ إذْنٍ مِنْ الْمُلَّاكِ وَالْإِمَامِ فَإِنْ كَانَ فِيهِ ضَرَرٌ لَمْ يَجُزْ وَإِلَّا فَفِي جَوَازِهِ رِوَايَتَانِ ذَكَرَهُ الْقَاضِي فِي الْأَحْكَامِ السُّلْطَانِيَّةِ وَتَجُوزُ الْمُصَالَحَةُ بِعِوَضٍ عَلَى إسْقَاطِ حَقِّهِ مِنْ وَضْعِ الْخَشَبِ عَلَى جِدَارِهِ وَنَحْوُهُ ذَكَرَهُ فِي الْمُجَرَّدِ.
(وَمِنْهَا) مُتَحَجِّرِ الْمَوَاتِ وَمَنْ أَقْطَعَهُ الْإِمَامُ مَوَاتًا لِيُحْيِيَهُ
لَا يَمْلِكُهُ بِمُجَرَّدِ ذَلِكَ عَلَى الْمَذْهَبِ لَكِنْ يَثْبُتُ لَهُ فِيهِ حَقُّ التَّمَلُّكِ فَيَجُوزُ نَقْلُ الْحَقِّ إلَى غَيْرِهِ بِهِبَةٍ وَإِعَارَةٍ وَيَنْتَقِلُ إلَى وَرَثَتِهِ مِنْ بَعْدِهِ وَهَلْ لَهُ الْمُعَاوَضَةُ عَنْهُ عَلَى وَجْهَيْنِ أَصْلُهُمَا الْمُعَاوَضَةُ عَنْ الْحُقُوقِ فَإِنَّ هَذَا حَقُّ تَمَلُّكٍ كَمَا سَبَقَ وَفَارَقَ الشُّفْعَةَ فَإِنَّ النَّقْلَ فِيهَا مُمْتَنِعٌ ; لِأَنَّهَا مِنْ حُقُوقِ الْأَمْلَاكِ فَهِيَ مِمَّا اُسْتُثْنِيَ مِنْ الْقَاعِدَةِ.
قَالَ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ ابْنِ مَنْصُورٍ: الشُّفْعَةُ لَا تُبَاعُ وَلَا تُوهَبُ وَحَمَلَ الْقَاضِي قَوْلَهُ لَا تُبَاعُ عَلَى أَنَّ الْمُشْتَرِيَ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُصَالِحَ الشَّفِيعَ عَنْهَا بِعِوَضٍ قَالَ ; لِأَنَّهُ خِيَارٌ لَا يَسْقُطُ إلَى مَالٍ فَلَمْ يَجُزْ أَخْذُ الْعِوَضِ عَنْهُ كَخِيَارِ الشَّرْطِ وَالْمَجْلِسِ بِخِلَافِ خِيَارِ الْقِصَاصِ وَالْعَيْبِ ; لِأَنَّهُ يَسْقُطُ إلَى الدِّيَةِ وَالْأَرْشِ وَالْأَظْهَرُ حَمْلُ قَوْلِ أَحْمَدَ لَا تُبَاعُ وَلَا تُوهَبُ عَلَى أَنَّ الشَّفِيعَ لَيْسَ لَهُ نَقْلُهَا إلَى غَيْرِهِ بِعِوَضٍ وَلَا غَيْرِهِ فَأَمَّا مُصَالَحَتُهُ لِلْمُشْتَرِي فَهُوَ كَالْمُصَالَحَةِ عَلَى تَرْكِ وَضْعِ الْخَشَبِ عَلَى جِدَارٍ وَنَحْوِهِ. وَذَكَرَ الْقَاضِي فِي بَابِ الشُّفْعَةِ أَيْضًا أَنَّ خِيَارَ الْعَيْبِ تَجُوزُ الْمُصَالَحَةُ عَنْهُ بِعِوَضٍ وَعَلَّلَ بِأَنَّ الْعَيْبَ يَمْنَعُ لُزُومَ الْعَقْدِ وَمَعَ عَدَمِ اللُّزُومِ تَجُوزُ الزِّيَادَةُ فِي الثَّمَنِ وَالنَّقْصُ مِنْهُ فَجَعَلَ الصُّلْحَ هَهُنَا إسْقَاطًا مِنْ الثَّمَنِ كَالْأَرْشِ، عَلَى قِيَاسِ خِيَارِ الشَّرْطِ وَالْمَجْلِسِ ; لِأَنَّ التَّصَرُّفَ فِي الثَّمَنِ بِالنَّقْصِ وَالزِّيَادَةِ فِيهِ مُمْكِنٌ.
(وَمِنْهَا) الْكَلَأُ وَالْمَاءُ فِي الْأَرْضِ الْمَمْلُوكَةِ إذَا قُلْنَا لَا يُمْلَكَانِ بِدُونِ الْحِيَازَةِ فَلِلْمَالِكِ الْإِذْنُ فِي الْأَخْذِ وَلَيْسَ لَهُ الْمُعَاوَضَةُ عِنْدَ أَكْثَرِ الْأَصْحَابِ. وَوَقَعَ فِي الْمُقْنِعِ وَالْمُحَرَّرِ مَا يَقْتَضِي حِكَايَةَ رِوَايَتَيْنِ فِي جَوَازِ الْمُعَاوَضَةِ وَإِنْ قُلْنَا بِعَدَمِ الْمِلْكِ وَلَعَلَّهُ مِنْ بَابِ الْمُعَاوَضَةِ عَمَّا يَسْتَحِقُّ تَمَلُّكُهُ فَيَلْتَحِقُ بِالْقَاعِدَةِ
(وَمِنْهَا) مَقَاعِدُ الْأَسْوَاقِ وَمَجَالِسُ الْمَسَاجِدِ وَنَحْوِهَا يَصِحُّ نَقْلُ الْحَقِّ فِيهِمَا بِغَيْرِ عِوَضٍ ; لِأَنَّ الْحَقَّ فِيهِمَا لَازِمٌ بِالسَّبْقِ وَلَوْ آثَرَ بِهَا غَيْرَهُ فَسَبَقَ ثَالِثٌ فَجَلَسَ فَهَلْ يَكُونُ أَحَقُّ مِنْ الْمُؤْثَرِ أَمْ لَا؟ عَلَى وَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: نَعَمْ ; لِأَنَّ الْحَقَّ الْقَائِمَ زَالَ بِانْفِصَالِهِ فَصَارَ الْحَقُّ ثَابِتًا بِالسَّبْقِ.
وَالثَّانِي: لَا ; لِأَنَّهُ لَوْ قَامَ لِحَاجَةٍ وَنَحْوِهَا لَمْ يَسْقُطْ حَقُّهُ فَكَذَا إذَا آثَرَ غَيْرَهُ ; لِأَنَّهُ أَقَامَهُ مَقَامَ نَفْسِهِ وَبَنَى بَعْضُهُمْ هَذَا الْخِلَافَ عَلَى الْقَوْلِ بِعَدَمِ كَرَاهَةِ الْإِيثَارِ بِالْقُرَبِ فَأَمَّا إنْ قُلْنَا بِكَرَاهِيَتِهِ فَالسَّابِقُ أَحَقُّ بِهِ وَجْهًا وَاحِدًا وَفَرَّقَ بَعْضُهُمْ بَيْنَ مَجَالِسِ الْمَسَاجِدِ وَنَحْوِهَا وَمَقَاعِدِ الْأَسْوَاقِ فَأَجَازَ النَّقْلَ فِي الْمَقَاعِدِ خَاصَّةً ; لِأَنَّهَا مَنَافِعُ دُنْيَوِيَّةٌ فَهِيَ كَالْحُقُوقِ الْمَالِيَّةِ.
(وَمِنْهَا) الطَّعَامُ الْمُبَاحُ فِي دَارِ الْحَرْبِ يَجُوزُ نَقْلُ الْيَدِ فِيهِ إلَى مَنْ هُوَ مِنْ أَهْلِ الِاسْتِحْقَاقِ مِنْ الْمَغْنَمِ أَيْضًا لِاشْتِرَاكِ الْكُلِّ فِي اسْتِحْقَاقِ الِانْتِفَاعِ وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ تَمْلِيكًا لِانْتِفَاءِ مِلْكِهِ بِالْأَخْذِ حَتَّى لَوْ احْتَاجَ إلَى صَاعٍ مِنْ بُرٍّ جَيِّدٍ وَعِنْدَهُ صَاعَانِ رَدِيئَانِ فَلَهُ أَنْ يُبْدِلَهُمَا بِصَاعٍ إذْ هُوَ مَأْخُوذٌ عَلَى الْإِبَاحَةِ دُونَ التَّمْلِيكِ صَرَّحَ بِهِ الْقَاضِي وَابْنُ عَقِيلٍ.
