الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الْكُفَّارَ حَتَّى يُصَرِّحَ بِدُخُولِهِمْ نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ حَرْبٍ وَأَبِي طَالِبٍ، وَلَوْ كَانَ فِيهِمْ مُسْلِمٌ وَاحِدٌ وَالْبَاقِي كُفَّارٌ فَفِي الِاقْتِصَارِ عَلَيْهِ وَجْهَانِ ; لِأَنَّ حَمْلَ اللَّفْظِ الْعَامِّ عَلَى وَاحِدٍ بَعِيدٌ جِدًّا.
وَمِنْهَا: لَوْ تَهَايَأَ الْمُعْتَقُ بَعْضُهُ هُوَ وَسَيِّدُهُ عَلَى مَنَافِعِهِ وَأَكْسَابِهِ، فَهَلْ يَدْخُلُ فِيهَا الْأَكْسَابُ النَّادِرَةُ كَالرِّكَازِ وَالْهَدِيَّةِ وَاللُّقَطَةِ أَمْ لَا؟ عَلَى وَجْهَيْنِ.
وَمِنْهَا: لَوْ قَالَ مَا أَحَلَّ اللَّهُ عَلَيَّ حَرَامٌ وَلَهُ زَوْجَةٌ وَمَالٌ وَقَالَ لَمْ أُرِدْ زَوْجَتِي فَهُوَ مُظَاهِرٌ، عَلَيْهِ كَفَّارَةُ الظِّهَارِ نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ ابْنِ مَنْصُورٍ ; لِأَنَّ الزَّوْجَةَ أَشْهَرُ أَفْرَادِ الْحَلَالِ الَّذِي يَقْصِدُ تَحْرِيمَهُ، وَلَا يَنْصَرِفُ الذِّهْنُ ابْتِدَاءً إلَى غَيْرِهِ، فَلَا يَصِحُّ إخْرَاجُهُ مِنْ الْعُمُومِ بِعَدَمِ إرَادَةِ دُخُولِهِ، وَإِنَّمَا يَصِحُّ إخْرَاجُهُ بِإِرَادَةِ عَدَمِ دُخُولِهِ.
فَأَمَّا إنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ زَوْجَةٌ وَلَهُ مَالٌ فَهُوَ يَمِينٌ كَسَائِرِ تَحْرِيمِ الْمُبَاحَاتِ، وَإِذَا كَانَ لَهُ زَوْجَةٌ وَمَالٌ فَعَلَيْهِ كَفَّارَةُ ظِهَارٍ لَا غَيْرُ. نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ ابْنِ مَنْصُورٍ وَأَبِي طَالِبٍ فِي صُورَةِ: كُلِّ مَا أَحَلَّ اللَّهُ عَلَيَّ حَرَامٌ.
وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ يَجِبُ مَعَ كَفَّارَةِ الظِّهَارِ كَفَّارَةُ يَمِينٍ لِدُخُولِ الْمَالِ فِي الْعُمُومِ.
وَوَجْهُ الْقَاضِي نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ بِتَوْجِيهَاتٍ مُسْتَبْعَدَةٍ، وَعِنْدِي فِي تَخْرِيجِهِ وَجْهَانِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّ الْمُتَبَادَرَ إلَى الْأَفْهَامِ مِنْ تَحْرِيمِ الْحَلَالِ تَحْرِيمُ الزَّوْجَةِ دُونَ الْأَمْوَالِ، فَإِنَّهَا لَا تُقْصَدُ بِالتَّحْرِيمِ فَلَا تَدْخُلُ فِي الْعُمُومِ لِكَوْنِهَا لَا تُقْصَدُ عَادَةً، فَتَكُونُ الْمَسْأَلَةُ حِينَئِذٍ فِي صُورَةِ الْقَاعِدَةِ.
