الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[الْقَاعِدَةُ الْحَادِيَة وَالْخَمْسُونَ فِيمَا يُعْتَبَرُ الْقَبْضُ لِدُخُولِهِ فِي ضَمَانِ مَالِكِهِ وَمَا لَا يُعْتَبَرُ]
ُ لَهُ الْمِلْكُ يَقَعُ تَارَةً بِعَقْدٍ وَتَارَةً بِغَيْرِ عَقْدٍ وَالْعُقُودُ نَوْعَانِ:
أَحَدُهُمَا عُقُودُ الْمُعَاوَضَاتِ الْمَحْضَةِ فَيَنْتَقِلُ الضَّمَانُ فِيهَا إلَى مَنْ يَنْتَقِلُ الْمِلْكُ إلَيْهِ بِمُجَرَّدِ التَّمَكُّنِ مِنْ الْقَبْضِ التَّامِّ وَالْحِيَازَةِ إذَا تَمَيَّزَ الْمَعْقُودُ عَلَيْهِ مِنْ غَيْرِهِ وَتَعَيَّنَ فَأَمَّا الْمَبِيعُ الْمُبْهَمُ غَيْرُ الْمُتَعَيَّنِ كَقَفِيزٍ مِنْ صُبْرَةٍ فَلَا يَنْتَقِلُ ضَمَانُهَا بِدُونِ الْقَبْضِ، وَهَلْ يَكْفِي كَيْلُهُ وَتَمْيِيزُهُ أَمْ لَا بُدَّ مِنْ نَقْلِهِ؟ حَكَى الْأَصْحَابُ فِيهِ رِوَايَتَيْنِ ثُمَّ لَهُمْ طَرِيقَانِ: مِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ هَلْ التَّخْلِيَةُ قَبْضٌ فِي جَمِيعِ الْأَعْيَانِ الْمَبِيعَةِ أَمْ لَا بُدَّ مِنْ نَقْلِهِ؟ حَكَى الْأَصْحَابُ فِيهِ رِوَايَتَيْنِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: التَّخْلِيَةُ قَبْضٌ فِي الْمَبِيعِ الْمُتَعَيَّنِ رِوَايَةً وَاحِدَةً، وَفِيمَا لَيْسَ بِمُتَعَيَّنٍ إذَا عُيِّنَ وَخَلِّي بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ رِوَايَتَيْنِ وَكِلَا الطَّرِيقَيْنِ مَسْلَكُ الْقَاضِي فِي خِلَافِهِ وَلَهُ فِي طَرِيقَةٍ ثَالِثَةٍ سَلَكَهَا فِي الْمُجَرَّدِ أَنَّ الْكَيْلَ قَبْضٌ لِلْمُبْهَمِ رِوَايَةً وَاحِدَةً، وَذَكَرَ قَوْلَ أَحْمَدَ فِي رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ هَارُونَ قَبْضُهُ كَيْلَهُ وَالتَّخْلِيَةُ قَبْضٌ فِي الْمُعَيَّنَاتِ عَلَى رِوَايَتَيْنِ وَهَذِهِ أَصَحُّ مِمَّا قَبْلَهَا وَقَدْ فَرَّقَ أَحْمَدُ بَيْنَ الْمُبْهَمِ فَجَعَلَ قَبْضَهُ كَيْلَهُ وَبَيَّنَ الصُّبْرَةَ فَجَعَلَ قَبْضَهَا نَقْلَهَا فِي رِوَايَةِ الْأَثْرَمِ لِأَنَّ الْمُبْهَمَ إذَا كِيلَ فَقَدْ حَصَلَ فِيهِ التَّمْيِيزُ وَزِيَادَةٌ وَهِيَ اعْتِبَارُ قَدْرِهِ وَكِلَاهُمَا مِنْ فِعْلِ الْبَائِعِ وَهُوَ الْوَاجِبُ عَلَيْهِ وَلَمْ يُوجَدْ فِي بَقِيَّةِ الْمُعَيَّنَاتِ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ سِوَى تَمْيِيزِهَا بِنَفْسِهَا، وَعَلَى الطَّرِيقَةِ الْأُولَى فَيَكُونُ بَعْدَ كَيْلِهِ وَتَمْيِيزِهِ كَسَائِرِ الْأَعْيَانِ الْمُتَمَيِّزَةِ وَمَا عَدَا ذَلِكَ مِنْ الْأَعْيَانِ الْمُتَمَيِّزَةِ فَهُوَ دَاخِلٌ فِي ضَمَانِ الْمُشْتَرِي بِالْعَقْدِ فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ لِتَمَكُّنِهِ مِنْ قَبْضِهِ التَّامِّ بِالْحِيَازَةِ وَقَدْ انْقَطَعَتْ عِلْقُ الْبَائِعِ مِنْهُ لِأَنَّ عَلَيْهِ تَسْلِيمَهُ وَالتَّمْكِينَ مِنْ قَبْضِهِ وَقَدْ حَصَلَ، إلَّا الثَّمَرَ الْمُشْتَرَى فِي رُءُوسِ شَجَرِهِ فَإِنَّ الْمُشْتَرِيَ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ تَمَامِ قَبْضِهِ فِي الْحَالِ بِحِيَازَتِهِ إلَيْهِ، وَكَذَلِكَ مَا لَا يَتَأَتَّى نَقْلُهُ فِي سَاعَةٍ وَاحِدَةٍ لِكَثْرَتِهِ فَإِنَّهُ لَا يَنْتَقِلُ إلَى ضَمَانَةِ الْمُشْتَرِي إلَّا بَعْدَ مُضِيِّ زَمَنٍ يَتَأَتَّى فِيهِ نَقْلُهُ عَادَةً صَرَّحَ بِهِ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ فَالنَّاقِلُ لِلضَّمَانِ هُوَ الْقُدْرَةُ التَّامَّةُ عَلَى الِاسْتِيفَاءِ وَالْحِيَازَةِ وَحُكْمُ الْمُبْهَمِ الْمُشْتَرَى بِعَدَدٍ أَوْ ذَرْعٍ كَذَلِكَ وَأَنْكَرَ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ ابْنِ مَنْصُورٍ دُخُولَ الْمَعْدُودِ فِيهِ وَلَعَلَّ مُرَادَهُ إذَا اشْتَرَى صُبْرَةً، وَأَمَّا الْمُشَاعُ فَكَالْمُتَعَيَّنِ لِأَنَّ تَسْلِيمَهُ يَكُونُ عَلَى هَيْئَةٍ لَا يَقِفُ عَلَى
إفْرَازِهِ كَذَلِكَ ذَكَرَهُ الْقَاضِي وَابْنُ عَقِيلٍ وَالصُّبْرَةُ الْمُبْتَاعَةُ كَيْلًا أَوْ وَزْنًا كَالْقَفِيزِ الْمُبْهَمِ عِنْدَ الْخِرَقِيِّ وَأَبِي بَكْرٍ وَالْأَكْثَرِينَ لِأَنَّ عِلْقَ الْبَائِعِ لَمْ تَنْقَطِعْ مِنْهَا وَلَمْ تَتَمَيَّزْ فَإِنَّ زِيَادَتَهَا لَهُ وَنَقْصَهَا عَلَيْهِ وَفِي التَّلْخِيصِ أَنَّ بَعْضَ الْأَصْحَابِ خَرَّجَ فِيهَا وَجْهًا بِإِلْحَاقِهَا بِالْعَبْدِ وَالثَّوْبِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْعِلَّةَ اخْتِلَاطُ الْمَبِيعِ بِغَيْرِهِ.
