الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كَانَ حُكْمُهُ حُكْمَ النَّمَاءِ، وَقِيَاسُ الْمَنْصُوصِ عَنْ أَحْمَدَ فِي الْحَمْلِ أَنَّهُ لَا يَعْتِقُ وَأَنَّهُ تِرْكَةٌ مَوْرُوثَةٌ يَقْتَضِي أَنَّ حُكْمَهُ حُكْمُ الْأَجْزَاءِ لَا حُكْمُ الْوَلَدِ الْمُنْفَصِلِ، فَيَجِبُ رَدُّهُ مَعَ الْعَيْنِ وَإِنْ قُلْنَا لَا حُكْمَ لَهُ إذْ الْمُرَادُ بِذَلِكَ أَنَّهُ لَا يَثْبُتُ لَهُ حُكْمُ الْأَوْلَادِ لَا أَنَّهُ مَعْدُومٌ وَهَذَا أَصَحُّ وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْأَكْثَرِينَ فِي مَسْأَلَةِ الْفَلَسِ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ مَا يُعْتَبَرُ لَهُ الْقَبْضُ مِنْ الْعُقُودِ كَالرَّهْنِ وَالْهِبَةِ وَمَا لَا يُعْتَبَرُ قَبْضُهُ وَيَحْصُلُ قَبْضُهُ تَبَعًا لِأُمِّهِ ذَكَرَهُ الْقَاضِي فِي خِلَافِهِ وَيَتَخَرَّجُ عَلَى هَذَا الْأَصْلِ مَسْأَلَةُ اشْتِرَاطِ الْحَمْلِ فِي الْبَيْعِ وَالسَّلَمِ فِي الْحَيَوَانِ الْحَامِلِ وَغَيْرِ ذَلِكَ.
(وَمِنْهَا) جَنِينُ الدَّابَّةِ الْمُذَكَّاةِ هَلْ يُحْكَمُ بِزَكَاتِهِ مَعَهَا قَبْلَ الِانْفِصَالِ أَمْ لَا؟ قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي فُنُونِهِ: لَا يُحْكَمُ بِذَكَاتِهِ إلَّا بَعْدَ الِانْفِصَالِ وَظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ خِلَافُهُ فَإِنَّهُ قَالَ هُوَ رُكْنٌ مِنْ أَرْكَانِهَا وَفَرَّقَ بَيْنَ الْجَنِينِ وَالْوَلَدِ الْمُنْفَصِلِ بِأَنَّ الْجَنِينَ فِيهِ غُرَّةٌ وَالْوَلَدُ فِيهِ الدِّيَةُ فَعُلِمَ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ حُكْمُ الْأَوْلَادِ، وَهَذَا يُرَجِّحُ أَنَّهُ جُزْءٌ مِنْ الْأُمِّ وَأَنَّ تَذْكِيَتَهُ تَابِعٌ لِتَذْكِيَتِهَا، وَأَمَّا إنْ قِيلَ بِأَنَّهُ وَلَدٌ مُسْتَقِلٌّ فَفِيهِ نَظَرٌ، وَقَدْ يَنْبَنِي عَلَى ذَلِكَ أَنَّهُ هَلْ يَجِبُ فِيهِ إرَاقَةُ دَمِهِ إذَا خَرَجَ أَمْ لَا وَكَلَامُ أَحْمَدَ فِي ذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى رِوَايَتَيْنِ، وَأَكْثَرُ النُّصُوصِ عَنْهُ يَدُلُّ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ فَقَطْ وَفِي بَعْضِهَا مَا يُشْعِرُ بِالْوُجُوبِ وَهَذَا يَنْزِعُ إلَى أَنَّهُ وَلَدٌ مُسْتَقِلٌّ لَكِنْ عُفِيَ عَنْ مَوْتِهِ بِغَيْرِ تَذْكِيَةٍ لِاتِّصَالِهِ بِأُمِّهِ عِنْدَ تَذْكِيَتِهَا ثُمَّ وَجَبَ سَفْحُ دَمِهِ لِيَحْصُلَ مَقْصُودُ التَّذْكِيَةِ فِيهِ.