وَالثَّانِي: أَنْ تَكُونَ مُخَرَّجَةً عَلَى قَوْلِهِ بِتَدَاخُلِ الْأَيْمَانِ، وَأَنَّ مُوجِبَهَا وَاحِدٌ فَإِنَّ الْجِنْسَ هَاهُنَا وَاحِدٌ وَهُوَ تَحْرِيمُ الْحَلَالِ، فَصَارَ مُوجِبُهُ كَفَّارَةً وَاحِدَةً، ثُمَّ تَعَيَّنَتْ بِكَفَّارَةِ الظِّهَارِ لِدُخُولِ كَفَّارَةِ الْيَمِينِ فِيهَا مِنْ غَيْرِ عَكْسٍ.
[الْقَاعِدَةُ السَّابِعَةُ وَالْعِشْرُونَ بَعْدَ الْمِائَةِ إذَا اسْتَنَدَ إتْلَافُ أَمْوَالِ الْآدَمِيِّينَ وَنَفُوسهمْ إلَى مُبَاشَرَةٍ وَسَبَبٍ]
(الْقَاعِدَةُ السَّابِعَةُ وَالْعِشْرُونَ بَعْدَ الْمِائَةِ) : إذَا اسْتَنَدَ إتْلَافُ أَمْوَالِ الْآدَمِيِّينَ وَنُفُوسِهِمْ إلَى مُبَاشَرَةٍ وَسَبَبٍ تَعَلَّقَ الضَّمَانُ بِالْمُبَاشَرَةِ دُونَ السَّبَبِ إلَّا إذَا كَانَتْ الْمُبَاشَرَةُ مَبْنِيَّةً عَلَى السَّبَبِ وَنَاشِئَةً عَنْهُ، سَوَاءٌ كَانَتْ مُلْجِئَةً، ثُمَّ إنْ كَانَتْ الْمُبَاشَرَةُ وَالْحَالَةُ هَذِهِ لَا عُدْوَانَ فِيهَا بِالْكُلِّيَّةِ اسْتَقَلَّ السَّبَبَ وَحْدَهُ بِالضَّمَانِ، وَإِنْ كَانَ فِيهَا عُدْوَانٌ شَارَكَتْ السَّبَبَ فِي الضَّمَانِ. فَالْأَقْسَامُ ثَلَاثَةٌ:
وَمِنْ صُوَرِ الْقِسْمِ الْأَوَّلِ مَسَائِلُ: مِنْهَا: إذَا حَفَرَ وَاحِدٌ بِئْرًا عُدْوَانًا ثُمَّ دَفَعَ غَيْرَهُ فِيهَا آدَمِيًّا مَعْصُومًا أَوْ مَالًا لِمَعْصُومٍ فَسَقَطَ فَتَلِفَ فَالضَّمَانُ عَلَى الدَّافِعِ وَحْدَهُ.
وَمِنْهَا لَوْ فَتَحَ قَفَصًا عَنْ طَائِرٍ فَاسْتَقَرَّ بَعْدَ فَتْحِهِ فَجَاءَ آخَرُ فَنَفَّرَهُ فَالضَّمَانُ عَلَى الْمُنَفِّرِ وَحْدَهُ.
وَمِنْهَا: لَوْ رَمَى مَعْصُومًا مِنْ شَاهِقٍ فَتَلَقَّاهُ آخَرُ بِسَيْفٍ فَقَدَّهُ بِهِ فَالْقَاتِلُ هُوَ الثَّانِي دُونَ الْأَوَّلِ.
فَأَمَّا أَنْ لَوْ ضَرَبَ بَطْنَ امْرَأَةٍ فَأَلْقَتْ جَنِينًا وَفِيهِ حَيَاةٌ مُسْتَقِرَّةٌ فَضَرَبَهُ آخَرُ فَمَاتَ فَالْقَاتِلُ هُوَ الْأَوَّلُ وَعَلَيْهِ الْغُرَّةُ وَيُعَزَّرُ الثَّانِي ; لِأَنَّ الضَّارِبَ لَيْسَ بِمُتَسَبِّبٍ بَلْ هُوَ مُبَاشِرٌ لِلْقَتْلِ فَلِذَلِكَ لَزِمَهُ الضَّمَانُ.
