الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الْأُجْرَةَ مِنْ يَوْمِ الِانْتِقَالِ، وَكَذَلِكَ نَصَّ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَلَى مِثْلِ ذَلِكَ فِي بَيْعِ الْعَيْنِ الْمُؤَجَّرَةِ، وَأَنَّ الْمُشْتَرِي يَسْتَحِقُّ الْأُجْرَةَ مِنْ حِينِ الْبَيْعِ، وَهُوَ مُشْكِلٌ ; لِأَنَّ الْمَنَافِعَ فِي مُدَّةِ الْإِجَارَةِ غَيْرُ مَمْلُوكَةٍ لِلْبَائِعِ فَلَا يَدْخُلُ فِي عَقْدِ الْبَيْعِ، وَيُجَابُ عَنْهُ بِأَنَّ الْبَائِعَ يَمْلِكُ عِوَضَهَا وَهُوَ الْأُجْرَةُ وَلَمْ يَسْتَقِرَّ بَعْدُ، وَلَوْ انْفَسَخَ الْعَقْدُ لَرَجَعَتْ الْمَنَافِعُ إلَيْهِ، فَإِذَا بَاعَ الْعَيْنَ وَلَمْ يَسْتَثْنِ شَيْئًا لَمْ تَكُنْ تِلْكَ الْمَنَافِعُ وَلَا عِوَضُهَا مُسْتَحَقًّا لَهُ لِشُمُولِ الْبَيْعِ لِلْعَيْنِ وَمَنَافِعِهَا، فَيَقُومُ الْمُشْتَرِي مَقَامَ الْبَائِعِ فِيمَا كَانَ يَسْتَحِقُّهُ مِنْهَا وَهُوَ اسْتِحْقَاقُهُ عِوَضَ الْمَنَافِعِ مَعَ بَقَاءِ الْإِجَارَةِ، وَفِي رُجُوعِهَا إلَيْهِ مَعَ الِانْفِسَاخ، وَهَذَا هُوَ أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ لِلْأَصْحَابِ، وَهُوَ مِثَالُ نَصِّ أَحْمَدَ الْمَذْكُورُ أَوَّلًا، وَمَا ذَكَرْنَا قَبْلَ ذَلِكَ مِنْ رُجُوعِ الْمَنَافِعِ إلَى الْبَائِعِ عِنْدَ الِانْفِسَاخِ هُوَ الَّذِي ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْمُغْنِي.
وَالثَّانِي: أَنَّهُ تَنْفَسِخُ الْإِجَارَةُ بِأَخْذِهِ، وَهُوَ الْمَجْزُومُ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ، لِمَا قُلْنَا مِنْ ثُبُوتِ حَقِّهِ فِي الْعَيْنِ وَالْمَنْفَعَةِ، فَيَمْلِكُ انْتِزَاعَ كُلٍّ مِنْهُمَا مِمَّنْ هُوَ فِي يَدِهِ، وَفَارَقَ إجَارَةَ الْوَقْفِ عَلَى وَجْهٍ، لِأَنَّ الْبَطْن الثَّانِي لَا حَقَّ لَهُمْ قَبْلَ انْقِرَاضِ الْأَوَّلِ، وَهُنَا حَقُّ الشَّفِيعِ ثَابِتٌ قَبْلَ إيجَارِ الْمُشْتَرِي فَيَنْفَسِخُ بِأَخْذِهِ لِسَبْقِ حَقِّهِ، وَلِهَذَا قُلْنَا عَلَى رِوَايَةٍ إنَّ تَصَرُّفَ الْمُشْتَرِي فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ مُرَاعَى، فَإِنْ فَسَخَ الْبَائِعُ بَطَل، وَأَيْضًا فَلَوْ لَمْ تَنْفَسِخْ الْإِجَارَةُ لَوَجَبَ ضَمَانُ الْمَنَافِعِ عَلَى الْمُشْتَرِي بِأُجْرَةِ الْمِثْلِ لَا بِالْمُسَمَّى لِأَنَّهُ ضَمَانُ حَيْلُولَةٍ، كَمَا قُلْنَا فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ إذَا أَعْتَقَ عَبْدَهُ الْمُسْتَأْجَرَ لَزِمَهُ ضَمَانُ قِيمَةِ مَنَافِعِهِ فِيمَا بَقِيَ مِنْ الْمُدَّةِ.
