الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَخَرَّجَهُمَا صَاحِبُ التَّلْخِيصِ مِنْ الْمَسْأَلَةِ الَّتِي قَبْلَهَا، وَالْمَذْهَبُ عِنْدَ الْقَاضِي فِي الْخِلَافِ أَنَّهُ لَا يَنْفَسِخُ كَشِرَاءِ الْمُسْتَأْجِرِ، وَقَالَ فِي الْمُجَرَّدِ يَنْفَسِخُ، وَتَوَجَّهَ بِأَنَّ الْمِلْكَ بِالْإِرْثِ قَهْرِيٌّ يَقْتَضِي تَمَلُّكَ مَا لَا يُتَمَلَّكُ مِثْلُهُ بِالْعُقُودِ فَجَازَ أَنْ يَمْلِكَ بِهِ الْمَنَافِعَ الْمُسْتَأْجَرَةَ مِنْ مُسْتَأْجَرِهَا فَتَنْفَسِخُ الْإِجَارَةُ، وَأَيْضًا فَقَدْ يَنْبَنِي هَذَا عَلَى الْمَنَافِعِ الْمُسْتَأْجَرَةِ هَلْ تَحْدُثُ عَلَى مِلْكِ الْمُؤَجِّرِ ثُمَّ تَنْتَقِلُ إلَى مِلْكِ الْمُسْتَأْجِرِ فَإِنْ قُلْنَا بِذَلِكَ فَلَا مَعْنَى لِحُدُوثِهَا عَلَى مِلْكِهِ وَانْتِقَالِهَا إلَيْهِ، هَذَا إذَا كَانَ ثُمَّ وَارِثٌ سِوَاهُ لِأَنَّ فَائِدَةَ بَقَاءِ الْإِجَارَةِ اسْتِحْقَاقُ بَقِيَّةِ الْأُجْرَةِ، فَإِذَا لَمْ يَكُنِ وَارِثٌ سِوَاهُ فَلَا مَعْنَى لِاسْتِحْقَاقِهِ الْعِوَضَ عَلَى نَفْسِهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ عَلَى أَبِيهِ دَيْنٌ لِغَيْرِهِ وَقَدْ مَاتَ مُفْلِسًا بَعْدَ أَنْ أَسْلَفَهُ الْأُجْرَةَ.
وَمِنْهَا: لَوْ اشْتَرَى طَلْعًا لَمْ يُؤَبَّرْ فِي رُءُوسِ نَخْلَةٍ بِشَرْطِ قَطْعِهِ ثُمَّ اشْتَرَى أَصْلَهُ فِي الْحَالِ، فَهَلْ يَتَخَرَّجُ انْفِسَاخُ الْبَيْعِ فِي الطَّلْعِ عَلَى مَا مَرَّ مِنْ الْوَجْهَيْنِ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْمَنْفَعَةِ لِتَبَعِهِ فِي الْبَيْعِ أَمْ لَا ; لِأَنَّهُ عَيْنٌ مُسْتَقِلَّةٌ؟ فِيهِ تَرَدُّدٌ، وَالْمَجْزُومُ بِهِ فِي الْكَافِي أَنَّهُ لَا يَنْفَسِخُ بِغَيْرِ خِلَافٍ.
[الْقَاعِدَةُ السَّادِسَة وَالثَّلَاثُونَ مَنْ اسْتَأْجَرَ عَيْنًا مِمَّنْ لَهُ وِلَايَةُ الْإِيجَارِ ثُمَّ زَالَتْ وِلَايَتُهُ]
(الْقَاعِدَةُ السَّادِسَة وَالثَّلَاثُونَ) : مَنْ اسْتَأْجَرَ عَيْنًا مِمَّنْ لَهُ وِلَايَةُ الْإِيجَارِ ثُمَّ زَالَتْ وِلَايَتُهُ قَبْلَ انْقِضَاءِ الْمُدَّةِ فَهَلْ تَنْفَسِخُ الْإِجَارَةُ؟ هَذَا قِسْمَانِ:
أَحَدُهُمَا: أَنْ تَكُونَ إجَارَتُهُ إجَارَةً بِوِلَايَةٍ مَحْضَةٍ، فَإِنْ كَانَ وَكِيلًا مَحْضًا فَالْكَلَامُ فِي مُوَكِّلِهِ دُونَهُ.