قَالَ وَهُوَ ضَعِيفٌ، قَالَ: وَاسْتَثْنَى بَعْضُ أَصْحَابِنَا مِنْهَا حَمِدَهْ فِي الصَّرْفِ لِقَوْلِهِ [عليه الصلاة والسلام] السَّلَامُ: إلَّا هَاءَ وَهَاءَ. وَمُرَادُهُ: أَنَّ الشَّارِعَ اعْتَبَرَ لَهُ الْقَبْضَ فَالْتَحَقَ بِالْمُبْهَمَاتِ وَنَقَلَ صَالِحٌ عَنْ أَحْمَدَ فِيمَنْ اشْتَرَى عَبْدًا فَمَاتَ فِي يَدِ الْمُبْتَاعِ هُوَ مِنْ مَالِ الْمُبْتَاعِ إلَّا أَنْ يَقُولَ الْمُبْتَاعُ تَسَلَّمْهُ فَلَا يَتَسَلَّمُهُ وَظَاهِرُ هَذَا أَنَّهُ يَكُونُ مِنْ ضَمَانِ الْبَائِعِ إلَّا أَنْ يَمْتَنِعَ الْمُشْتَرِي مِنْ تَسَلُّمِهِ بَعْدَ عَرْضِهِ عَلَيْهِ فَيَدْخُلُ فِي ضَمَانِهِ، وَنَقَلَ حَنْبَلٌ عَنْهُ إذَا عَرَضَهُ الْبَائِعُ عَلَيْهِ وَلَمْ يَنْقُدْهُ الثَّمَنَ فَتَلِفَ فَهُوَ مِنْ مَالِ الْبَائِعِ، وَإِنْ نَقَدَهُ الثَّمَنَ وَتَرَكَهُ عِنْدَهُ فَهُوَ مِنْ مَالِ الْمُشْتَرِي، وَيَلْتَحِقُ بِهَذِهِ الْمَضْمُونَاتِ مِنْ الْمَبِيعِ مَا اُشْتُرِيَ بِصِفَةٍ أَوْ رُؤْيَةٍ سَابِقَةٍ عَلَى الْعَقْدِ لِأَنَّ الْغَيْبَةَ مَانِعَةٌ مِنْ التَّمَكُّنِ مِنْ الْقَبْضِ، فَأَمَّا الْمَبِيعُ فِي مَكَان أَوْ زَمَانٍ يَغْلِبُ فِيهِ هَلَاكُ السِّلْعَةِ فَهَلْ يَكُونُ مَضْمُونًا عَلَى الْبَائِعِ مُطْلَقًا أَمْ لَا؟ هَذِهِ مَسْأَلَةُ تَبَايُعِ الْغَنِيمَةِ بَعْدَ الْقِسْمَةِ فِي دَارِ الْحَرْبِ إذَا غَلَبَ عَلَيْهَا الْعَدُوُّ بَعْدَ ذَلِكَ وَعَنْ أَحْمَدَ فِي ضَمَانِهَا رِوَايَتَانِ، كَذَا حَكَى الْأَصْحَابُ وَلَمْ يُفَرِّقْ أَكْثَرُهُمْ بَيْنَ مَا قَبْلِ الْقَبْضِ وَبَعْدَهُ.
[وَظَاهِرُ] كَلَامِ ابْنِ عَقِيلٍ التَّفْرِيقُ وَأَنَّهُ قَبْلَ الْقَبْضِ مِنْ ضَمَانِ الْبَائِعِ قَوْلًا وَاحِدًا كَالثَّمَرِ الْمُعَلَّقِ فِي رُءُوسِ الشَّجَرِ لِتَعَرُّضِهِ لِلْآفَاتِ وَفِيهِ نَظَرٌ فَإِنَّ الثَّمَرَ لَمْ يَتَمَكَّنْ الْمُشْتَرِي مِنْ قَبْضِهِ تَامًّا بِخِلَافِ الْمَبِيعِ الْمُعَيَّنِ فِي دَارِ الْحَرْبِ، وَخَصَّ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ ذَلِكَ بِمَالِ الْغَنِيمَةِ لِأَنَّ تَطَلُّبَ الْكُفَّارِ لَهَا شَدِيدٌ وَحِرْصَهُمْ عَلَى اسْتِرْدَادِهَا مَعْلُومٌ بِخِلَافِ غَيْرِهَا مِنْ أَمْوَالِ الْمُسْلِمِينَ وَحَكَى ابْنُ عَقِيلٍ فِي تَبَايُعِ الْمُسْلِمِينَ أَمْوَالَهُمْ بَيْنَهُمْ بِدَارِ الْحَرْبِ إذَا غَلَبَ عَلَيْهَا الْعَدُوُّ قَبْلَ قَبْضِهِ وَجْهَيْنِ كَمَالِ الْغَنِيمَةِ فَأَمَّا مَا بِيعَ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ فِي زَمَنِ نَهْبٍ وَنَحْوِهِ فَمَضْمُونٌ عَلَى الْمُشْتَرِي قَوْلًا وَاحِدًا ذَكَرَهُ كَثِيرٌ مِنْ الْأَصْحَابِ كَشِرَاءِ مَنْ يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ هَلَاكُهُ كَمَرِيضٍ مَيْئُوسٍ مِنْهُ أَوْ مُرْتَدٍّ أَوْ قَاتِلٍ فِي مُحَارَبَةٍ أَوْ فِي زَمَنِ طَاعُونٍ غَالِبٍ، وَيُحْتَمَلُ فِي هَذَا أَنْ يُفَرَّقَ بَيْنَ التَّلَفِ قَبْلَ الْقَبْضِ وَبَعْدَهُ فَأَمَّا الْأَعْيَانُ الْمَمْلُوكَةُ بِعَقْدٍ غَيْرِ الْبَيْعِ كَالصُّلْحِ وَالنِّكَاحِ وَالْخُلْعِ وَالْعِتْقِ وَنَحْوِ ذَلِكَ فَحُكْمُهَا حُكْمُ الْبَيْعِ فِيمَا ذَكَرْنَا عِنْدَ أَكْثَرِ الْأَصْحَابِ.