وَالثَّالِثُ: أَنَّ الشَّفِيعَ بِالْخِيَارِ بَيْنَ أَنْ يَفْسَخَ الْإِجَارَةَ أَوْ يَتْرُكَهَا، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْقَاضِي فِي خِلَافِهِ فِي مَسْأَلَةِ الْإِعَارَةِ وَهُوَ أَظْهَرُ، فَإِنَّ الْإِجَارَةَ بَيْعُ الْمَنَافِعِ، وَلَوْ بَاعَ الْمُشْتَرِي الْعَيْنَ أَوْ بَعْضَهَا كَانَ الشَّفِيعُ مُخَيَّرًا بَيْنَ الْأَخْذِ مِمَّنْ هُوَ فِي يَدِهِ وَبَيْنَ الْفَسْخِ لِيَأْخُذَ مِنْ الْمُشْتَرِي.
وَخَامِسُهَا: أَنْ يَنْفَسِخَ مِلْكُ الْمُؤَجِّرِ وَيَعُودَ إلَى مَنْ انْتَقَلَ الْمِلْكُ إلَيْهِ مِنْهُ، فَالْمَعْرُوفُ مِنْ الْمَذْهَبِ أَنَّ الْإِجَارَةَ لَا تَنْفَسِخُ بِذَلِكَ ; لِأَنَّ فَسْخَ الْعَقْدِ لَهُ مِنْ حِينِهِ لَا مِنْ أَصْلِهِ.
وَصَرَّحَ أَبُو بَكْرٍ فِي التَّنْبِيهِ بِانْفِسَاخِ النِّكَاحِ لَوْ أَنْكَحَهَا الْمُشْتَرِي ثُمَّ رَدَّهَا بِعَيْبٍ، بِنَاءً أَنَّ الْفَسْخَ رَفْعٌ لِلْعَقْدِ مِنْ أَصْلِهِ.
وَقَالَ الْقَاضِي وَابْنُ عَقِيلٍ فِي خِلَافَيْهِمَا: الْفَسْخُ بِالْعَيْبِ رَفْعٌ لِلْعَقْدِ مِنْ حِينِهِ، وَالْفَسْخُ بِالْخِيَارِ رَفْعٌ لِلْعَقْدِ مِنْ أَصْلِهِ ; لِأَنَّ الْخِيَارَ يَمْنَعُ اللُّزُومَ بِالْكُلِّيَّةِ، وَلِهَذَا يُمْنَعُ مَعَهُ مِنْ التَّصَرُّفِ فِي الْمَبِيعِ وَثَمَنِهِ بِخِلَافِ الْعَيْبِ.
[الْقَاعِدَةُ السَّابِعَة وَالثَّلَاثُونَ فِي توارد الْعُقُودِ الْمُخْتَلِفَةِ بَعْضِهَا عَلَى بَعْضٍ، وَتَدَاخُلِ أَحْكَامِهَا]
(الْقَاعِدَةُ السَّابِعَة وَالثَّلَاثُونَ) : فِي تَوَارُدِ الْعُقُودِ الْمُخْتَلِفَةِ بَعْضِهَا عَلَى بَعْضٍ، وَتَدَاخُلِ أَحْكَامِهَا وَتَنْدَرِجُ تَحْتَهَا صُوَرٌ: مِنْهَا: إذَا رَهَنَهُ شَيْئًا ثُمَّ أَذِنَ لَهُ فِي الِانْتِفَاعِ بِهِ، فَهَلْ يَصِيرُ عَارِيَّةً حَالَةَ الِانْتِفَاعِ أَمْ لَا؟ قَالَ الْقَاضِي فِي خِلَافِهِ، وَابْنُ عَقِيلٍ فِي نَظَرِيَّاتِهِ، وَصَاحِبُ الْمُغْنِي وَالتَّلْخِيصِ: يَصِيرُ مَضْمُونًا بِالِانْتِفَاعِ لِأَنَّ ذَلِكَ حَقِيقَةُ الْعَارِيَّةِ، وَأَوْرَدَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي نَظَرِيَّاتِهِ فِي وَقْتِ ضَمَانِهِ احْتِمَالَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ لَا يَصِيرُ مَضْمُونًا بِدُونِ الِانْتِفَاعِ
