الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
احْتَاطَ بِالْجَمْعِ مِنْ مَذْهَبِ ابْنِ مَسْعُودٍ فِي الْجُلُوسِ عَقِيبَ رَكْعَةٍ وَهُوَ مَذْهَبُ ابْنِ عُمَرَ فِي الْقِرَاءَةِ فِي الرَّكْعَتَيْنِ وَقَدْ صَحَّ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ يَجْلِسُ عَقِيبَ رَكْعَةٍ مَعَ قَوْلِهِ أَنَّ مَا أَدْرَكَهُ مَعَ الْإِمَامِ آخِرَ صَلَاتِهِ نَقَلَهُ عَنْهُ أَحْمَدُ. وَزَعَمَ صَاحِبُ الْمُغْنِي أَنَّ الْكُلَّ جَائِزٌ.
وَيَرُدُّهُ مَا نَقَلَهُ مُهَنَّا عَنْ أَحْمَدَ أَنَّهُ إذَا جَلَسَ عَقِيبَ رَكْعَتَيْنِ سَجَدَ لِلسَّهْوِ فَجَعَلَهُ كَتَارِكِ التَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ، وَمِمَّا يَحْسُنُ تَخْرِيجه عَلَى هَذَا الْخِلَافِ وَلَمْ نَجِدْهُ مَنْقُولًا تَطْوِيلُ الرَّكْعَةِ الْأُولَى عَلَى الثَّانِيَة وَتَرْتِيبُ السُّورَتَيْنِ فِي الرَّكْعَتَيْنِ فَأَمَّا رَفْعُ الْيَدَيْنِ إذَا أَقَامَ مِنْ التَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ إذَا قُلْنَا بِاسْتِحْبَابِهِ فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَرْفَعَ إذَا قَامَ إلَى الرَّكْعَةِ الْمَحْكُومِ بِأَنَّهَا ثَالِثَتُهُ سَوَاءٌ قَامَ عَنْ تَشَهُّدٍ أَوْ غَيْرِهِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَرْفَعَ إذَا قَامَ مِنْ تَشَهُّدِهِ الْأَوَّلِ الْمُعْتَدِّ بِهِ سَوَاءٌ كَانَ عَقِيبَ الثَّانِيَة أَوْ لَمْ يَكُنْ لِأَنَّ مَحَلَّ هَذَا الرَّفْعِ هُوَ الْقِيَامُ مِنْ هَذَا التَّشَهُّدِ فَيَتْبَعُهُ حَيْثُ كَانَ وَهَذَا أَظْهَرُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
[الْمَسْأَلَة الثَّانِيَة الزَّكَاةُ هَلْ تَجِبُ فِي عَيْنِ النِّصَابِ أَوْ ذِمَّةِ مَالِكِهِ]
(الثَّانِيَة) الزَّكَاةُ هَلْ تَجِبُ فِي عَيْنِ النِّصَابِ أَوْ ذِمَّةِ مَالِكِهِ.
اخْتَلَفَ الْأَصْحَابُ فِي ذَلِكَ عَلَى طُرُقٍ: (إحْدَاهَا) أَنَّ الزَّكَاةَ تَجِبُ فِي الْعَيْنِ رِوَايَةً وَاحِدَةً. وَهِيَ طَرِيقَةُ ابْنِ أَبِي مُوسَى وَالْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ.
(وَالثَّانِيَةُ) : أَنَّ الزَّكَاةَ تَجِبُ فِي الذِّمَّةِ رِوَايَةً وَاحِدَةً وَهِيَ طَرِيقَةُ أَبِي الْخَطَّابِ فِي الِانْتِصَارِ وَصَاحِبِ التَّلْخِيصِ مُتَابَعَةً لِلْخِرَقِيِّ (وَالثَّالِثَةُ) أَنَّهَا تَجِبُ فِي الذِّمَّةِ وَتَتَعَلَّقُ بِالنِّصَابِ وَقَعَ ذَلِكَ فِي كَلَامِ الْقَاضِي وَأَبِي الْخَطَّاب وَغَيْرِهِمَا وَهِيَ طَرِيقَةُ الشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّينِ.