قَالَ فِي الْمُغْنِي لَيْسَ فِيهِ اخْتِلَافٌ، وَحَكَى أَبُو الْخَطَّابِ وَمَنْ اتَّبَعَهُ رِوَايَةً بِأَنَّ الصَّدَاقَ مَضْمُونٌ عَلَى الزَّوْجِ قَبْلَ الْقَبْضِ مُطْلَقًا فَإِنَّهُ نَصَّ فِيمَا إذَا أَصْدَقَهَا غُلَامًا فَفُقِئَتْ عَيْنُهُ قَبْلَ أَنْ تَقْبِضَهُ أَنَّ عَلَيْهِ ضَمَانَهُ وَتَأَوَّلَهَا الْقَاضِي عَلَى أَنَّ الزَّوْجَ فَقَأَ عَيْنَهُ
أَوْ أَنَّهُ امْتَنَعَ مِنْ التَّسْلِيمِ حَتَّى فُقِئَتْ عَيْنُهُ فَيَكُونُ ضَامِنًا بِلَا رَيْبٍ وَيُمْكِنُ أَنْ يُخَرَّجَ مِنْ هَذَا رِوَايَةٌ بِأَنَّ ضَمَانَ جَمِيعِ الْأَعْيَانِ لَا تَنْتَقِلُ إلَّا بِالْقَبْضِ فِي الْبَيْعِ وَغَيْرِهِ وَخَرَّجَهَا بَعْضُ الْأَصْحَابِ رِوَايَةً عَنْ أَحْمَدَ مِنْ نَصِّهِ عَلَى ضَمَانِ صُبَرِ الطَّعَامِ عَلَى الْبَائِعِ قَبْلَ الْقَبْضِ فَمِنْ الْأَصْحَابِ مَنْ تَأَوَّلَهَا عَلَى أَنَّهَا بِيعَتْ كَيْلًا، وَمِنْهُمْ مَنْ أَقَرَّهَا رِوَايَةً فِي الْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ وَإِنْ بِيعَ جُزَافًا، وَمِنْهُمْ مَنْ خَرَّجَ مِنْهَا رِوَايَةً فِي جَمِيعِ الْأَعْيَانِ الْمُتَمَيِّزَةِ وَمَأْخَذُ ذَلِكَ أَنَّ عُلَقَ الْمِلْكِ لَا تَنْقَطِعُ عَنْهُ بِدُونِ الْقَبْضِ لِأَنَّ تَسْلِيمَهُ وَاجِبٌ عَلَيْهِ بِحَقِّ الْعَقْدِ وَلَمْ يُوجَدْ فَلَمْ تَتِمَّ أَحْكَامُ الْعَقْدِ فَكَانَ مَضْمُونًا عَلَى الْمُمَلَّكِ وَهَذِهِ شُبَهُ ابْنِ عَقِيلٍ الَّتِي اعْتَمَدَهَا فِي أَنَّ ضَمَانَ جَمِيعِ الْأَعْيَانِ عَلَى الْبَائِعِ قَبْلَ الْقَبْضِ، وَهِيَ ضَعِيفَةٌ فَإِنَّ الْبَائِعَ عَلَيْهِ التَّمْكِينُ مِنْ الْقَبْضِ وَهُوَ مَعْنَى التَّسْلِيمِ فَإِذَا وُجِدَ مِنْهُ فَقَدْ قَضَى مَا عَلَيْهِ، وَأَمَّا النَّقْلُ فَهُوَ عَلَى الْمُشْتَرِي دُونَ الْبَائِعِ وَهُوَ وَاجِبٌ عَلَيْهِ لِتَفْرِيغِ مِلْكِ الْبَائِعِ مِنْ مِلْكِهِ، فَكَيْفَ يَكُونُ تَعَدِّيهِ بِشَغْلِ أَرْضِ الْمَالِكِ بِمِلْكِهِ مِنْ غَيْرِ إذْنِهِ أَوْ مَعَ مُطَالَبَتِهِ بِتَفْرِيغِهِ مُوجِبًا لِلضَّمَانِ عَلَى الْبَائِعِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُفَرَّقَ بَيْنَ النِّكَاحِ وَغَيْرِهِ مِنْ الْعُقُودِ بِأَنَّ الْمَهْرَ فِي النِّكَاحِ لَيْسَ بِعِوَضٍ أَصْلِيٍّ بَلْ هُوَ شَبِيهٌ بِالْهِبَةِ، وَلِهَذَا سَمَّاهُ اللَّهُ نِحْلَةً فَلَا يَنْتَقِلُ ضَمَانُهُ إلَى الْمَرْأَةِ بِدُونِ الْقَبْضِ كَالْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ وَالزَّكَاةِ، وَهَذَا كُلُّهُ فِي الْأَعْيَانِ.