وَالثَّانِي: يَصِيرُ مَضْمُونًا بِمُجَرَّدِ الْقَبْضِ إذَا قَبَضَهُ عَلَى هَذَا الشَّرْطِ، لِأَنَّهُ صَارَ مُمْسِكًا لِلْعَيْنِ لِمَنْفَعَةِ نَفْسِهِ مُنْفَرِدًا بِهِ، وَهَلْ يَزُولُ لُزُومُهُ أَمْ لَا؟ يَنْبَنِي عَلَى أَنَّ إعَارَةَ الرَّاهِنِ بِإِذْنِ الْمُرْتَهِنِ هَلْ يُزِيلُ لُزُومَ الرَّهْنِ أَمْ لَا؟ وَفِيهِ طَرِيقَانِ: إحْدَاهُمَا: أَنَّهُ عَلَى رِوَايَتَيْنِ وَهِيَ طَرِيقَةُ الْمُحَرَّرِ.
وَالثَّانِيَة: إنْ أَعَارَهُ الْمُرْتَهِنُ لَمْ يَزُلْ اللُّزُومُ بِخِلَافِ غَيْرِهِ وَهِيَ طَرِيقَةُ الْمُغْنِي.
وَقَالَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ فِي شَرْحِ الْهِدَايَةِ: ظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ أَنَّهُ لَا يَصِيرُ مَضْمُونًا بِحَالٍ وَيَشْهَدُ لَهُ قَوْلُ أَبِي بَكْرٍ فِي خِلَافِهِ: شَرْطُ مَنْفَعَةِ الرَّهْنِ بَاطِلٌ وَهُوَ رَهْنٌ بِحَالِهِ.
وَمِنْهَا: إذَا أَوْدَعَهُ شَيْئًا ثُمَّ أَذِنَ لَهُ فِي الِانْتِفَاعِ بِهِ، فَقَالَ الْقَاضِي فِي خِلَافِهِ وَابْنُ عَقِيلٍ فِي نَظَرِيَّاتِهِ وَصَاحِبُ التَّلْخِيصِ: يَصِيرُ مَضْمُونًا حَالَةَ الِانْتِفَاعِ لِمَصِيرِهِ عَارِيَّةً حِينَئِذٍ قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: وَلَا يَضْمَنُ بِالْقَبْضِ قَبْلَ الِانْتِفَاعِ هَاهُنَا لِأَنَّهُ لَمْ يُمْسِكْهُ لِمَنْفَعَةِ نَفْسِهِ مُنْفَرِدًا بَلْ لِمَنْفَعَتِهِ وَمَنْفَعَةِ مَالِكِهِ، بِخِلَافِ الرَّهْنِ.
وَمِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ مَنْ قَالَ: ظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ أَنَّهُ لَا يَصِيرُ مَضْمُونًا أَيْضًا كَالرَّهْنِ، وَفَرَّقَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ بَيْنَهُمَا، وَلَا اخْتِلَافَ هَاهُنَا بَيْنَ الْعَقْدَيْنِ فِي الْجَوَازِ إلَّا أَنْ يَكُونَ مُدَّةَ الِانْتِفَاعِ مُؤَقَّتَةً فَيُخَرَّجُ فِيهَا وَجْهٌ بِاللُّزُومِ مِنْ رِوَايَةِ لُزُومِ الْعَارِيَّةِ الْمُؤَقَّتَةِ.