(وَالرَّابِعَةُ) أَنَّ فِي الْمَسْأَلَةِ رِوَايَتَيْنِ:
إحْدَاهُمَا: تَجِبُ فِي الْعَيْنِ وَالثَّانِيَةُ فِي الذِّمَّةِ وَهِيَ طَرِيقَةُ كَثِيرٍ مِنْ الْأَصْحَابِ الْمُتَأَخِّرِينَ وَفِي كَلَامِ أَبِي بَكْرٍ فِي الشَّافِي مَا يَدُلُّ عَلَى هَذِهِ الطَّرِيقَةِ وَلَكِنَّ آخِرَ كَلَامِهِ يُشْعِرُ بِتَنْزِيلِ الْقَوْلَيْنِ عَلَى اخْتِلَافِ حَالَيْنِ وَهُمَا يَسَارُ الْمَالِكِ وَإِعْسَارُهُ فَإِنْ كَانَ مُوسِرًا وَجَبَتْ الزَّكَاةُ فِي ذِمَّتِهِ وَإِنْ كَانَ مُعْسِرًا وَجَبَتْ فِي عَيْنِ مَالِهِ وَهُوَ غَرِيبٌ.
وَلِلِاخْتِلَافِ فِي مَحِلِّ التَّعَلُّقِ ; هَلْ هُوَ الْعَيْنُ أَوْ الذِّمَّةُ؟ فَوَائِدُ كَثِيرَةٌ:
(الْأُولَى) : إذَا مَلَكَ نِصَابًا وَاحِدًا وَلَمْ يُؤَدِّ زَكَاتَهُ أَحْوَالًا فَإِنْ قُلْنَا الزَّكَاةُ فِي الْعَيْنِ وَجَبَتْ زَكَاةُ الْحَوْلِ الْأَوَّلِ دُونَ مَا بَعْدَهُ وَنَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ وَاخْتَارَهُ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ لِأَنَّ قَدْرَ الزَّكَاةِ زَالَ الْمِلْكُ فِيهِ عَلَى قَوْلٍ وَعَلَى آخَرَ ضَعُفَ الْمِلْكُ فِيهِ لِاسْتِحْقَاقِ تَمَلُّكِهِ وَالْمُسْتَحَقُّ فِي حُكْمِ الْمُؤَدَّى فَصَارَ كَالْمَنْذُورِ سَوَاءٌ، فَإِنَّ الْمَنْذُورَ يَجُوزُ عِنْدَنَا إبْدَالُهُ بِمِثْلِهِ وَهَذَا كَذَلِكَ وَإِنْ قُلْنَا الزَّكَاةُ فِي الذِّمَّةِ وَجَبَتْ لِكُلِّ حَوْلٍ إلَّا إذَا قُلْنَا: إنَّ دِينَ اللَّهِ عز وجل يَمْنَعُ الزَّكَاةَ.
وَقَالَ السَّامِرِيُّ: يَتَكَرَّرُ زَكَاتُهُ لِكُلِّ حَوْلٍ عَلَى الْقَوْلَيْنِ وَتَأَوَّلَ كَلَامَ أَحْمَدَ بِتَأْوِيلٍ فَاسِدٍ وَهَذَا فِيمَا كَانَتْ زَكَاتُهُ مِنْ جِنْسِهِ فَأَمَّا إنْ كَانَتْ مِنْ غَيْرِ جِنْسِهِ كَالْإِبِلِ الْمُزَكَّاةِ بِالْغَنَمِ تَكَرَّرَتْ لِكُلِّ حَوْلٍ عَلَى كِلَا الْقَوْلَيْنِ نَصَّ عَلَيْهِ مُعَلِّلًا بِأَنَّهُ لَمْ يَسْتَحِقَّ إخْرَاجَ جُزْءٍ مِنْهُ فَيَبْقَى الْمِلْكُ فِيهِ تَامًّا وَهَذَا مَا ذَكَرَ الْخَلَّالُ وَابْنُ أَبِي مُوسَى وَالْقَاضِي وَالْأَكْثَرُونَ وَذَكَرَ الشِّيرَازِيُّ فِي الْمُبْهِجِ أَنَّهُ كَالْأَوَّلِ لَا يَجِبُ سِوَى زَكَاةٍ وَاحِدَةٍ وَمَتَى اسْتَأْصَلَتْ الزَّكَاةُ الْمَالَ سَقَطَتْ بَعْدَ ذَلِكَ صَرَّحَ بِهِ فِي التَّلْخِيصِ وَنَصَّ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ مُهَنَّا عَلَى
وُجُوبِهَا فِي الدَّيْنِ بَعْدَ اسْتِغْرَاقِهِ بِالزَّكَاةِ، فَإِمَّا أَنْ يُحْمَلَ ذَلِكَ عَلَى الْقَوْلِ بِالْوُجُوبِ فِي الذِّمَّةِ وَإِمَّا أَنْ يُفَرَّقَ بَيْنَ الدَّيْنِ وَالْعَيْنِ بِأَنَّ الدَّيْنَ وَصْفٌ حُكْمِيٌّ لَا وُجُودَ لَهُ فِي الْخَارِجِ فَتَتَعَلَّقُ زَكَاتُهُ بِالذِّمَّةِ رِوَايَةً وَاحِدَةً، وَلَكِنْ نَصَّ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ غَيْرِ وَاحِدٍ عَلَى التَّسْوِيَةِ بَيْنَ الدَّيْنِ وَالْعَيْنِ فِي امْتِنَاعِ الزَّكَاةِ فِيمَا بَعْدَ الْحَوْلِ الْأَوَّلِ.