وَكَذَا لَوْ رَمَى بِهِ صَيْدًا فَأَصَابَ مَقْتَلَهُ ثُمَّ رَمَاهُ آخَرُ فَمَاتَ فَالْقَاتِلُ هُوَ الْأَوَّلُ فَيُبَاحُ الصَّيْدُ بِذَلِكَ وَالثَّانِي جَانٍ عَلَيْهِ فَيَضْمَنُ
مَا خُرِقَ مِنْ جِلْدِهِ هَذَا قَوْلُ الْقَاضِي وَالْأَكْثَرِينَ وَخَرَّجَهُ طَائِفَةٌ عَلَى الْخِلَافِ فِي تَحْرِيمِ مَا سَقَطَ بَعْدَ الذَّبْحِ فِي بِنَاءِ وَنَحْوِهِ لِإِعَانَتِهِ عَلَى قَتْلِهِ وَظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ تَحْرِيمُهُ هَاهُنَا فَيَضْمَنُ الثَّانِي قِيمَتَهُ كَامِلَةً وَيَسْقُطُ مِنْهَا قَدْرَ جُرْحِ الْأَوَّلِ.
وَمِنْ صُوَرِ الْقِسْمِ الثَّانِي مَسَائِلُ: مِنْهَا: لَوْ قَدَّمَ إلَيْهِ طَعَامًا مَسْمُومًا عَالِمًا بِهِ فَأَكَلَهُ وَهُوَ لَا يَعْلَمُ بِالْحَالِ، فَالْقَاتِلُ هُوَ الْمُقَدِّمُ، وَعَلَيْهِ الْقِصَاصُ أَوْ الدِّيَةُ.
وَمِنْهَا: لَوْ قَتَلَ الْحَاكِمُ حَدًّا أَوْ قِصَاصًا بِشَهَادَةٍ ثُمَّ أَقَرَّ الشُّهُودُ أَنَّهُمْ تَعَمَّدُوا الْكَذِبَ فَالضَّمَانُ وَالْقَوَدُ عَلَيْهِمْ دُونَ الْحَاكِمِ. وَنَقَلَ أَبُو النَّصْرِ الْعِجْلِيّ عَنْ أَحْمَدَ إذَا رَجَمَ الْحَاكِمُ بِشَهَادَةِ أَرْبَعَةٍ ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنَّ الْمَرْجُومَ مَجْبُوبٌ فَالضَّمَانُ عَلَى الْحَاكِمِ وَهُوَ مُشْكِلٌ ; لِأَنَّهُ قَدْ تَبَيَّنَ كَذِبُهُمْ بِالْعِيَانِ فَهُوَ كَإِقْرَارِهِمْ بِتَعَمُّدِ الْكَذِبِ، وَقَدْ يُفَرَّقُ بِأَنَّ الْمَجْبُوبَ لَا يُخْفَى أَمْرُهُ غَالِبًا فَالْإِقْدَامُ عَلَى رَجْمِهِ لَا يَخْلُو مِنْ تَفْرِيطٍ، وَبِأَنَّ الشُّهُودَ قَدْ يَشْتَبِهُ عَلَيْهِمْ فَلَا يَتَحَقَّقُ تَعَمُّدُهُمْ لِلْكَذِبِ وَأَمَّا إنْ تَبَيَّنَ أَنَّ الشُّهُودَ فَسَقَةٌ أَوْ كُفَّارٌ وَقُلْنَا يُنْقَضُ الْحُكْمُ وَكَانَ الْحَقُّ لِآدَمِيٍّ فَالضَّمَانُ عَلَى الْمَحْكُومِ لَهُ، وَإِنْ كَانَ لِلَّهِ تَعَالَى فَلَهُ حَالَتَانِ:
إحْدَاهُمَا: أَنْ يَسْتَنِدَ الْحَاكِمُ فِي قَبُولِ الشَّهَادَةِ إلَى تَزْكِيَةِ مَنْ زَكَّاهُمْ وَفِيهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ:
أَحَدُهُمَا: الضَّمَانُ عَلَى الْمُزَكِّيَيْنِ قَالَهُ أَبُو الْخَطَّابِ وَصَحَّحَهُ صَاحِبُ الْكَافِي وَالتَّرْغِيبِ ; لِأَنَّهُمْ أَلْجَئُوا الْحَاكِمَ إلَى الْحُكْمِ، وَالْحَاكِمُ فَعَلَ مَا وَجَبَ عَلَيْهِ، وَالشُّهُودُ لَا يَعْتَرِفُونَ بِبُطْلَانِ شَهَادَتِهِمْ فَيَتَعَيَّنُ إحَالَةُ الضَّمَانِ عَلَى الْمُزَكِّيَيْنِ.