(وَمِنْهَا) إذَا مَاتَتْ الْحَامِلُ وَصَلَّى عَلَيْهَا هَلْ يَنْوِي الصَّلَاةَ عَلَى حَمْلِهَا قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي فُنُونِهِ لَا، وَعَلَّلَ بِالشَّكِّ فِي وُجُودِهِ وَهَذَا مُتَوَجِّهٌ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ كَالْمَعْدُومِ قَبْلَ الِانْفِصَالِ، وَعَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ كَالْجُزْءِ مِنْ الْأُمِّ أَيْضًا. وَأَمَّا إنْ قِيلَ بِأَنَّهُ وَلَدٌ مُسْتَقِلٌّ فَفِيهِ نَظَرٌ. وَقَدْ يُقَالُ: شَرْطُ ثُبُوتِ الْأَحْكَامِ لَهُ ظُهُورُهُ وَلَمْ يُوجَدْ فَهَذَا مُتَوَجِّهٌ.
[الْقَاعِدَةُ الْخَامِسَةُ وَالثَّمَانُونَ الْحُقُوقُ خَمْسَةُ أَنْوَاعٍ]
[النَّوْع الْأَوَّل حَقُّ مِلْكٍ كَحَقِّ السَّيِّدِ فِي مَالِ الْمُكَاتَبِ وَمَالِ الْقِنِّ]
(الْقَاعِدَةُ الْخَامِسَةُ وَالثَّمَانُونَ) : الْحُقُوقُ خَمْسَةُ أَنْوَاعٍ
(أَحَدُهَا) حَقُّ مِلْكٍ كَحَقِّ السَّيِّدِ فِي مَالِ الْمُكَاتَبِ وَمَالِ الْقِنِّ إذَا قُلْنَا يُمْلَكُ بِالتَّمْلِيكِ وَمَا يَمْتَنِعُ إرْثُهُ لِمَانِعٍ كَالتَّرِكَةِ الْمُسْتَغْرَقَةِ بِالدَّيْنِ عَلَى رِوَايَةٍ، كَالْمُحْرِمِ إذَا مَاتَ مَوْرُوثُهُ وَفِي مِلْكِهِ صَيْدٌ عَلَى أَظْهَرِ الْوَجْهَيْنِ.
[النَّوْع الثَّانِي حَقُّ تَمَلُّكٍ كَحَقِّ الْأَبِ فِي مَالِ وَلَدِهِ وَحَقِّ الْعَاقِدِ لِلْعَقْدِ إذَا وَجَبَ لَهُ]
(وَالثَّانِي) حَقُّ تَمَلُّكٍ كَحَقِّ الْأَبِ فِي مَالِ وَلَدِهِ وَحَقِّ الْعَاقِدِ لِلْعَقْدِ إذَا وَجَبَ لَهُ وَحَقِّ الْعَاقِدِ فِي عَقْدٍ يَمْلِكُ فَسْخَهُ لِيُعِيدَ مَا خَرَجَ عَنْهُ إلَى مِلْكِهِ مَعَ أَنَّ فِي هَذَا شَائِبَةً مِنْ حَقِّ الْمِلْكِ وَحَقِّ الشَّفِيعِ فِي الشِّقْصِ وَهَهُنَا صُوَرٌ مُخْتَلَفٌ فِيهَا هَلْ يَثْبُتُ فِيهَا الْمِلْكُ أَوْ حَقُّ التَّمْلِيكِ؟ (فَمِنْهَا) حَقُّ الْمُضَارِبِ فِي الرِّبْحِ بَعْدَ الظُّهُورِ وَقَبْلَ الْقِسْمَةِ وَفِيهِ رِوَايَتَانِ: إحْدَاهُمَا أَنَّهُ يَمْلِكُهَا بِالظُّهُورِ: وَالثَّانِيَةُ لَمْ يَمْلِكْهُ وَإِنَّمَا مَلَكَ أَنْ يَتَمَلَّكَهُ وَهُوَ حَقٌّ مُتَأَكَّدٌ حَتَّى لَوْ مَاتَ وُرِثَ عَنْهُ، وَلَوْ أَتْلَفَ
الْمَالِكُ الْمَالَ غَرِمَ نَصِيبَهُ وَكَذَلِكَ الْأَجْنَبِيُّ، وَلَوْ أَسْقَطَ الْمُضَارِبُ حَقَّهُ مِنْهُ فَإِنْ قُلْنَا هُوَ مِلْكُهُ لَمْ يَسْقُطْ، وَإِنْ قُلْنَا لَمْ يَمْلِكْهُ بَعْدُ فَفِي التَّلْخِيصِ احْتِمَالَانِ:
أَحَدُهُمَا: يَسْقُطُ كَالْغَنِيمَةِ.
