الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يُحَرِّمُ جَمْعَ الثَّلَاثِ وَهُوَ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ فَتَكُونُ الْمَسْأَلَةُ حِينَئِذٍ مِنْ صُوَرِ التَّخْصِيصِ بِالشَّرْعِ وَقَدْ ذَكَرْنَا نَظَائِرَهَا فِي قَاعِدَةٍ سَبَقَتْ.
(وَمِنْهَا) إذَا قَالَ زَوْجَتِي طَالِقٌ أَوْ عَبْدِي حُرٌّ وَلَهُ زَوْجَتَانِ وَعَبِيدٌ فَالْمَنْصُوصُ أَنَّهُ يَقَعُ الطَّلَاقُ وَالْعِتْقُ بِالْجَمِيعِ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ عَدَدًا مُعَيَّنًا ; لِأَنَّ اسْمَ الْجِنْسِ الْمُضَافَ لِلْعُمُومِ فَهُوَ كَالْجَمْعِ الْمَعْرُوفِ. ذَكَرَ صَاحِبُ الْمُغْنِي احْتِمَالًا وَرَجَّحَهُ أَنَّهُ لَا يَقَعُ الطَّلَاقُ وَالْعَتَاقُ مَعَ إطْلَاقِ النِّيَّةِ إلَّا بِوَاحِدٍ لِأَنَّ اللَّفْظَ صَالِحٌ لِلْوَاحِدِ وَالْجَمِيعِ فَحَمْلُهُ عَلَى الْوَاحِدِ أَوْلَى ; لِأَنَّهُ الْمُتَيَقَّنُ وَلَوْ كَانَ الْجَمْعُ أَظْهَرَ فِيهِ تَرْجِيحًا لِلْأَصْلِ عَلَى الظَّاهِرِ.
(وَمِنْهَا) إذَا قَالَ لَهُ: عِنْدِي دِرْهَمٌ وَدِرْهَمٌ وَدِرْهَمٌ. فَهَلْ يَلْزَمُهُ دِرْهَمَانِ أَوْ ثَلَاثَةٌ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ ذَكَرَهُمَا أَبُو بَكْرٍ فِي الشَّافِي وَنَزَّلَهُمَا صَاحِبُ التَّلْخِيصِ عَلَى تَعَارُضِ الْأَصْلِ وَالظَّاهِرِ ; فَإِنَّ الظَّاهِرَ عَطْفُ الثَّالِثِ عَلَى الثَّانِي وَيُحْتَمَلُ إرَادَةُ التَّكْرَارِ بِهِ لِأَنَّهُ بِلَفْظِهِ فَيُحْمَلُ عَلَيْهِ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ لِأَنَّهُ الْيَقِينُ، قَالَ: وَلَوْ قَالَ: أَرَدْت بِالثَّلَاثِ تَكْرَارَ الثَّانِي قُبِلَ عَلَى الْوَجْهَيْنِ لِاحْتِمَالِهِ. وَذَكَرَ صَاحِبُ الْمُغْنِي فِي الطَّلَاقِ احْتِمَالًا أَنَّهُ لَا يَقْبَلُ إرَادَةُ التَّكْرَارِ وَالتَّأْكِيدِ مَعَ حَرْفِ الْعَطْفِ لِمُخَالَفَةِ الظَّاهِرِ ; لِأَنَّ ظَاهِرَ الْعَطْفِ يَقْتَضِي الْمُغَايَرَةَ.
[الْقَاعِدَةُ السِّتُّونَ بَعْدَ الْمِائَة تُسْتَعْمَلُ الْقُرْعَةُ فِي تَمَيُّزِ الْمُسْتَحِقِّ إذَا ثَبَتَ الِاسْتِحْقَاقُ ابْتِدَاء لِمُبْهَمٍ]
(الْقَاعِدَةُ السِّتُّونَ بَعْدَ الْمِائَة) : تُسْتَعْمَلُ الْقُرْعَةُ فِي تَمَيُّزِ الْمُسْتَحِقِّ إذَا ثَبَتَ الِاسْتِحْقَاقُ ابْتِدَاءً لِمُبْهَمٍ غَيْرِ مُعَيَّنٍ عِنْدَ تَسَاوِي أَهْلِ الِاسْتِحْقَاقِ. وَيُسْتَعْمَلُ أَيْضًا فِي تَمْيِيزِ الْمُسْتَحَقِّ الْمُعَيَّنِ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ عَنْ اشْتِبَاهِهِ وَالْعَجْزِ عَلَى الِاطِّلَاعِ عَلَيْهِ، وَسَوَاءٌ فِي ذَلِكَ الْأَمْوَالُ وَالْأَبْضَاعُ فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ، وَفِي الْأَبْضَاعِ قَوْلٌ آخَرُ: إنَّهُ لَا تُؤَثِّرُ الْقُرْعَةُ فِي حَلِّ الْمُعَيَّنِ مِنْهَا فِي الْبَاطِنِ وَلَا يُسْتَعْمَلُ فِي إلْحَاقِ النَّسَبِ عِنْدَ الِاشْتِبَاهِ عَلَى ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ وَيُسْتَعْمَلُ فِي حُقُوقِ الِاخْتِصَاصِ وَالْوِلَايَاتِ وَنَحْوِهَا، وَلَا تُسْتَعْمَلُ فِي تَعْيِينِ الْوَاجِبِ الْمُبْهَمِ مِنْ الْعِبَادَاتِ وَنَحْوِهَا ابْتِدَاءً، وَفِي الْكَفَّارَةِ وَجْهٌ ضَعِيفٌ أَنَّ الْقُرْعَةَ تُمَيِّزُ الْيَمِينَ الْمَنْسِيَّةِ.
وَنَحْنُ نَذْكُرُ هَاهُنَا مَسَائِلَ الْقُرْعَةِ الْمَذْكُورَةِ فِي الْمَذْهَبِ مِنْ أَوَّلِ الْفِقْهِ إلَى آخِرِهِ بِحَسَبِ الْإِمْكَانِ، وَاَللَّهُ الْمُوفَّق (فَمِنْهَا) إذَا اجْتَمَعَ مُحْدِثَانِ حَدَثًا أَكْبَرَ أَوْ أَصْغَرَ وَعِنْدَهُمَا مَا يَكْفِي أَحَدَهُمَا وَلَا اخْتِصَاصَ لِأَحَدِهِمَا بِهِ فَفِيهِ وَجْهَانِ:
أَحَدُهُمَا: يَقْتَرِعَانِ عَلَيْهِ لِاسْتِوَائِهِمَا فِي الْحَاجَةِ إلَيْهِ.
وَالثَّانِي: يُقْسَمُ بَيْنَهُمَا وَلَوْ كَانَ أَحَدُهُمَا جُنُبًا وَالْآخَرُ مُحْدِثًا حَدَثًا أَصْغَرَ وَكَانَ الْمَاءُ يَكْفِي كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَيَفْضُلُ عَنْهُ فَضْلَةً لَا يَكْفِي الْآخَرَ فَفِيهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ: أَحَدُهَا الْمُحْدِثُ أَوْلَى لِأَنَّ فَضْلَتَهُ يُمْكِنُ الْجُنُبَ اسْتِعْمَالُهَا بِخِلَافِ فَضْلَةِ الْجُنُبِ فَإِنَّمَا لَا تَرْفَعُ حَدَثَ الْمُحْدِثِ وَلَا شَيْئًا مِنْهُ.
وَالثَّانِي: الْجُنُبُ أَوْلَى لِغِلَظِ حَدَثِهِ.
وَالثَّالِثُ: هُمَا سَوَاءٌ فَيُقْرَعُ بَيْنَهُمَا أَوْ يُعْطِيهِ بَاذِلُ الْمَاءِ لِمَنْ شَاءَ مِنْهُمَا، قَالَ صَاحِبُ التَّلْخِيصِ: هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ صَوَّرَهَا جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا فِي مَاءٍ مُبَاحٍ أَوْ مَمْلُوكٍ أَرَادَ مَالِكُهُ بَذْلَهُ لِأَحَدِهِمْ، وَفِيهِ نَظَرٌ فَإِنَّ الْمُبَاحَ قَبْلَ وَضْعِ الْأَيْدِي عَلَيْهِ لَا مِلْكَ فِيهِ، وَبَعْدَ
وَضْعِ الْأَيْدِي لِلْجَمِيعِ، وَالْمَالِكُ لَهُ وِلَايَةُ صَرْفِهِ إلَى مَنْ شَاءَ، قَالَ: وَيُتَصَوَّرُ ذَلِكَ عِنْدِي فِي الْوَصِيَّةِ بِالْمَاءِ لِأَوْلَاهُمْ بِهِ انْتَهَى.
وَيُتَصَوَّرُ أَيْضًا فِي النَّذْرِ لَأَوْلَاهُمْ بِهِ وَالْوَقْفِ عَلَيْهِ وَفِيمَا إذَا طَلَبَ الْمَالِكُ مَعْرِفَةَ أَوْلَاهُمْ لِيُؤْثِرَهُ بِهِ وَفِيمَا إذَا مَا وَرَدُوا عَلَى مُبَاحٍ وَازْدَحَمُوا وَتَشَاحُّوا فِي التَّنَاوُلِ أَوَّلًا.
(وَمِنْهَا) إذَا تَشَاحُّوا فِي الْأَذَانِ مَعَ تَسَاوِيهِمْ الْمُرَجَّحِ بِهَا فِيهِ، فَإِنَّهُ يُقْرِعُ بَيْنَهُمْ نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُد وَأَبِي طَالِبٍ وَمُحَمَّدِ بْنِ مُوسَى وَاحْتَجَّ بِأَنَّ سَعْدًا أَقْرَعَ بَيْنَهُمْ فِي الْأَذَانِ يَوْمَ الْقَادِسِيَّةِ وَنَصَّ فِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُد عَلَى تَقْدِيمِ الْقُرْعَةِ عَلَى اخْتِيَارِ الْجِيرَانِ، وَفِي رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي مُوسَى عَلَى أَنَّ الْمُتَعَاهِدَ لِلْمَسْجِدِ بِالْعِمَارَةِ أَحَقُّ
(وَمِنْهَا) إذَا اجْتَمَعَ عُرَاةٌ وَمَعَ وَاحِدٍ ثَوْبٌ قَدْ صَلَّى فِيهِ اُسْتُحِبَّ لَهُ إعَارَتُهُ لِرُفَقَائِهِ فَإِنْ ضَاقَ الْوَقْتُ وَفِيهِمْ مَنْ يَصْلُحُ لِلْإِمَامَةِ اُسْتُحِبَّ إعَارَتُهُ فَيُصَلِّي فِيهِ إمَامًا وَالْعُرَاةُ خَلْفَهُ، فَإِنْ اسْتَوَوْا وَلَمْ يَكُنْ الثَّوْبُ لِوَاحِدٍ مِنْهُمْ أُقْرِعَ بَيْنَهُمْ فَمَنْ خَرَجَتْ لَهُ الْقُرْعَةُ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ، ذَكَرَهُ فِي الْمُغْنِي.
(وَمِنْهَا) إذَا اسْتَوَى اثْنَانِ فِي الصِّفَاتِ الْمُرَجَّحِ بِهَا فِي الْإِمَامَةِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ وَتَشَاحَّا أُقْرِعَ بَيْنَهُمَا، كَمَا فِي الْأَذَانِ (وَكَذَلِكَ) إذَا اجْتَمَعَ اثْنَانِ مِنْ أَوْلِيَاءِ الْمَيِّتِ وَاسْتَوَيَا وَتَشَاحَّا فِي الصَّلَاةِ عَلَيْهِ أُقْرِعَ بَيْنَهُمَا، وَلَوْ وَلِيَ إمَامَةَ الْمَسْجِدِ رَجُلَانِ صَحَّ وَكَانَا فِي الْإِمَامَةِ سَوَاءٌ وَأَيُّهُمَا سَبَقَ إلَيْهَا كَانَ أَحَقَّ بِهَا فَإِنْ حَضَرَا مَعًا اُحْتُمِلَ أَنْ يُقْرَعَ بَيْنَهُمَا فَيُقَدَّمُ مَنْ قُرِعَ لَهُ مِنْهُمَا، وَاحْتُمِلَ أَنْ يَرْجِعَ إلَى اخْتِيَارِ أَهْلِ الْمَسْجِدِ لِأَحَدِهِمَا ذَكَرَ ذَلِكَ الْقَاضِي فِي الْأَحْكَامِ السُّلْطَانِيَّةِ.
