الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَظَاهِرُ كَلَامِ كَثِيرٍ مِنْ الْأَصْحَابِ أَنَّ الْمُخَالَفَةَ مِنْ الْوَكِيلِ تَقْتَضِي فَسَادَ الْوِكَالَةِ لَا بُطْلَانَهَا فَيَفْسُدُ الْعَقْدُ وَيَصِيرُ مُتَصَرِّفًا بِمُجَرَّدِ الْإِذْنِ، وَحَكَى ابْنُ عَقِيلٍ فِي نَظَرِيَّاتِهِ وَصَاحِبُ الْمُحَرَّرِ وَجْهًا آخَرَ وَبِهِ جَزَمَ الْقَاضِي فِي خِلَافِهِ أَنَّ الْوِكَالَةَ تَبْطُلُ كَالْوَدِيعَةِ لِزَوَالِ الِائْتِمَانِ وَالْإِذْنُ فِي التَّصَرُّفِ كَانَ مَنُوطًا بِهِ.
وَمِنْهَا: الشَّرِكَةُ وَالْمُضَارَبَةُ إذَا تَعَدَّى فِيهِمَا كَالنَّهَالِيِّ مِنْ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ يَصِيرُ ضَامِنًا وَيَصِحُّ تَصَرُّفُهُ لِبَقَاءِ الْإِذْنِ فِيهِ وَيَتَخَرَّجُ بُطْلَانُ تَصَرُّفِهِ مِنْ الْوِكَالَةِ
وَمِنْهَا: الرَّهْنُ إذَا تَعَدَّى الْمُرْتَهِنُ فِيهِ زَالَ ائْتِمَانُهُ وَبَقِيَ مَضْمُونًا عَلَيْهِ وَلَمْ تَبْطُلْ تَوْثِقَته وَحَكَى ابْنُ عَقِيلٍ فِي نَظَرِيَّاتِهِ احْتِمَالًا بِبُطْلَانِ الرَّهْنِ وَفِيهِ بُعْدٌ لِأَنَّهُ عَقْدٌ لَازِمٌ وَحَقٌّ لِلْمُرْتَهِنِ عَلَى الرَّاهِنِ لَا سِيَّمَا إنْ كَانَ مَشْرُوطًا فِي عَقْدٍ وَقُلْنَا يَلْزَمُ بِمُجَرَّدِ الْعَقْدِ فَإِنَّ الرَّاهِنَ يُجْبَرُ عَلَى تَقْبِيضِهِ فَكَيْفَ يَزُولُ بِالتَّعَدِّي.
وَمِنْهَا: إذَا اسْتَأْجَرَهُ لِحِفْظِ شَيْءٍ مُدَّةً فَحَفِظَهُ فِي بَعْضِهَا ثُمَّ تَرَكَ فَهَلْ تَبْطُلُ الْإِجَارَةُ؟ فِيهِ وَجْهَانِ قَالَ ابْنُ الْمُثَنَّى: أَصَحُّهُمَا لَا تَبْطُلُ ; بَلْ يَزُولُ الِاسْتِئْمَانُ وَيَصِيرُ ضَامِنًا.
وَفِي مَسَائِلِ ابْنِ مَنْصُورٍ عَنْ أَحْمَدَ إذَا اسْتَأْجَرَ أَجِيرًا شَهْرًا مَعْلُومًا فَجَاءَ إلَيْهِ فِي نِصْفِ ذَلِكَ الشَّهْرِ أَنَّ لِلْمُسْتَأْجِرِ الْخِيَارَ. وَالْوَجْهُ الْآخَرُ يَبْطُلُ الْعَقْدُ فَلَا يَسْتَحِقُّ شَيْئًا مِنْ الْأُجْرَةِ بِنَاءً عَلَى أَصْلِنَا فِيمَنْ امْتَنَعَ مِنْ تَسْلِيمِ بَعْضِ الْمَنَافِعِ الْمُسْتَأْجَرَةِ أَنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّ أُجْرَةً وَبِذَلِكَ أَفْتَى ابْنُ عَقِيلٍ فِي فُنُونِهِ.
