الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كَالْإِحْرَامِ وَالْحَيْضِ، فَهَلْ يُقَرَّرُ الْمَهْرُ؟ عَلَى طُرُقٍ لِلْأَصْحَابِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّ فِي الْمَسْأَلَةِ رِوَايَتَيْنِ مُطْلَقَتَيْنِ وَهِيَ طَرِيقَةُ الْقَاضِي فِي الْجَامِعِ وَصَاحِبِ الْمُحَرَّرِ وَكَذَا لِصَاحِبِ الْمُغْنِي، إلَّا أَنَّهُ أَوْرَدَ رِوَايَةً ثَالِثَةً بِالْعِوَضِ بَيْنَ الْمَانِعِ الْمُتَأَكِّدِ شَرْعًا كَالْإِحْرَامِ وَصِيَامِ رَمَضَانَ فَفِيهِ رِوَايَتَانِ، وَإِنْ كَانَ لَا يَمْنَعُ الدَّوَاعِي كَالْحَيْضِ وَالْجَبِّ وَالرَّتَقِ اسْتَقَرَّ رِوَايَةً وَاحِدَةً، وَهِيَ طَرِيقَةُ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ وَابْنِ عَقِيلٍ فِي الْفُصُولِ، وَالثَّالِثَةُ: إنْ كَانَتْ الْمَوَانِعُ بِالزَّوَاجِ اسْتَقَرَّ الصَّدَاقُ رِوَايَةً وَاحِدَةً، وَإِنْ كَانَتْ بِالزَّوْجَةِ فَهَلْ يَسْتَقِرُّ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ وَهِيَ طَرِيقَةُ الْقَاضِي فِي خِلَافِهِ.
وَمِنْ الْأَصْحَابِ مَنْ حَكَى رِوَايَةً أُخْرَى أَنَّهُ لَا يَسْتَقِرُّ الْمَهْرُ بِالْخَلْوَةِ لِمُجَرَّدِهَا بِدُونِ الْوَطْءِ أَخْذًا مِمَّا رُوِيَ يَعْقُوبُ بْنُ بِخِتَانِ عَنْ أَحْمَدَ إذَا خَلَا بِهَا وَقَالَ لَمْ أَطَأْهَا وَصَدَّقَتْهُ إنَّ لَهَا نِصْفَ الصَّدَاقِ وَعَلَيْهَا الْعِدَّةُ، وَأَنْكَرَ الْأَكْثَرُونَ هَذِهِ الرِّوَايَةَ وَحَمَلُوا رِوَايَةَ يَعْقُوبَ هَذِهِ عَلَى وَجْهٍ آخَرَ وَهُوَ أَنَّ الْخَلْوَةَ إنَّمَا قَرَّرَتْ الْمَهْرَ ; لِأَنَّهُ مَظِنَّةُ الْوَطْءِ الْمُقَرَّرِ فَقَامَتْ مَقَامَهُ فِي التَّقْرِيرِ ; لِأَنَّ حَقِيقَةَ الْوَطْءِ لَا يُطَّلَعُ عَلَيْهِ غَالِبًا فَعَلَّقَ الْحُكْمَ عَلَى مَظِنَّتِهِ، فَإِذَا تَصَادَقَ الزَّوْجَانِ عَلَى انْتِفَاءِ الْحَقِيقَةِ الَّتِي هِيَ الْوَطْءُ لَمْ يُقْبَلْ ذَلِكَ فِي إسْقَاطِ الْعِدَّةِ ; لِأَنَّ فِيهَا حَقًّا لِلَّهِ تَعَالَى، وَهَلْ يُقْبَلُ فِي سُقُوطِ نِصْفِ الْمَهْرِ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ، نَقَلَ ابْنُ بُخْتَانَ قَوْلَهُ ; لِأَنَّهُ حَقٌّ مَحْضٌ لِلزَّوْجَةِ، وَقَدْ أَقَرَّتْ بِسُقُوطِهِ، وَنَقَلَ الْأَكْثَرُونَ عَدَمَ قَبُولِهِ لِمُلَازِمَتِهِ لِلْعِدَّةِ وَهَذَا يَرْجِعُ إلَى أَنَّ الْخَلْوَةَ مُقَرَّرَةٌ لِمَظِنَّةِ الْوَطْءِ، وَمِنْ الْأَصْحَابِ مَنْ قَالَ إنَّمَا قُرِّرَتْ لِحُصُولِ التَّمْكِينِ بِهَا وَهِيَ طَرِيقَةُ الْقَاضِي، وَرَدَّهَا ابْنُ عَقِيلٍ بِأَنَّ الْخَلْوَةَ مَعَ الْجَبِّ لَا تَمْكِينَ بِهَا، قَالَ: وَإِنَّمَا قُرِّرَتْ لِأَحَدِ أَمْرَيْنِ إمَّا لِإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ وَهُوَ حُجَّةٌ، أَوْ ; لِأَنَّ طَلَاقَهَا بَعْدَ الْخَلْوَةِ بِهَا وَرَدَّهَا زُهْدًا فِيهَا، فَفِيهِ ابْتِذَالٌ وَكَسْرٌ لَهَا، فَوَجَبَ جَبْرُهُ بِالْمَهْرِ، وَقِيلَ بَلْ الْمُقَرَّرُ هُوَ اسْتِبَاحَةُ مَا لَا يُسْتَبَاحُ إلَّا بِالنِّكَاحِ مِنْ الْمَرْأَةِ فَدَخَلَ فِي ذَلِكَ الْخَلْوَةُ وَاللَّمْسُ بِمُجَرَّدِهِمَا ; لِأَنَّ ذَلِكَ كُلَّهُ مَعْقُودٌ عَلَيْهِ فِي النِّكَاحِ، وَالْمَهْرُ يَسْتَقِرُّ بِنَيْلِ بَعْضِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ لَا يَقِفُ عَلَى نَيْلِ جَمِيعِهِ، وَهَذَا ظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ فِي رِوَايَةِ حَرْبٍ، قِيلَ لَهُ: فَإِنْ أَخَذَهَا وَعِنْدَهَا نِسْوَةٌ فَمَسَّهَا وَقَبَضَ عَلَيْهَا وَنَحْوُ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَخْلُوَ بِهَا؟ قَالَ: إذَا نَالَ مِنْهَا شَيْئًا لَا يَحِلُّ لِغَيْرِهِ فَعَلَيْهِ الْمَهْرُ.
وَعَلَى هَذَا فَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: يَتَوَجَّهُ أَنْ يَسْتَقِرَّ الْمَهْرُ بِالْخَلْوَةِ وَإِنْ مَنَعَهُ الْوَطْءُ، بِخِلَافِ مَا ذَكَرَهُ ابْنُ حَامِدٍ وَالْقَاضِي وَالْأَصْحَابُ.
[الثَّالِث الْمَوْتُ قَبْلَ الدُّخُولِ وَقِيلَ الْفُرْقَةُ]
الْمُقَرَّرُ الثَّالِثُ: الْمَوْتُ قَبْلَ الدُّخُولِ وَقِيلَ الْفُرْقَةُ، وَإِنْ طَلَّقَهَا فِي الْمَرَضِ ثُمَّ مَاتَ فِيهِ فَهَلْ يَسْتَقِرُّ لَهَا الْمَهْرُ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ بِنَاءً عَلَى تَوْرِيثِهَا مِنْهُ وَعَدَمِهِ، وَيَتَقَرَّرُ بِأَمْرٍ رَابِعٍ وَهُوَ الْبِغَاكُ عُذْرَتِهَا بِدَفْعِهَا، عَلَى رِوَايَةٍ خَرَّجَهَا صَاحِبُ الْمُغْنِي وَقَدْ سَبَقَتْ.