(وَمِنْهَا) إذَا قَدَّمَ مَيِّتَيْنِ إلَى مَكَانٍ مِنْ مَقْبَرَةٍ مُسْبَلَةٍ فِي آنٍ وَاحِدٍ وَلَمْ يَكُنْ لِأَحَدِهِمَا هُنَاكَ مَزِيَّةٌ مِنْ أَهْلٍ مَدْفُونِينَ عِنْدَهُ أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ فَإِنَّهُ يُقْرَعُ بَيْنَهُمَا صَرَّحَ بِهِ الْأَصْحَابُ.
وَكَذَلِكَ إذَا دُفِنَ اثْنَانِ فِي قَبْرٍ وَاحِدٍ وَاسْتَوَيَا فِي الصِّفَاتِ فَإِنَّهُ يُقَدَّمُ أَحَدُهُمَا إلَى الْقِبْلَةِ بِالْقُرْعَةِ، كَمَا فَعَلَ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ بِامْرَأَتَيْهِ
(وَمِنْهَا) إذَا اجْتَمَعَ مَيِّتَانِ فَبُذِلَ لَهُمَا كَفَنَانِ وَكَانَ أَحَدُ الْكَفَنَيْنِ أَجْوَدَ مِنْ الْآخَرِ وَلَمْ يُعَيِّنْ الْبَاذِلُ مَا لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فَإِنَّهُ يُقْرَعُ بَيْنَهُمَا ; لِمَا وَرَدَ فِي السُّنَّةِ بِذَلِكَ، فَرَوَى الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِي الْمُسْنَدِ مِنْ حَدِيثِ الزُّبَيْرِ أَنَّهُ قَالَ «: لَمَّا كَانَ يَوْمُ أُحُدٍ أَقْبَلَتْ صَفِيَّةُ: يَعْنِي أُمَّهُ فَأَخْرَجَتْ ثَوْبَيْنِ مَعَهَا فَقَالَتْ هَذَانِ ثَوْبَانِ جِئْت بِهِمَا لِأَخِي حَمْزَةَ فَكَفِّنُوهُ فِيهِمَا، قَالَ: فَجِئْتُ بِالثَّوْبَيْنِ لِيُكَفَّنَ فِيهِمَا حَمْزَةُ فَإِذَا إلَى جَنْبِهِ رَجُلٌ مِنْ الْأَنْصَارِ قَتِيلٌ قَدْ فُعِلَ بِهِ مَا فُعِلَ بِحَمْزَةَ، قَالَ فَوَجَدْنَا غَضَاضَةً وَحَيَاءً أَنْ يُكَفَّنَ حَمْزَةُ فِي ثَوْبَيْنِ وَالْأَنْصَارِيُّ لَا كَفَنَ لَهُ، فَقَالَ: لِحَمْزَةَ ثَوْبٌ وَلِلْأَنْصَارِيِّ ثَوْبٌ، فَقَدَرْنَاهُمَا فَكَانَ أَحَدُهُمَا أَكْبَرَ مِنْ الْآخَرِ فَأَقْرَعْنَا بَيْنَهُمَا فَكَفَّنَّا كُلَّ وَاحِدٍ فِي الَّذِي طَارَ لَهُ» ، وَقَدْ ذَكَرَهُ الْأَثْرَمُ لِلْإِمَامِ أَحْمَدَ لَمَّا عَدَّدَ أَحَادِيثَ الْقُرْعَةِ فَعَرَفَهُ أَحْمَدُ وَعَدَّهُ مَعَهَا وَهَذَا يُشْعِرُ بِأَنَّهُ أَخَذَ بِهِ
(وَمِنْهَا) وَلَوْ اشْتَبَهَ عَبْدُهُ بِعَبْدِ غَيْرِهِ فَهَلْ يَصِحُّ بَيْعُ عَبْدِهِ الْمُشْتَبِهِ مِنْ مَالِ الْآخَرِ قَبْلَ تَمْيِيزِهِ أَمْ لَا؟ قَالَ الْقَاضِي فِي خِلَافِهِ: يُحْتَمَلُ
أَنْ لَا يَصِحَّ الْعَقْدُ حَتَّى يَقَعَ التَّمْيِيزُ، وَبِمَاذَا يَقَعُ يُحْتَمَلُ أَنْ يُقْرَعَ بَيْنَهُمَا فَيُعَيَّنُ بِالْقُرْعَةِ ثُمَّ يَبِيعُهُ لِأَنَّهُ قَدْ اخْتَلَطَ الْمُسْتَحِقُّ بِغَيْرِهِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَقِفَ عَلَى الْمُرَاضَاةِ. وَلَوْ سَلَّمْنَاهُ فَلِأَنَّ الْجَهَالَةَ هُنَا بِغَيْرِ فِعْلِهِ فَعُفِيَ عَنْهَا قَالَ: وَأَجْوَدُ مَا يُقَالُ فِيهَا: إنَّهُمَا يَبِيعَانِ الْعَبْدَيْنِ وَيَقْتَسِمَانِ الثَّمَنَ عَلَى قِيمَةِ الْعَبْدَيْنِ كَمَا قُلْنَا إذَا اخْتَلَطَ زَيْتُهُ بِزَيْتِ الْآخَرِ وَأَحَدُهُمَا أَجْوَدُ مِنْ الْآخَرِ أَنَّهُمَا يَبِيعَانِ الزَّيْتَ وَيَقْتَسِمَانِ الثَّمَنَ عَلَى قَدْرِ الْقِيمَةِ انْتَهَى.
(وَمِنْهَا) إذَا ادَّعَى الْوَدِيعَةَ اثْنَانِ فَقَالَ الْمُودَعُ: لَا أَعْلَمُ لِمَنْ هِيَ مِنْكُمَا. فَإِنَّهُ يُقْرَعُ بَيْنَهُمَا، فَمَنْ قُرِعَ فَصَاحِبُهُ، حَلَفَ وَأَخَذَهَا نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ، وَهِيَ مِنْ فُرُوعِ مَسْأَلَةِ تَدَاعِي عَيْنٍ بِيَدِ ثَالِثٍ يَعْتَرِفُ بِأَنَّهَا لِأَحَدِهِمَا وَسَنَذْكُرُهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ.
(وَمِنْهَا) إذَا سَبَقَ اثْنَانِ إلَى الْجُلُوسِ بِالْأَمَاكِنِ الْمُبَاحَةِ كَالطُّرُقِ الْوَاسِعَةِ، وَرِحَابِ الْمَسَاجِدِ وَنَحْوِهَا لِمَعَاشٍ أَوْ غَيْرِهِ، فَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ يُقَدَّمُ أَحَدُهُمَا بِالْقُرْعَةِ، وَفِيهِ وَجْهٌ بِتَقْدِيمِ السُّلْطَانِ لِمَنْ يَرَى مِنْهُمَا بِنَوْعٍ مِنْ التَّرْجِيحِ، وَكَذَلِكَ لَوْ اسْتَبَقَا إلَى مَوْضِعٍ فِي رِبَاطٍ مُسْبَلٍ أَوْ خَانٍ، أَوْ اسْتَبَقَ فَقِيهَانِ إلَى مَدْرَسَةٍ أَوْ صُوفِيَّانِ إلَى خانكاه ذَكَرَهُ الْحَارِثُ وَهَذَا يَتَوَجَّهُ عَلَى أَحَدِ الِاحْتِمَالَيْنِ اللَّذَيْنِ ذَكَرَهُمَا فِي الْمَدَارِسِ وَالْخَوَانِقِ الْمُخْتَصَّةِ بِوَصْفٍ مُعَيَّنٍ أَنَّهُ لَا يَتَوَقَّفُ الِاسْتِحْقَاقُ فِيهَا عَلَى تَنْزِيلِ نَاظِرٍ، فَأَمَّا عَلَى الْوَجْهِ الْآخَرِ وَهُوَ تَوَقُّفُ الِاسْتِحْقَاقِ عَلَى تَنْزِيلِهِ فَلَيْسَ إلَّا تَرْجِيحُهُ لَهُ بِنَوْعٍ مِنْ التَّرْجِيحَاتِ. وَقَدْ يُقَالُ: إنَّهُ يُرَجَّحُ بِالْقُرْعَةِ مَعَ التَّسَاوِي.
(وَمِنْهَا) إذَا سَبَقَ اثْنَانِ إلَى مَعْدِنٍ مُبَاحٍ أَوْ غَيْرِهِ مِنْ الْمُبَاحَاتِ وَضَاقَ الْمَكَانُ إلَّا عَنْ أَحَدِهِمَا فَفِيهِ وَجْهَانِ:
أَحَدُهُمَا: يَقْتَرِعَانِ عَلَيْهِ اخْتَارَهُ صَاحِبُ الْمُغْنِي.
وَالثَّانِي: قَالَهُ الْقَاضِي وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا لِلتِّجَارَةِ هَايَأَ الْإِمَامُ بَيْنَهُمَا بِالْيَوْمِ أَوْ السَّاعَةِ بِحَسَبِ مَا يَرَى لِأَنَّهُ يَطُولُ، وَإِنْ كَانَ لِلْحَاجَةِ فَاحْتِمَالَاتٌ: أَحَدُهَا يُقْرَعُ بَيْنَهُمَا.
وَالثَّانِي: يَنْصِبُ مَنْ يَأْخُذُ لَهُمَا ثُمَّ يَقْسِمُ.
وَالثَّالِثُ: يُقَدِّمُ مَنْ يَرَاهُ أَحْوَجَ وَأَوْلَى، وَأَمَّا إنْ وَقَعَتْ أَيْدِيهِمَا عَلَى الْمُبَاحِ فَهُوَ بَيْنَهُمَا بِغَيْرِ خِلَافٍ وَإِنْ كَانَ فِي كَلَامِ بَعْضِ الْأَصْحَابِ مَا يُوهِمُ خِلَافَ ذَلِكَ فَلَيْسَ بِشَيْءٍ
(وَمِنْهَا) إذَا اجْتَمَعَ اثْنَانِ بَيْنَ نَهْرٍ مُبَاحٍ لِكُلٍّ مِنْهُمَا أَرْضٌ يَحْتَاجُ إلَى السَّقْيِ مِنْهُ وَكَانَا مُتَقَابِلَيْنِ وَلَمْ يُمْكِنْ قِسْمَةُ الْمَاءِ بَيْنَهُمَا أُقْرِعَ بَيْنَهُمَا فَقُدِّمَ مَنْ لَهُ الْقُرْعَةُ، فَإِنْ كَانَ لَا يَفْضُلُ عَنْ أَحَدِهِمَا سَقَى مَنْ لَهُ الْقُرْعَةُ بِقَدْرِ حَقِّهِ مِنْ الْمَاءِ ثُمَّ تَرَكَهُ لِلْآخَرِ ; فَإِنَّهُ يُسَاوِيهِ فِي اسْتِحْقَاقِ الْمَاءِ وَإِنَّمَا الْقُرْعَةُ لِلتَّقْدِيمِ فِي اسْتِيفَاءِ الْحَقِّ لَا فِي أَصْلِ الْحَقِّ بِخِلَافِ الْأَعْلَى مَعَ الْأَسْفَلِ فَإِنَّهُ لَيْسَ لِلْأَسْفَلِ حَقٌّ إلَّا فِيمَا فَضَلَ عَنْ الْأَعْلَى، وَهُنَا الْمَاءُ بَيْنَهُمَا يَسْتَحِقُّ كُلٌّ مِنْهُمَا أَنْ يَأْخُذَ بِقَدْرِ نِسْبَةِ حَقِّهِ مِنْهُ ذَكَرَهُ فِي الْمُغْنِي.