(وَمِنْهَا) الْمُبَاحُ أَكْلُهُ مِنْ مَالِ الزَّكَاةِ وَالْأَضَاحِيِّ يَجُوزُ إطْعَامُهُ لِلضِّيفَانِ وَنَحْوِهِمْ لِاسْتِقْرَارِ الْحَقِّ فِيهِ بِخِلَافِ طَعَامِ الضِّيَافَةِ وَلَا يَجُوزُ الْمُعَاوَضَةُ عَنْ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ.
(وَمِنْهَا) مَنَافِعُ الْأَرْضِ الْخَرَاجِيَّةُ فَيَجُوزُ نَقْلُهَا بِغَيْرِ عِوَضٍ إلَى مَنْ يَقُومُ
مَقَامَهُ فِيهَا وَيَنْتَقِلُ إلَى الْوَارِثِ وَيَقُومُ مَقَامَ مَوْرُوثِهِ فِيهَا.
وَكَذَلِكَ يَجُوزُ جَعْلُهَا مَهْرًا نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ عَبْدِ اللَّهِ وَنَصَّ فِي رِوَايَةِ ابْنِ هَانِئٍ وَغَيْرِهِ عَلَى جَوَازِ دَفْعِهَا إلَى الزَّوْجَةِ عِوَضًا عَمَّا تَسْتَحِقُّهُ عَلَيْهِ مِنْ الْمَهْرِ وَهَذَا مُعَاوَضَةٌ عَنْ مَنَافِعِهَا الْمَمْلُوكَةِ فَأَمَّا الْبَيْعُ فَكَرِهَهُ أَحْمَدُ وَنَهَى عَنْهُ وَاخْتَلَفَ قَوْلُهُ فِي بَيْعِ الْعِمَارَةِ الَّتِي فِيهَا لِئَلَّا يُتَّخَذَ طَرِيقًا إلَى بَيْعِ رَقَبَةِ الْأَرْضِ الَّتِي تُمْلَكُ بَلْ هِيَ إمَّا وَقْفٌ وَإِمَّا لِلْمُسْلِمِينَ جَمِيعًا وَنَصَّ فِي رِوَايَةِ الْمَرُّوذِيّ عَلَى أَنَّهُ يَبِيعُ آلَاتِ عِمَارَتِهِ بِمَا يُسَاوِي وَكُرِهَ أَنْ يَبِيعَ بِأَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ لِهَذَا الْمَعْنَى وَكَذَلِكَ نَقَلَ عَنْهُ ابْنُ هَانِئٍ أَنَّهُ قَالَ يُقَوَّمُ دُكَّانُهُ مَا فِيهِ مِنْ غَلْقٍ وَكُلُّ شَيْءٌ يُحْدِثُهُ فِيهِ فَيُعْطَى ذَلِكَ وَلَا أَرَى أَنْ يَبِيعَ سُكْنَى دَارٍ وَلَا دُكَّانٍ وَرَخَّصَ فِي رِوَايَةٍ عَنْهُ فِي شِرَائِهَا دُونَ بَيْعِهَا ; لِأَنَّ شِرَاءَهَا اسْتِنْقَاذٌ لَهَا بِعِوَضٍ مِمَّنْ يَتَعَدَّى الصَّرْفُ فِيهَا وَهُوَ جَائِزٌ وَرَخَّصَ فِي رِوَايَةِ الْمَرُّوذِيّ أَيْضًا فِي بَيْعِ مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ لِلنَّفَقَةِ مِنْهَا فَإِنْ كَانَ فِيهِ فَضْلٌ عَنْ النَّفَقَةِ تَصَدَّقَ بِهِ وَكُلُّ هَذَا بِنَاءً عَلَى أَنَّ رَقَبَةَ هَذِهِ الْأَرْضِ وَقَفَهَا عُمَرُ رضي الله عنه وَمِنْ الْأَصْحَابِ مَنْ حَكَى رِوَايَةً أُخْرَى بِجَوَازِ الْبَيْعِ مُطْلَقًا كَالْحَلْوَانِيِّ وَابْنِهِ وَكَذَلِكَ خَرَّجَهَا ابْنُ عَقِيلٍ مِنْ نَصِّ أَحْمَدَ عَلَى صِحَّةِ وَقْفِهَا وَلَوْ كَانَتْ وَقْفًا لَمْ يَصِحَّ وَقْفُهَا وَكَذَلِكَ وَقَعَ فِي كَلَامِ أَبِي بَكْرٍ وَابْنِ شَاقِلَا وَابْنِ أَبِي مُوسَى مَا يَقْتَضِي الْجَوَازَ وَلَهُ مَأْخَذَانِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّ الْأَرْضَ لَيْسَتْ وَقْفًا وَهُوَ مَأْخَذُ ابْنِ عَقِيلٍ وَعَلَى هَذَا فَإِنْ كَانَتْ مَقْسُومَةً فَلَا إشْكَالَ فِي مِلْكِهَا وَإِنْ كَانَتْ فَيْئًا لِبَيْتِ الْمَالِ وَأَكْثَرُ كَلَامِ أَحْمَدَ يَدُلُّ عَلَيْهِ فَهَلْ تَصِيرُ وَقْفًا بِنَفْسِ الِانْتِقَالِ إلَى بَيْتِ الْمَالِ أَمْ لَا؟ عَلَى وَجْهَيْنِ. فَإِنْ قُلْنَا لَا تَصِيرُ وَقْفًا فَلِلْإِمَامِ بَيْعُهَا وَصَرْفُ ثَمَنِهَا إلَى الْمَصَالِحِ. وَهَلْ لَهُ إقْطَاعُهَا إقْطَاعَ تَمْلِيكٍ عَلَى وَجْهَيْنِ ذَكَرَ ذَلِكَ الْقَاضِي فِي الْأَحْكَامِ السُّلْطَانِيَّةِ.