وَمِنْهَا: إذَا أَعَارَهُ شَيْئًا لِيَرْهَنَهُ صَحَّ نَصَّ عَلَيْهِ، وَنَقَلَ ابْنُ الْمُنْذِرِ الِاتِّفَاقَ عَلَيْهِ وَيَكُونُ مَضْمُونًا عَلَى الرَّاهِنِ ; لِأَنَّهُ مُسْتَعِيرٌ وَأَمَانَةٌ عِنْدَ الْمُرْتَهِنِ عَلَيْهِ، وَأَمَّا اللُّزُومُ وَعَدَمُهُ فَقَالَ الْأَصْحَابُ: هُوَ لَازِمٌ بِالنِّسْبَةِ إلَى الرَّاهِنِ وَالْمَالِكِ، لَكِنْ لِلْمَالِكِ الْمُطَالَبَةُ كَالْأَشْنَانِ، فَإِذَا انْفَكَّ زَالَ اللُّزُومُ فَيَرْجِعُ فِيهِ الْمِلْكُ، وَاسْتَشْكَلَ ذَلِكَ الْحَارِثِيُّ وَقَالَ: إمَّا أَنْ يَكُونَ لَازِمًا فَلَا يَمْلِكُ الْمَالِكُ الْمُطَالَبَةَ قَبْلَ الْأَجَلِ وَتَكُونُ الْعَارِيَّةُ هُنَا لَازِمَةً لِتَعَلُّقِ حَقِّ الْغَيْرِ وَحُصُولِ الضَّرَرِ بِالرُّجُوعِ كَمَا فِي الْعَارِيَّةِ كَبِنَاءِ حَائِطٍ وَوَضْعِ خَشَبٍ وَشَبَهِهِمَا انْتَهَى. وَصَرَّحَ أَبُو الْخَطَّاب فِي انْتِصَارِهِ بِعَدَمِ لُزُومِهِ فَإِنَّ لِلْمَالِكِ انْتِزَاعُهُ مِنْ يَدِ الْمُرْتَهِنِ فَيَبْطُلُ الرَّهْنُ.
وَمِنْهَا: لَوْ أَعَارَهُ شَيْئًا ثُمَّ رَهَنَهُ عِنْدَهُ.
فَقَالَ أَبُو الْبَرَكَاتِ فِي الشَّرْحِ: قِيَاسُ الْمَذْهَبِ صِحَّتُهُ وَيَسْقُطُ ضَمَانُ الْعَارِيَّةِ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ لَازِمَةً، وَعَقْدُ هَذِهِ الْأَمَانَةِ لَازِمٌ، ثُمَّ أَخَذَهُ مِنْ كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ فِي وُرُودِ عَقْدِ الْإِعَارَةِ عَلَى الرَّاهِنِ كَمَا سَبَقَ، وَيَتَخَرَّجُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مَا فِي تِلْكَ.
وَمِنْهَا: وُرُودُ عَقْدِ الرَّهْنِ عَلَى الْغَصْبِ، فَيَصِحُّ عِنْدَنَا، ذَكَرَهُ أَبُو بَكْرٍ وَالْقَاضِي وَيَبْرَأُ بِهِ الْغَاصِبُ، وَكَذَا لَوْ أَوْدَعَهُ عِنْدَهُ أَوْ أَعَارَهُ إيَّاهُ أَوْ اسْتَأْجَرَهُ لِخِيَاطَتِهِ أَوْ نَحْوِهَا، ذَكَرَهُ أَبُو الْخَطَّابِ وَغَيْرُهُ.
وَذَكَرَهُ الْقَاضِي فِي خِلَافِهِ فِيمَا إذَا اسْتَأْجَرَهُ لِخِيَاطَتِهِ وَنَحْوِهَا هَلْ يَبْرَأُ بِهِ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ، وَذَكَرَ هُوَ فِي الْمُجَرَّدِ وَابْنُ عَقِيلٍ فِي الْفُصُولِ الْمُضَارَبَةَ إذَا جَعَلَ الْمَالِكُ الْمَغْصُوبَ مَعَ الْغَاصِبِ مُضَارَبَةً صَحَّ وَلَمْ يَبْرَأْ مِنْ ضَمَانِهِ إلَى أَنْ يَدْفَعَهُ ثَمَنًا فِيمَا يَشْتَرِي بِهِ فَيَبْرَأُ حِينَئِذٍ مِنْ الضَّمَانِ، وَعَلَى قَوْلِ أَبِي الْخَطَّابِ يَبْرَأُ فِي الْحَالِ.