الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَإِنَّمَا يُحْكَمُ بِالِانْفِسَاخِ بَعْدَ التَّلَفِ وَالْخُسْرَانِ فَيَكُونُ هَذَا الْعَقْدُ مُفِيدًا لِلشَّرِكَةِ فِي الرِّبْحِ خَاصَّةً وَيَكُونُ فَسْخُهُ مُعَلَّقًا عَلَى شَرْطٍ وَيُكْتَفَى بِذَلِكَ بِمُسَمَّى الشَّرِكَةِ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ إلَى شَرْطٍ لَفْظِيٍّ وَقَدْ نَصَّ أَحْمَدُ عَلَى جَوَازِ هَذَا فِي رِوَايَةِ جَمَاعَةٍ مِنْهُمْ الْأَثْرَمُ وَمُهَنَّا وَأَحْمَدُ بْنُ الْقَاسِمِ وَسِنْدِيٌّ وَأَبُو طَالِبٍ وَأَحْمَدُ بْنُ سَعِيدٍ وَابْنُ مَنْصُورٍ وَغَيْرُهُمْ وَنُقِلَ مِثْلُ ذَلِكَ عَنْ شُرَيْحٍ وَالشَّعْبِيِّ صَرِيحًا وَسُئِلَ أَحْمَدُ هَلْ يَدْخُلُ هَذَا فِي رِبْحِ مَا لَمْ يُضْمَنْ؟ فَقَالَ: هُوَ مِثْلُ الْمُضَارِبِ يَأْخُذُ الرِّبْحَ وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ. وَقَدْ أَشْكَلَ تَوْجِيهُ كَلَامِ أَحْمَدَ عَلَى الْقَاضِي فَحَمَلَهُ عَلَى مَحَامِلَ بَعِيدَةٍ جِدًّا وَحَمَلَهُ ابْنُ أَبِي مُوسَى عَلَى ظَاهِرِهِ وَتَبِعَهُ الشِّيرَازِيُّ إلَّا أَنَّهُ خَرَّجَ وَجْهًا آخَرَ أَنَّ الْوَضِيعَةَ عَلَيْهِمَا كَالرِّبْحِ.
[الْقَاعِدَةُ السِّتُّونَ التَّفَاسُخُ فِي الْعُقُودِ الْجَائِزَةِ مَتَى تَضَمَّنَ]
(الْقَاعِدَةُ السِّتُّونَ) : التَّفَاسُخُ فِي الْعُقُودِ الْجَائِزَةِ مَتَى تَضَمَّنَ ضَرَرًا عَلَى أَحَدِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ أَوْ غَيْرِهِمَا مِمَّنْ لَهُ تَعَلُّقٌ بِالْعَقْدِ لَمْ يَجُزْ وَلَمْ يَنْفُذْ إلَّا أَنْ يُمْكِنَ اسْتِدْرَاكُ الضَّرَرِ بِضَمَانٍ أَوْ نَحْوِهِ فَيَجُوزُ عَلَى ذَلِكَ الْوَجْهِ.
فَمِنْ ذَلِكَ الْمُوصَى إلَيْهِ أَطْلَقَ كَثِيرٌ مِنْ الْأَصْحَابِ أَنَّ لَهُ الرَّدَّ بَعْدَ الْقَبُولِ فِي حَيَاةِ الْمُوصِي وَبَعْدَهُ وَقَيَّدَ ذَلِكَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ بِمَا إذَا وَجَدَ حَاكِمًا لِئَلَّا يَضِيعَ إسْنَادُهَا فَيَقَعُ الضَّرَرُ وَأَخَذَهَا مِنْ رِوَايَةِ حَنْبَلٍ عَنْ أَحْمَدَ فِي الْوَصِيِّ يَدْفَعُ الْوَصِيَّةَ إلَى الْحَاكِمِ فَيَبْرَأُ مِنْهَا قَالَ إنْ كَانَ حَاكِمًا فَنَعَمْ وَحَكَى رِوَايَةً أُخْرَى أَنَّهُ لَا يَمْلِكُ الرَّدَّ بَعْدَ الْمَوْتِ بِحَالٍ وَلَا قَبْلَهُ إنْ لَمْ يُعْلِمْهُ بِذَلِكَ لِمَا فِيهِ مِنْ التَّغْرِيرِ بِهِ وَحَكَى ابْنُ أَبِي مُوسَى رِوَايَةً أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ الرَّدُّ بِحَالٍ إذَا قَبِلَهَا وَمِنْ الْأَصْحَابِ مَنْ حَمَلَهَا عَلَى مَا بَعْدَ الْمَوْتِ، وَحَكَاهُمَا الْقَاضِي فِي خِلَافِهِ صَرِيحًا فِي الْحَالَيْنِ.