وَإِنْ كَانَ مُسْتَقِلًّا بِالتَّصَرُّفِ فَإِنْ انْتَقَلَتْ الْوِلَايَةُ إلَى غَيْرِهِ، لَا تَنْفَسِخُ الْإِجَارَةُ ; لِأَنَّ الْوَلِيَّ الثَّانِي يَقُومُ مَقَامَ الْأَوَّلِ كَمَا يَقُومُ الْمَالِكُ الثَّانِي مَقَامَ الْأَوَّلِ، وَإِنْ زَالَتْ الْوِلَايَةُ عَنْ الْمُوَلَّى عَلَيْهِ بِالْكُلِّيَّةِ كَصَبِيٍّ يَبْلُغُ بَعْدَ إيجَارِهِ أَوْ إيجَارِ عَقَارِهِ وَالْمُدَّةُ بَاقِيَةٌ، فَفِي الِانْفِسَاخِ وَجْهَانِ أَشْهَرُهُمَا عَدَمُهُ، وَهُوَ قَوْلُ الْقَاضِي وَأَصْحَابِهِ لِأَنَّهُ تَصَرَّفَ لَهُ تَصَرُّفًا لَازِمًا فَلَا تَنْفَسِخُ بِبُلُوغِهِ كَمَا لَوْ زَوَّجَهُ أَوْ بَاعَ عَقَارَهُ.
وَالثَّانِي: يَنْفَسِخُ، ذَكَرَهُ فِي الْمُغْنِي وَجْهًا لِأَنَّهُ أَجَّرَهُ مُدَّةً لَا وِلَايَةَ لَهُ عَلَيْهِ فِيهَا بِالْكُلِّيَّةِ، فَأَشْبَهَ إجَارَةَ الْبَطْنِ الْأَوَّلِ لِلْوَقْفِ إذَا انْقَرَضَ قَبْلَ انْقِضَاءِ الْمُدَّةِ، وَفَارَقَ الْبَيْعَ لِأَنَّهُ يَنْبَرِمُ فِي الْحَالِ وَتَنْقَطِعُ عَلَقَتُهُ.
نَعَمْ لَوْ كَانَ بُلُوغُهُ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ فَفِيهِ نَظَرٌ، وَكَذَا النِّكَاحُ يَنْبَرِمُ مِنْ حِينِهِ، الْمَاتَمْرَغِيُّ الْمَهْرُ فِيهِ بِالدُّخُولِ بِخِلَافِ الْإِجَارَةِ ; لِأَنَّ الْأُجْرَةَ تَتَقَسَّطُ فِيهَا عَلَى الْمُدَّةِ وَلَا يَسْتَقِرُّ الْمِلْكُ فِيهَا إلَّا بِاسْتِيفَاءِ الْمَنَافِعِ شَيْئًا بَعْدَ الشَّيْءِ، وَذَكَرَ فِي الْمُغْنِي وَجْهًا آخَرَ: أَنَّهُ إنْ أَجَّرَهُ مُدَّةً يَعْلَمُ بُلُوغَهُ فِيهَا قَطْعًا لَمْ يَصِحَّ فِي الزَّائِدِ، وَيُخَرَّجُ الْبَاقِي عَلَى تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ وَنَحْوِهِ، ذَكَرَهُ صَاحِبُ التَّلْخِيصِ.
وَالْقِسْمُ الثَّانِي: أَنْ تَكُونَ إجَارَتُهُ بِمِلْكٍ ثُمَّ تَنْتَقِلُ إلَى غَيْرِهِ وَهُوَ أَنْوَاعٌ: أَحَدُهَا: أَنْ تَنْتَقِلَ عَنْهُ إلَى مَنْ يَمْلِكُ بِالْقَهْرِ مَا يَسْتَوْلِي عَلَيْهِ، فَتَنْفَسِخُ الْإِجَارَةُ لِمِلْكِهِ الْمَنَافِعَ الْبَاقِيَةَ مِنْهَا، وَدَخَلَ تَحْتَ هَذَا إذَا أَجَّرَ مُسْلِمٌ شَيْئًا ثُمَّ اسْتَوْلَى عَلَيْهِ الْكُفَّارُ، وَإِذَا أَجَّرَ الْحَرْبِيُّ شَيْئًا لِحَرْبِيٍّ ثُمَّ اسْتَوْلَى عَلَيْهِ الْمُسْلِمُونَ، أَمَّا إنْ أَجَّرَ الْحَرْبِيُّ شَيْئًا لِمُسْلِمٍ أَوْ ذِمِّيٍّ ثُمَّ اسْتَوْلَى عَلَيْهِ الْمُسْلِمُونَ فَالْإِجَارَةُ بَاقِيَةٌ لِأَنَّ الْمَنَافِعَ مِلْكٌ لِمَعْصُومٍ فَلَا تُمْلَكُ.