وَالثَّانِي: الضَّمَانُ عَلَى الْحَاكِمِ وَحْدَهُ قَالَهُ الْقَاضِي وَابْنُ عَقِيلٍ فِي كِتَابِ الشَّهَادَاتِ: لِأَنَّهُ مُفَرِّطٌ بِالْحُكْمِ بِشَهَادَةِ مَنْ لَا تَجُوزُ شَهَادَتُهُمْ، وَحُكْمُهُ يَخْتَصُّ بِالْمَحْكُومِ بِهِ، بِخِلَافِ التَّزْكِيَةِ، فَإِنَّهَا لَا تَخْتَصُّ بِالْمَحْكُومِ بِهِ.
وَالثَّالِثُ: يُخَيَّرُ الْمُسْتَحِقُّ بَيْنَ تَضْمِينِ مَنْ شَاءَ مِنْ الْحَاكِمِ وَالْمُزَكِّيَيْنِ وَالْقَرَارُ عَلَى الْمُزَكِّيَيْنِ قَالَهُ الْقَاضِي وَابْنُ عَقِيلٍ فِي كِتَابِ الْحُدُودِ، لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ وَجْهِ تَغْرِيمِ كُلٍّ مِنْهُمَا فَيُخَيَّرُ الْمُسْتَحِقُّ وَيَسْتَقِرُّ الضَّمَانُ عَلَى الْمُزَكِّيَيْنِ لِإِلْجَائِهِمْ الْحَاكِمَ إلَى الْحُكْمِ. وَحُكِيَ عَنْ أَبِي الْخَطَّابِ وَجْهٌ رَابِعٌ: أَنَّ الضَّمَانَ عَلَى الشُّهُودِ كَمَا لَوْ رَجَعُوا عَنْ الشَّهَادَةِ وَلَا يَصِحُّ حِكَايَتُهُ عَنْهُ لِتَصْرِيحِهِ بِخِلَافِهِ ; وَهُوَ غَيْرُ مُتَّجِهٍ ; لِأَنَّهُمْ لَمْ يَعْتَرِفُوا بِبُطْلَانِ شَهَادَتِهِمْ وَلَا ظَهَرَ كَذِبُهُمْ، بِخِلَافِ الرَّاجِعِينَ عَنْ الشَّهَادَةِ. لَكِنْ ذَكَرَ الْقَاضِي وَأَبُو الْخَطَّابِ رِوَايَةً أَنَّهُ لَا يُنْقَضُ الْحُكْمُ وَيَضْمَنُ الشُّهُودُ وَهَذَا ضَعِيفٌ جِدًّا.
وَخَرَّجَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ فِي تَعْلِيقِهِ عَلَى الْهِدَايَةِ ضَمَانَ الشُّهُودِ مِنْ إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ فِيمَا إذَا شَهِدَ أَرْبَعَةٌ بِالزِّنَا ثُمَّ بَانُوا فُسَّاقًا فَإِنَّهُمْ يُحَدُّونِ عَلَى إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ وَإِنْ لَمْ يَعْتَرِفُوا بِبُطْلَانِ قَوْلِهِمْ، وَهَذَا تَخْرِيجٌ ضَعِيفٌ ; لِأَنَّ الشَّهَادَةَ بِالزِّنَا قَذْفٌ فِي الْمَعْنَى مُوجِبَةٌ لِلْحَدِّ فِي نَفْسِهَا، إلَّا أَنْ يُوجَدَ مَعَهَا كَمَالُ النِّصَابِ الْمُعْتَبَرِ وَلَمْ يُوجَدْ ذَلِكَ هُنَا، وَلِذَلِكَ يَجِبُ عَلَيْهِمْ حَدُّ الْقَذْفِ، سَوَاءٌ اسْتَوْفَى مِنْ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ الْحَدَّ أَوْ لَا، وَلَيْسَ الْمُسْتَوْفَى مِنْ الشَّاهِدِ نَظِيرُ الْمُسْتَوْفَى مِنْ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ.
وَأَمَّا الشَّهَادَةُ بِالْمَالِ فَلَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا ضَمَانٌ إلَّا بَعْدَ أَنْ يَنْشَأَ عَنْهَا غُرْمٌ ثُمَّ يَتَبَيَّنُ بُطْلَانُهَا إمَّا بِإِقْرَارِ الشَّاهِدِ أَوْ يَتَبَيَّنُ كَذِبُهَا بِالْعِيَانِ، وَلَمْ يُوجَدْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا.
وَالْحَالَةُ الثَّانِيَة: أَنْ لَا يَكُونَ ثَمَّ تَزْكِيَةٌ فَالضَّمَانُ عَلَى الْحَاكِمِ وَحْدَهُ، ذَكَرَهُ الْخِرَقِيِّ وَالْأَصْحَابُ ; لِتَفْرِيطِهِ بِقَبُولِ مَنْ لَا تَجُوزُ قَبُولُ شَهَادَتِهِ مِنْ غَيْرِ إلْجَاءٍ لَهُ إلَى الْقَبُولِ.
وَمِنْهَا: الْمُكْرَهُ عَلَى إتْلَافِ مَالِ الْغَيْرِ وَفِي الضَّمَانِ وَجْهَانِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ عَلَى الْمُكْرَهِ وَحْدَهُ، لَكِنْ لِلْمُسْتَحِقِّ مُطَالَبَةُ الْمُتْلِفِ، وَيَرْجِعُ بِهِ عَلَى الْمُكْرَهِ ; لِأَنَّهُ مَعْذُورٌ فِي ذَلِكَ الْفِعْلِ فَلَمْ يَلْزَمْهُ الضَّمَانُ، بِخِلَافِ الْمُكْرَهِ عَلَى الْقَتْلِ فَإِنَّهُ غَيْرُ مَعْذُورٍ، فَلِهَذَا شَارَكَهُ فِي الضَّمَانِ، وَبِهَذَا جَزَمَ الْقَاضِي فِي كِتَابِ الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنْ الْمُنْكَرِ، وَابْنُ عَقِيلٍ فِي عُمَدِ الْأَدِلَّةِ.
وَالثَّانِي: عَلَيْهِمَا بِالضَّمَانِ كَالدِّيَةِ، صَرَّحَ بِهِ فِي التَّلْخِيصِ، وَذَكَرَهُ الْقَاضِي فِي بَعْضِ تَعَالِيقِهِ احْتِمَالًا، وَعَلَّلَ بِاشْتِرَاكِهِمَا فِي الْإِثْمِ، وَهَذَا تَصْرِيحٌ بِأَنَّ الْإِكْرَاهَ لَا يُبِيحُ إتْلَافَ مَالِ الْغَيْرِ، وَكَانَ فَرْضُ الْكَلَامِ فِي الْوَدِيعَةِ، وَحَكَى احْتِمَالًا آخَرَ: أَنَّ الضَّمَانَ عَلَى الْمُتْلِفِ وَحْدَهُ، كَمَا لَوْ اُضْطُرَّ إلَى طَعَامِ الْغَيْرِ فَأَكَلَهُ، وَهَذَا ضَعِيفٌ جِدًّا ; لِأَنَّ الْمُضْطَرَّ لَمْ يُلْجِئْهُ إلَى الْإِتْلَافِ مَنْ يُحَالُ الضَّمَانُ عَلَيْهِ.