(وَمِنْهَا) إذَا وُصِفَ لِلُّقَطَةِ نَفْسَانِ فَهَلْ يُقْسَمُ بَيْنَهُمَا أَوْ يُقْرَعُ؟ فَمَنْ خَرَجَتْ لَهُ الْقُرْعَةُ فَهِيَ لَهُ عَلَى وَجْهَيْنِ (وَمِنْهَا) إذَا الْتَقَطَ اثْنَانِ طِفْلًا وَتَسَاوَيَا فِي الصِّفَاتِ أُقْرِعَ بَيْنَهُمَا وَلَمْ يُقَرَّ بِأَيْدِيهِمَا جَمِيعًا كَمَا فِي الْحَضَانَةِ، وَإِنْ ادَّعَى نَفْسَانِ الْتِقَاطَ طِفْلٍ فَإِنْ كَانَ فِي أَيْدِيهِمَا أُقْرِعَ بَيْنَهُمَا فَأُقِرَّ
بِيَدِ مَنْ خَرَجَتْ لَهُ الْقُرْعَةُ فَإِنْ اسْتَوَيَا فِي عَدَمِ الْيَدِ وَلَمْ يَصِفْهُ أَحَدُهُمَا، فَقَالَ الْقَاضِي وَالْأَكْثَرُونَ: لَا حَقَّ لِأَحَدِهِمَا فِيهِ وَيُعْطِيه الْحَاكِمُ لِمَنْ شَاءَ مِنْهُمَا أَوْ مِنْ غَيْرِهِمَا ; لِأَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ لَهُمَا سَبَبُ الِاسْتِحْقَاقِ وَقَالَ صَاحِبُ الْمُغْنِي: الْأَوْلَى أَنْ يُقْرَعَ بَيْنَهُمَا لِأَنَّهُمَا تَنَازَعَا شَيْئًا فِي يَدِ غَيْرِهِمَا فَأَشْبَهَ مَا لَوْ تَنَازَعَا وَدِيعَةً. وَفِيهِ نَظَرٌ. فَإِنَّ الْوَدِيعَةَ لِمُعَيَّنٍ وَلَا مُدَّعِيَ لَهَا سِوَاهُمَا بِخِلَافِ اللَّقِيطِ فَإِنَّ الْحَقَّ لِمَنْ سَبَقَ إلَيْهِ وَلَمْ يَثْبُتْ السَّبْقُ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا فَصَارَ كَغَيْرِهِمَا، وَلَوْ ادَّعَى اثْنَانِ لُقَطَةً بَيْنَ أَيْدِيهمَا كُلٌّ مِنْهُمَا يَقُولُ: أَنَا سَبَقْتُ إلَيْهَا، أُقْرِعَ بَيْنَهُمَا ذَكَرَهُ الْقَاضِي فِي خِلَافِهِ. وَهَذَا فِي الظَّاهِرِ يُخَالِفُ قَوْلَهُ فِي دَعْوَى الْتِقَاطِ الطِّفْلِ إلَّا أَنْ يُفَرَّقَ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ اللُّقَطَةَ تَئُولُ إلَى الْمِلْكِ، فَهِيَ كَتَدَاعِي اثْنَيْنِ مِلْكِيَّةَ عَيْنٍ بَيْنَ أَيْدِيهِمَا لَا يَدَ عَلَيْهَا لِأَحَدٍ كَمَا سَيَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ.
(وَمِنْهَا) إذَا وَصَّى لِجَارِهِ مُحَمَّدٍ وَلَهُ جَارَانِ بِهَذَا الِاسْمِ فَهَلْ تَبْطُلُ الْوَصِيَّةُ، أَوْ تَصِحُّ وَيُمَيَّزُ أَحَدُهُمَا بِالْقُرْعَةِ؟ فِيهِ خِلَافٌ سَبَقَ ذِكْرُهُ مَبْسُوطًا، وَكَذَا سَبَقَ ذِكْرُ مَنْ وَهَبَ أَحَدَ أَوْلَادِهِ وَتَعَذَّرَ الْوُقُوفُ عَلَى عَيْنِهِ أَوْ وُقِفَ عَلَيْهِ وَاشْتُبِهَ فِيهِمْ.
(وَمِنْهَا) إذَا أَوْصَى لِزَيْدٍ بِعَبْدٍ مِنْ عَبِيدِهِ قَالَ الْخِرَقِيِّ يُعْطِي وَاحِدًا مِنْهُمْ بِالْقُرْعَةِ كَمَا لَوْ أَعْتَقَ وَاحِدًا مُبْهَمًا. وَالْمَنْصُوصُ عَنْ أَحْمَدَ فِي رِوَايَةِ ابْنِ مَنْصُورٍ أَنَّ لَهُ أَخَسَّهُمْ يَعْنِي أَدْنَى مَا يَقَعُ عَلَيْهِ الِاسْمُ ; لِأَنَّهُ الْمُتَيَقَّنُ، وَإِنَّمَا أَقْرَعْنَا فِي الْعِتْقِ لِأَنَّ الْعِتْقَ حَقٌّ لِلْعَبِيدِ وَقَدْ تَسَاوَوْا فِي اسْتِحْقَاقِهِ فَيُمَيِّزُ بِالْقُرْعَةِ، وَهُنَا الْحَقُّ لِلْمُوصَى لَهُ وَإِنَّمَا يَسْتَحِقُّ مَا يَصْدُقُ عَلَيْهِ الِاسْمُ.
(وَمِنْهَا) إذَا مَاتَ الْمُتَوَارِثَانِ وَعُلِمَ أَسْبَقُهُمَا مَوْتًا ثُمَّ نَسِيَ. فَقَالَ الْقَاضِي: لَا يَمْتَنِعُ أَنْ نَقُولَ هُنَا بِالْقُرْعَةِ لِتَعْيِينِ السَّابِقِ، وَالْمَذْهَبُ أَنَّ حُكْمَ ذَلِكَ حُكْمُ مَا لَوْ جَهِلُوا الْحَالَ أَوْ لِأَنَّهُ يُوَرَّثُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِنْ الْآخَرِ مِنْ تِلَادِ مَالِهِ دُونَ مَا وَرِثَهُ مِنْهُ، وَلَوْ ادَّعَى وَرَثَةُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِسَبْقِ الْآخَرِ وَلَا بَيِّنَةَ لَهُمَا، أَوْ تَعَارَضَتْ الْبَيِّنَتَانِ فَفِيهِ أَوْجُهٌ. أَحَدُهَا يُعَيَّنُ السَّابِقُ بِالْقُرْعَةِ، اخْتَارَهُ ابْنُ أَبِي مُوسَى وَضَعَّفَهُ أَبُو بَكْرٍ فِي كِتَابِ الْخِلَافِ.
وَالثَّانِي: يَتَوَارَثَانِ كَمَا لَوْ جَهِلَ الْوَرَثَةُ الْحَالَ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي الْخَطَّابِ وَقَالَ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ وَابْنُ عَقِيلٍ: هُوَ قِيَاسُ الْمَذْهَبِ.
وَالثَّالِثُ: يَحْلِفُ وَرَثَةُ كُلِّ وَاحِدٍ لِإِسْقَاطِ دَعْوَى الْآخَرِ وَلَا يَتَوَارَثَانِ. نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ وَاخْتَارَهُ الْخِرَقِيِّ ; لِأَنَّ وَرَثَةَ كُلِّ وَاحِدٍ قَدْ عَلِمَ اسْتِحْقَاقَهُ لِإِرْثِهِ، وَغَيْرُهُمْ يَدَّعِي عَلَيْهِمْ اسْتِحْقَاقَ مُشَارَكَةٍ وَهُمْ يُنْكِرُونَ ذَلِكَ، فَيَكُونُ الْقَوْلُ قَوْلَهُمْ مَعَ أَيْمَانِهِمْ. بِخِلَافِ مَسَائِلِ الْغَرْقَى فَإِنَّ الْوَرَثَةَ مُتَّفِقُونَ فِيهَا عَلَى عَدَمِ الْعِلْمِ بِالسَّابِقِ وَلَيْسَ فِيهِمْ مُدَّعٍ لِاسْتِحْقَاقِ انْفِرَادِهِ بِمَالِ مَيِّتِهِ. وَالْوَجْهُ الرَّابِعُ وَهُوَ اخْتِيَارُ أَبِي بَكْرٍ فِي كِتَابِ الْخِلَافِ أَنَّهُ يُقْسَمُ الْقَدْرُ الْمُتَنَازَعُ فِيهِ مِنْ الْمِيرَاثِ بَيْنَ مُدَّعِيه نِصْفَيْنِ وَعَلَيْهِمَا الْيَمِينُ فِي ذَلِكَ كَمَا لَوْ تَنَازَعَا دَابَّةً فِي أَيْدِيهمَا.
(وَمِنْهَا) إذَا مَاتَ عَنْ زَوْجَاتٍ وَقَدْ طَلَّقَ إحْدَاهُنَّ طَلَاقًا يَقْطَعُ الْإِرْثَ أَوْ كَانَ نِكَاحُ بَعْضِهِنَّ فَاسِدًا لَا تُورَثُ فِيهِ، وَجَهِلَ عَيْنَ الْمُطَلَّقَةِ وَذَاتَ النِّكَاحِ الْفَاسِدِ فَإِنَّهَا تُعَيَّنُ بِالْقُرْعَةِ، وَالْمِيرَاثُ لِلْبَوَاقِي نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ.
(وَمِنْهَا) الْأَوْلِيَاءُ الْمُسْتَوُونَ فِي النِّكَاحِ إذَا تَشَاحُّوا أُقْرِعَ بَيْنَهُمْ
فَإِنْ سَبَقَ مَنْ أَخْطَأَتْهُ الْقُرْعَةُ فَزَوَّجَ فَهَلْ يَصِحُّ أَمْ لَا؟ عَلَى وَجْهَيْنِ.
(وَمِنْهَا) لَوْ زَوَّجَ وَلِيَّانِ مِنْ اثْنَيْنِ وَجُهِلَ أَسْبَقُ الْعَقْدَيْنِ، فَفِيهِ رِوَايَتَانِ:
أَحَدُهُمَا: يَمِينُ الْأَسْبَقِ بِالْقُرْعَةِ، فَمَنْ خَرَجَتْ لَهُ الْقُرْعَةُ فَهِيَ زَوْجَتُهُ وَلَا يَحْتَاجُ إلَى تَجْدِيدِ عَقْدٍ وَلَا يَحْتَاج الْآخَرُ إلَى طَلَاقٍ هَذَا ظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ فِي رِوَايَةِ حَنْبَلٍ وَابْنِ مَنْصُورٍ وَقَدْ ذَكَرَ هَذِهِ الرِّوَايَةَ فِي هَذَا الْوَجْهِ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ [وَابْنُ عَقِيلٍ وَغَيْرُهُمَا وَذَكَرَ الْقَاضِي فِي الْجَامِعِ] وَالْخِلَافِ وَالرِّوَايَتَيْنِ وَأَبُو الْخَطَّابِ وَغَيْرُهُمَا: أَنَّ الْآخَرَ يُؤْمَرُ بِالطَّلَاقِ كَمَا يُطَلِّقُ فِي النِّكَاحِ الْفَاسِدِ. وَفِيهِ ضَعْفٌ ; فَإِنَّ هَذَا لَمْ يَتَحَقَّقْ لَهُ نِكَاحٌ مُنْعَقِدٌ بِخِلَافِ النَّاكِحِ نِكَاحًا فَاسِدًا، وَأَيْضًا فَمُجَرَّدُ طَلَاقِهِ بِتَقْدِيرِ أَنْ يَكُونَ نِكَاحُهُ هُوَ السَّابِقَ لَا يُفِيدُ حِلَّ الْمَرْأَةِ لِلْآخَرِ، فَلِهَذَا قَالَ طَائِفَةٌ مِنْ الْأَصْحَابِ: يُجَدِّدُ الَّذِي خَرَجَتْ عَلَيْهِ الْقُرْعَةُ النِّكَاحَ لِتَحِلَّ لَهُ بِيَقِينٍ.
