الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَاخْتَارَهُ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ ; لِأَنَّ النِّيَّةَ إنَّمَا تَصْرِفُ اللَّفْظَ إلَى مُحْتَمَلٍ وَلَا احْتِمَالَ فِي النَّصِّ الصَّرِيحِ، إنَّمَا الِاحْتِمَالُ فِي الْعُمُومِ، وَيَشْهَدُ لَهُ قَوْلُ أَحْمَدَ فِي رِوَايَةِ صَالِحٍ: النِّيَّةُ فِيمَا خَفِيَ لَيْسَ فِيمَا ظَهَرَ.
وَمِنْهَا: لَوْ قَالَ نِسَائِي الْأَرْبَعُ طَوَالِقُ وَاسْتَثْنَى بِقَوْلِهِ فُلَانَةَ فَهِيَ كَاَلَّتِي قَبْلَهَا.
وَمِنْهَا: لَوْ قَالَ كُلُّ عَبْدٍ لِي حُرٌّ وَاسْتَثْنَى بِقَلْبِهِ بَعْضَ عَبِيدِهِ، فَذَكَرَ ابْنُ أَبِي مُوسَى فِي صِحَّتِهِ رِوَايَتَيْنِ، وَلَكِنْ صِحَّةُ الِاسْتِثْنَاءِ هُنَا أَظْهَرُ، وَفِي كَلَامِ أَحْمَدَ فِي مَسْأَلَةِ الْأَشْقَاصِ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ ; لِأَنَّ كُلًّا وَإِنْ كَانَتْ مَوْضُوعَةً لِاسْتِغْرَاقِ مَا يُضَافُ إلَيْهِ، إلَّا أَنَّهَا مِنْ صِيَغِ الْعُمُومِ الْقَابِلَةِ فِي الْجُمْلَةِ.
[تَنْبِيهٌ الْإِثْبَاتِ وَالنَّفْيِ فِي الْأَيْمَانِ]
تَنْبِيهٌ حَسَنٌ: فَرَّقَ الْأَصْحَابُ بَيْنَ الْإِثْبَاتِ وَالنَّفْيِ فِي الْأَيْمَانِ فِي مَسَائِلَ، وَقَالُوا فِي الْإِثْبَاتِ: لَا يَتَعَلَّقُ الْبِرُّ إلَّا بِتَمَامِ الْمُسَمَّى، وَفِي الْحِنْثِ يَتَعَلَّقُ بِبَعْضِهِ عَلَى الصَّحِيحِ، وَقَالُوا: الْأَيْمَانُ تُحْمَلُ عَلَى عُرْفِ الشَّرْعِ وَالشَّارِعِ إذَا نَهَى عَنْ شَيْءٍ تَعَلَّقَ النَّهْيُ بِجُمْلَتِهِ وَأَبْعَاضِهِ، وَإِذَا أَمَرَ بِشَيْءٍ لَمْ يَحْصُلْ الِامْتِثَالُ بِدُونِ الْإِتْيَانِ بِكَمَالِهِ.
فَأَخَذَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ مِنْ هَذَا أَنَّ الْيَمِينَ فِي الْإِثْبَاتِ لَا تَعُمُّ وَفِي النَّفْيِ تَعُمُّ، كَمَا عَمَّتْ أَجْزَاءَ الْمَحْلُوفِ، قَالَ: وَقَدْ ذَكَرَ الْقَاضِي فِي مَوْضِعٍ مِنْ خِلَافِهِ أَنَّ السَّبَبَ يَقْتَضِي التَّعْمِيمَ فِي النَّفْيِ دُونَ الْإِثْبَاتِ. قَالَ الشَّيْخُ: وَهَذَا قِيَاسُ الْمَذْهَبِ فِي الْأَيْمَانِ، وَقَرَّرَهُ بِأَنَّ الْمَفَاسِدَ يَجِبُ اجْتِنَابُهَا كُلَّهَا، بِخِلَافِ الْمَصَالِحِ فَإِنَّهُ إنَّمَا يَجِبُ تَحْصِيلُ مَا يُحْتَاجُ إلَيْهِ مِنْهَا ; فَإِذَا وَجَبَ تَحْصِيلُ مَنْفَعَةٍ لَمْ يَجِبْ تَحْصِيلُ أُخْرَى مِثْلِهَا لِلِاسْتِغْنَاءِ عَنْهَا بِالْأُولَى، وَكَلَامُهُ يَشْمَلُ التَّعْمِيمَ بِالنِّيَّةِ أَيْضًا، حَتَّى ذَكَرَ فِي الْعِلَّةِ الْمَنْصُوصَةِ فِي كَلَامِ الشَّارِعِ أَنَّهَا كَانَتْ فِي تَحْرِيمٍ تَعَدَّتْ بِالْقِيَاسِ إلَى غَيْرِ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ بِالْعِلَّةِ، وَإِنْ كَانَتْ إيجَابًا لَمْ تَتَعَدَّ، وَذَكَرَ أَنَّ هَذَا قِيَاسُ الْمَذْهَبِ.