وَالثَّانِي: لَا ; لِأَنَّ الرِّبْحَ هُنَا مَقْصُودٌ وَقَدْ تَأَكَّدَ سَبَبُهُ بِخِلَافِ الْغَنِيمَةِ فَإِنَّ مَقْصُودَ الْجِهَادِ إعْلَاءُ كَلِمَةِ اللَّهِ لَا الْمَالُ.
(وَمِنْهَا) حَقُّ الْغَانِمِ فِي الْغَنِيمَةِ قَبْلَ الْقِسْمَةِ وَفِيهِ وَجْهَانِ:
أَحَدُهُمَا: وَهُوَ الْمَنْصُوصُ وَعَلَيْهِ جُمْهُورُ الْأَصْحَابِ أَنَّهُ يَثْبُتُ الْمِلْكُ فِيهَا بِمُجَرَّدِ الِاسْتِيلَاءِ لَكِنْ هَلْ يُشْتَرَطُ الْإِحْرَازُ أَمْ لَا عَلَى وَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: لَا يُشْتَرَطُ وَتُمْلَكُ بِمُجَرَّدِ تَقَضِّي الْحَرْبِ وَهُوَ قَوْلُ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ وَمَنْ تَابَعَهُ عَلَى طَرِيقَتِهِ.
وَالثَّانِي: يُشْتَرَطُ وَهُوَ قَوْلُ الْخِرَقِيِّ وَابْنِ أَبِي مُوسَى كَسَائِرِ الْمُبَاحَاتِ وَرَجَّحَهُ صَاحِبُ الْمُغْنِي فَعَلَى هَذَا لَا يَسْتَحِقُّ مِنْهَا إلَّا مَنْ شَهِدَ الْإِحْرَازَ، وَأَمَّا عَلَى الْأَوَّلِ فَاعْتَبَرَ الْقَاضِي وَالْأَكْثَرُونَ شُهُودَ إحْرَازِ الْوَقْعَةِ وَقَالُوا لَا يَسْتَحِقُّ مَنْ لَمْ يَشْهَدْهُ.