وَقَدْ حَكَى ذَلِكَ الْقَاضِي فِي كِتَابِ الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَبِي بَكْرٍ أَحْمَدَ بْنِ سُلَيْمَانَ النَّجَّادِ ثُمَّ رَدَّهُ بِأَنَّهُ لَا يَبْقَى حِينَئِذٍ مَعْنَى لِلْقُرْعَةِ فَإِنَّهُ إذَا أَمَرَ أَحَدُهُمَا بِالطَّلَاقِ وَأَمَرَ الْقَارِعَ بِتَجْدِيدِ النِّكَاحِ فَقَدْ خَلَتْ الْمَرْأَةُ مِنْ زَوْجِيَّتِهِمَا مَعًا، فَلَهَا أَنْ تَتَزَوَّجَ مَنْ شَاءَتْ مِنْهُمَا وَمِنْ غَيْرِهِمَا. وَلَا فَائِدَةَ حِينَئِذٍ لِلْقُرْعَةِ. وَهَذَا بِعَيْنِهِ قَوْلُ مِنْ يَقُولُ بِفَسْخِ نِكَاحِهِمَا كَمَا سَيَأْتِي. وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ لَوْ كَانَ الْأَمْرُ كَمَا ذَكَرُوهُ لَمْ يَبْقَ مِنْ الرِّوَايَتَيْنِ فَرْقٌ وَلَا لِلْقُرْعَةِ فَائِدَةٌ، وَإِنَّمَا يَجِبُ عَلَى رِوَايَةِ الْقُرْعَةِ أَنْ يُقَالَ: هِيَ زَوْجَةُ الْقَارِعِ بِحَيْثُ يَجِبُ عَلَيْهِ نَفَقَتُهَا وَسُكْنَاهَا، وَلَوْ مَاتَ وَرِثَتْهُ، لَكِنْ لَا يَطَؤُهَا حَتَّى يُجَدِّدَ الْعَقْدَ فَيَكُونَ تَجْدِيدُ الْعَقْدِ يُحِلُّ الْوَطْءَ فَقَطْ.
وَلَعَلَّ هَذَا قِيَاسُ الْمَذْهَبِ، أَوْ يُقَالُ: أَنَّهُ لَا يُحْكَمُ بِالزَّوْجِيَّةِ إلَّا بِالتَّجْدِيدِ وَيَكُونُ التَّجْدِيدُ وَاجِبًا عَلَيْهِ وَعَلَيْهَا كَمَا كَانَ الطَّلَاقُ وَاجِبًا عَلَى الْآخَرِ، قَالَ: وَلَيْسَ فِي كَلَامِ أَحْمَدَ تَعَرُّضٌ لِطَلَاقٍ وَلَا لِتَجْدِيدِ الْآخَرِ النِّكَاحَ فَإِنَّ الْقُرْعَةَ جَعَلَهَا الشَّارِعُ حُجَّةً وَبَيِّنَةً تُفِيدُ الْحِلَّ ظَاهِرًا كَالشَّهَادَةِ وَالنُّكُولِ وَنَحْوِهِمَا مِمَّا لَا يُوقَفُ مَعَهُ عَلَى حَقِيقَةِ الْأَمْرِ فِي الْبَاطِنِ. وَالْمَجْهُولُ غَيْرُ مُكَلَّفٍ بِهِ الْعِبَادُ بَلْ هُوَ فِي نَظَرِ الشَّرْعِ كَالْمَعْدُومِ مَا دَامَ مَجْهُولًا، وَنَظِيرُ هَذِهِ الرِّوَايَةِ فِي الْقُرْعَةِ أَنَّ الْمَشْهُورَ مِنْ الْمَذْهَبِ أَنَّ مَنْ طَلَّقَ وَاحِدَةً مِنْ زَوْجَاتِهِ ثُمَّ أُنْسِيهَا فَإِنَّهَا تُعَيَّنُ بِالْقُرْعَةِ وَيَحِلُّ لَهُ وَطْءُ الْبَوَاقِي فَكَذَلِكَ هَاهُنَا يُمَيَّزُ النِّكَاحُ الصَّحِيحُ مِنْ الْبَاطِلِ بِالْقُرْعَةِ وَيُفِيدُ حِلَّ الْوَطْءِ وَلَا يُقَالُ هُنَاكَ: الْأَصْلُ فِيمَنْ لَمْ يَخْرُجْ عَلَيْهَا الْقُرْعَةُ بَقَاءُ النِّكَاحِ وَلَمْ يَتَيَقَّنْ وُقُوعَ الطَّلَاقِ عَلَيْهَا، وَهُنَا الْأَصْلُ عَدَمُ انْعِقَادِ النِّكَاحِ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فَلَا يُبَاحُ الْوَطْءُ بِدُونِ تَيَقُّنِ الْعَقْدِ الصَّحِيحِ لِأَنَّا نَقُولُ: الِاسْتِصْحَابُ بَطَلَ بِيَقِينِ وُقُوعِ الطَّلَاقِ الْمُحَرِّمِ.
وَلِهَذَا أَبْطَلَ أَصْحَابُنَا الِاسْتِصْحَابَ فِي مَسْأَلَةِ اشْتِبَاهِ الْمَاءِ الطَّاهِرِ بِالنَّجِسِ وَمَنَعُوا اسْتِعْمَالَ أَحَدِهِمْ بِالتَّحَرِّي لِأَنَّ الِاسْتِصْحَابَ زَالَ حُكْمُهُ بِيَقِينِ التَّنَجُّسِ. وَحِينَئِذٍ تَتَّفِقُ الصُّورَتَانِ ; لِأَنَّ فِي إحْدَاهُمَا اشْتَبَهَتْ الزَّوْجَةُ بِالْمُطَلَّقَةِ ثَلَاثًا وَفِي الْأُخْرَى اشْتَبَهَ الزَّوْجُ بِغَيْرِهِ وَكَوْنِ أَحَدِهِمَا لَهُ أَصْلًا فِي الْحِلِّ دُونَ الْآخَرِ لَا أَثَرَ
لَهُ عِنْدَنَا. وَلِهَذَا يُسَوَّى بَيْنَ اشْتِبَاهِ الْبَوْلِ بِالْمَاءِ الطَّاهِرِ وَاشْتِبَاهِ الْمَاءِ النَّجِسِ بِالطَّاهِرِ، وَنَحْنُ نَقُولُ عَلَى أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ: لَوْ أَقَرَّ بِأَنَّ وَلَدَ إحْدَى إمَائِهِ ابْنُهُ، ثُمَّ مَاتَ وَلَمْ يُعَيِّنْهُ بُيِّنَ بِالْقُرْعَةِ وَإِنْ كَانَ حُرَّ الْأَصْلِ.
وَاعْلَمْ أَنَّ الْقَاضِيَ حَكَى عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ سُلَيْمَانَ النَّجَّادِ أَنَّهُ يُقْرَعُ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ فَمَنْ قُرِعَ أُمِرَ صَاحِبُهُ بِالطَّلَاقِ ثُمَّ جَدَّدَ الْآخَرُ نِكَاحَهُ، وَقَرَأْتُ بِخَطِّ الْقَاضِي فِي بَعْضِ مَجَامِيعِهِ قَالَ: حَكَى أَبُو الْحَسَنِ الْجَزَرِيُّ قَالَ سُئِلَ أَبُو عَلِيٍّ النَّجَّادُ عَنْ رَجُلٍ زَوَّجَ ابْنَتَهُ عَلَى صَدَاقٍ أَلْفِ دِرْهَمٍ ثُمَّ مَاتَ الْأَبُ قَبْلَ دُخُولِ الزَّوْجِ بِهَا، فَحَضَرَ ثَلَاثَةُ رِجَالٍ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ يَقُولُ زَوَّجَنِي أَبُوك مِنْك عَلَى صَدَاقٍ أَلْفِ دِرْهَمٍ قَبَضَهَا مِنِّي، وَعَدِمَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ الْبَيِّنَةَ فِي الْحَالِ وَقَالَتْ الْبِنْتُ: أَعْلَمُ أَنَّ وَاحِدًا مِنْ هَؤُلَاءِ الثَّلَاثَةِ تَزَوَّجَنِي يَقِينًا وَلَكِنْ لَا أَعْرِفُهُ عَيْنًا فَقَالَ أَبُو عَلِيٍّ النَّجَّادُ تَرْفَعُ أَمْرَهَا إلَى الْحَاكِمِ فَيُجْبَرُ الثَّلَاثَةُ عَلَى أَنْ يُطَلِّقَهَا كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ طَلْقَةً وَاحِدَةً ثُمَّ يَقْتَرِعُ بَيْنَ الثَّلَاثَةِ عَلَى الْأَلْفِ فَأَيُّهُمْ كَانَتْ لَهُ الْقُرْعَةُ أَخَذَ الْأَلْفَ ثُمَّ يُقَالُ لِلْمَرْأَةِ: تَزَوَّجِي أَيَّهمْ شِئْت إنْ أَحْبَبْتِ فَإِنْ كَانَتْ هَذِهِ الْحِكَايَةُ مُسْتَنَدَ الْقَاضِي فِي الْحِكَايَةِ عَنْ النَّجَّادِ فَقَدْ وَهَمَ فِي تَسْمِيَتِهِ ; فَإِنَّ الْحِكَايَةَ عَنْ أَبِي عَلِيٍّ وَنَسَبَهَا هُوَ إلَى أَبِي بَكْرِ بْنِ سُلَيْمَانَ وَلَيْسَتْ الْمَسْأَلَةُ فِي نِكَاحَيْنِ مُشْتَبِهَيْنِ بَلْ فِي دَعْوَى الْقُرْعَةِ فِيهَا إنَّمَا هِيَ لِلْمَالِ لَا لِمَحَلِّ الْبُضْعِ فَلَا يَصِحُّ مَاحَكَاهُ الْقَاضِي عَنْ أَبِي بَكْرٍ النَّجَّادِ بِالْكُلِّيَّةِ فَلْيُحَقَّقْ ذَلِكَ، وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَة يُفْسَخُ النِّكَاحَانِ جَمِيعًا ثُمَّ تَتَزَوَّجُ مَنْ شَاءَتْ مِنْهُمَا أَوْ مِنْ غَيْرِهِمَا إذَا شَاءَتْ نَقَلَهَا أَبُو الْحَارِثِ وَمُهَنَّا، وَهِيَ اخْتِيَارُ أَبِي بَكْرٍ فِي خِلَافِهِ وَالْخِرَقِيِّ.
وَحَكَى ابْنُ أَبِي مُوسَى فِي الْمَسْأَلَةِ رِوَايَتَيْنِ.
إحْدَاهُمَا يَبْطُلُ النِّكَاحَانِ.
وَالثَّانِيَة: يُقْرَعُ بَيْنَهُمَا فَمَنْ خَرَجَتْ لَهُ الْقُرْعَةُ فَهِيَ لَهُ قَالَ: وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ وَأَصَحُّ، وَظَاهِرُهُ أَنَّ النِّكَاحَيْنِ يَبْطُلَانِ مِنْ غَيْرِ فَسْخٍ وَيَشْهَدُ لَهُ مَا نَقَلَهُ ابْنُ مَنْصُورٍ عَنْ أَحْمَدَ فِي وَلِيَّيْنِ زَوَّجَا امْرَأَةً لَا تَدْرِي أَيَّهُمَا زَوَّجَ قَبْلُ، قَالَ مَا أَرَى لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا هَاهُنَا نِكَاحًا، وَمِنْ الْأَصْحَابِ مَنْ حَكَى ذَلِكَ وَجْهًا وَقَيَّدَهُ بِمَا إذَا أَمْكَنَ وُقُوعَهُمَا مَعًا وَقَدْ جَعَلَ الْقَاضِي فِي خِلَافِهِ الْمَذْهَبَ كَذَلِكَ. وَأَمَّا إنْ عَلِمَ وُقُوعَهُمَا مَعًا فَهُمَا جَمِيعًا بَاطِلَانِ غَيْرُ مُنْعَقِدَيْنِ.
وَذَكَرَ الْقَاضِي فِي خِلَافِهِ وَفِي كِتَابِ الرِّوَايَتَيْنِ أَنَّ حُكْمَهُ حُكْمُ مَا لَوْ وَقَعَا مُتَرَتِّبَيْنِ وَجُهِلَ أَسْبَقُهُمَا فِيهِ الرِّوَايَتَانِ.