[الْقَاعِدَةُ السَّادِسَةُ وَالْخَمْسُونَ بَعْدَ الْمِائَةِ مَا ينتصف بِهِ الْمَهْرُ قَبْلَ اسْتِقْرَارِهِ وَمَا يَسْقُطُ بِهِ الْفُرْقَةُ قَبْلَ الدُّخُولِ]
[الْقِسْمُ الْأَوَّلُ مَا اسْتَقَلَّ بِهِ الزَّوْجُ]
(الْقَاعِدَةُ السَّادِسَةُ وَالْخَمْسُونَ بَعْدَ الْمِائَةِ) : فِيمَا يَنْتَصِفُ بِهِ الْمَهْرُ قَبْلَ اسْتِقْرَارِهِ وَمَا يَسْقُطُ بِهِ الْفُرْقَةُ قَبْلَ الدُّخُولِ إنْ كَانَتْ مِنْ جِهَةِ الزَّوْجِ وَحْدَهُ أَوْ مِنْ جِهَةِ أَجْنَبِيٍّ وَحْدَهُ تُنْصَفُ بِهَا الْمَهْرُ الْمُسَمَّى، وَإِنْ كَانَتْ مِنْ جِهَةِ الزَّوْجَةِ وَحْدَهَا سَقَطَ بِهَا الْمَهْرُ، وَإِنْ كَانَتْ مِنْ جِهَةِ الزَّوْجَيْنِ مَعًا أَوْ مِنْ جِهَةِ الزَّوْجَةِ مَعَ أَجْنَبِيٍّ فَفِي تَنَصُّفِ الْمَهْرِ
وَسُقُوطِهِ رِوَايَتَانِ، فَهَذِهِ خَمْسَةُ أَقْسَامٍ: الْقِسْمُ الْأَوَّلُ مَا اسْتَقَلَّ بِهِ الزَّوْجُ وَلَهُ صُوَرٌ.
مِنْهَا: طَلَاقُهُ وَسَوَاءٌ كَانَ مُنْجِزًا أَوْ مُتَعَلِّقًا بِصِفَةٍ وَسَوَاءٌ كَانَتْ الصِّفَةُ مِنْ فِعْلِهَا أَوْ لَمْ تَكُنْ، كَذَا ذَكَرَهُ الْأَصْحَابُ، قَالُوا: لِأَنَّ السَّبَبَ كَانَ مِنْهُ وَهُوَ الطَّلَاقُ وَإِنَّمَا حَقِيقَتُهُ لِوُجُودِ شَرْطِهِ وَالْحُكْمُ إنَّمَا يُضَافُ إلَى صَاحِبِ السَّبَبِ.
وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ، إنْ كَانَتْ الصِّفَةُ مِنْ فِعْلِهَا الَّذِي لَهَا مِنْهُ بُدٌّ فَلَا مَهْرَ لَهَا، وَيُمْكِنُ تَخْرِيجُ ذَلِكَ مِنْ إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ فِي الْمَرِيضِ إذَا عَلَّقَ طَلَاقَ امْرَأَتِهِ عَلَى مَا لَهَا مِنْهُ بُدٌّ فَفَعَلَتْهُ فَإِنَّ فِي إرْثِهَا رِوَايَتَيْنِ، وَيَشْهَدُ لِذَلِكَ مَسْأَلَةُ التَّخْيِيرِ فَإِنَّهُ لَوْ خَيَّرَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ فَاخْتَارَتْ نَفْسَهَا فَهَلْ يَسْقُطُ مَهْرُهَا أَوْ يَنْتَصِفُ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ حَكَاهُمَا ابْنُ أَبِي مُوسَى وَالتَّخْيِيرُ تَوْكِيلٌ مَحْضٌ وَالتَّعْلِيقُ بِفِعْلِهَا فِي مَعْنَاهُ، وَالْمَنْصُوصُ عَنْ أَحْمَدَ رحمه الله أَنَّهُ لَا مَهْرَ لِلْمُخَيَّرَةِ، قَالَ مُهَنَّا: سَأَلْتُ أَحْمَدَ عَنْ رَجُلٍ تَزَوَّجَ امْرَأَةً ثُمَّ طَلَبَتْ مِنْهُ الْخِيَارَ فَاخْتَارَتْ نَفْسَهَا وَلَمْ يَكُنْ دَخَلَ بِهَا، لَهَا عَلَيْهِ نِصْفُ الصَّدَاقِ، قَالَ فِي قَلْبِي مِنْهَا شَيْءٌ، ثُمَّ قَالَ لَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ لَهَا شَيْءٌ، قُلْت إنِّي سَأَلْتُ غَيْرَ وَاحِدٍ قَالَ يَكُونُ لَهَا عَلَيْهِ نِصْفُ الصَّدَاقِ. فَقَالَ لِي فَإِنْ أَسْلَمَتْ امْرَأَةٌ مَجُوسِيَّةٌ وَأَبَى زَوْجُهَا أَنْ يُسْلِمَ يَكُونُ لَهَا عَلَيْهِ صَدَاقُهَا؟ قَالَ فِي هَذَا: يَدْخُلُ عَلَيْهِمْ انْتَهَى.