وَمِنْهَا الْوَكِيلُ فِي بَيْعِ الرَّهْنِ إذَا عَزَلَهُ الرَّاهِنُ يَصِحُّ عَزْلُهُ عَلَى الْمَنْصُوصُ لِأَنَّ الْحَاكِمَ يَأْمُرُهُ بِالْبَيْعِ وَيَبِيعُ عَلَيْهِ وَخَرَّجَ ابْنُ أَبِي مُوسَى وَجْهًا آخَرَ أَنَّهُ لَا يَنْعَزِلُ لِأَنَّ فِيهِ تَغْرِيرٌ لِلْمُرْتَهِنِ وَيَتَخَرَّجُ وَجْهٌ ثَالِثٌ بِالْفَرْقِ بَيْنَ أَنْ يُوجَدَ حَاكِمٌ يَأْمُرُ بِالْبَيْعِ أَوْ لَا مِنْ مَسْأَلَةِ الْوَصِيَّةِ
وَمِنْهَا أَنَّهُ يَجُوزُ فَسْخُ عَقْدِ الْجِعَالَةِ لَكِنْ يَسْتَحِقُّ الْعَامِلُ أُجْرَةَ الْمِثْلِ لِبُطْلَانِ الْمُسَمَّى بِالْفَسْخِ فَإِذَا عَمِلَ بِهِ أَحَدٌ مُسْتَنِدًا إلَيْهِ اسْتَحَقَّ أُجْرَةَ الْمِثْلِ كَمَا لَوْ سَمَّى لَهُ تَسْمِيَةً فَاسِدَةً وَيَتَخَرَّجُ أَنْ يَسْتَحِقَّ فِي جَعْلِ الرَّدِّ الْأَبْقَ الْمُسَمَّى بِالشُّرُوعِ لِأَنَّهُ الْمُسْتَحَقُّ بِالْإِطْلَاقِ وَقَدْ صَارَ وُجُودُ التَّسْمِيَةِ كَالْعَدَمِ.
وَمِنْهَا إذَا فَسَخ الْمَالِكُ عَقْدَ الْمُسَاقَاةِ وَقُلْنَا هِيَ جَائِزَةٌ فَإِنْ كَانَ بَعْدَ ظُهُورِ الثَّمَرَةِ فَنَصِيبُ الْعَامِلِ فِيهَا ثَابِتٌ لِأَنَّهُ يَمْلِكُهُ بِالظُّهُورِ رِوَايَةً وَاحِدَةً لِأَنَّ حِصَّةَ الْمُسَاقِي لَيْسَتْ وِقَايَةً لِلْمَالِ بِخِلَافِ الْمُضَارِبِ وَكَذَلِكَ لَوْ فَسَخَ الْعَامِلُ بَعْدَ الظُّهُورِ، وَأَمَّا إنْ كَانَ الْفَسْخُ قَبْلَ الظُّهُورِ فَإِنْ كَانَ مِنْ الْعَامِلِ فَلَا شَيْءَ لَهُ لِإِعْرَاضِهِ وَإِنْ كَانَ مِنْ الْمَالِكِ فَعَلَيْهِ أُجْرَةُ الْمِثْلِ لِلْعَامِلِ لِأَنَّهُ مَنَعَهُ مِنْ إتْمَامِ عَقْدٍ يَقْضِي إلَى حُصُولِ
الْمُسَمَّى لَهُ غَالِبًا فَلَزِمَهُ ضَمَانُهُ وَأَيْضًا فَإِنَّ ظُهُورَ الثَّمَرَةِ بَعْدَ الْفَسْخِ لِعَمَلِ الْعَامِل فِيهَا أَثَرٌ بِالْقِيَامِ عَلَيْهَا وَخِدْمَتِهَا فَلَا يَذْهَبُ عَمَلُهُ مَجَّانًا وَقَدْ أَثَّرَ فِي حُصُولِ الْمَقْصُودِ وَيَتَوَجَّهُ عَلَى قَوْلِ ابْنِ عَقِيلٍ فِي الْمُضَارِبِ أَنْ يَنْفَسِخَ الْعَقْدُ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْمَالِكِ دُونَ الْعَامِلِ فَيَسْتَحِقُّ مِنْ ثَمَرَةِ الْمُسَمَّى لَهُ.