وَثَانِيهَا: أَنْ يَنْتَقِلَ الْمِلْكُ إلَى مَنْ خَلَفَهُ فِي مَالِهِ وَيَقُومُ مَقَامَهُ وَيَتَلَقَّى الْمِلْكَ عَنْهُ فَلَا اعْتِرَاضَ لَهُ عَلَى عُقُودِهِ بَلْ هُوَ مُنَفِّذٌ لَهَا وَذَلِكَ كَالْوَارِثِ وَالْمُشْتَرِي وَالْمُتَّهِبِ وَالْمُوصَى لَهُ بِالْعَيْنِ وَالزَّوْجَةِ إذَا أَخَذَتْ الْعَيْنَ صَدَاقًا، أَوْ أَخَذَهُ مِنْهَا عِوَضًا عَنْ خُلْعٍ أَوْ صُلْحًا أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ.
وَثَالِثُهَا: أَنْ يَكُونَ مُزَاحِمًا لِلْأَوَّلِ فِي الِاسْتِحْقَاقِ وَمُتَلَقِّيًا لِلْمِلْكِ عَمَّنْ تَلَقَّاهُ الْأَوَّلُ، لَكِنْ لَا حَقَّ لَهُ فِي الْعَيْنِ إلَّا بَعْدَ انْتِهَاءِ اسْتِحْقَاقِهِ كَالْبَطْنِ الثَّانِي مِنْ أَهْلِ الْوَقْفِ إذَا أَجَّرَ الْبَطْنَ الْأَوَّلَ ثُمَّ انْقَرَضَ وَالْإِجَارَةُ قَائِمَةٌ وَفِيهِ وَجْهَانِ:
أَحَدُهُمَا: وَهُوَ مَا قَالَ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ: أَنَّهُ قِيَاسُ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ لَا تَنْفَسِخُ ; لِأَنَّ الثَّانِي لَا حَقَّ لَهُ فِي الْعَيْنِ إلَّا بَعْدَهُ فَهُوَ كَالْوَارِثِ.
وَالثَّانِي: وَهُوَ الْمَذْهَبُ الصَّحِيحُ وَبِهِ جَزَمَ الْقَاضِي فِي خِلَافِهِ، وَقَالَ: إنَّهُ ظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ وَابْنِهِ أَبِي الْحُسَيْنِ وَحَكَيَاهُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ بْنِ شَاقِلَا، وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَقِيلٍ وَغَيْرُهُ: أَنَّهُ يَنْفَسِخُ ; لِأَنَّ الطَّبَقَةَ الثَّانِيَة تَسْتَحِقُّ الْعَيْنَ بِجَمِيعِ مَنَافِعِهَا تَلَقِّيًا عَنْ الْوَاقِفِ بِانْقِرَاضِ الطَّبَقَةِ الْأُولَى فَلَا حَقَّ لِلْأُولَى فِيهِ بَعْدَ انْقِرَاضِهِمْ، بِخِلَافِ الْوَرَثَةِ فَإِنَّهُمْ لَا مَنْخَرَيْهِ عَنْ مُوَرِّثِهِمْ إلَّا مَا خَلَّفَهُ فِي مِلْكِهِ مِنْ الْأَمْوَالِ وَلَمْ يَخْلُفْ هَذِهِ الْمَنَافِعَ، وَحَقُّ الْمَالِكِ لَمْ يَنْقَطِعْ عَنْ مِيرَاثِهِ بِالْكُلِّيَّةِ بَلْ آثَارُهُ بَاقِيَةٌ وَلِذَلِكَ تُقْضَى دُيُونُهُ وَتُنَفَّذُ وَصَايَاهُ مِنْ الشَّرِكَةِ وَهِيَ مِلْكُهُ عَلَى قَوْلِهِ إلَى أَنْ تُقْضَى دُيُونُهُ، فَكَيْفَ يَعْرِضُ عَلَيْهِ فِي تَصَرُّفَاتِهِ بِنَفْسِهِ، وَأَيْضًا فَهُوَ كَانَ يَمْلِكُ التَّصَرُّفَ فِي مَالِهِ عَلَى التَّأْيِيدِ بِوَقْفِ عَقَارِهِ وَالْوَصِيَّةِ بِهِ وَبِمَا تَحْمِلُ شَجَرَتُهُ أَبَدًا، وَالْمَوْقُوفُ عَلَيْهِ بِخِلَافِهِ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ.