وَمِنْهَا: الْوَصِيُّ إذَا تَعَدَّى فِي التَّصَرُّفِ فَهَلْ يَبْطُلُ كَوْنُهُ وَصِيًّا أَمْ لَا؟ ذَكَرَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي الْمُفْرَدَاتِ [فِيهِ] احْتِمَالَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: لَا يَبْطُلُ بَلْ تَزُولُ أَمَانَتُهُ سَبْتِيَّةٌ ضَامِنًا كَالْوَكِيلِ وَالثَّانِي تَبْطُلُ لِأَنَّهُ خَرَجَ مِنْ حَيِّزِ الْأَمَانَةِ بِالتَّفْرِيطِ فَزَالَتْ وِلَايَتُهُ بِانْتِفَاءِ شَرْطِهَا كَالْحَاكِمِ إذَا فَسَقَ.
وَفَرْضُ الْمَسْأَلَةِ فِيمَا إذَا أَقْدَمَ عَلَى الْبَيْعِ بِدُونِ قِيمَةِ الْمِثْلِ وَعَلَى هَذَا يَتَخَرَّجُ بَيْعُ الْعَدْلِ الَّذِي بِيَدِهِ الرَّهْنُ لَهُ بِدُونِ ثَمَنِ الْمِثْلِ أَوْ الثَّمَنِ الْمُقَدَّرِ هَلْ يَصِحُّ أَمْ لَا لِأَنَّ الْأَمَانَةَ مُعْتَبَرَةٌ فِيهِ، وَاخْتِيَارُ صَاحِبِ الْمُغْنِي أَنَّهُ لَا يَصِحُّ بَيْعُهُ بِدُونِ ثَمَنِ الْمِثْلِ لَكِنَّهُ عَلَّلَ بِمُخَالَفَةِ الْإِذْنِ وَهُوَ مُنْتَقَضٌ بِالْوَكِيلِ.
وَلِهَذَا أَلْحَقَهُ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ وَابْنِ عَقِيلٍ فِي الْفُصُولِ بِبَيْعِ الْوَكِيل فَصَحَّحَاهُ وَضَمَّنَاهُ النَّقْصَ وَمِثْلُهُ إجَارَةُ النَّاظِرِ لِلْوَقْفِ بِدُونِ أُجْرَةِ الْمِثْلِ.
[الْقَاعِدَةُ السَّادِسَة وَالْأَرْبَعُونَ فِي الْعُقُودِ الْفَاسِدَةِ هَلْ هِيَ مُنْعَقِدَةٌ أَوْ لَا]
(الْقَاعِدَةُ السَّادِسَة وَالْأَرْبَعُونَ) : فِي الْعُقُودِ الْفَاسِدَةِ هَلْ هِيَ مُنْعَقِدَةٌ أَوْ لَا؟ وَهِيَ نَوْعَانِ:
أَحَدُهُمَا: الْعُقُودُ الْجَائِزَةُ كَالشَّرِكَةِ وَالْمُضَارَبَةِ وَالْوِكَالَةِ.
وَقَدْ ذَكَرْنَا آنِفًا أَنَّ إفْسَادَهَا لَا يَمْنَعُ نُفُوذَ التَّصَرُّفِ فِيهَا بِالْإِذْنِ لَكِنَّ أَحَدِيَّةٌ تَزُولُ بِفَسَادِهَا فَلَا يَصْدُقُ عَلَيْهَا أَسْمَاءُ الْعُقُودِ الصَّحِيحَةِ إلَّا مُقَيَّدَةً بِالْفَسَادِ.
وَصَرَّحَ الْقَاضِي فِي خِلَافِهِ بِأَنَّهُ لَوْ حَلَفَ عَلَى الشَّرِكَةِ الْفَاسِدَةِ مِنْ أَصْلِهَا أَنَّهَا شَرِكَةٌ حَنِثَ قَالَ وَيُمْنَعُ مِنْ التَّصَرُّفِ فِيهَا وَالْمَنْعُ مِنْ
التَّصَرُّفِ مَعَ الْقَوْلِ بِنُفُوذِهِ وَبَقَاءِ الْإِذْنِ مُشْكِلٌ لَا سِيَّمَا وَقَدْ قُرِّرَ أَنَّ الْعَامِلَ يَسْتَحِقُّ الْمُسَمَّى.