وَمِنْهَا إذَا زَارَعَ رَجُلًا عَلَى أَرْضِهِ ثُمَّ فَسَخَ الْمُزَارَعَةَ قَبْلَ ظُهُورِ الزَّرْعِ أَوْ قَبْلَ الْبَذْرِ وَبَعْدَ الْحَرْثِ قَالَ ابْنُ مَنْصُورٍ فِي مَسَائِلِهِ قُلْت لِأَحْمَدَ: الْأَكَّارُ يُرِيدُ أَنْ يَخْرُجَ مِنْ الْأَرْضِ فَيَبِيعُ الزَّرْعَ قَالَ لَا يَجُوزُ حَتَّى يَبْدُوَ صَلَاحُهُ قُلْت فَيَبِيعُ عَمَلَ يَدَيْهِ وَمَا عَمِلَ فِي الْأَرْضِ وَلَيْسَ فِيهَا زَرْعٌ قَالَ لَمْ يَجِبْ لَهُ شَيْءٌ بَعْدُ إنَّمَا يَجِبُ بَعْدَ التَّمَامِ قَالَ ابْنُ مَنْصُورٍ يَقُولُ يَجِبُ لَهُ بَعْدَ مَا يَبْلُغُ الزَّرْعُ لِمَا اُشْتُرِطَ عَلَيْهِ أَنْ يَعْمَلَ حَتَّى يَفْرُغَ فَأَمَّا أَنْ يَكُونَ يَذْهَبُ عَمَلُ يَدَيْهِ وَمَا أَنْفَقَ فِي الْأَرْضِ فَلَا وَذَلِكَ أَنَّهُ إذَا أَخْرَجَهُ صَاحِبُهُ أَوْ خَرَجَ بِإِذْنِهِ فَإِذَا خَرَجَ مِنْ ذَاتِ نَفْسِهِ فَلَيْسَ لَهُ شَيْءٌ انْتَهَى
. فَحَمَلَ ابْنُ مَنْصُورٍ قَوْلَ أَحْمَدَ أَنَّهُ لَا شَيْءَ لَهُ عَلَى مَا إذَا خَرَجَ بِنَفْسِهِ لِأَنَّهُ مُعْرِضٌ عَمَّا يَسْتَحِقُّهُ مِنْ الْأَرْضِ بِخِلَافِ مَا إذَا أَخْرَجَهُ الْمَالِكُ أَوْ خَرَجَ بِإِذْنِهِ وَظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّهُ تَجِبُ لَهُ أُجْرَةُ عَمَلِهِ بِيَدَيْهِ وَمَا أَنْفَقَ عَلَى الْأَرْضِ مِنْ مَالِهِ مِنْ أَنَّ كَلَامَ أَحْمَدَ قَدْ يُحْمَلُ عَلَى أَنَّهُ أَرَادَ أَنَّهُ لَا يَبِيعُ آثَارَ عَمَلِهِ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ أَعْيَانًا وَهَذَا لَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا حَقَّ لَهُ فِيهَا بِالْكُلِّيَّةِ وَلِهَذَا نَقُولُ فِي آثَارِ الْغَاصِبِ إنَّهُ يَكُونُ شَرِيكًا بِهَا عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ وَالْمُفْلِسُ وَنَحْوُهُ لَا خِلَافَ فِيهِ مَعَ أَنَّ الْقَاضِيَ قَالَ فِي الْأَحْكَامِ السُّلْطَانِيَّةِ قِيَاسُ الْمَذْهَبِ جَوَازُ بَيْعِ الْعِمَارَةِ الَّتِي هِيَ الْإِثَارَةُ وَيَكُونُ شَرِيكًا فِي الْأَرْضِ بِعِمَارَتِهِ
وَأَفْتَى الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ فِيمَنْ زَارَعَ رَجُلًا عَلَى مَزْرَعَةِ بُسْتَانِهِ ثُمَّ أَجَّرَهَا هَلْ تَبْطُلُ الْمُزَارَعَةُ أَنَّهُ إنْ زَارَعَهُ مُزَارَعَةً لَازِمَةً لَمْ تَبْطُلْ بِالْإِجَارَةِ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَازِمَةً أَعْطَى الْفَلَّاحَ أُجْرَةَ عَمَلِهِ وَأَفْتَى أَيْضًا فِي رَجُلٍ زَرَعَ أَرْضًا وَكَانَتْ بَوَارًا وَحَرَثَهَا فَهَلْ لَهُ إذَا خَرَجَ مِنْهَا فَلَّاحُهُ أَنَّهُ إنْ كَانَ لَهُ فِي الْأَرْضِ فِلَاحَةٌ لَمْ يَنْتَفِعْ بِهَا فَلَهُ قِيمَتُهَا عَلَى مَنْ انْتَفَعَ بِهَا فَإِنْ كَانَ الْمَالِكُ انْتَفَعَ بِهَا وَأَخَذَ عِوَضًا عَنْهَا مِنْ الْمُسْتَأْجِرَةِ فَضَمَانُهَا عَلَيْهِ وَإِنْ أَخَذَ الْأُجْرَةَ عَنْ الْأَرْضِ وَحْدَهَا فَضَمَانُ الْفِلَاحَةِ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ الْمُنْتَفِعِ بِهَا وَنَصَّ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ صَالِحٍ فِيمَنْ اسْتَأْجَرَ أَرْضًا مَعْلُومَةً وَشَرَطَ عَلَيْهِ أَنْ يَرُدَّهَا مَفْلُوحَةً كَمَا أَخَذَهَا أَنَّ لَهُ أَنْ يَرُدَّهَا عَلَيْهِ كَمَا شَرَطَ وَيَتَخَرَّجُ مِثْلُ ذَلِكَ فِي الْمُزَارَعَةِ.
وَمِنْهَا الْمُضَارَبَةُ تَنْفَسِخُ بِفَسْخِ الْمَالِكِ لَهَا وَلَوْ كَانَ الْمَالُ عَرَضَا وَلَكِنْ لِلْمُضَارِبِ بَيْعُهُ بَعْدَ الْفَسْخِ لِتَعَلُّقِ حَقِّهِ بِرِبْحِهِ ذَكَرَهُ الْقَاضِي فِي خِلَافِهِ وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ فِي رِوَايَةِ الشَّيْخِ ابْنِ مَنْصُورٍ وَذَكَرَ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ وَابْنِ عَقِيلٍ فِي بَابِ الشَّرِكَةِ أَنَّ الْمُضَارِبَ لَا يَنْعَزِلُ مَا دَامَ عَرْضًا بَلْ يَمْلِكُ التَّصَرُّفَ حَتَّى يَنِضَّ رَأْسُ [الْمَالَ] وَلَيْسَ لِلْمَالِكِ عَزْلُهُ وَإِنَّ هَذَا ظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ فِي رِوَايَةِ حَنْبَلٍ وَذَكَرَا فِي الْمُضَارَبَةِ أَنَّهُ يَنْعَزِلُ بِالنِّسْبَةِ إلَى الشِّرَاءِ دُونَ الْبَيْعِ وَحَمَلَ صَاحِبُ الْمُغْنِي مُطْلَقَ كَلَامِهِمَا فِي الشَّرِكَةِ عَلَى هَذَا التَّقْيِيدِ وَمَعْنَاهُ أَنَّ الْمُضَارِبَ بَعْدَ الْفَسْخِ يَمْلِكُ تَنْضِيضٌ الْمَالِ وَلَيْسَ لِلْمَالِكِ مَنْعُهُ مِنْ ذَلِكَ إذَا كَانَ فِيهِ رِبْحٌ لَكِنَّ ابْنَ عَقِيلٍ صَرَّحَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ بِأَنَّ الْعَامِلَ لَا يَمْلِكُ الْفَسْخَ حَتَّى يَنِضَّ رَأْسُ الْمَالِ مُرَاعَاةً لِحَقِّ