وَفَصَلَ فِي الْأَحْكَامِ السُّلْطَانِيَّةِ بَيْنَ الْجَيْشِ وَأَهْلِ الْمَدَدِ فَأَمَّا الْجَيْشُ فَيَسْتَحِقُّونَ بِحُضُورِ جُزْءٍ مِنْ الْوَقْعَةِ إذَا كَانَ تَخَلُّفُهُمْ عَنْ الْبَاقِي لِعُذْرٍ كَمَوْتِ الْغَازِي أَوْ مَوْتِ فَرَسِهِ، وَأَمَّا الْمَدَدُ فَيُعْتَبَرُ لِاسْتِحْقَاقِهِمْ شُهُودَ انْجِلَاءِ الْحَرْبِ، وَنَصَّ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ يَعْقُوبَ بْنِ بُخْتَانَ فِيمَنْ قُتِلَ فِي الْمَعْرَكَةِ يُعْطَى وَرَثَتُهُ نَصِيبَهُ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَا يَمْلِكُ الْغَنِيمَةَ إلَّا بِاخْتِيَارِ الْمِلْكِ وَهُوَ اخْتِيَارُ الْقَاضِي فِي خِلَافِهِ. فَعَلَى هَذَا إنَّمَا ثَبَتَ لَهُمْ حَقُّ التَّمَلُّكِ كَالشَّفِيعِ فَمَنْ مَاتَ مِنْهُمْ قَبْلَ اخْتِيَارِ التَّمَلُّكِ أَوْ الْمُطَالَبَةِ فَلَا حَقَّ لَهُ ذَكَرَهُ صَاحِبُ التَّرْغِيبِ وَظَاهِرُ كَلَامِ الْقَاضِي فِي خِلَافِهِ فِي بَابِ الشُّفْعَةِ أَنَّ الْحَقَّ يَنْتَقِلُ إلَى الْوَرَثَةِ بِدُونِ الْقَبُولِ وَالْمُطَالَبَةِ وَإِنْ قَالُوا اخْتَرْنَا الْقِسْمَةَ لَزِمَتْ حُقُوقُهُمْ وَلَمْ تَسْقُطْ بِالْإِعْرَاضِ ذَكَرَهُ صَاحِبُ التَّرْغِيبِ بِخِلَافِ مَا إذَا أَسْقَطُوا حُقُوقَهُمْ قَبْلَ الِاخْتِيَارِ فَإِنَّهُ يَسْقُطُ عَلَى الْوَجْهَيْنِ لِضَعْفِ الْمِلْكِ وَعَدَمِ اسْتِقْرَارِهِ وَيَصِيرُ فَيْئًا فَإِنْ أُسْقِطَ الْبَعْضُ دُونَ الْبَعْضِ فَالْكُلُّ لِمَنْ يَسْقُطُ حَقُّهُ.
(وَمِنْهَا) حَقُّ مَنْ وَجَدَ مَالَهُ بِعَيْنِهِ فِي الْمَغْنَمِ قَبْلَ الْقِسْمَةِ مِمَّا مَلَكَهُ الْكُفَّارُ بِالِاسْتِيلَاءِ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ يَثْبُتُ لَهُ حَقُّ التَّمْلِيكِ عِنْدَ الْأَصْحَابِ وَخَرَّجَهُ شَيْخُ الْإِسْلَامِ ابْنُ تَيْمِيَّةَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ عَلَى الْخِلَافِ فِي حَقِّ الْغَانِمِينَ.
(وَمِنْهَا) حَقُّ الزَّوْجِ فِي نِصْفِ الصَّدَاقِ إذَا طَلَّقَ قَبْلَ الدُّخُولِ هَلْ يَثْبُتُ لَهُ فِيهِ الْمِلْكُ قَهْرًا أَوْ يَثْبُتُ لَهُ حَقُّ التَّمَلُّكِ فَلَا يَمْلِكُ بِدُونِهِ فِيهِ وَجْهَانِ وَالْأَوَّلُ هُوَ الْمَنْصُوصُ وَعَلَى الثَّانِي فَتَكْفِي فِيهِ الْمُطَالَبَةُ وَاخْتِيَارُ التَّمَلُّكِ عَلَى ظَاهِرِ كَلَامِ أَبِي الْخَطَّابِ كَرُجُوعِ الْأَبِ وَزَعَمَ صَاحِبُ التَّرْغِيبِ أَنَّ هَذَا مُرَتَّبٌ عَلَى الْخِلَافِ فِي عَفْوِ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ هَلْ هُوَ الزَّوْجُ أَوْ الْوَلِيُّ وَلَيْسَ كَذَلِكَ وَلَا يَلْزَمُ مَنْ طَلَبَ الْعَفْوَ مِنْ الزَّوْجِ أَنْ يَكُونَ هُوَ الْمَالِكُ فَإِنَّ الْعَفْوَ يَصِحُّ عَمَّا يَثْبُتُ فِيهِ حَقُّ التَّمَلُّكِ كَالشُّفْعَةِ وَلَيْسَ فِي قَوْلِنَا أَنَّ الَّذِي بِيَدِهِ
عُقْدَةُ النِّكَاحِ هُوَ الْأَبُ مَا يَسْتَلْزِمُ أَنَّ الزَّوْجَ لَمْ يَمْلِكْ نِصْفَ الْمَهْرِ ; لِأَنَّهُ إنَّمَا يَعْفُو عَنْ النِّصْفِ الْمُخْتَصِّ بِابْنَتِهِ فَأَمَّا النِّصْفُ الْآخَرُ فَلَا تَعَرُّضَ لِذِكْرِهِ بِنَفْيٍ وَلَا إثْبَاتٍ. وَالْعَجَبُ أَنَّهُ حَكَى بَعْدَ ذَلِكَ فِي صِحَّةِ عَفْوِ الزَّوْجِ عَنْ النِّصْفِ إذَا قُلْنَا: قَدْ دَخَلَ فِي مِلْكِهِ وَجْهَيْنِ وَالصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ أَنَّهُ يَصِحُّ عَفْوُهُ إنْ كَانَ مَالِكًا كَمَا يَصِحُّ عَفْوُ الزَّوْجَةِ مَعَ مِلْكِهَا بِنَصِّ الْقُرْآنِ لَكِنْ إنْ كَانَ الصَّدَاقُ دَيْنًا صَحَّ الْإِبْرَاءُ مِنْهُ بِسَائِرِ أَلْفَاظِ الْمُبَارَاةِ مِنْ الْإِبْرَاءِ وَالْإِسْقَاطِ وَالْهِبَةِ وَالْعَفْوِ وَالصَّدَقَةِ وَالتَّحْلِيلِ وَلَا يُشْتَرَطُ لَهُ قَبُولٌ وَإِنْ كَانَ عَيْنًا وَقُلْنَا لَمْ يَمْلِكْهُ وَإِنَّمَا يَثْبُتُ لَهُ حَقُّ التَّمَلُّكِ فَكَذَلِكَ وَكَذَلِكَ يَصِحُّ عَفْوُ الشَّفِيعِ عَنْ الشُّفْعَةِ ذَكَرَهُ الْقَاضِي وَابْنُ عَقِيلٍ وَإِنْ قُلْنَا مَلَكَ نِصْفَ الصَّدَاقِ صَحَّ بِلَفْظِ الْهِبَةِ وَالتَّمَلُّكِ وَهَلْ يَصِحُّ بِلَفْظِ الْعَفْوِ عَلَى وَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: لَا يَصِحُّ قَالَهُ ابْنُ عَقِيلٍ.
وَالثَّانِي يَصِحُّ قَالَهُ الْقَاضِي وَرَجَّحَهُ صَاحِبُ الْمُغْنِي وَهُوَ الصَّحِيحُ ; لِأَنَّ عَقْدَ الْهِبَةِ عِنْدَنَا يَنْعَقِدُ بِكُلِّ لَفْظٍ يُفِيدُ مَعْنَاهُ مِنْ غَيْرِ اشْتِرَاطِ إيجَابٍ وَلَا قَبُولٍ بِلَفْظٍ مُعَيَّنٍ.
وَقَالَ الْقَاضِي وَابْنُ عَقِيلٍ يُشْتَرَطُ هَهُنَا الْإِيجَابُ وَالْقَبُولُ وَالْقَبْضُ وَحَكَى صَاحِبُ التَّرْغِيبِ فِي اشْتِرَاطِ الْقَبُولِ وَجْهَيْنِ وَالصَّحِيحُ أَنَّ الْقَبْضَ لَا يُشْتَرَطُ فِي الْفُسُوخِ كَالْإِقَالَةِ وَنَحْوِهَا وَصَرَّحَ بِهِ الْقَاضِي فِي خِلَافِهِ وَكَذَلِكَ يَصِحُّ رُجُوعُ الْأَبِ فِي الْهِبَةِ مِنْ غَيْرِ قَبْضٍ وَكَذَلِكَ فَسْخُ عَقْدِ الرَّهْنِ وَغَيْرِهَا.