وَالنَّوْعُ الثَّانِي: الْعُقُودُ اللَّازِمَةُ فَمَا كَانَ مِنْهَا لَا يَتَمَكَّنُ الْعَبْدُ مِنْ الْخُرُوجِ مِنْهُ بِقَوْلِهِ كَالْإِحْرَامِ فَهُوَ مُنْعَقِدٌ لِأَنَّهُ لَا سَبِيلَ إلَى التَّخَلُّصِ مِنْهُ إلَّا بِإِتْمَامِهِ أَوْ الْإِحْصَارِ عَنْهُ، وَمَا كَانَ الْعَبْدُ مُتَمَكِّنًا مِنْ الْخُرُوجِ مِنْهُ بِقَوْلِهِ فَهُوَ مُنْقَسِمٌ إلَى قِسْمَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: مَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ حُكْمٌ مَبْنِيٌّ عَلَى التَّغْلِيبِ وَالسِّرَايَةِ وَالنُّفُوذِ فَهُوَ مُنْعَقِدٌ وَهُوَ النِّكَاحُ وَالْكِتَابَةُ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِمَا الطَّلَاقُ وَالْعِتْقُ فَلِقُوَّتِهِمَا وَنُفُوذِهِمَا انْعَقَدَ الْعَقْدُ الْمُخْتَصُّ بِهِمَا وَنَفَذَ فِيهِ وَتَبَعَهُمَا أَحْكَامٌ كَثِيرَةٌ مِنْ أَحْكَامِ الْعَقْدِ فَفِي النِّكَاحِ يَجِبُ الْمَهْرُ بِالْعَقْدِ حَتَّى لَوْ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ لَزِمَهُ نِصْفُ الْمَهْرِ عَلَى وَجْهٍ وَيَسْتَقِرُّ بِالْخَلْوَةِ وَتَعْتَدُّ فِيهِ مِنْ حِينِ الْفُرْقَةِ لَا مِنْ حِينِ الْوَطْءِ وَتَعْتَدُّ لِلْوَفَاةِ فِيهِ قَبْلَ الطَّلَاقِ وَفِي الْكِتَابَةِ تَسْتَتْبِعُ الْأَوْلَادُ وَالْأَكْسَابُ.
وَالثَّانِي: مَا لَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ ذَلِكَ كَالْبَيْعِ وَالْإِجَارَةِ فَالْمَعْرُوفُ مِنْ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ غَيْرُ مُنْعَقِدٍ وَيَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ أَحْكَامُ الْغَصْبِ وَخَرَّجَ أَبُو الْخَطَّابِ فِي انْتِصَارِهِ صِحَّةَ التَّصَرُّفِ فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ مِنْ النِّكَاحِ وَاعْتَرَضَهُ أَحْمَدُ الْحَرْبِيُّ فِي تَعْلِيقِهِ وَقَالَ النِّكَاحُ الْفَاسِدُ مُنْعَقِدٌ فَلِهَذَا صَحَّ التَّصَرُّفُ فِيهِ بِخِلَافِ الْبَيْعِ وَلَكِنْ أَبُو الْخَطَّابِ قَدْ لَا يُسَلِّمُ انْعِقَادَ النِّكَاحِ الْفَاسِدِ وَلَا غَيْرِهِ لِأَنَّهُ يَرَى أَنَّ الْمُجَامِعَ يَحِلُّ مِنْ إحْرَامِهِ وَأَنَّ الطَّلَاقَ فِي النِّكَاحِ الْفَاسِدِ إنَّمَا يَقَعُ مِمَّنْ يَعْتَقِدُ صِحَّتَهُ فَمِنْ هُنَا حَسُنَ عِنْدَهُ هَذَا التَّخْرِيجُ إذْ الْبَيْعُ وَالنِّكَاحُ فِي هَذَا عَلَى حَدٍّ وَاحِدٍ وَأَبْدَى ابْنُ عَقِيلٍ فِي عُمَدِهِ احْتِمَالًا بِنُفُوذِ الْإِقَالَةِ فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ كَالطَّلَاقِ فِي النِّكَاحِ الْفَاسِدِ قَالَ وَيُفِيدُ ذَلِكَ أَنَّ حُكْمَ الْحَاكِمِ بَعْدَ الْإِقَالَةِ بِصِحَّةِ الْعَقْدِ لَا يُؤَثِّرُ.