فَأَمَّا الْمَنَافِعُ فِي الْإِجَارَةِ لَا تَدْخُلُ فِي ضَمَانِ الْمُسْتَأْجِرِ بِدُونِ الْقَبْضِ أَوْ التَّمْكِينِ مِنْهُ أَوْ تَفُوتُهُ بِاخْتِيَارِهِ فَإِنْ اسْتَوْفَى الْمَنَافِعَ فَلَا كَلَامَ وَإِنْ تَمَكَّنَ مِنْ اسْتِيفَائِهَا بِقَبْضِ الْعَيْنِ أَوْ تَسْلِيمِ الْأَجِيرِ الْخَاصِّ نَفْسَهُ تَلِفَتْ مِنْ ضَمَانِهِ أَيْضًا لِتَمَكُّنِهِ مِنْ الِانْتِفَاعِ.
وَالنَّوْعُ الثَّانِي: عُقُودٌ لَا مُعَاوَضَةَ فِيهَا كَالصَّدَقَةِ وَالْهِبَةِ وَالْوَصِيَّةِ، فَالْوَصِيَّةُ تُمْلَكُ بِدُونِ الْقَبْضِ وَالْهِبَةُ وَالصَّدَقَةُ فِيهِمَا خِلَافٌ سَبَقَ فَإِذَا قِيلَ لَا يُمْلَكَانِ بِدُونِ الْقَبْضِ فَلَا كَلَامَ لَكِنْ هَلْ يُكْتَفَى بِالْقَبْضِ فِيهِمَا بِالتَّخْلِيَةِ عَلَى رِوَايَةٍ كَالْبَيْعِ أَمْ لَا بُدَّ مِنْ النَّقْلِ؟ بَارَكَتْ الْأَصْحَابِ عَلَى تَسْوِيَةِ الرَّهْنِ وَالْهِبَةِ بِالْبَيْعِ فِي كَيْفِيَّةِ الْقَبْضِ، وَاخْتَارَ صَاحِبُ التَّلْخِيصِ أَنَّهُ لَا يَكْفِي التَّمْكِينُ هَهُنَا فِي اللُّزُومِ فَفِي أَصْلِ الْمِلْكِ أَوْلَى قَالَ لِأَنَّ الْقَبْضَ هُنَا سَبَبُ الِاسْتِحْقَاقِ بِخِلَافِ الْقَبْضِ فِي الْبَيْعِ فَإِنَّ الْعَقْدَ سَبَبٌ لِاسْتِحْقَاقِ الْقَبْضِ فَيَكْفِي فِيهِ التَّمَكُّنُ.
وَإِنْ قِيلَ يَحْصُلُ الْمِلْكُ بِمُجَرَّدِ الْعَقْدِ فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مَضْمُونًا عَلَى الْمِلْكِ إذَا تَلِفَ فِي يَدِهِ مِنْ غَيْرِ مَنْعٍ لِأَنَّهَا عُقُودُ بِرٍّ وَتَبَرُّعٍ فَلَا يَقْتَضِي الضَّمَانَ وَكَلَامُ الْأَصْحَابِ يَشْهَدُ لِذَلِكَ.