قَالَ أَبُو الْبَرَكَاتِ وَهَذَا لَا وَجْهَ لَهُ وَلَعَلَّهُ خَرْقُ الْإِجْمَاعِ، فَأَمَّا حُكْمُ الْمَهْرِ فِي هَذَيْنِ النِّكَاحَيْنِ الْمُشْتَبِهَيْنِ فَقَدْ سَبَقَ ذِكْرُهُ، وَإِنَّ فِي وُجُوبِ نِصْفِ الْمَهْرِ عَلَى مَنْ تَخْرُجُ الْقُرْعَةُ عَلَيْهِ مِنْهُمَا وَجْهَيْنِ، فَإِنْ مَاتَتْ الْمَرْأَةُ قَبْلَ الْفَسْخِ فَفِي الْمُغْنِي احْتِمَالَانِ:
أَحَدُهُمَا: يُوقَفُ نِصْفُ مِيرَاثِهَا أَوْ رُبْعُهُ حَتَّى يَصْطَلِحَا عَلَيْهِ.
وَالثَّانِي: يُقْرِعُ بَيْنَهُمَا فَمَنْ خَرَجَتْ لَهُ الْقُرْعَةُ حَلَفَ أَنَّهُ الْمُسْتَحِقُّ وَوَرِثَ.
قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: وَكِلَا الْوَجْهَيْنِ لَا يَخْرُجُ عَلَى الْمَذْهَبِ، وَأَمَّا الْأَوَّلُ فَلِأَنَّا لَا نَقِفُ الْخُصُومَاتِ قَطُّ.
وَأَمَّا الثَّانِي فَكَيْفَ يَحْلِفُ مَنْ قَالَ: لَا أَعْرِفُ الْحَالَ؟ ، وَإِنَّمَا الْمَذْهَبُ عَلَى رِوَايَةِ الْقُرْعَةِ: أَيُّهُمَا قَرَعَهُ فَلَهُ الْمِيرَاثُ
بِلَا يَمِينٍ، وَأَمَّا عَلَى قَوْلِنَا لَا يُقْرِعُ، فَإِذَا قُلْنَا إِنَّهَا تَأْخُذُ مِنْ أَحَدِهِمَا نِصْفَ الْمَهْرِ بِالْقُرْعَةِ فَكَذَلِكَ يَرِثُهَا أَحَدُهُمَا بِالْقُرْعَةِ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى، وَإِمَّا إنْ قُلْنَا لَا مَهْرَ فَهُنَا قَدْ يُقَالُ بِالْقُرْعَةِ أَيْضًا انْتَهَى. وَإِنْ مَاتَ الزَّوْجَانِ جَمِيعًا فَلَهَا رُبْعُ مِيرَاثِ أَحَدِهِمَا فَإِنْ اتَّفَقَتْ مَعَ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ قَبْلَ مَوْتِهِ أَوْ مَعَ وَرَثَتِهِ أَنَّهُ هُوَ السَّابِقُ فَالْمِيرَاثُ لَهَا مِنْهُ بِغَيْرِ إشْكَالٍ، وَإِنْ ادَّعَتْ أَنَّ أَحَدَهُمَا هُوَ السَّابِقُ وَأَنْكَرَ هُوَ أَوْ وَرَثَتُهُ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُمْ مَعَ أَيْمَانِهِمْ. فَإِنْ نَكَلُوا قَضَى عَلَيْهِمْ وَإِنْ لَمْ تُقِرَّ الْمَرْأَةُ بِسَبْقِ أَحَدِهِمَا فَفِي الْمُغْنِي احْتِمَالَانِ:
أَحَدُهُمَا: أَنْ يَحْلِفَ وَرَثَةُ كُلٍّ مِنْهُمَا وَيَبْرَأَ.
وَالثَّانِي: يُقْرَعُ بَيْنَهُمَا فَمَنْ خَرَجَتْ لَهُ الْقُرْعَةُ فَلَهَا رُبْعُ مِيرَاثِهِ وَهَذَا الْوَجْهُ الثَّانِي يَتَعَيَّنُ فِيمَا إذَا أَنْكَرَ الْوَرَثَةُ الْعِلْمَ بِالْحَالِ، وَيَشْهَدُ لَهُ نَصَّ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ حَنْبَلٍ وَغَيْرِهِ فِيمَنْ زَوَّجَ إحْدَى بَنَاتِهِ مِنْ رَجُلٍ ثُمَّ مَاتَ الْأَبُ ثُمَّ مَاتَ الزَّوْجُ وَلَمْ يُعْلَمْ عَيْنُ الزَّوْجَةِ أَنَّهُ يُقْرَعُ بَيْنَهُنَّ فَأَيَّتَهُنَّ أَصَابَتْهَا الْقُرْعَةُ فَهِيَ الَّتِي تَرِثُهُ، وَقَدْ ذَكَرَ ذَلِكَ صَاحِبُ الْمُغْنِي أَيْضًا فِيمَا إذَا ادَّعَى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنَّهُ السَّابِقُ بِالْعَقْدِ وَلَمْ يُقِرَّ الْوَاحِدُ مِنْهُمَا بِذَلِكَ ثُمَّ مَاتَا أَنَّهُ يُقْرَعُ بَيْنَهُمَا، وَيَكُونُ لَهَا مِيرَاثٌ مَنْ تَقَعُ الْقُرْعَةُ عَلَيْهِ وَلَمْ يَذْكُرْ فِيهِ خِلَافًا
(وَمِنْهَا) إذَا أَسْلَمَ عَلَى أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعِ نِسْوَةٍ ثُمَّ طَلَّقَ الْجَمِيعَ ثَلَاثًا فَالْمَشْهُورُ عِنْدَ الْأَصْحَابِ أَنَّهُ يَخْرُجُ مِنْهُنَّ أَرْبَعٌ بِالْقُرْعَةِ فَيَكُنَّ الْمُخْتَارَاتِ وَلَهُ نِكَاحُ الْبَوَاقِي بَعْدَ عِدَّةِ الْأَرْبَعِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الطَّلَاقَ اخْتِيَارٌ وَالْقُرْعَةَ لَهَا مَدْخَلٌ فِي تَعْيِينِ الْمُطَلَّقَاتِ الْمُبْهَمَاتِ فَيُمَيَّزْنَ بِالْقُرْعَةِ وَيُحْكَمُ بِاخْتِيَارِهِنَّ وَيَنْفَسِخُ نِكَاحُ الْبَوَاقِي بِغَيْرِ طَلَاقٍ فَيُبَاحُ لَهُ نِكَاحُهُنَّ بِدُونِ زَوْجٍ وَإِصَابَةٍ بَعْدَ انْقِضَاءِ عِدَّةِ الْبَوَاقِي. وَقَالَ الْقَاضِي فِي خِلَافِهِ فِي كِتَابِ الْبَيْعِ: يُطَلَّقُ الْجَمِيعَ ثَلَاثًا لِأَنَّ نِكَاحَهُنَّ ثَابِتٌ لَمْ يُحْكَمْ بِفَسَادِهِ فَيَلْحَقُهُنَّ الطَّلَاقُ الثَّلَاثُ فَلَا يَنْكِحُ شَيْئًا مِنْهُنَّ إلَّا بَعْدَ زَوْجٍ وَإِصَابَةٍ. وَهَذَا يَرْجِعُ إلَى أَنَّ الطَّلَاقَ فَسْخٌ وَلَيْسَ بِاخْتِيَارٍ وَلَكِنْ يَلْزَمُ مِنْهُ أَنْ يَكُونَ لِلرَّجُلِ فِي الْإِسْلَامِ أَكْثَرُ مِنْ أَرْبَعِ زَوْجَاتٍ يَتَصَرَّفُ فِيهِنَّ بِخَصَائِصِ مِلْكِ النِّكَاحِ مِنْ الطَّلَاقِ وَغَيْرِهِ وَهُوَ بَعِيدٌ، وَاخْتِيَارُ الشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّينِ أَنَّ الطَّلَاقَ هُنَا فَسْخٌ وَلَا يُحْسَبُ مِنْ الطَّلَاقِ الثَّلَاثِ وَلَيْسَ بِاخْتِيَارٍ، وَإِنْ مَاتَ قَبْلَ أَنْ يَخْتَارَ مِنْهُنَّ أَرْبَعًا فَإِنَّهُ يُقْرَعُ بَيْنَهُنَّ فَيُوَرَّثُ أَرْبَعٌ مِنْهُنَّ بِالْقُرْعَةِ، وَأَمَّا الْعِدَّةُ فَفِيهَا وَجْهَانِ:
أَحَدُهُمَا: عَلَى الْجَمِيعِ عِدَّةُ الْوَفَاةِ قَالَهُ الْقَاضِي فِي الْجَامِعِ لِأَنَّهُ مَاتَ وَالْكُلُّ مَحْبُوسَاتٌ عَلَى نِكَاحِهِ فَكَانَ عَلَيْهِنَّ عِدَّةُ الْوَفَاةِ، وَإِسْلَامُهُ لَمْ يُوجِبْ الْبَيْنُونَةَ فِي الزَّائِدِ عَلَى الْأَرْبَعِ بَلْ الْبَيْنُونَةُ تَقِفُ عَلَى اخْتِيَارِهِ فَإِذَا اخْتَارَ فِي حَيَاتِهِ أَرْبَعًا فَعِدَّةُ الْبَوَاقِي مِنْ حِينِ الِاخْتِيَارِ عَلَى الْمَشْهُورِ لَا مِنْ حِينِ الْإِسْلَامِ.
وَالثَّانِي: وَهُوَ قَوْلُ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ وَابْنِ عَقِيلٍ وَصَاحِبِ الْمُغْنِي أَنَّ عَلَيْهِنَّ أَطْوَلَ الْأَمْرَيْنِ مِنْ عِدَّةِ الْوَفَاةِ وَعِدَّةِ الْوَطْءِ وَعَلَّلُوهُ بِأَنَّ أَرْبَعًا مِنْهُنَّ زَوْجَاتٌ وَالْبَوَاقِي مَوْطُوآتٌ بِشُبْهَةٍ فَيَجِبُ عَلَى الْجَمِيعِ أَطْوَلُ الْعِدَّتَيْنِ لِتَبْرَأَ الذِّمَّةُ مِنْ الْعِدَّةِ الْوَاجِبَةِ بِيَقِينٍ، وَهَذَا لَا يَخْرُجُ إلَّا عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ الْبَيْنُونَةَ ثَبَتَتْ بِالْإِسْلَامِ وَتَتَبَيَّنُ بِالِاخْتِيَارِ فَإِذَا اخْتَارَ أَرْبَعًا
فَعِدَّةُ الْبَوَاقِي مِنْ حِينِ إسْلَامِهِ، وَأَمَّا إذَا قُلْنَا: عِدَّتُهُنَّ مِنْ حِينِ اخْتِيَارِهِ فَهُنَّ زَوْجَاتٌ لَهُ حَتَّى يَخْتَارَ فَلَا يَتَوَجَّهُ أَنْ يَجِبَ عَلَيْهِنَّ سِوَى عِدَّةِ الْوَفَاةِ إلَّا أَنْ يُقَالَ إنَّ نِكَاحَهُنَّ فِي حُكْمِ الْفَاسِدِ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ اسْتِدَامَتُهُ بِحَالٍ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُثْبِتَ لَهُ خَصَائِصَ النِّكَاحِ الصَّحِيحِ وَيُجَابُ عَنْهُ بِأَنَّ النِّكَاحَ الْفَاسِدَ إذَا اتَّصَلَ بِهِ الْمَوْتُ أَوْجَبَ عِدَّةَ الْوَفَاةِ عَلَى الْمَنْصُوصِ فَهَذَا أَوْلَى.