وَحَكَى عَنْ أَبِي الْخَطَّابِ أَنَّهُ لَوْ قَالَ: أَوْجَبْت كُلَّ يَوْمٍ أَكْلَ السُّكَّرِ ; لِأَنَّهُ حُلْوٌ وَجَبَ أَكْلُ كُلِّ حُلْوٍ، ثُمَّ قَالَ وَهَذَا بَعِيدٌ، بَلْ الَّذِي يُقَالُ إنَّهُ يَجِبُ كُلَّ يَوْمٍ أَكْلُ شَيْءٍ مِنْ الْحُلْوِ كَائِنًا مَا كَانَ، قَالَ وَفِيهِ نَظَرٌ ; لِأَنَّهُ يُبْطِلُ إيجَابَ السُّكَّرِ، وَعَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ يُرْفَعُ إشْكَالٌ فِي مَسْأَلَةِ قَوْلِ السَّيِّدِ: أَعْتَقْت غَانِمًا لِسَوَادِهِ، وَأَنَّهُ لَا يُعْتَقُ عَلَيْهِ كُلُّ أَسْوَدَ كَمَا هُوَ قَوْلُ الْجُمْهُورِ، خِلَافًا لِمَا ذَكَرَهُ أَبُو الْفَتْحِ الْحَلْوَانِيُّ وَأَبُو الْخَطَّابِ.
[الْقَاعِدَةُ السَّادِسَةُ وَالْعِشْرُونَ بَعْدَ الْمِائَةِ الصُّوَرُ الَّتِي لَا تُقْصَدُ مِنْ الْعُمُومِ عَادَةً]
(الْقَاعِدَةُ السَّادِسَةُ وَالْعِشْرُونَ بَعْدَ الْمِائَةِ) : الصُّوَرُ الَّتِي لَا تُقْصَدُ مِنْ الْعُمُومِ عَادَةً إمَّا لِنُدُورِهَا أَوْ لِاخْتِصَاصِهَا بِمَانِعٍ لَكِنْ يَشْمَلُهَا اللَّفْظُ مَعَ اعْتِرَافِ الْمُتَكَلِّمِ بِأَنَّهُ لَمْ يُرِدْ إدْخَالَهَا فِيهِ هَلْ يُحْكَمُ بِدُخُولِهَا أَمْ لَا؟ فِي الْمَسْأَلَةِ خِلَافٌ، وَيَتَرَجَّحُ فِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ الدُّخُولُ وَفِي بَعْضِهَا عَدَمُهُ بِحَسَبِ قُوَّةِ الْقَرَائِنِ وَضَعْفِهَا، وَيَتَخَرَّجُ عَلَى هَذِهِ الْقَاعِدَةِ مَسَائِلُ كَثِيرَةٌ:
(مِنْهَا) : إذَا قِيلَ تَزَوَّجْت عَلَى امْرَأَتِك فَقَالَ: كُلُّ امْرَأَةٍ طَالِقٌ هَلْ تَطْلُقُ الْمَرْأَةُ الْمُخَاطَبَةُ أَمْ لَا إذَا
قَالَ لَمْ أَرُدَّهَا؟ وَقَدْ سَبَقَ أَنَّ أَحْمَدَ نَصَّ تَارَةً عَلَى أَنَّهَا تَطْلُقُ وَتُوقَفُ فِيهَا أُخْرَى.
وَخَرَّجَهَا ابْنُ عَقِيلٍ عَلَى رِوَايَتَيْنِ.