وَخَرَّجَ صَاحِبُ الْمُغْنِي وَجْهًا آخَرَ بِبُطْلَانِ الْعَقْدِ مِنْ أَصْلِهِ بِنَاءً عَلَى تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ كَمَا سَبَقَ، لَكِنَّ الْأُجْرَةَ إنْ كَانَتْ مُقَسَّطَةً عَلَى أَشْهُرِ مُدَّةِ الْإِجَارَةِ أَوْ أَعْوَامِهَا فَهِيَ صَفَقَاتٌ مُتَعَدِّدَةٌ عَلَى أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ فَلَا تَبْطُلُ جَمِيعًا بِبُطْلَانِ بَعْضِهَا، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ مُقَسَّطَةً فَهِيَ صَفْقَةٌ وَاحِدَةٌ فَيَطَّرِدُ فِيهَا الْخِلَافُ الْمَذْكُورُ.
وَاعْلَمْ أَنَّ فِي ثُبُوتِ الْوَجْهِ الْأَوَّلِ نَظَرًا ; لِأَنَّ الْقَاضِيَ إنَّمَا فَرَضَهُ فِيمَا إذَا أَجَّرَ الْمَوْقُوفَ عَلَيْهِ لِكَوْنِ النَّظَرِ لَهُ مَشْرُوطًا وَهَذَا مَحَلُّ تَرَدُّدٍ، أَعْنِي: إذَا أَجَّرَ بِمُقْتَضَى النَّظَرِ الْمَشْرُوطِ لَهُ هَلْ يَلْحَقُ بِالنَّاظِرِ الْعَامِّ فَلَا يَنْفَسِخُ بِمَوْتِهِ الْإِجَارَاتُ أَمْ لَا؟ فَإِنَّ مِنْ أَصْحَابِنَا الْمُتَأَخِّرِينَ مَنْ أَلْحَقهُ بِالنَّاظِرِ الْعَامِّ فِي ذَلِكَ، وَهَكَذَا حُكْمُ الْمُقْطِعِ إذَا أَجَّرَ أَقْطَاعَهُ ثُمَّ انْتَقَلَتْ عَنْهُ إلَى غَيْرِهِ بِإِقْطَاعِ أَحَدٍ.
وَرَابِعُهَا: أَنْ يَكُونَ مُزَاحِمًا لِلْأَوَّلِ فِي اسْتِحْقَاقِ التَّلَقِّي عَمَّنْ تَلَقَّى عَنْهُ الْأَوَّلُ بِسَبْقِ حَقِّهِ وَتَقْدِيمِهِ عَلَيْهِ وَهُوَ الْمُشْتَرِي لِلشِّقْصِ الْمَشْفُوعِ إذَا أَجَّرَ، وَقُلْنَا بِصِحَّةِ تَصَرُّفَاتِهِ بِالْإِجَارَةِ أَوْ غَيْرِهَا، ثُمَّ انْتَزَعَهُ الشَّفِيعُ وَفِيهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ: أَحَدُهَا: وَهُوَ مَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْمُقْنِعِ لَا تَنْفَسِخُ الْإِجَارَةُ، لِأَنَّ مِلْكَ الْمُؤَجِّرِ ثَابِتٌ، وَيَسْتَحِقُّ الشَّفِيعُ الْأُجْرَةَ مِنْ يَوْمِ أَخْذِهِ ; لِأَنَّهُ يَسْتَحِقُّ انْتِزَاعَ الْعَيْنِ وَالْمَنْفَعَةِ، فَإِذَا فَاتَ أَحَدُهُمَا رَجَعَ إلَى بَدَلِهِ وَهُوَ الْأُجْرَةُ هَا هُنَا، كَمَا نَقُولُ فِي الْوَقْفِ إذَا انْتَقَلَ إلَى الْبَطْنِ الثَّانِي وَلَمْ تَنْفَسِخْ إجَارَتُهُ إنَّهُمْ يَسْتَحِقُّونَ