وَيَلْتَحِقُ بِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مَا إذَا طَلَّقَ وَاحِدَةً مُبْهَمَةً أَوْ مُعَيَّنَةً ثُمَّ أُنْسِيهَا ثُمَّ مَاتَ قَبْلَ الْقُرْعَةِ فَإِنَّا نُقْرِعُ بَيْنَهُنَّ وَتَخْرُجُ الْمُطَلَّقَةُ بِالْقُرْعَةِ وَيُورَثُ الْبَوَاقِي كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ، وَأَمَّا الْعِدَّةُ فَذَكَرَ الْقَاضِي فِي خِلَافِهِ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَى كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ عِدَّةُ الْوَفَاةِ إنْ لَمْ يَكُنْ دَخَلَ بِهِنَّ يَسْقُطُ الْفَرْضُ بِيَقِينٍ وَإِنْ دَخَلَ بِهِنَّ لَزِمَهُنَّ أَطْوَلُ الْأَمْرَيْنِ مِنْ عِدَّةِ الطَّلَاقِ وَمِنْ حِينِهِ وَعِدَّةُ الْوَفَاةِ مِنْ حِينِهَا ; لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ يُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ مُطَلَّقَةً وَأَنْ تَكُونَ زَوْجَةً، فَلَا تَبْرَأُ الذِّمَّةُ بِدُونِ ذَلِكَ وَهَذَا يُخَالِفُ الْمَنْصُوصَ عَنْ أَحْمَدَ فَإِنَّهُ نَصَّ فِي رِوَايَةِ أَبِي طَالِبٍ أَنَّهُ يُقْرِعُ بَيْنَهُنَّ فَأَيَّتُهُنَّ أَصَابَتْهَا الْقُرْعَةُ لَمْ تُوَرَّثْ وَلَمْ تَعْتَدَّ، وَمُرَادُهُ أَنَّهَا لَمْ تَعْتَدَّ عِدَّةَ الْوَفَاةِ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْعِدَّةَ تَابِعَةٌ لِلْمِيرَاثِ وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ فَمَنْ خَرَجَتْ لَهَا قُرْعَةُ الطَّلَاقِ فَلَيْسَ عَلَيْهَا سِوَى عِدَّةِ الطَّلَاقِ مِنْ حِينِهَا، وَعَلَى الْبَوَاقِي عِدَّةُ الْوَفَاةِ مِنْ حِينِهَا ; لِأَنَّ الْقُرْعَةَ بَيِّنَةٌ شَرْعِيَّةٌ وَقَدْ حَكَمْنَا بِحِلِّ الْبُضْعِ بِهَا كَمَا سَبَقَ فَجَازَ أَنْ يَبْتَنِيَ عَلَيْهَا حُكْمُ الْعِدَّةِ لِأَنَّهَا مِنْ تَوَابِعِ الطَّلَاقِ وَلَوَازِمِهِ، فَعَلَى هَذَا الْمَنْصُوصِ يَتَخَرَّجُ فِي مَسْأَلَةِ مَنْ أَسْلَمَ عَلَى أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعٍ ثُمَّ مَاتَ قَبْلَ أَنْ يَخْتَارَ مِنْهُنَّ أَنْ يُقْرِعَ بَيْنَ أَرْبَعٍ مِنْهُنَّ فَيَكُنَّ الْمُخْتَارَاتِ وَتَلْزَمُهُنَّ عِدَّةُ الْوَفَاةِ مِنْ حِينِهَا وَيَلْزَمُ السَّهْوَكَةَ عِدَّةُ الْوَطْءِ مِنْ حِينِ الْإِسْلَامِ إذَا قُلْنَا إنَّ عِدَّتَهُنَّ مِنْ حِينِ الْإِسْلَامِ وَعَلَى قَوْلِ الْقَاضِي عَلَى الْجَمِيعِ أَطْوَلُ الْأَجَلَيْنِ.
(وَمِنْهَا) إذَا أَصْدَقَ الزَّوْجَةَ عَبْدًا مِنْ عَبِيدِهِ فَحَكَى طَائِفَةٌ مِنْ الْأَصْحَابِ فِي الْمَسْأَلَةُ رِوَايَتَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ يَتَعَيَّنُ بِالْقُرْعَةِ.
وَالثَّانِيَةُ: لَهَا الْوَسَطُ مِنْهُمْ وَخَرَّجَ ابْنُ عَقِيلٍ فِيهَا وَجْهَيْنِ آخَرَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ يُعْطِيهَا مَا يَخْتَارُهُ هُوَ.
وَالثَّانِي: يُعْطِي مَا تَخْتَارُهُ هِيَ، وَاخْتَارَ أَنَّهُمْ إنْ تَسَاوَوْا فَلَهَا وَاحِدٌ بِالْقُرْعَةِ وَإِلَّا فَلَهَا الْوَسَطُ، وَالْمَنْصُوصُ عَنْ أَحْمَدَ فِي ذَلِكَ مَا نَقَلَهُ مُهَنَّا فِي رَجُلٍ تَزَوَّجَ امْرَأَةً عَلَى عَبْدٍ مِنْ عَبِيدِهِ فَقَالَ: أُعْطِيهَا مِنْ أَحْسَنِهِمْ؟ قَالَ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ وَلَكِنْ يُعْطِيهَا مِنْ أَوْسَطِهِمْ فَقُلْت لَهُ تَرَى أَنْ يُقْرِعَ بَيْنَهُمْ؟ قَالَ: نَعَمْ، فَقُلْتُ: تَسْتَقِيمُ الْقُرْعَةَ فِي هَذَا؟ قَالَ نَعَمْ، يُقْرِعُ بَيْنَ الْعَبِيدِ. وَتَأَوَّلَ أَبُو بَكْرٍ هَذَا عَلَى أَنَّهُ تَزَوَّجَهَا عَلَى عَبْدٍ مُعَيَّنٍ وَاشْتَبَهَ.
قَالَ الْقَاضِي وَلَا يَصِحُّ هَذَا التَّأْوِيلُ ; لِأَنَّهُ قَالَ يُعْطِي وَسَطَهُمْ، وَلَوْ كَانَ مُعَيَّنًا لَمْ يَعْتَبِرْ الْأَوْسَطَ وَنَقَلَ عَنْهُ جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ: يُقَوَّمُ الْخَادِم وَسَطًا عَلَى قَدْرِ مَا يُخْدَمُ مِثْلُهَا.
(وَمِنْهَا) إذَا دَعَاهُ اثْنَانِ إلَى وَلِيمَةٍ عُرْسٍ وَاسْتَوَيَا فِي الصِّفَاتِ الْمُرَجِّحَةِ أَقْرَعَ بَيْنَهُمَا.
(وَمِنْهَا) إذَا زُفَّتْ إلَيْهِ امْرَأَتَانِ مَعًا فَإِنَّهُ يُقَدِّمُ إحْدَاهُمَا بِالْقُرْعَةِ.
(وَمِنْهَا) إذَا أَرَادَ السَّفَرَ بِإِحْدَى زَوْجَاتِهِ أَوْ الْبُدَاءَةَ بِهَا لَمْ يَجُزْ بِدُونِ قُرْعَةٍ إلَّا أَنْ يَرْضَى الْبَوَاقِي بِذَلِكَ.
(وَمِنْهَا) لَوْ طَلَّقَ امْرَأَةً
مِنْ نِسَائِهِ مُبْهَمَةً بِأَنْ قَالَ لِامْرَأَتَيْهِ: إحْدَاكُمَا طَالِقٌ وَلَمْ يَنْوِ مُعَيَّنًا فَإِنَّهُ يُعَيِّنُ الْمُطَلَّقَةَ بِالْقُرْعَةِ فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ وَنَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ جَمَاعَةٍ، وَفِيهِ رِوَايَةٌ ثَانِيَةٌ أَنَّ لَهُ تَعْيِينَهَا بِاخْتِيَارِهِ، وَتَوَقَّفَ أَحْمَدُ مَرَّةً فِيهَا فِي رِوَايَةِ أَبِي الْحَارِثِ.
(وَمِنْهَا) إذَا طَلَّقَ وَاحِدَةً مُعَيَّنَةً مِنْ نِسَائِهِ ثُمَّ أُنْسِيهَا أَوْ جَهِلَهَا ابْتِدَاءً كَمَنْ قَالَ إنْ كَانَ هَذَا الطَّائِرُ غُرَابًا وَيَسَعُهُ طَالِقٌ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ غُرَابًا فَفُلَانَة طَالِقٌ، فَطَارَ وَلَمْ يَعْرِفْ مَا كَانَ فَالْمَشْهُورُ أَيْضًا أَنَّهَا تُعَيَّنُ بِالْقُرْعَةِ وَيَحِلُّ لَهُ الْبَوَاقِي. كَمَا أَنَّهُ لَوْ أَعْتَقَ أَمَةً مِنْ إمَائِهِ وَأُنْسِيهَا عَيَّنَهَا بِالْقُرْعَةِ وَحَلَّ لَهُ الْبَوَاقِي لِأَنَّ الْقُرْعَةَ قَامَتْ مَقَامَ الشَّاهِدِ وَالْمُخْبِرِ لِلضَّرُورَةِ، وَالشَّارِعُ لَمْ يُكَلِّفْ الْعِبَادَ بِمَا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ بَلْ بِمَا ظَهَرَ وَبَدَا وَإِنْ كَانَ مُخَالِفًا لِمَا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ، وَالْمَجْهُولُ كَالْمَعْدُومِ مَادَامَ مَجْهُولًا فَإِذَا عُلِمَ ظَهَرَ حُكْمُهُ كَالِاجْتِهَادِ مَعَ النَّصِّ وَالتَّيَمُّمِ مَعَ الْمَاءِ، وَقَدْ نَصَّ أَحْمَدُ صَرِيحًا عَلَى هَذَا فِي رِوَايَةِ جَمَاعَةٍ وَعَنْ أَحْمَدَ: لَا يُقْرَعُ بَلْ يُوقَفُ حَتَّى يَتَبَيَّنَ، قَالَ الشَّالَنْجِيُّ: سَأَلْتُ أَحْمَدَ عَنْ الرَّجُلِ يُطَلِّقُ امْرَأَةً مِنْ نِسَائِهِ وَلَا يَعْلَمُ أَيَّتَهُنَّ طَلَّقَ؟ قَالَ: أَكْرَهُ أَنْ أَقُولَ فِي الطَّلَاقِ بِالْقُرْعَةِ. قُلْت: أَرَأَيْت إنْ مَاتَ هَذَا؟ قَالَ: أَقُولُ بِالْقُرْعَةِ، أَيْ لِأَجْلِ الْمِيرَاثِ بَعْدَ الْمَوْتِ.
وَهَذِهِ اخْتِيَارُ صَاحِبِ الْمُغْنِي. وَالْمَذْهَبُ: الْأَوَّلُ، وَعَلَيْهِ فَلَوْ ذَكَرَ أَنَّ الْمُطَلَّقَةَ غَيْرُ مَنْ أَصَابَتْهَا الْقُرْعَةُ وَأَنَّهُ يَذْكُرُ ذَلِكَ لَزِمَهُ الطَّلَاقُ فِيهَا. وَهَلْ تَرْجِعُ الَّتِي وَقَعَتْ عَلَيْهَا الْقُرْعَةُ؟ تَوَقَّفَ فِيهِ أَحْمَدُ مَرَّةً. وَقَالَ فِي رِوَايَةِ الْمَيْمُونِيِّ: إنْ كَانَتْ تَزَوَّجَتْ لَمْ تَرْجِعْ إلَيْهِ ; لِأَنَّ حَقَّ الزَّوْجِ الثَّانِي تَعَلَّقَ بِهَا فَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي إسْقَاطِ حَقِّهِ وَفَسْخِ نِكَاحِهِ، وَإِنْ لَمْ تَتَزَوَّجْ فَإِنْ كَانَتْ الْقُرْعَةُ بِفِعْلِ الْحَاكِمِ لَمْ تَرْجِعْ إلَيْهِ أَيْضًا نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ الْمَيْمُونِيِّ أَيْضًا.