وَمِنْهَا: لَوْ قَذَفَ أَبَاهُ إلَى آدَمَ وَحَوَّاءَ، فَنَصَّ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ حَرْبٍ أَنَّ عَلَيْهِ حَدًّا وَاحِدًا وَلَمْ يَجْعَلْهُ رِدَّةً عَنْ الْإِسْلَامِ ; لِأَنَّهُ لَمْ يَقْصِدْ دُخُولَ الْأَنْبِيَاءِ فِي ذَلِكَ وَلَا يَقْصِدُ ذَلِكَ مُسْلِمٌ، وَخَرَّجَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ ابْنُ تَيْمِيَّةَ فِيهَا وَجْهًا آخَرَ أَنَّهُ رِدَّةٌ مِنْ الْمَسْأَلَةِ الْآتِيَةِ.
وَمِنْهَا: لَوْ قَالَ عَصَيْت اللَّهَ فِيمَا أَمَرَنِي بِهِ هَلْ يَكُونُ يَمِينًا؟ قَالَ الْقَاضِي لَيْسَ بِيَمِينٍ ; لِأَنَّ الْمَشْهُورَ تَخْصِيصُ الْمَعَاصِي بِالذُّنُوبِ دُونَ الْكُفْرِ وَقَالَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ عِنْدِي أَنَّهُ يَمِينٌ لِدُخُولِ التَّوْحِيدِ فِيهِ.
وَمِنْهَا: لَوْ قَالَ لِعَبِيدِهِ وَهُمْ عِنْدَهُ: أَنْتُمْ أَحْرَارٌ، وَكَانَ فِيهِمْ أُمُّ وَلَدِهِ وَهُوَ لَا يَعْلَمُ بِهَا وَلَمْ يُرِدْ عِتْقَهَا، هَلْ تُعْتَقُ أَمْ لَا؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ حَكَاهُمَا أَبِي بَكْرٍ وَابْنِ أَبِي مُوسَى.
وَنَصَّ أَحْمَدُ عَلَى عِتْقِهَا فِي رِوَايَةِ ابْنِ هَانِئٍ وَغَيْرِهِ، وَشَبَّهَهَا فِي رِوَايَةِ أَحْمَدَ بْنِ الْحُسَيْنِ بْن حَسَّانَ بِمَنْ نَادَى امْرَأَةً لَهُ فَأَجَابَتْهُ أُخْرَى فَطَلَّقَهَا يَظُنُّهَا الْمُنَادَاةَ، وَقَالَ: تَطْلُقُ هَذِهِ بِالْإِجَابَةِ وَتِلْكَ بِالتَّسْمِيَةِ، وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ أَعْنِي مَسْأَلَةَ الْمُنَادَاةِ فِيهَا رِوَايَتَانِ:
إحْدَاهُمَا: تَطْلُقُ الْمُنَادَاةُ وَحْدَهَا نَقَلَهَا مُهَنَّا وَهِيَ اخْتِيَارُ الْأَكْثَرِينَ كَأَبِي بَكْرٍ وَابْنِ حَامِدٍ وَالْقَاضِي فَيَتَعَيَّنُ تَخْرِيجُ رِوَايَةٍ فِي أُمِّ الْوَلَدِ أَنَّهَا لَا تُعْتَقُ مِنْهَا، وَعَلَى الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ: تَطْلُقُ الْمُنَادَاةُ وَالْمُجِيبَةُ، وَظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ فِي رِوَايَةِ أَحْمَدَ بْنِ الْحُسَيْنِ بْنِ حَسَّانَ أَنَّهُمَا يُطَلَّقَانِ جَمِيعًا فِي الْبَاطِنِ.
وَالظَّاهِرِ، كَمَا يَقُولُ فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ إذَا لَقِيَ امْرَأَةً يَظُنُّهَا أَجْنَبِيَّةً فَطَلَّقَهَا فَإِذَا هِيَ زَوْجَتُهُ، أَنَّ زَوْجَتَهُ تَطْلُقُ ظَاهِرًا أَوْ بَاطِنًا.