وَصَرَّحَ بِذَلِكَ أَبُو بَكْرٍ وَغَيْرُهُ " تَنْبِيهٌ " تَعَلُّقُ الزَّكَاةِ بِالْعَيْنِ مَانِعٌ مِنْ وُجُوبِ الزَّكَاةِ فِي الْحَوْلِ الثَّانِي وَمَا بَعْدَهُ وَهَلْ هُوَ مَانِعٌ مِنْ انْعِقَادِ الْحَوْلِ الثَّانِي ابْتِدَاءً؟ فِيهِ وَجْهَانِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ مَانِعٌ مِنْهُ لِقُصُورِ الْمِلْكِ فَهُوَ كَدَيْنِ الْآدَمِيِّ وَأَوْلَى لِتَعَلُّقِهِ بِالْعَيْنِ وَهُوَ قَوْلُ الْقَاضِي فِي شَرْحِ الْمَذْهَبِ وَصَاحِبِ الْمُغْنِي.
وَالثَّانِي: أَنَّهُ غَيْرُ مَانِعٍ مِنْ الِانْعِقَادِ وَهُوَ قَوْلُ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ وَابْنِ عَقِيلٍ وَنَقَلَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ الِاتِّفَاقَ عَلَيْهِ وَهُوَ ظَاهِرُ مَا ذَكَرَهُ الْخَلَّالُ فِي الْجَامِعِ وَأَوْرَدَ عَنْ أَحْمَدَ مِنْ رِوَايَةِ حَنْبَلٍ مَا يَشْهَدُ لَهُ فَلَوْ أَخْرَجَ الزَّكَاةَ الْأُولَى مِنْ غَيْرِ النِّصَابِ فِي أَثْنَاءِ الْحَوْلِ الثَّانِي بُنِيَ الْحَوْلُ الثَّانِي عَلَى الْأَوَّلِ مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ بَيْنَهُمَا عَلَى هَذَا.
وَعَلَى الْأَوَّلِ يَسْتَأْنِفُهُ مِنْ حِينِ الْإِخْرَاجِ وَيَنْبَنِي عَلَى هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ مَسْأَلَةٌ مَعْرُوفَةٌ فِي بَابِ الْخُلْطَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(الْفَائِدَةُ الثَّانِيَةُ) : إذَا تَلِفَ النِّصَابُ أَوْ بَعْضُهُ قَبْلَ التَّمَكُّنِ مِنْ أَدَاءِ الزَّكَاةِ وَبَعْدَ تَمَامِ الْحَوْلِ فَالْمَذْهَبُ الْمَشْهُورُ أَنَّ الزَّكَاةَ لَا تَسْقُطُ بِذَلِكَ إلَّا زَكَاةَ الزُّرُوعِ وَالثِّمَارِ إذَا تَلِفَ بِجَائِحَةٍ قَبْلَ الْقَطْعِ فَيَسْقُطُ زَكَاتُهَا اتِّفَاقًا لِانْتِفَاءِ التَّمَكُّنِ مِنْ الِانْتِفَاعِ، بِهَا وَخَرَّجَ ابْنُ عَقِيلٍ وَجْهًا بِوُجُوبِ زَكَاتِهَا أَيْضًا وَهُوَ ضَعِيفٌ مُخَالِفٌ لِلْإِجْمَاعِ، وَعَنْ أَحْمَدَ رِوَايَةٌ ثَانِيَةٌ بِالسُّقُوطِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ هِيَ عَامَّةٌ فِي جَمِيعِ الْأَمْوَالِ وَمِنْهُمْ مَنْ خَصَّهَا بِالْمَالِ الْبَاطِنِ دُونَ الظَّاهِرِ وَمِنْهُمْ مَنْ عَكَسَ ذَلِكَ وَمِنْهُمْ مَنْ خَصَّهَا بِالْمَوَاشِي.