مَالِكِهِ ثُمَّ قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ إذَا قَصَدَ الْمَالِكُ بِعَزْلِهِ الْحِيلَةَ لِاقْتِطَاعِ الرِّبْحِ مِثْلُ أَنْ يَشْتَرِيَ مَتَاعًا يَرْجُو بِهِ الرِّبْحَ فِي مَوْسِمِ فَيَنْفَسِخُ قَبْلَهُ لِيُقَوِّمَهُ بِسِعْرِ يَوْمِهِ وَيَأْخُذُهُ لَمْ يَنْفَسِخْ فِي حَقِّ الْمُضَارِبِ فِي الرِّبْحِ وَإِذَا جَاءَ الْمَوْسِمَ أَخَذَ حِصَّتَهُ مِنْهُ فَجَعَلَ الْعَقْدَ بَاقِيًا بِالنِّسْبَةِ إلَى اسْتِحْقَاقِ نَصِيبِهِ مِنْ الرِّبْحِ الَّذِي أَرَادَ الْمَالِكُ إسْقَاطَهُ بَعْدَ انْعِقَادِ سَبَبِهِ بِعَمَلِ الْمُضَارِبِ فَهُوَ كَالْفَسْخِ بَعْدَ ظُهُورِ الرِّبْحِ وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ أَيْضًا فِي بَابِ الْجِعَالَةِ الْمُضَارَبَةُ كَالْجِعَالَةِ لَا يَمْلِكُ رَبُّ الْمَالِ فَسْخَهَا بَعْدَ تَلَبُّسِ الْعَامِلِ بِالْعَمَلِ وَأَطْلَقَ ذَلِكَ وَقَالَ فِي مُفْرَدَاتِهِ إنَّمَا يَمْلِكُ الْمُضَارِبُ الْفَسْخَ بَعْدَ أَنْ يَنِضَّ رَأْسَ الْمَالِ وَيَعْلَمَ رَبُّ الْمَالِ أَنَّهُ أَرَادَ الْفَسْخَ لِئَلَّا يَتَمَادَى بِهِ الزَّمَانُ فَيَتَعَطَّلَ عَلَيْهِ الْأَرْبَاحُ. قَالَ وَهَذَا هُوَ دَوْرَانَ بِمَذْهَبِنَا وَأَنَّهُ لَا يَحِلُّ لِأَحَدِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ فِي الشَّرِكَةِ وَالْمُضَارَبَاتِ الْفَسْخُ مَعَ كَتْمِ شَرِيكِهِ لِأَنَّهُ ذَرِيعَةٌ إلَى غَايَةِ الْإِضْرَارِ وَهُوَ تَعْطِيلُ الْمَالِ عَنْ الْفَوَائِدِ وَالْأَرْبَاحِ وَلِهَذَا لَا يَمْلِكُ عِنْدَنَا فَسْخَهَا وَرَأْسُ الْمَالِ قَدْ صَارَ عُرُوضًا لَكِنْ إذَا بَاعَ وَنَضَّ رَأْسَ الْمَالِ يَنْفَسِخُ انْتَهَى.
وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِلْمُضَارِبِ الْفَسْخُ حَتَّى يَنِضَّ رَأْسَ الْمَالِ وَيَعْلَمَ بِهِ رَبُّهُ لِئَلَّا يَتَضَرَّرَ بِتَعْطِيلِ مَالِهِ عَنْ الرِّبْحِ كَمَا ذَكَر أَنَّهُ فِي الْفُضُولِ أَنَّ الْمَالِكَ لَا يَمْلِكُ الْفَسْخَ إذَا تَوَجَّهَ الْمَالُ إلَى الرِّبْح وَلَا يَسْقُطُ بِهِ حَقُّ الْعَامِلِ وَهُوَ حَسَنٌ جَارٍ عَلَى قَوَاعِدِ الْمَذْهَبِ فِي اعْتِبَارِ الْمَقَاصِدِ وَسَدِّ الذَّرَائِعِ وَلِهَذَا قُلْنَا إنَّ الْمُضَارِبَ إذَا ضَارَبَ لِآخَرَ مِنْ غَيْرِ عِلْمِ الْأَوَّلِ وَكَانَ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ ضَرَرٌ رَدَّ حَقَّهُ مِنْ الرِّبْحِ فِي شَرِكَةِ الْأَوَّلِ مَعَ مُخَالَفَتِهِ لِإِطْلَاقِ الْأَكْثَرِينَ أَنَّهُ إذَا فَسَخَ قَبْلَ الظُّهُورِ فَلَا شَيْءَ لَهُ وَأَمَّا مَا ذَكَرَهُ فِي بَابِ الْجِعَالَةِ فَفِيهِ بُعْدٌ إلَّا أَنْ يُنَزَّلَ عَلَى مِثْلِ هَذَا الْحَالِ مَعَ أَنَّ الْقَاضِيَ ذَكَرَ مِثْلَهُ أَيْضًا فِي بَابِ الْجِعَالَةِ.