وَالْمَأْخَذُ الثَّانِي: أَنَّ الْبَيْعَ هُنَا وَارِدٌ عَلَى الْمَنَافِعِ دُونَ الرَّقَبَةِ فَهُوَ نَقْلٌ لِلْمَنَافِعِ الْمُسْتَحَقَّةِ بِعِوَضٍ وَهَذَا اخْتِيَارُ الشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّينِ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ مِنْ كَلَامِ أَحْمَدَ أَنَّهُ أَجَازَ دَفْعَهَا عِوَضًا عَنْ الْمَهْرِ وَيَشْهَدُ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ الْمُعَاوَضَةِ عَنْ الْمَنَافِعِ فِي مَسَائِلَ مُتَعَدِّدَةٍ وَإِنْ كَانَ الْقَاضِي وَابْنُ عَقِيلٍ وَالْأَكْثَرُونَ صَرَّحُوا بِعَدَمِ صِحَّةِ بَيْعِ الْمَنَافِعِ الْمُجَرَّدَةِ وَالتَّحْقِيقُ فِي ذَلِكَ أَنَّ الْمَنَافِعَ نَوْعَانِ:
أَحَدُهُمَا: مَنَافِعُ الْأَعْيَانِ الْمَمْلُوكَةِ الَّتِي تَقْبَلُ الْمُعَاوَضَةَ مَعَ أَعْيَانِهَا فَهَذِهِ قَدْ جَوَّزَ الْأَصْحَابُ بَيْعَهَا فِي مَوَاضِعَ (مِنْهَا) أَنَّ أَصْلَ وَضْعِ الْخَرَاجِ عَلَى الْعَنْوَةِ إذَا قِيلَ هِيَ فَيْءٌ فَإِنَّهُ لَيْسَ بِأُجْرَةٍ بَلْ هُوَ شَبِيهٌ بِهَا وَمُتَرَدِّدٌ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْبَيْعِ.
(وَمِنْهَا) الْمُصَالَحَةُ بِعِوَضٍ عَلَى وَضْعِ الْأَخْشَابِ وَفَتْحِ الْأَبْوَابِ وَمُرُورِ الْمِيَاهِ وَنَحْوِهَا وَلَيْسَ بِإِجَارَةٍ مَحْضَةٍ لِعَدَمِ تَقْدِيرِهِ الْمُدَّةَ وَهُوَ شَبِيهٌ بِالْبَيْعِ.
(وَمِنْهَا) لَوْ أَعْتَقَ عَبْدَهُ وَاسْتَثْنَى خِدْمَتَهُ سَنَةً فَهَلْ لَهُ أَنْ يَبِيعَهَا مِنْهُ عَلَى رِوَايَتَيْنِ ذَكَرَهُمَا ابْنُ أَبِي مُوسَى وَهُمَا مَنْصُوصَتَانِ عَنْ أَحْمَدَ وَلَا يُقَالُ هُوَ لَا يَمْلِكُ بَيْعَ الْعَبْدِ فِي هَذِهِ الْحَالِ ; لِأَنَّ هَذِهِ الْمَنَافِعَ كَانَتْ بِمِلْكِ الْمُعَاوَضَةِ عَنْهَا فِي حَالِ الرِّقِّ وَقَدْ اسْتَبَقَاهَا بَعْدَ زَوَالِهِ فَاسْتَمَرَّ حُكْمُ الْمُعَاوَضَةِ عَلَيْهَا كَمَا يَسْتَمِرُّ حُكْمُ