قَالَ ابْنُ أَبِي مُوسَى: وَهُوَ يَرْجِعُ إلَى أَنَّ حُكْمَ الْحَاكِمِ لَهُ تَأْثِيرٌ فِي التَّحْرِيمِ. وَفِيمَا قَالَهُ نَظَرٌ، بَلْ الظَّاهِرُ أَنَّهُ يَرْجِعُ أَنَّ فِعْلَ الْحَاكِمِ حُكْمٌ فَلَا يُقْبَلُ قَوْلُ الزَّوْجِ فِيمَا يَرْفَعُ فِعْلَ الْحَاكِمِ لِأَنَّ تَعْلِيقَ حُكْمِ الْحَاكِمِ كَتَعَلُّقِ حُكْمِ الزَّوْجِ وَأَوْلَى، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ الْقُرْعَةُ مِنْ الْحَاكِمِ رَجَعَتْ إلَيْهِ. نَصَّ عَلَيْهِ أَيْضًا لِأَنَّ إخْبَارَهُ بِذَلِكَ مَقْبُولٌ قَبْلَ الْقُرْعَةِ فَكَذَلِكَ بَعْدَهَا إلَّا أَنْ يَتَضَمَّنَ إبْطَالَ حَقٍّ لِغَيْرِهِ وَلَمْ يُوجَدْ ذَلِكَ هُنَا، وَعَنْ أَبِي بَكْرٍ وَابْنِ حَامِدٍ لَا يَرْجِعُ إلَيْهِ لِأَنَّهُ مُتَّهَمٌ فِي نَفْيِ الطَّلَاقِ عَنْهَا فَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِيهِ
(وَمِنْهَا) لَوْ رَأَى رَجُلَانِ طَائِرًا فَقَالَ أَحَدُهُمَا إنْ كَانَ غُرَابًا فَامْرَأَتِي طَالِقٌ ثَلَاثًا وَقَالَ الْآخَرُ إنْ لَمْ يَكُنْ غُرَابًا فَامْرَأَتِي طَالِقٌ ثَلَاثًا فَفِيهِ وَجْهَانِ:
أَحَدُهُمَا: يَبْنِي كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى يَقِينِ نِكَاحِهِ وَلَا يَحْكُمُ عَلَيْهِ بِالطَّلَاقِ وَلِأَنَّهُ مُتَيَقِّنٌ لِحِلِّ زَوْجَتِهِ شَاكٌّ فِي تَحْرِيمِهَا، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَتْ الزَّوْجَتَانِ لِرَجُلٍ وَاحِدٍ فَإِنَّهُ تَيَقَّنَ زَوَالَ النِّكَاحِ فِي إحْدَى زَوْجَتَيْهِ فَلِذَلِكَ عُيِّنَتْ بِالْقُرْعَةِ وَهَذَا اخْتِيَارُ الْقَاضِي وَأَبِي الْخَطَّابِ وَكَثِيرٍ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ.
وَالثَّانِي: أَنَّهُ يُقْرِعُ بَيْنَهُمَا فَمَنْ وَقَعَتْ عَلَيْهِ الْقُرْعَةُ طَلُقَتْ زَوْجَتُهُ كَمَا لَوْ كَانَا لِرَجُلٍ وَاحِدٍ وَهُوَ اخْتِيَارُ الشِّيرَازِيِّ فِي الْإِيضَاحِ وَابْنِ عَقِيلٍ وَالْحَلْوَانِيِّ وَفِي الْجَامِعِ لِلْقَاضِي أَنَّهُ قِيَاسُ الْمَذْهَبِ وَعَلَى الْأَوَّلِ فَمَنْ اعْتَقَدَ خَطَأَ الْآخَرِ
دُونَهُ حَلَّ الْوَطْءُ وَإِنْ شَكَّ وَتَرَدَّدَ كَفَّ عَنْهُ وُجُوبًا عِنْدَ الْقَاضِي. وَوَرَعًا عِنْدَ ابْنِ عَقِيلٍ وَالْمَنْصُوصُ عَنْ أَحْمَدَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مَا رَوَاهُ ابْنُهُ عَبْدُ اللَّهِ أَنَّهُ قَالَ: يَعْتَزِلَانِ نِسَاءَهُمَا حَتَّى يَتَيَقَّنَ فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ حُكْمًا لِوُقُوعِ الطَّلَاقِ عَلَى أَحَدِهِمَا وَلَكِنْ لَمْ تُخْرِجْهُ بِالْقُرْعَةِ كَمَا رَوَاهُ الشَّالَنْجِيُّ عَنْهُ وَيُحْتَمَلُ وَهُوَ الْأَظْهَرُ أَنَّهُ مَنَعَ مِنْ الْوَطْءِ خَاصَّةً كَمَا قَالَهُ الْقَاضِي.
قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ تَأَمَّلْتُ نُصُوصَ أَحْمَدَ فَوَجَدْتُهُ يَأْمُرُ بِاعْتِزَالِ الرَّجُلِ امْرَأَتَهُ فِي كُلِّ يَمِينٍ حَلَفَ الرَّجُلُ عَلَيْهَا بِالطَّلَاقِ وَهُوَ لَا يَدْرِي أَهُوَ بَارٌّ فِيهَا أَمْ لَا؟ حَتَّى يَسْتَيْقِنَ أَنَّهُ بَارٌّ فَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ أَنَّهُ بَارٌّ اعْتَزَلَهَا أَبَدًا، وَإِنْ عَلِمَ أَنَّهُ بَارٌّ فِي وَقْتِ وَشَكَّ فِي وَقْتِ اعْتَزَلَهَا وَقْتَ الشَّكِّ. وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ مَتَى عَلَّقَ الطَّلَاقَ بِشَرْطٍ وَأَمْكَنَ وُجُودُهُ فَإِنَّهُ يَعْتَزِلُ امْرَأَتَهُ حَتَّى يُعْلَمَ انْتِفَاؤُهُ. نَصَّ عَلَى فُرُوعِ هَذَا الْأَصْلِ فِي مَوَاضِعَ (مِنْهَا) إذَا قَالَ إنْ كُنْت حَامِلًا فَأَنْتِ طَالِقٌ يَعْتَزِلُهَا حَتَّى يُتَبَيَّنَ الْحَمْلُ.
(وَمِنْهَا) إذَا وَكَّلَ وَكِيلًا فِي طَلَاقِ امْرَأَتِهِ يَعْتَزِلُهَا حَتَّى يَدْرِيَ مَا يَفْعَلُ.
(وَمِنْهَا) إذَا قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ لَيْلَةَ الْقَدْرِ يَعْتَزِلُهَا إذَا دَخَلَ الْعَشْرُ الْأَوَاخِرُ لِإِمْكَانِ أَنْ يَكُونَ أَوَّلَ لَيْلَةٍ.
(وَمِنْهَا) إذَا قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ قَبْلَ مَوْتِي بِشَهْرٍ فَإِنَّهُ يَعْتَزِلُهَا مُطْلَقًا نَقَلَهُ عَنْهُ مُهَنَّا (وَمِنْهَا) مَسْأَلَةُ إنْ كَانَ الطَّائِرُ غُرَابًا، وَهِيَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ.
(وَمَنْ مَسَائِلِ الْقُرْعَةِ) إذَا قَالَ لِامْرَأَتِهِ إنْ وَلَدْت ذَكَرًا فَأَنْتِ طَالِقٌ طَلْقَةً وَإِنْ وَلَدْت أُنْثَى فَأَنْتِ طَالِقٌ طَلْقَتَيْنِ فَوَلَدَتْ ذَكَرًا وَأُنْثَى مُتَعَاقِبَيْنِ وَأَشْكَلَ السَّابِقُ مِنْهُمَا فَوَجْهَانِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ يَقَعُ بِهَا وَاحِدَةً لِأَنَّهُ الْمُتَيَقَّنُ وَالزَّائِدُ عَلَيْهِ مَشْكُوكٌ فِيهِ فَيُلْغَى كَمَا لَوْ طَلَّقَ وَشَكَّ هَلْ طَلَّقَ وَاحِدَةً أَوْ اثْنَتَيْنِ، وَهَذَا قَوْلُ أَبِي الْخَطَّابِ وَرَجَّحَهُ صَاحِبُ الْمُغْنِي.
وَالثَّانِي: يُعَيِّنُ الْوَاقِعَ مِنْهُمَا بِالْقُرْعَةِ قَالَهُ الْقَاضِي وَابْنُ عَقِيلٍ لِأَنَّهُ تَيَقَّنَ وُقُوعَ أَحَدِ الْمُتَعَلِّقَيْنِ وَشَكَّ فَمَيَّزَ بِالْقُرْعَةِ كَمَا لَوْ تَيَقَّنَ وُقُوعَ طَلَاقِ إحْدَى الزَّوْجَتَيْنِ وَشَكَّ فِي عَيْنِهَا، وَمَأْخَذُ الْخِلَافِ أَنَّ الْقُرْعَةَ لَا مَدْخَلَ لَهَا فِي إلْحَاقِ الطَّلَاقِ لِأَحَدِ الْأَعْيَانِ الْمُشْتَبِهَةِ فَمَنْ قَالَ بِالْقُرْعَةِ هُنَا جَعَلَهَا لِتَعْيِينِ إحْدَى الصِّفَتَيْنِ وَجَعْلِ وُقُوعَ الطَّلَاقِ لَازِمًا لِذَلِكَ وَمَنْ مَنَعَهَا نَظَرَ إلَى الْقَصْدِ بِهَا هُنَا هُوَ اللَّازِمُ وَهُوَ الْوُقُوعُ وَلَا مَدْخَلَ لِلْقُرْعَةِ فِيهِ وَهَذَا أَظْهَرُ.
(وَمَنْ غَرَائِبِ مَسَائِلِ الْقُرْعَةِ فِي الطَّلَاقِ) إذَا قَالَ لِزَوْجَاتِهِ الْأَرْبَعِ أَيَّتُكُنَّ لَمْ أَطَأْهَا اللَّيْلَةَ فَصَوَاحِبَاتُهَا طَوَالِقُ وَلَمْ يَطَأْ تِلْكَ اللَّيْلَةَ وَاحِدَةً مِنْهُنَّ فَالْمَشْهُورُ عِنْدَ الْأَصْحَابِ أَنَّهُنَّ يُطَلَّقْنَ ثَلَاثًا ثَلَاثًا ; لِأَنَّ شَرْطَ الطَّلَاقِ وَهُوَ خُلُوُّ الْوَطْءِ فِي اللَّيْلَةِ قَدْ تَحَقَّقَ فِي آخِرِ جُزْءٍ مِنْهَا فَإِذَا بَقِيَ جُزْءٌ مِنْهَا لَا يَتَّسِعُ لِلْإِيلَاجِ تَحَقَّقَ شَرْطُ طَلَاقِ الْجَمِيعِ دُفْعَةً وَاحِدَةً فَيُطَلَّقُ الْجَمِيعَ ثَلَاثًا ثَلَاثًا لِأَنَّ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ ثَلَاثُ صَوَاحِبَاتٍ لَمْ يَطَأْهُنَّ فَاجْتَمَعَتْ شُرُوطُ وُقُوعِ الثَّلَاثِ عَلَيْهَا. وَحَكَى أَبُو بَكْرٍ فِي التَّنْبِيهِ فِي الْمَسْأَلَةِ وَجْهَيْنِ عَنْ الْأَصْحَابِ:
أَحَدُهُمَا هَذَا.