وَزَعَم صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ أَنَّ الْمُجِيبَةَ إنَّمَا تَطْلُقُ ظَاهِرًا، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ الْمُطَلَّقَةِ الَّتِي يَعْتَقِدُهَا أَجْنَبِيَّةً أَنَّ الطَّلَاقَ هَاهُنَا صَادَفَ مَحِلًّا فَنَفَذَ فِيهِ وَهُوَ الْمُنَادَاةُ فَلَا يُحْتَاجُ إلَى مَحِلٍّ آخَرَ، بِخِلَافِ طَلَاقِ مَنْ يَعْتَقِدُهَا أَجْنَبِيَّةً، فَإِنَّهُ لَوْ لَمْ يَقَعْ بِهَا لِلْغَيِّ الطَّلَاقُ الصَّادِرُ مِنْ أَهْلِهِ فِي مَحِلِّهِ وَلَا سَبِيلَ إلَيْهِ، وَقَدْ أَشَارَ أَحْمَدُ إلَى مَعْنَى هَذَا الْفَرْقِ وَسَنَذْكُرُهُ فِيمَا بَعْدُ إنْ شَاءَ اللَّهُ.
وَمِنْهَا: لَوْ حَلَفَ لَا يُسَلِّمُ عَلَى فُلَانٍ فَسَلَّمَ عَلَى جَمَاعَةٍ هُوَ فِيهِمْ وَهُوَ لَا يَعْلَمُ بِمَكَانِهِ وَلَمْ يَرُدَّهُ بِالسَّلَامِ، فَحَكَى الْأَصْحَابُ فِي حِنْثِهِ الرِّوَايَتَيْنِ، وَيُشْبِهُ تَخْرِيجَهُمَا عَلَى مَسْأَلَةِ مَنْ حَلَفَ لَا يَفْعَلُ فَفَعَلَهُ جَاهِلًا بِأَنَّهُ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ، وَالْمَنْصُوصُ هَاهُنَا عَنْ أَحْمَدَ الْحِنْثُ فِي رِوَايَةِ مُهَنَّا، حَتَّى فِيمَا إذَا كَانَ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ مُسْتَتِرًا بَيْنَ الْقَوْمِ بِبَارِيَةٍ فِي الْمَسْجِدِ وَهُوَ لَا يَرَاهُ.
وَنَقَلَ أَبُو طَالِبٍ إنْ كَانَ وَحْدَهُ فَسَلَّمَ عَلَيْهِ وَهُوَ لَا يَعْرِفُهُ حَنِثَ، وَإِنْ كَانَ بَيْنَ جَمَاعَةٍ وَهُوَ لَمْ يَعْلَمْ بِهِ لَمْ يَحْنَثْ ; لِأَنَّهُ أَرَادَ الْجَمَاعَةَ، وَهَذَا يُشْبِهُ مَا تَقَدَّمَ فِي الْفَرْقِ بَيْنَ الْمُنَادَاةِ إذَا أَجَابَتْ غَيْرَهَا، وَبَيْنَ مَنْ يُطَلِّقُهَا يَعْتَقِدُهَا أَجْنَبِيَّةً، فَإِنَّ الْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ لَمْ يَقْصِدْ السَّلَامَ عَلَيْهِ بِالْكُلِّيَّةِ، وَهُنَاكَ مَنْ يَصِحُّ قَصْدُهُ وَغَيْرُهُ، فَانْصَرَفَ السَّلَامُ إلَيْهِ دُونَهُ، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ وَحْدَهُ فَالْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ وُجِدَ وَلَكِنْ مَعَ الْجَهْلِ بِهِ، وَقَدْ تَأَوَّلَ الْقَاضِي رِوَايَةَ أَبِي طَالِبٍ هَذِهِ عَلَى أَنَّهُ أَخْرَجَهُ بِالنِّيَّةِ مِنْ السَّلَامِ وَلَا يَصِحُّ ; لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ عَالِمًا بِحُضُورِهِ بَيْنَهُمْ، فَكَيْفَ يَسْتَثْنِيهِ بِالنِّيَّةِ؟
وَمِنْهَا: لَوْ وَقَفَ الْمُسْلِمُ عَلَى قَرَابَتِهِ أَوْ أَهْلِ قَرْيَتِهِ أَوْ وَصَّى لَهُمْ وَفِيهِمْ مُسْلِمُونَ وَكُفَّارٌ لَمْ يَتَنَاوَلْ