وَذَكَرَ ابْنُ عَقِيلٍ وَغَيْرُهُ وَجْهَيْنِ فِي نُفُوذِ الْعِتْقِ فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ كَالطَّلَاقِ فِي النِّكَاحِ الْفَاسِدِ وَفَرَّقَ بَيْنَهُمَا عَلَى أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ بِأَنَّ الطَّلَاقَ يَسْقُطُ بِهِ حَقُّ نَفْسِهِ فَنَفَذَ بِخِلَافِ الْعِتْقِ فَإِنَّهُ يَسْقُطُ بِهِ حَقُّ غَيْرِهِ وَهُوَ الْبَائِعُ وَهَذَا كُلُّهُ يُشْعِرُ بِانْعِقَادِ الْبَيْعِ وَذَكَرَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي فُصُولِهِ احْتِمَالَيْنِ فِيمَا إذَا قَالَ لِغَيْرِهِ بَعْدَ نِدَاءِ الْجُمُعَةِ أَعْتِقْ عَبْدَك عَنِّي وَعَلَيَّ ثَمَنُهُ فَفَعَلَ هَلْ يَنْفُذُ عِتْقُهُ عَنْ نَفْسِهِ أَوْ عَنْ الْآمِرِ لَهُ وَلَكِنَّ هَذَا عَقْدٌ مَوْضُوعٌ لِلْعِتْقِ وَالْمِلْكُ تَابِعٌ [لَهُ] فَهُوَ كَالْكِتَابَةِ بِخِلَافِ الْبَيْعِ. فَإِنْ قِيلَ: فَهَلَّا قُلْتُمْ إنَّ صِحَّةَ التَّصَرُّفِ فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ مُسْتَنِدٌ إلَى الْإِذْنِ كَمَا فِي الْعُقُودِ الْجَائِزَةِ إذَا فَسَدَتْ، قِيلَ: ذَلِكَ لَا يَصِحُّ لِوَجْهَيْنِ:
(أَحَدُهُمَا) أَنَّ الْبَيْعَ وُضِعَ لِنَقْلِ الْمِلْكِ لَا لِلْإِذْنِ وَصِحَّةُ التَّصَرُّفِ فِيهِ تُسْتَفَادُ مِنْ الْمِلْكِ لَا مِنْ الْإِذْنِ بِخِلَافِ الْوِكَالَةِ فَإِنَّهَا كَصَادْ لِلْإِذْنِ، يُوَضِّحُهُ أَنَّ الْمُوَكِّلَ أَذِنَ لِوَكِيلِهِ أَنْ يَتَصَرَّفَ لَهُ وَقَدْ فَعَلَ مَا أَمَرَهُ وَالْبَائِعُ إنَّمَا أَذِنَ لِلْمُشْتَرِي فِي التَّصَرُّفِ لِنَفْسِهِ بِالْمِلْكِ وَلَا مِلْكَ هَهُنَا.
(وَالثَّانِي) : أَنَّ الْإِذْنَ فِي الْبَيْعِ مَشْرُوطٌ بِسَلَامَةِ عِوَضِهِ فَإِذَا لَمْ يُسَلَّمْ الْعِوَضُ انْتَفَى الْإِذْنُ وَالْوِكَالَةُ إذْنٌ مُطْلَقٌ بِغَيْرِ شَرْطٍ.