وَأَمَّا الْوَصِيَّةُ إذَا ثَبَتَ الْمِلْكُ لِلْمُوصَى لَهُ إمَّا بِالْمَوْتِ بِمُجَرَّدِهِ مِنْ غَيْرِ قَبُولٍ أَوْ بِالْمَوْتِ مُرَاعًى بِالْقَبُولِ أَوْ بِالْقَبُولِ مِنْ حِينِهِ دُونَ مَا قَبْلَهُ عَلَى اخْتِلَافِ الْوُجُوهِ فِي الْمَسْأَلَةِ فَإِنَّ ضَمَانَهُ مِنْ حِينِ الْقَبُولِ
عَلَى الْمُوصَى لَهُ مِنْ غَيْرِ خِلَافٍ نَعْلَمُهُ إذَا كَانَ مُتَمَكِّنًا مِنْ قَبْضِهِ وَأَمَّا [مَا] قَبْلَ الْقَبُولِ فَفِيهِ وَجْهَانِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ مِنْ ضَمَانِ الْمُوصَى لَهُ أَيْضًا وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ وَالْخِرَقِيِّ وَصَرَّحَ بِهِ الْقَاضِي وَابْنُ عَقِيلٍ فِي كِتَابِ الْعِتْقِ، وَكَذَلِكَ صَاحِبُ الْمُغْنِي وَالتَّرْغِيبِ وَغَيْرُهُمْ، وَلَمْ يَحْكُوا فِيهِ خِلَافًا.
وَهَذَا لِأَنَّا إنْ قُلْنَا يَمْلِكُهُ بِمُجَرَّدِ الْمَوْتِ إمَّا مَعَ الْقَبُولِ أَوْ بِدُونِهِ فَهُوَ مِلْكُهُ فَإِذَا تَمَكَّنَ مِنْ قَبْضِهِ كَانَ عَلَيْهِ ضَمَانُهُ كَمَا لَوْ مَلَكَهُ بِهِبَةٍ أَوْ غَيْرِهَا مِنْ الْعُقُودِ، وَإِنْ قُلْنَا لَا يَمْلِكُهُ إلَّا مِنْ حِينِ الْقَبُولِ فَلِأَنَّ حَقَّهُ تَعَلَّقَ بِالْغَيْرِ تَعَلُّقًا يَمْنَعُ الْوَرَثَةَ مِنْ التَّصَرُّفِ فِيهِ فَأَشْبَهَ الْعَبْدَ الْجَانِيَ إذَا أَخَّرَ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ اسْتِيفَاءَ حَقِّهِ حَتَّى نَقَصَ أَوْ تَلِفَ وَلِأَنَّ حَقَّ الْمُوصَى لَهُ فِي التَّمَلُّكِ ثَابِتٌ لَا يُمْكِنُ إبْطَالُهُ فَكَانَ ضَمَانُ النَّقْصِ عَلَيْهِ وَإِنْ لَمْ يَحْصُلْ لَهُ الْمِلْكُ كَمَا فِي رِبْحِ الْمُضَارَبَةِ إذَا قُلْنَا لَا يُمْلَكُ إلَّا بِالْقِسْمَةِ وَنِصْفِ الصَّدَاقِ إذَا قُلْنَا لَا يُمْلَكُ إلَّا بِالتَّمَلُّكِ وَالْمَغَانِمِ إذَا قُلْنَا لَا تُمْلَكُ بِدُونِ الْقِسْمَةِ بِخِلَافِ بَقِيَّةِ الْعُقُودِ فَإِنَّ الْحَقَّ فِيهَا يُمْكِنُ إبْطَالُهُ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَا يَدْخُلُ فِي ضَمَانِهِ إلَّا بِالْقَبُولِ عَلَى الْوُجُوهِ كُلِّهَا وَهُوَ الْمَجْزُومُ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ لِأَنَّهُ إنْ قِيلَ لَا يُمْلَكُ إلَّا مِنْ حَيْنِهِ فَوَاضِحٌ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ قَبْلَ ذَلِكَ كُلِّهِ عَلَى مِلْكِهِ فَلَا يُحْسَبُ نَقْصُهُ عَلَيْهِ، وَإِنْ قِيلَ يَمْلِكُهُ بِالْمَوْتِ فَالْعَيْنُ مَضْمُونَةٌ عَلَى التَّرِكَةِ بِدَلِيلِ مَا لَوْ تَلِفَتْ قَبْلَ الْقَوْلِ فَإِنَّهَا تَتْلَفُ مِنْ التَّرِكَةِ لَا مِنْ مَالِ الْمُوصَى لَهُ فَكَذَلِكَ أَجْزَاؤُهَا ; لِأَنَّ الْقَبُولَ وَإِنْ كَانَ مُثْبِتًا لِلْمِلْكِ مِنْ حِينِ الْمَوْتِ إلَّا أَنَّ ثُبُوتَهُ السَّابِقَ تَابِعٌ لِثُبُوتِهِ مِنْ حِينِ الْقَبُولِ وَالْمَعْدُومُ حَالَ الْقَبُولِ لَا يُتَصَوَّرُ الْمِلْكُ فِيهِ فَلَا يَثْبُتُ فِيهِ مِلْكٌ، نَعَمْ إنْ قِيلَ يَمْلِكُهُ بِمُجَرَّدِ الْمَوْتِ مِنْ غَيْرِ قَبُولٍ فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مِنْ ضَمَانِهِ بِكُلِّ حَالٍ كَالْمُوَرِّثِ وَهَذَا كُلُّهُ فِي الْمَمْلُوكِ بِالْعَقْدِ فَأَمَّا مَا مُلِكَ بِغَيْرِ عَقْدٍ فَنَوْعَانِ:
أَحَدُهُمَا: الْمِلْكُ الْقَهْرِيُّ كَالْمِيرَاثِ وَفِي ضَمَانِهِ وَجْهَانِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ يَسْتَقِرُّ عَلَى الْوَرَثَةِ بِالْمَوْتِ إذَا كَانَ الْمَالُ عَيْنًا حَاضِرَةً يُتَمَكَّنُ مِنْ قَبْضِهَا قَالَ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ ابْنِ مَنْصُورٍ فِي رَجُلٍ تَرَكَ مِائَتَيْ دِينَارٍ وَعَبْدًا قِيمَتُهُ مِائَةُ دِينَارٍ وَأَوْصَى لِرَجُلٍ بِالْعَبْدِ فَسُرِقَتْ الدَّنَانِيرُ بَعْدَ مَوْتِ الرَّجُلِ وَجَبَ الْعَبْدُ لِلْمُوصَى لَهُ وَذَهَبَتْ دَنَانِيرُ الْوَرَثَةِ وَهَكَذَا ذَكَرَ الْخِرَقِيِّ وَأَكْثَرُ الْأَصْحَابِ ; لِأَنَّ مِلْكَهُمْ اسْتَقَرَّ بِثُبُوتِ سَبَبِهِ إذْ هُوَ لَا يَخْشَى انْفِسَاخَهُ، وَلَا رُجُوعَ لَهُمْ بِالْبَدَلِ عَلَى أَحَدٍ فَأَشْبَهَ مَا فِي يَدِ الْمُودَعِ وَنَحْوِهِ بِخِلَافِ الْمَمْلُوكِ بِالْعُقُودِ لِأَنَّهُ إمَّا أَنْ يَخْشَى انْفِسَاخَ سَبَبِ الْمِلْكِ فِيهِ أَوْ يَرْجِعَ بِبَدَلِهِ فَلِذَلِكَ اُعْتُبِرَ لَهُ الْقَبْضُ وَأَيْضًا فَالْمَمْلُوكُ بِالْبَيْعِ وَنَحْوِهِ يَنْتَقِلُ الضَّمَانُ فِيهِ بِالتَّمَكُّنِ مِنْ الْقَبْضِ فَالْمِيرَاثُ أَوْلَى.
وَقَالَ الْقَاضِي وَابْنُ عَقِيلٍ فِي كِتَابِ الْعِتْقِ لَا يَدْخُلُ فِي ضَمَانِهِمْ بِدُونِ الْقَبْضِ لِأَنَّهُ لَمْ يَحْصُلْ فِي أَيْدِيهِمْ وَلَمْ يَنْتَفِعُوا بِهِ فَأَشْبَهَ الدَّيْنَ وَالْغَائِبَ وَنَحْوَهُمَا مَا لَمْ يَتَمَكَّنُوا مِنْ قَبْضِهِ، فَعَلَى هَذَا إنْ زَادَتْ التَّرِكَةُ قَبْلَ الْقَبْضِ