وَاخْتَلَفُوا فِي مَأْخَذِ الْخِلَافِ عَلَى طَرِيقَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ الْبِنَاءُ عَلَى الْخِلَافِ فِي مَحَلِّ الزَّكَاةِ فَإِنْ قِيلَ هُوَ الذِّمَّةُ لَمْ يَسْقُطْ وَإِلَّا سَقَطَتْ وَهُوَ طَرِيقُ الْحَلْوَانِيِّ فِي التَّبْصِرَةِ وَالسَّامِرِيِّ وَقِيلَ: إنَّهُ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ وَفِي كَلَامِ أَحْمَدَ إيمَاءٌ إلَيْهِ أَيْضًا.
وَالطَّرِيقُ الثَّانِي عَدَمُ الْبِنَاءِ عَلَى ذَلِكَ وَهُوَ طَرِيقُ الْقَاضِي وَالْأَكْثَرِينَ فَوَجْهُ اسْتِقْرَارِ الْوُجُوبِ مُطْلَقًا إنَّمَا إنْ قُلْنَا التَّعَلُّقُ بِالذِّمَّةِ فَظَاهِرٌ وَإِنْ قُلْنَا بِالْعَيْنِ فَلِأَنَّ وُجُوبَهَا كَانَ شُكْرًا لِنِعْمَةٍ ثَمَّ سَبَبُهَا وَهُوَ النِّصَابُ الْبَاقِي النَّامِي وَشَرْطُهَا وَهُوَ الْحَوْلُ فَاسْتَقَرَّ وُجُوبُهَا بِتَمَامِ الِانْتِفَاعِ بِهَذَا الْمَالِ حَوْلًا كَالْأُجْرَةِ الْمُعَيَّنَةِ الْمُسْتَقِرَّةِ بِانْقِضَاءِ مُدَّةِ الْإِجَارَةِ وَأَيْضًا فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ تَعَلُّقُهَا بِالْعَيْنِ وَلَا يَبْقَى تَعَلُّقُهَا بِالذِّمَّةِ فَهِيَ كَدَيْنِ الرَّهْنِ وَوَجْهُ السُّقُوطِ مُطْلَقًا أَنَّا إنْ قُلْنَا: تَعَلُّقُهَا بِالْعَيْنِ فَوَاضِحٌ كَالْأَمَانَاتِ وَالْعَبْدِ الْجَانِي، وَإِنْ قُلْنَا بِالذِّمَّةِ فَالْوُجُوبُ إنَّمَا يَسْتَقِرُّ فِيهَا بِالتَّمَكُّنِ مِنْ الْفِعْلِ كَالصَّلَاةِ عَلَى رِوَايَةٍ، يُوَضِّحُهُ أَنَّ الزَّكَاةَ وَجَبَتْ مُسَاوَاةً لِلْفُقَرَاءِ مِنْ الْمَالِ فَيَسْقُطُ بِتَلَفِهِ وَفَقْرِ صَاحِبِهِ وَاخْتَارَ السُّقُوطَ مُطْلَقًا صَاحِبُ الْمُغْنِي.
(الْفَائِدَةُ الثَّالِثَةُ) : إذَا مَاتَ مَنْ عَلَيْهِ زَكَاةٌ أَوْ دَيْنٌ وَضَاقَتْ التَّرِكَةُ عَنْهُمَا
فَالْمَنْصُوصُ عَنْ أَحْمَدَ أَنَّهُمَا يَتَحَاصَّانِ. نَقَلَهُ عَنْهُ أَحْمَدُ بْنُ الْقَاسِمِ وَحَرْبٌ وَيَعْقُوبُ بْنُ بُخْتَانَ.
وَاخْتَلَفَ الْأَصْحَابُ فِي ذَلِكَ فَمِنْهُمْ مَنْ أَقَرَّ النَّصَّ عَلَى ظَاهِرِهِ وَأَجْرَى الْمُحَاصَّةَ عَلَى كِلَا الْقَوْلَيْنِ فِي مَحَلِّ الزَّكَاةِ لِأَنَّا إنْ قُلْنَا هُوَ الذِّمَّةُ فَقَدْ تَسَاوَيَا فِي مَحَلِّ التَّعَلُّقِ وَفِي أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا حَقٌّ لِآدَمِيٍّ، وَتَمْتَازُ الزَّكَاةُ بِأَنَّهَا مِنْ حَقِّ اللَّهِ عز وجل وَإِنْ قُلْنَا: الْعَيْنُ فَدَيْنُ الْآدَمِيِّ يَتَعَلَّقُ بَعْدَ مَوْتِهِ بِالتَّرِكَةِ أَيْضًا فَيَتَسَاوَيَانِ وَهَذِهِ طَرِيقَةُ أَبِي الْخَطَّابِ وَصَاحِبِ الْمُحَرَّرِ، وَمِنْهُمْ مَنْ حَمَلَ النَّصَّ بِالْمُحَاصَّةِ عَلَى الْقَوْلِ بِتَعَلُّقِ الزَّكَاةِ بِالذِّمَّةِ لِاسْتِوَائِهَا فِي مَحَلِّ التَّعَلُّقِ فَأَمَّا عَلَى الْقَوْلِ بِتَعَلُّقِهَا بِالنِّصَابِ فَتُقَدَّمُ الزَّكَاةُ لِتَعَلُّقِهَا بِالْعَيْنِ كَدَيْنِ الرَّهْنِ وَهَذِهِ طَرِيقَةُ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ وَالسَّامِرِيِّ.
وَفِي كَلَامِ أَحْمَدَ إيمَاءٌ إلَيْهَا وَمِنْ الْأَصْحَابِ مَنْ وَافَقَ عَلَى هَذَا الْبِنَاءِ لَكِنْ بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ النِّصَابُ مَوْجُودًا إذْ لَا تَعَلُّقَ بِالْعَيْنِ إلَّا مَعَ وُجُودِهِ فَأَمَّا مَعَ تَلَفِهِ فَالزَّكَاةُ فِي الذِّمَّةِ فَيُسَاوِي دَيْنَ الْآدَمِيِّ وَهَذَا تَخْرِيجٌ فِي الْمُحَرَّرِ مَعَ أَنَّ صَاحِبَهُ ذَكَرَ فِي شَرْحِ الْهِدَايَةِ أَنَّ النِّصَابَ مَتَى كَانَ مَوْجُودًا قُدِّمَتْ الزَّكَاةُ سَوَاءٌ قُلْنَا يَتَعَلَّقُ بِالْعَيْنِ أَوْ بِالذِّمَّةِ لَا تَعَلُّقَ بِسَبَبِ الْمَالِ يَزْدَادُ بِزِيَادَتِهِ وَيَنْقُصُ بِنَقْصِهِ وَيَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ صِفَاتِهِ وَالزَّكَاةُ مِنْ قِبَلِ مون الْمَالِ وَحُقُوقِهِ وَنَوَائِبِهِ فَيُقَدَّمُ كَذَلِكَ عَلَى سَائِرِ الدُّيُونِ، وَحُمِلَ نَصُّ أَحْمَدَ بِالْمُحَاصَّةِ عَلَى حَالَةِ عَدَمٍ النِّصَابِ.