وَمِنْهَا: خُلْعُهُ، وَنَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ مُهَنَّا أَنَّهُ يُوجِبُ نِصْفَ الْمَهْرِ وَعَلَّلَهُ الْقَاضِي بِأَنَّ الْخُلْعَ يَسْتَقِلُّ بِهِ الزَّوْجُ ; لِأَنَّهُ يَصِحُّ مَعَ الْأَجْنَبِيِّ بِدُونِ رِضَى الْمَرْأَةِ فَلِذَلِكَ نُسِبَ إلَيْهِ.
وَفِيهِ وَجْهٌ آخَرُ أَنَّهُ يَسْقُطُ بِهِ الْمَهْرُ، فَمِنْ الْأَصْحَابِ مَنْ خَرَّجَهُ عَلَى أَنَّهُ فَسْخٌ فَيَكُونُ كَسَائِرِ الْفُسُوخِ مِنْ الزَّوْجِ وَمِنْهُمْ مَنْ جَعَلَهُ مِمَّا يَشْتَرِكُ بِهِ الزَّوْجَانِ ; لِأَنَّهُ إنَّمَا يَكُونُ بِسُؤَالِ الْمَرْأَةِ فَتَكُونُ الْفُرْقَةُ فِيهِ مِنْ قِبَلِهَا، وَلِذَلِكَ يَسْقُطُ إرْثُهَا بِالْخُلْعِ فِي الْمَرَضِ، وَهَذَا عَلَى قَوْلِنَا لَا يَصِحُّ مَعَ الْأَجْنَبِيِّ أَظْهَرُ.
فَأَمَّا إنْ وَقَعَ مَعَ الْأَجْنَبِيِّ وَصَحَّحْنَاهُ فَيَنْبَغِي أَنْ يَنْتَصِفَ بِهِ الْمَهْرُ وَجْهًا وَاحِدًا.
وَمِنْهَا: إسْلَامُهُ وَالزَّوْجَةُ غَيْرُ كِتَابِيَّةٍ فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ، وَفِي الْأُخْرَى يَسْقُطُ الْمَهْرُ ; لِأَنَّهُ فَعَلَ الْوَاجِبَ عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا وَقَعَتْ الْفُرْقَةُ بِامْتِنَاعِهَا مِنْ الْإِسْلَامِ فَلَا يَكُونُ لَهَا مَهْرٌ.
وَمِنْهَا: رِدَّتُهُ عَنْ الْإِسْلَامِ.
وَمِنْهَا: إقْرَارُهُ بِالنَّسَبِ أَوْ بِالرَّضَاعِ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْمُفْسِدَاتِ فَيُقْبَلُ مِنْهُ فِي انْفِسَاخِ النِّكَاحِ دُونَ سُقُوطِ النِّصْفِ.
وَمِنْهَا: أَنْ يَطَأَ أُمَّ زَوْجَتِهِ أَوْ ابْنَتَهَا بِشُبْهَةٍ أَوْ زِنًا فَيَنْفَسِخُ نِكَاحُ الْبِنْتِ وَيَجِبُ لَهَا نِصْفُ الصَّدَاقِ نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ ابْنِ هَانِئٍ، وَيُسْتَثْنَى مِنْ هَذَا الْقِسْمِ الْفُسُوخُ الَّتِي يَمْلِكُهَا الزَّوْجُ لِضَرَرٍ يَلْحَقُهُ إمَّا لِظُهُورِ عَيْبٍ فِي الزَّوْجَةِ أَوْ فَوَاتِ شَرْطٍ فَيَسْقُطُ بِهَا الْمَهْرُ ; لِأَنَّ حُكْمَ الْفُسُوخِ فِي الْعُقُودِ لِعَيْبٍ ظَهَرَ فِي الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ يَزْدَادُ لِلْعِوَضَيْنِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ وَقَدْ وُجِدَ ذَلِكَ قَبْلَ تَمَكُّنِهِ مِنْ قَبْضِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ وَاسْتِيفَائِهِ، وَإِنَّمَا اسْتَحَقَّتْ نِصْفَ الْمَهْرِ فِي الصَّدَاقِ وَمَا كَانَ فِي مَعْنَاهُ جَبْرًا لَهَا حَيْثُ لَمْ يَكُنْ لَهُ مُوجِبٌ مِنْ جِهَتِهَا،