وَلَوْ أُكْرِهَ عَلَى تَسْلِيمِ الْوَدِيعَةِ إلَى غَيْرِ الْمَالِكِ فَقَالَ الْقَاضِي: لَا ضَمَانَ ; لِأَنَّهُ لَيْسَ بِإِتْلَافٍ.
وَكَذَا ذَكَرَهُ فِي بَعْضِ تَعَالِيقِهِ، وَصَرَّحَ بِهِ فِي الْمُجَرَّدِ مَفْرِقًا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْإِكْرَاهِ عَلَى الْقَتْلِ بِأَنَّ الْقَتْلَ لَا يُعْذَرُ فِيهِ بِالْإِكْرَاهِ بِخِلَافِ هَذَا، وَهَذَا التَّعْلِيلُ يَشْمَلُ الْإِتْلَافَ أَيْضًا، وَتَابَعَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي الْفُصُولِ وَصَاحِبُ الْمُغْنِي وَالْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ، وَفِي شَرْحِ الْهِدَايَةِ لِأَبِي الْبَرَكَاتِ الْمَذْهَبَ أَنَّهُ لَا يَضْمَنُ، كَمَا لَوْ حَلَفَ لَا يَدْخُلُ الدَّارَ فَدَخَلَهَا مُكْرَهًا، وَفِي الْفَتَاوَى الرَّجَبِيَّاتِ عَنْ أَبِي الْخَطَّابِ وَابْنِ عَقِيلٍ الضَّمَانُ مُطْلَقًا ; لِأَنَّهُ افْتَدَى بِهَا ضَرُورَةً، وَعَنْ ابْنِ الزاغوني أَنَّهُ إنْ أُكْرِهَ عَلَى التَّسْلِيمِ بِالتَّهْدِيدِ وَالْوَعِيدِ فَعَلَيْهِ الضَّمَانُ وَلَا إثْمَ، وَإِنْ نَالَهُ الْعَذَابُ فَلَا إثْمَ وَلَا ضَمَانَ.
وَأَشَارَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ فِي مَسْأَلَةِ الْإِكْرَاهِ عَلَى الْأَكْلِ فِي الصَّوْمِ مِنْ شَرْحِ الْهِدَايَةِ إلَى خِلَافٍ فِي أَصْلِ جَوَازِ تَضْمِينِ الْمُكْرَهِ عَلَى إتْلَافِ الْمَالِ، وَقَدْ ذَكَرَ صَاحِبُ الْمُغْنِي فِي الْأَيْمَانِ أَنَّ الْمُحْرِمَ إذَا قَتَلَ صَيْدًا مُكْرَهًا فَضَمَانُهُ عَلَى الْمُكْرِهِ لَهُ، وَقَدْ نَصَّ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ ابْنِ ثَوْبٍ عَلَى أَنَّ حَافِرَ الْبِئْرِ عُدْوَانًا إذَا أَكْرَهَهُ السُّلْطَانُ عَلَى الْحَفْرِ لَمْ يَضْمَنْ، لَكِنَّ هَذَا إكْرَاهٌ عَلَى السَّبَبِ دُونَ الْمُبَاشَرَةِ، وَهَذِهِ النُّقُولُ الثَّلَاثَةُ
تَرْجِعُ إلَى أَنَّهُ لَا يَضْمَنُ ابْتِدَاءً مَنْ لَا يَسْتَقِرُّ عَلَيْهِ الضَّمَانُ وَقَدْ تَقَدَّمَ ذَلِكَ.