(وَمِنْهَا) حَقُّ الْمُلْتَقِطِ فِي اللُّقَطَةِ بَعْدَ حَوْلِ التَّعْرِيفِ وَفِيهِ وَجْهَانِ أَشْهَرُهُمَا أَنَّهُ يَثْبُتُ لَهُ الْمِلْكُ بِغَيْرِ اخْتِيَارِهِ وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي وَقَالَ: إنَّهُ ظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ وَالثَّانِي لَا يَدْخُلُ حَتَّى يَخْتَارَ وَهُوَ اخْتِيَارُ أَبِي الْخَطَّابِ فَيَكُونُ حَقُّهُ فِيهَا حَقَّ تَمَلُّكٍ.
(وَمِنْهَا) الْمُوصَى لَهُ بَعْدَ مَوْتِ الْمُوصِي وَفِيهِ وَجْهَانِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ يَثْبُتُ لَهُ الْمِلْكُ وَقِيلَ إنَّهُ ظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ.
وَالثَّانِي: إنَّمَا يَثْبُتُ لَهُ حَقُّ التَّمَلُّكِ بِالْقَبُولِ وَهُوَ الْمَشْهُورُ عِنْدَ الْأَصْحَابِ.
(وَمِنْهَا) مَنْ نَبَتَ فِي أَرْضِهِ كَلَأٌ أَوْ نَحْوُهُ مِنْ الْمُبَاحَاتِ أَوْ تَوَحَّلَ فِيهَا صَيْدٌ أَوْ سَمَكٌ وَنَحْوُهُ فَهَلْ يَمْلِكُهُ بِذَلِكَ فِي الْمَسْأَلَةِ رِوَايَتَانِ مَعْرُوفَتَانِ وَأَكْثَرُ النُّصُوصِ عَنْ أَحْمَدَ يَدُلُّ عَلَى الْمِلْكِ وَعَلَى الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى إنَّمَا ثَبَتَ حَقُّ التَّمَلُّكِ وَهُوَ مُقَدَّمٌ عَلَى غَيْرِهِ بِذَلِكَ إذْ لَا يَلْزَمُهُ أَنْ يَبْذُلَ مِنْ الْمَاءِ وَالْكَلَأِ إلَّا الْفَاضِلَ عَنْ حَوَائِجِهِ وَلَوْ سَبَقَ غَيْرَهُ وَحَقَّقَ سَبَبَ الْمِلْكِ بِحِيَازَتِهِ إلَيْهِ فَقَالَ الْقَاضِي وَالْأَكْثَرُونَ يَمْلِكُهُ وَخَرَّجَ ابْنُ عَقِيلٍ أَنَّهُ لَا يَمْلِكُهُ ; لِأَنَّهُ سَبَبٌ مَنْهِيٌّ عَنْهُ فَلَا يُفِيدُ الْمِلْكَ وَيُشْبِهُ هَذَا الْخِلَافُ فِي الطَّائِفَةِ الَّتِي تَغْزُو بِدُونِ إذْنِ الْإِمَامِ هَلْ يَمْلِكُونَ شَيْئًا مِنْ غَنِيمَتِهِمْ أَمْ لَا وَقَرَّرَ الْقَاضِي فِي مَوْضِعٍ مِنْ خِلَافِهِ أَنَّ الْأَسْبَابَ الْفِعْلِيَّةَ تُفِيدُ الْمِلْكَ وَإِنْ كَانَتْ مَحْظُورَةً كَأَخْذِ الْمُسْلِمِ أَمْوَالَ أَهْلِ الْحَرْبِ غَصْبًا وَإِنْ دَخَلَ إلَيْهِمْ بِأَمَانٍ بِخِلَافِ الْقَوْلِيَّةِ. وَفِي مَوْضِعٍ آخَرَ صَرَّحَ بِخِلَافِ ذَلِكَ وَأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ بِهِ الْمُسْلِمُ وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ
(وَمِنْهَا) مُتَحَجِّرُ الْمَوَاتِ الْمَشْهُورُ. أَنَّهُ لَا يَمْلِكُهُ بِذَلِكَ وَنَقَلَ صَالِحٌ عَنْ أَبِيهِ