فَأَمَّا إنْ كَانَ الْمَالِكُ حَيًّا وَأَفْلَسَ فَظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ فِي رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُ يُقَدَّمُ الدَّيْنُ عَلَى الزَّكَاةِ لِأَنَّ تَأَخُّرَ إخْرَاجِ الزَّكَاةِ سَائِغٌ لِلْعُذْرِ وَهُوَ مُحْتَاجٌ هَاهُنَا إلَى إسْقَاطِ مُطَالَبَةِ الْآدَمِيِّ لَهُ وَمُلَازَمَتِهِ وَحَبْسِهِ فَيَكُونُ عُذْرًا لَهُ فِي التَّأَخُّرِ بِخِلَافِ مَا بَعْدَ الْمَوْتِ فَإِنَّهُ لَوْ قُدِّمَ دَيْنُ الْآدَمِيِّ لَفَاتَتْ الزَّكَاةُ بِالْكُلِّيَّةِ وَظَاهِرُ كَلَامِ الْقَاضِي وَالْأَكْثَرِينَ أَنَّهُ تُقَدَّمُ الزَّكَاةُ حَتَّى فِي حَالَةِ الْحَجْرِ وَهَذَا قَدْ يَتَنَزَّلُ عَلَى الْقَوْلِ بِالْوُجُوبِ فِي الْعَيْنِ إلَّا أَنَّ صَاحِبَ شَرْحِ الْهِدَايَةِ صَرَّحَ بِتَقْدِيمِهَا عَلَى كِلَا الْقَوْلَيْنِ مَعَ بَقَاءِ النِّصَابِ كَقَوْلِهِ فِيمَا بَعْدَ الْمَوْتِ عَلَى مَا سَبَقَ.
(الْفَائِدَةُ الرَّابِعَةُ) : إذَا كَانَ النِّصَابُ مَرْهُونًا وَوَجَبَتْ فِيهِ الزَّكَاةُ فَهَلْ تُؤَدَّى زَكَاتُهُ مِنْهَا هَاهُنَا حَالَتَانِ. إحْدَاهُمَا أَنْ لَا يَكُونَ لَهُ مَالٌ غَيْرُهُ يُؤَدِّي مِنْهُ الزَّكَاةَ فَتُؤَدَّى الزَّكَاةُ مِنْ عَيْنِهِ صَرَّحَ بِهِ الْخِرَقِيِّ وَالْأَصْحَابُ وَلَهُ مَأْخَذَانِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّ الزَّكَاةَ يَنْحَصِرُ تَعَلُّقُهَا بِالْعَيْنِ، وَدَيْنَ الرَّهْنِ يَتَعَلَّقُ بِالذِّمَّةِ وَالْعَيْنِ فَيُقَدَّمُ عِنْدَ التَّزَاحُمِ، وَمَا اخْتَصَّ تَعَلُّقُهُ بِالْعَيْنِ كَمَا يُقَدَّمُ حَقُّ الْجَانِي عَلَى الْمُرْتَهِنِ إذَا لَحِقَ الْمُنْحَصِرَ فِي الْعَيْنِ يَفُوتُ بِفَوَاتِهَا بِخِلَافِ الْمُتَعَلِّقِ بِالذِّمَّةِ مَعَ الْعَيْنِ فَإِنَّهُ يَسْتَوْفِي مِنْ الذِّمَّةِ عِنْدَ فَوَاتِ الْعَيْنِ وَهَذَا مَأْخَذُ الْقَاضِي وَفِيهِ ضَعْفٌ فَإِنَّ الزَّكَاةَ عِنْدَنَا لَا تَسْقُطُ بِتَلَفِ النِّصَابِ مُطْلَقًا بَلْ تَتَعَلَّقُ بِالذِّمَّةِ حِينَئِذٍ فَهِيَ إذًا كَدَيْنِ الرَّهْنِ، وَالْأَظْهَرُ فِي هَذَا أَنْ يُقَالَ تَعَلُّقُ الزَّكَاةِ قَهْرِيٌّ وَتَعَلُّقُ الرَّهْنِ اخْتِيَارِيٌّ، وَالْقَهْرِيُّ أَقْوَى كَالْجِنَايَةِ أَوْ يُقَالَ هُوَ تَعَلُّقٌ بِسَبَبِ الْمَالِ وَتَعَلُّقُ الرَّهْنِ بِسَبَبٍ خَارِجِيٍّ وَالتَّعَلُّقُ بِسَبَبِ الْمَالِ يُقَدَّمُ كَجِنَايَةِ الْعَبْدِ الْمَرْهُونِ عَلَى هَذَا الْمَأْخَذِ مَتَى قِيلَ يَتَعَلَّقُ الزَّكَاةُ بِالذِّمَّةِ خَاصَّةً لَمْ يُقَدَّمْ عَلَى حَقِّ الْمُرْتَهِنِ لِتَعَلُّقِهِ بِالْعَيْنِ
وَصَرَّحَ بِهِ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ.