وَأَمَّا الْمُكْرَهَةُ عَلَى الْوَطْءِ فِي الْحَجِّ وَالصِّيَامِ إذَا أَفْسَدْنَا حَجَّهَا وَصِيَامَهَا، فَهَلْ يَجِبُ عَلَيْهَا الْكَفَّارَةُ فِي مَالِهَا أَوْ لَا يَجِبُ عَلَيْهَا شَيْءٌ أَوْ يَجِبُ عَلَى الزَّوْجِ أَنْ يَتَحَمَّلَهَا عَنْهَا؟ ثَلَاثُ رِوَايَاتٍ، وَتَأَوَّلَ بَعْضُهُمْ الْأُولَى عَلَى أَنَّهَا تَرْجِعُ بِهَا عَلَى الزَّوْجِ.
وَالْمُكْرَهُ عَلَى حَلْقِ رَأْسِهِ فِي الْإِحْرَامِ تَجِبُ الْفِدْيَةُ عَلَى الْحَالِقِ فِي أَشْهَرِ الْوَجْهَيْنِ قَالَهُ أَبُو بَكْرٍ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: تَجِبُ عَلَى الْمَحْلُوقِ وَيَرْجِعُ بِهَا عَلَى الْحَالِقِ ذَكَرَهُ ابْنُ أَبِي مُوسَى وَجْهًا ; لِأَنَّ حَلْقَ الشَّعْرِ كَالْإِتْلَافِ، وَلِهَذَا يَسْتَوِي عَمْدُهُ وَسَهْوُهُ عَلَى الْمَشْهُورِ.
وَمِنْ صُوَرِ الْقِسْمِ الثَّالِثِ مَسَائِلُ: مِنْهَا: الْمُكْرَهُ عَلَى الْقَتْلِ، وَالْمَذْهَبُ اشْتَرَاك الْمُكْرَهِ فِي الْقَوَدِ وَالضَّمَانِ ; لِأَنَّ الْإِكْرَاهَ لَيْسَ بِعُذْرٍ فِي الْقَتْلِ، وَذَكَرَ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ وَابْنِ عَقِيلٍ فِي بَابِ الرَّهْنِ: أَنَّ أَبَا بَكْرٍ ذَكَرَ أَنَّ الْقَوَدَ عَلَى الْمُكْرَهِ الْمُبَاشِرِ وَلَمْ يَذْكُرْ عَلَى الْمُكْرَهِ قَوَدًا، قَالَا: وَالْمَذْهَبُ وُجُوبُهُ عَلَيْهِمَا كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ فِي الشُّهُودِ الرَّاجِعِينَ إذَا اعْتَرَفُوا بِالْعَمْدِ.
وَقَدْ بَيَّنَ الْقَاضِي فِي خِلَافِهِ كَلَامَ أَبِي بَكْرٍ، وَأَنَّهُ قَالَ فِي الْأَسِيرِ إذَا أُكْرِهَ عَلَى قَتْلِ مُسْلِمٍ فَقَتَلَهُ فَعَلَيْهِ الْقَوَدُ، وَهَاهُنَا الْمُكْرَهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الضَّمَانِ ; لِأَنَّهُ حَرْبِيٌّ، فَلِذَلِكَ لَمْ يَذْكُرْ تَضْمِينَهُ، وَذَكَرَ ابْنُ الصَّيْرَفِيِّ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ السَّمَرْقَنْدِيَّ مِنْ أَصْحَابِنَا خَرَّجَ وَجْهًا أَنَّهُ لَا قَوَدَ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِنْ رِوَايَةِ امْتِنَاعِ قَتْلِ الْجَمَاعَةِ بِالْوَاحِدِ وَأَوْلَى ; لِأَنَّ السَّبَبَ هَاهُنَا غَيْرُ صَالِحٍ فِي وَاحِدٍ مِنْهُمَا ; لِأَنَّ أَحَدَهُمَا مُتَسَبِّبٌ وَالْآخَرُ مَلْجَأٌ، وَفِي صُورَةِ الِاشْتِرَاكِ هُمَا مُبَاشِرَانِ مُخْتَارَانِ.