وَمِنْهَا الشَّرِكَةُ إذَا فَسَخَ أَحَدُهُمَا عَقْدَهَا بِالْقَوْلِ انْفَسَخَتْ وَإِنْ قَالَ الْآخَرُ عَزَلْتُكَ انْعَزَلَ الْمَعْزُولُ وَحْدَهُ ذَكَرَهُ الْقَاضِي وَيَنْفَسِخُ مَعَ كَوْنِ الْمَالِ عُرُوضًا أَوْ نَاضًّا وَحَكَى صَاحِبُ التَّلْخِيصِ رِوَايَةً أُخْرَى لَا يَنْعَزِلُ حَتَّى يَنِضَّ الْمَالَ كَالْمُضَارِبِ قَالَ وَهُوَ الْمَذْهَبُ وَفَرَّقَ بِأَنَّ الشَّرِيكَ وَكِيلٌ وَالرِّبْحُ يَدْخُلُ تَبَعًا بِخِلَافِ حَقِّ الْمُضَارِبِ فَإِنَّهُ أَصْلِيٌّ وَلَا يَدْخُلُ بِدُونِ الْبَيْعِ.
وَمِنْهَا الْوَكِيلُ إذَا وَكَّلَهُ فِي فِعْلِ شَيْءٍ ثُمَّ عَزَلَهُ وَتَصَرَّفَ قَبْلَ الْعِلْمِ تَصَرُّفًا يُوجِبُ الضَّمَانَ فَهَلْ يَضْمَنُهُ الْمُوَكِّلُ؟ فِيهِ وَجْهَانِ مَذْكُورَانِ فِيمَا إذَا وَكَّلَهُ فِي اسْتِيفَاءِ الْقِصَاصِ ثُمَّ عَزَلَهُ فَاسْتَوْفَاهُ قَبْلَ الْعِلْمِ قَالَ أَبُو بَكْرٍ لَا ضَمَانَ عَلَى الْوَكِيلِ فَمِنْ الْأَصْحَابِ مَنْ قَالَ لِعَدَمِ تَفْرِيطِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ لِأَنَّ عَفْوَ مُوَكِّلِهِ لَمْ يَصِحَّ حَيْثُ حَصَلَ عَلَى وَجْهٍ لَا يُمْكِنُ اسْتِدْرَاكُهُ فَهُوَ كَمَا لَوْ عَفَى بَعْدَ الرَّمْيِ قَالَ أَبُو بَكْرٍ وَهَلْ يَلْزَمُ الْمُوَكِّلَ الضَّمَانُ؟ عَلَى قَوْلَيْنِ أَحَدُهُمَا لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ وَوُجِّهَ بِأَنَّ عَفْوَهُ لَمْ يَصِحَّ كَمَا ذَكَرْنَا وَبِأَنَّهُ مُحْسِنٌ بِالْعَفْوِ فَلَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ الضَّمَانُ بِهِ وَالثَّانِي عَلَيْهِ الضَّمَانُ لِأَنَّهُ سَلَّطَهُ عَلَى قَتْلِ مَعْصُومٍ لَا يَعْلَمُ بِعِصْمَتِهِ فَكَانَ الضَّمَانُ عَلَيْهِ كَمَا لَوْ أَمَرَ بِالْقَتْلِ مَنْ لَا يَعْلَمُ تَحْرِيمَهُ فَقَتَلَ كَانَ الضَّمَانُ عَلَى الْآمِرِ وَلِلْأَصْحَابِ طَرِيقَةٌ