وَالْمَأْخَذُ الثَّانِي: أَنَّ النِّصَابَ سَبَبُ دَيْنِ الزَّكَاةِ يُقَدَّمُ دَيْنُهَا عِنْدَ مُزَاحَمَةِ غَيْرِهِ مِنْ الدُّيُونِ فِي النِّصَابِ كَمَا يُقَدَّمُ مَنْ وُجِدَ عَيْنُ مَالِهِ عِنْدَ رَجُلٍ أَفْلَسَ وَهَذَا مَأْخَذُ صَاحِبِ التَّلْخِيصِ وَعَلَى هَذَا فَلَا يُفَرَّقُ الْحَالُ بَيْنَ قَوْلِنَا: تَتَعَلَّقُ الزَّكَاةُ بِالذِّمَّةِ أَوْ بِالْعَيْنِ.
الْحَالَةُ الثَّانِيَةُ أَنْ يَكُونَ لِلْمَالِكِ مَالٌ يُؤَدِّي مِنْهُ الزَّكَاةَ غَيْرُ الرَّهْنِ فَلَيْسَ لَهُ أَدَاءُ الزَّكَاةِ مِنْهُ بِدُونِ إذْنِ الْمُرْتَهِنِ عَلَى الْمَذْهَبِ. وَذَكَرَهُ الْخِرَقِيِّ أَيْضًا ; لِأَنَّ تَعَلُّقَ حَقِّ الْمُرْتَهِنِ مَانِعٌ مِنْ تَصَرُّفِ الرَّاهِنِ فِي الرَّهْنِ بِدُونِ إذْنٍ وَالزَّكَاةُ لَا يَتَعَيَّنُ إخْرَاجُهَا مِنْهُ. وَذَكَرَ السَّامِرِيُّ أَنَّهُ مَتَى قُلْنَا: الزَّكَاةُ تَتَعَلَّقُ بِالْعَيْنِ فَلَهُ إخْرَاجُهَا مِنْهُ أَيْضًا لِأَنَّهُ تَعَلُّقٌ قَهْرِيٌّ وَيَنْحَصِرُ فِي الْعَيْنِ فَهُوَ كَحَقِّ الْجِنَايَةِ.
(الْفَائِدَةُ الْخَامِسَةُ) : التَّصَرُّفُ فِي النِّصَابِ أَوْ بَعْضِهِ بَعْدَ الْحَوْلِ بِبَيْعٍ أَوْ غَيْرِهِ وَالْمَذْهَبُ صِحَّتُهُ وَنَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ قَالَ الْأَصْحَابُ وَسَوَاءٌ قُلْنَا الزَّكَاةُ فِي الْعَيْنِ أَوْ فِي الذِّمَّةِ وَذَكَرَ أَبُو بَكْرٍ فِي الشَّافِي أَنَّا إنْ قُلْنَا الزَّكَاةُ فِي الذِّمَّةِ صَحَّ التَّصَرُّفُ مُطْلَقًا وَإِنْ قُلْنَا فِي الْعَيْنِ لَمْ يَصِحَّ التَّصَرُّفُ فِي مِقْدَارِ الزَّكَاةِ وَهَذَا لِمُدَبَّرِ عَلَى قَوْلِنَا: أَنَّ تَعَلُّقَ الزَّكَاةِ تَعَلُّقُ شَرِكَةٍ أَوْ رَهْنٍ صَرَّحَ بِهِ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ وَتَرَكَ أَبُو بَكْرٍ عَلَى هَذَا الِاخْتِلَافِ الرِّوَايَتَيْنِ الْمَنْصُوصَتَيْنِ عَنْ أَحْمَدَ فِي الْمَرْأَةِ إذَا وَهَبَتْ زَوْجَهَا مَهْرَهَا الَّذِي لَهَا فِي ذِمَّتِهِ فَهَلْ تَجِبُ زَكَاتُهُ عَلَيْهِ أَوْ عَلَيْهَا قَالَ فَإِنْ صَحَّحْنَا هِبَةَ الْمَهْرِ جَمِيعِهِ فَعَلَى الْمَرْأَةِ إخْرَاجُ زَكَاتِهِ مِنْ مَالِهَا وَإِنْ صَحَّحْنَا الْهِبَةَ فِيمَا عَدَا مِقْدَارَ الزَّكَاةِ كَانَ قَدْرُ الزَّكَاةِ حَقًّا لِلْمَسَاكِينِ فِي ذِمَّةِ الزَّوْجِ فَيَلْزَمُهُ أَدَاؤُهُ إلَيْهِمْ وَيَسْقُطُ عَنْهُ بِالْهِبَةِ مَا عَدَاهُ وَهَذَا بِنَاءٌ غَرِيبٌ جِدًّا.