وَمِنْهَا: الْمُمْسِكُ مَعَ الْقَاتِلِ فَإِنَّهُمَا يَشْتَرِكَانِ فِي الضَّمَانِ وَالْقَوَدِ عَلَى إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ، وَفِي الْأُخْرَى يَخْتَصُّ الْمُبَاشِرُ بِهِمَا وَيُحْبَسُ الْمَاسِكُ حَتَّى يَمُوتَ.
وَمِنْهَا: لَوْ حَفَرَ بِئْرًا عُدْوَانًا فِي الطَّرِيقِ فَوَضَعَ آخَرُ حَجَرًا إلَى جَانِبِهَا فَهَلْ يَخْتَصُّ بِالضَّمَانِ الْوَاضِعُ جَعْلًا لَهُ كَالدَّافِعِ أَوْ يَشْتَرِكَانِ فِيهِ كَالْمُمْسِكِ وَالْقَاتِلِ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ.
وَلَوْ كَانَ الْحَافِرُ غَيْرَ مُتَعَدٍّ فَالضَّمَانُ عَلَى الْوَاضِعِ وَحْدَهُ، وَهِيَ مِنْ صُوَرِ الْقِسْمِ الثَّانِي.
وَمِنْهَا: لَوْ دَلَّ الْمُوَدِّعُ لِصًّا عَلَى الْوَدِيعَةِ فَسَرَقَهَا بِالضَّمَانِ عَلَيْهِمَا، ذَكَرَهُمَا الْقَاضِي وَغَيْرُهُ، كَمَا لَوْ دَلَّ الْمُحْرِمُ مُحْرِمًا آخَرَ عَلَى صَيْدٍ فَقَتَلَهُ، وَلَوْ دَلَّ حَلَالًا فَالضَّمَانُ عَلَى الْمُحْرِمِ وَحْدَهُ، وَهِيَ مِنْ صُوَرِ الْقِسْمِ الثَّانِي.
وَمِنْهَا: لَوْ أَحْرَمَ وَفِي يَدِهِ الْمُشَاهَدَةِ صَيْدٌ وَتَمَكَّنَ مِنْ إرْسَالِهِ فَلَمْ يَفْعَلْ حَتَّى قَتَلَهُ مُحْرِمٌ آخَرُ فَفِيهِ احْتِمَالَانِ ذَكَرَهُمَا الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ:
أَحَدُهُمَا: الضَّمَانُ عَلَى الْقَاتِلِ ; لِأَنَّهُ مُبَاشِرٌ وَالْأَوَّلُ مُتَسَبِّبٌ غَيْرُ مُلْجِئٍ.
وَالثَّانِي: الضَّمَانُ عَلَيْهِمَا ; عَلَى الْأَوَّلِ بِالْيَدِ وَعَلَى الثَّانِي بِالْمُبَاشَرَةِ.
وَيَتَخَرَّجُ عَلَى هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ كُلُّ مَنْ أَتْلَفَ عَيْنًا فِي يَدِ مَنْ هِيَ مَضْمُونَةٌ عَلَيْهِ بِالْيَدِ، هَلْ يَضْمَنُ الْمُتْلِفُ وَحْدَهُ الْجَمِيعَ دُونَ صَاحِبِ الْيَدِ أَوْ يَجُوزُ تَضْمِينُ صَاحِبِ الْيَدِ وَيَرْجِعُ عَلَى الْمُتْلِفِ؟ وَفَرَضَ الْقَاضِي فِي كِتَابِ التَّخْرِيجِ مَسْأَلَةَ الصَّيْدِ فِي حَالَيْنِ: صَادَ أَحَدُهُمَا فِي الْحَرَمِ صَيْدًا فَقَتَلَهُ الْآخَرُ