وَعَلَى الْمَذْهَبِ فَلَوْ بَاعَ النِّصَابَ كُلَّهُ تَعَلَّقَتْ الزَّكَاةُ بِذِمَّتِهِ حِينَئِذٍ بِغَيْرِ خِلَافٍ كَمَا لَوْ تَلِفَ فَإِنْ عَجَزَ عَنْ أَدَائِهَا فَطَرِيقَانِ:
أَحَدُهُمَا: مَا قَالَهُ صَاحِبُ شَرْحِ الْهِدَايَةِ: إنْ قُلْنَا الزَّكَاةُ فِي الذِّمَّةِ ابْتِدَاءً لَمْ يُفْسَخْ الْبَيْعُ كَمَا لَوْ وَجَبَ عَلَيْهِ دَيْنُ الْآدَمِيِّ وَهُوَ مُوسِرٌ فَبَاعَ مَتَاعَهُ ثُمَّ أَعْسَرَ، وَإِنْ قُلْنَا فِي الْعَيْنِ فُسِخَ الْعَقْدُ فِي قَدْرِهَا تَقْدِيمًا لِحَقِّ الْمَسَاكِينِ لِسَبْقِهِ.
وَالثَّانِي: مَا قَالَهُ صَاحِبُ الْمُغْنِي إنَّهَا تَتَعَيَّنُ فِي ذِمَّتِهِ كَسَائِرِ الدُّيُونِ بِكُلِّ حَالٍ ثُمَّ ذَكَرَ احْتِمَالًا بِالْفَسْخِ فِي مِقْدَارِ الزَّكَاةِ مِنْ غَيْرِ بِنَاءٍ عَلَى مَحَلِّ التَّعَلُّقِ.
(الْفَائِدَةُ السَّادِسَةُ) لَوْ كَانَ النِّصَابُ غَائِبًا عَنْ مَالِكِهِ لَا يَقْدِرُ عَلَى الْإِخْرَاجِ مِنْهُ لَمْ يَلْزَمْهُ إخْرَاجُ زَكَاتِهِ حَتَّى يَتَمَكَّنَ مِنْ الْأَدَاءِ مِنْهُ.
نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ مُهَنَّا وَصَرَّحَ بِهِ الشَّيْخُ مَجْدُ الدِّينِ فِي مَوْضِعٍ مِنْ شَرْحِ الْهِدَايَةِ لِأَنَّ الزَّكَاةَ مُوَاسَاةٌ فَلَا يَلْزَمُ أَدَاؤُهَا قَبْلَ التَّمَكُّنِ مِنْ الِانْتِفَاعِ بِالْمَالِ الْمُوَاسِي مِنْهُ، وَنَصَّ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ ابْنِ تَوَّابٍ فِيمَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ زَكَاةُ مَالٍ فَأَقْرَضَهُ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ أَدَاءُ زَكَاتِهِ حَتَّى يَقْبِضَهُ لِأَنَّ عَوْدَهُ مَرْجُوٌّ بِخِلَافِ التَّالِفِ بَعْدَ الْحَوْلِ وَهَذَا لَعَلَّهُ يَرْجِعُ إلَى أَنَّ أَدَاءَ الزَّكَاةِ يَجِبُ عَلَى الْفَوْرِ.
وَقَالَ الْقَاضِي وَابْنُ عَقِيلٍ يَلْزَمُهُ أَدَاءُ زَكَاتِهِ قَبْلَ قَبْضِهِ لِأَنَّهُ فِي يَدِهِ حُكْمًا وَلِهَذَا يَتْلَفُ مِنْ ضَمَانِهِ بِخِلَافِ الدَّيْنِ الَّذِي فِي ذِمَّةِ غَرِيمِهِ، وَكَذَلِكَ ذَكَرَ صَاحِبُ شَرْحِ الْهِدَايَةِ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ وَأَشَارَ فِي مَوْضِعٍ