وَالْآخَرُ: وَهُوَ الَّذِي ذَكَرَهُ أَوَّلًا وَجَزَمَ بِهِ أَنَّ إحْدَاهُنَّ تَطْلُقُ ثَلَاثًا وَالْبَوَاقِيَ يُطَلَّقْنَ اثْنَتَيْنِ اثْنَتَيْنِ، وَعَلَّلَهُ بِأَنَّهُ لَمَّا امْتَنَعَ عَنْ الْأُولَى طَلُقَتْ الثَّلَاثُ وَاحِدَةً وَاحِدَةً فَلَمَّا امْتَنَعَ عَنْ الثَّانِيَة طَلُقَتْ الْأُولَى وَاحِدَةً وَالثَّالِثَةُ وَالرَّابِعَةُ ثِنْتَيْنِ
ثِنْتَيْنِ فَلَمَّا امْتَنَعَ عَنْ الثَّالِثَةِ طَلُقَتْ الْأُولَى اثْنَتَيْنِ وَالثَّانِيَةُ اثْنَتَيْنِ وَالثَّالِثَةُ كَذَلِكَ وَبَانَتْ الرَّابِعَةِ فَلَمَّا امْتَنَعَ عَنْ الرَّابِعَةِ امْتَنَعَ عَنْهَا وَهِيَ غَيْرُ زَوْجَةٍ فَلَمْ يَقَعْ بِالِامْتِنَاعِ فِيهَا طَلَاقٌ فَعَلَى هَذَا الْوَجْهِ يَنْبَغِي أَنْ يُقْرِعَ بَيْنَهُنَّ، فَمَنْ خَرَجَتْ لَهَا قُرْعَةُ الثَّلَاثِ حَرُمَتْ بِدُونِ زَوْجٍ وَإِصَابَةٍ، وَمَلَكَ رَجْعَةَ الْبَوَاقِي. وَشَرْحُ كَلَامِهِ إنْ يَقْدِرْ عَلَى الِامْتِنَاعِ مِنْ وَطْئِهِنَّ مُرَتَّبًا ; لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ إلَّا كَذَلِكَ فَإِذَا بَقِيَ مِنْ اللَّيْلَةِ زَمَنٌ لَا يَتَّسِعُ لِلْإِيلَاجِ فِي أَرْبَعٍ فَقَدْ تَعَذَّرَ وَطْءُ الْأُولَى حِينَئِذٍ فَتَطْلُقُ الثَّلَاثَةُ الْبَوَاقِي طَلْقَةً طَلْقَةً فَإِذَا بَقِيَ زَمَنٌ لَا يَتَّسِعُ لِلْإِيلَاجِ فِي الثَّلَاثِ فَقَدْ تَعَذَّرَ وَطْءُ الثَّالِثَةِ فَتَطْلُقُ بِهِ الْأُولَى وَالثَّانِيَةُ وَالرَّابِعَةُ طَلْقَةً طَلْقَةً فَيَجْتَمِعُ عَلَى الْأُولَى وَالثَّانِيَةِ طَلْقَةٌ وَعَلَى الثَّالِثَةِ وَالرَّابِعَةِ طَلْقَتَانِ، فَإِذَا بَقِيَ زَمَنٌ لَا يَتَّسِعُ لِلْإِيلَاجِ فِي اثْنَتَيْنِ فَقَدْ تَعَذَّرَ وَطْءُ الثَّالِثَةِ فَتَطْلُقُ بِهِ الْأُولَى وَالثَّانِيَةُ وَالرَّابِعَةُ فَيَجْتَمِعُ عَلَى الْأُولَى وَالثَّانِيَةِ طَلْقَتَانِ وَعَلَى الرَّابِعَةِ ثَلَاثُ طَلْقَاتٍ فَتَحْرُمُ حِينَئِذٍ وَتَخْرُجُ عَنْ الزَّوْجِيَّةِ فَلَا يَبْقَى الِامْتِنَاعُ مِنْ وَطْئِهَا شَرْطًا لِطَلَاقِ صَوَاحِبَاتِهَا ; لِأَنَّ تَقْدِيرَ الْكَلَامِ: أَيَّتَكُنَّ لَمْ أَطَأْهَا اللَّيْلَةَ وَهِيَ زَوْجَتِي.
وَقَدْ تَعَذَّرَ ذَلِكَ فِي هَذِهِ الرَّابِعَةِ، وَهَذَا يَرْجِعُ إلَى أَنَّهُ مَتَى حَلَفَ بِالطَّلَاقِ عَلَى فِعْلِ شَيْءٍ فِي وَقْتٍ مُتَّسِعٍ فَتَعَذَّرَ فِعْلُهُ فِي آخِرِ أَجْزَاءِ ذَلِكَ الْوَقْتِ أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ لِأَنَّ حِنْثَهُ إنَّمَا هُوَ بِتَرْكِ ذَلِكَ فِي آخِرِ الْوَقْتِ فَيَسْتَدْعِي وُجُودَ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ حِينَئِذٍ. وَالْمَعْرُوفُ مِنْ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ يَحْنَثُ فِي حَالِ التَّعَذُّرِ كَمَا لَوْ حَلَفَ لَيَشْرَبَنَّ مَاءَ هَذَا الْكُوزِ الْيَوْمَ فَتَلِفَ قَبْلَ مُضِيِّ الْيَوْمِ فَإِنَّهُ يَحْنَثُ فِي الْحَالِ، وَعَلَى مَا ذَكَرَهُ أَبُو بَكْرٍ لَا يَحْنَثُ.
وَقَالَ صَاحِبُ الْمُسْتَوْعِبِ: وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ الْأُولَى مِنْهُنَّ مَنْ كَانَ وَقْتُ الْيَمِينِ حَظَّهَا مِنْ الْقَسْمِ وَالثَّانِيَةُ الَّتِي تَلِيهَا.
(وَمِنْهَا) إذَا ادَّعَى الزَّوْجُ الرَّجْعَةَ وَالزَّوْجَةُ انْقِضَاءَ الْعِدَّةِ فِي آنٍ وَاحِدٍ فَفِيهِ وَجْهَانِ:
أَحَدُهُمَا: الْقَوْلُ قَوْلُ الْمَرْأَةِ لِأَنَّ الزَّوْجَ مُدَّعٍ وَهِيَ مُنْكِرَةٌ.
وَالثَّانِي: يُقْرِعُ بَيْنَهُمَا فَمَنْ قُرِعَ لَهُ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ.
(وَمِنْهَا) إذَا آلَى مِنْ وَاحِدَةٍ مُعَيَّنَةٍ وَاشْتَبَهَتْ عَلَيْهِ فَإِنَّهَا تُمَيَّزُ بِالْقُرْعَةِ ذَكَرَهُ أَبُو بَكْرٍ وَإِنْ آلَى مِنْ وَاحِدَةٍ غَيْرِ مُعَيَّنَةٍ فَفِي الْمُحَرَّرِ وَجْهَانِ:
أَحَدُهُمَا: يُعَيِّنُ بِالْقُرْعَةِ.
وَالثَّانِي: بِتَعْيِينِهِ وَهُمَا مُخْرَجَانِ مِنْ الرِّوَايَتَيْنِ فِي مَسْأَلَةِ الطَّلَاقِ وَفِي الْمَعْنَى لَهُ وَطْءُ الْجَمِيعِ سِوَى وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ فَإِذَا لَمْ يَبْقَ سِوَى وَاحِدَةٍ تَعَيَّنَ الْإِيلَاءُ فِيهَا لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ وَطْؤُهَا بِدُونِ الْحِنْثِ فِي هَذِهِ الْحَالِ بِخِلَافِ مَا قَبْلَهَا فَلَا يَصِيرُ مُوَالِيًا بِدُونِ ذَلِكَ.
(وَمِنْهَا) إذَا تَعَذَّرَ إثْبَاتُ النَّسَبِ بِالْقَافَةِ إمَّا لِعَدَمِهَا أَوْ لِعَدَمِ إلْحَاقِهَا بِالنَّسَبِ لِإِشْكَالِهِ عَلَيْهَا وَلِاخْتِلَافِهَا فِيهِ وَنَحْوِ ذَلِكَ فَالْمَشْهُورُ أَنَّهُ لَا يُلْحَقُ بِالْقُرْعَةِ وَقَدْ قَالَ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ عَلِيِّ ابْنِ سَعْدٍ فِي حَدِيثِ عَلِيٍّ فِي ثَلَاثَةٍ وَقَعُوا عَلَى امْرَأَةٍ فَأَقْرَعَ بَيْنَهُمْ قَالَ: لَا أَعْرِفُهُ صَحِيحًا وَأُوهِنُهُ وَقَالَ فِي رِوَايَةٍ يَعْنِي ابْنَ مَنْصُورٍ وَفِي حَدِيثِ عُمَرَ فِي الْقَافَةِ أَعْجَبُ إلَيَّ يَعْنِي مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ وَعَلَى هَذَا فَهَلْ يَضِيعُ نَسَبُهُ أَوْ يُتْرَكُ حَتَّى يَبْلُغَ فَيَنْتَسِبَ إلَى مَنْ يَمِيلُ طَبْعَهُ إلَيْهِ مِنْ الْمُدَّعِينَ لَهُ فَيُلْحَقَ بِهِ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ:
وَالْأَوَّلُ قَوْلُ أَبِي بَكْرٍ، وَالثَّانِي قَوْلُ ابْنِ حَامِدٍ وَاخْتَارَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ أَنَّهُ يُلْحَقُ بِالْمُدَّعِيَيْنِ مَعًا كَالْمُدَّعِيَيْنِ لِعَيْنٍ
لَيْسَتْ فِي يَدِ أَحَدِهِمَا إذَا اسْتَوَيَا فِي الْبَيِّنَةِ أَوْ عَدَمِهَا فَإِنَّ الْعَيْنَ تُقْسَمُ بَيْنَهُمَا وَكَذَا هَاهُنَا يُلْحَقُ النَّسَبُ بِهِمَا إذْ لَا يُمْكِنُ إلْحَاقُهُ بِالْقُرْعَةِ. وَقَالَ إِسْحَاقُ بْنُ إبْرَاهِيمَ سَأَلْت أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عَنْ حَدِيثِ عُمَرَ أَنَّ رَجُلَيْنِ اخْتَصَمَا إلَيْهِ أَيُّهُمَا وَقَعَ عَلَى امْرَأَةٍ فِي طُهْرِهَا، أَيْشٍ تَقُولُ فِيهِ؟ قَالَ أَحْمَدُ إنْ وَلَدَتْ خَيَّرَتْ الِابْنَ أَيَّهُمَا شَاءَ اخْتَارَ وَيَرِثُهُمَا جَمِيعًا، وَيُخَيَّرُ فِي حَيَاتِهِمَا أَيَّهُمَا شَاءَ مِنْ الْأَبَوَيْنِ اخْتَارَ.
قَالَ الْقَاضِي هَذَا مُوَافِقٌ لِقَوْلِ ابْنِ حَامِدٍ أَنَّهُ يُنْسَبُ إلَى مَنْ شَاءَ مِنْهُمَا.
وَقَالَ الْحَارِثِيُّ: إنَّمَا دَلَّ عَلَى أَنَّهُ يُنْسَبُ إلَيْهِمَا كَمَا اخْتَارَهُ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ لِأَنَّهُ وَرِثَهُ مِنْهُمَا وَلَمْ يُوقِفْهُ إلَى بُلُوغِهِ وَتَخْيِيرِهِ إنَّمَا هُوَ لِلْحَضَانَةِ، وَالْأَظْهَرُ عِنْدِي أَنَّ مُرَادَ أَحْمَدَ أَنَّهُ إذَا أَلْحَقَتْهُ الْقَافَةُ بِالْأَبَوَيْنِ مَعًا وَرِثَهُمَا وَخُيِّرَ فِي الْمَقَامِ عِنْدَ مَنْ يَخْتَارُ مِنْهُمَا. فَإِنَّهُ سُئِلَ عَنْ حَدِيثِ عُمَرَ وَحَدِيثُ عُمَرَ فِيهِ هَذَانِ الْحُكْمَانِ. وَعَنْ أَحْمَدَ أَنَّهُ يُقْرِعُ بَيْنَهُمَا فَيُلْحَقُ نَسَبُهُ بِالْقُرْعَةِ ذَكَرَهُمَا فِي الْمُغْنِي فِي كِتَابِ الْفَرَائِضِ وَهِيَ مَأْخُوذَةٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ مِمَّا رَوَى صَالِحٌ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ قَالَ: الْقُرْعَةُ أَرَاهَا قَدْ أَقْرَعَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فِي خَمْسَةِ مَوَاضِعَ فَذَكَرَ مِنْهَا: وَأَقْرَعَ فِي الْوَلَدِ مِنْ حَدِيثِ الْأَجْلَحِ عَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ أَبِي الْخَلِيلِ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ وَهُوَ مُخْتَلَفٌ فِيهِ، وَأَذْهَبُ إلَى الْقُرْعَةِ ; لِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَقْرَعَ. قُلْت إنَّ بَعْضَ النَّاسِ لَا يُجِيزُونَ الْقُرْعَةَ إلَّا فِي الْأَمْوَالِ. قَالَ: أَلَيْسَ قَدْ أَقْرَعَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بَيْنَ نِسَائِهِ؟ وَالْقُرْعَةُ فِي الْقُرْآنِ فِي مَوْضِعَيْنِ.
وَظَاهِرُ هَذَا أَنَّهُ أَخَذَ بِالْقُرْعَةِ فِي النَّسَبِ وَقَدْ ذَكَرْنَا طُرُقَ حَدِيثِ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ وَالِاخْتِلَافَ فِيهِ وَكَلَامَ الْحُفَّاظِ عَلَيْهِ وَتَوْجِيهَ مَا تَضَمَّنَهُ مِنْ تَوْزِيعِ الْعَزْمِ فِي جُزْءٍ مُفْرَدٍ. وَقَدْ قَالَ أَبُو بَكْرٍ عَبْدُ الْعَزِيزِ: لَوْ صَحَّ لَقُلْنَا بِهِ وَأَمَّا حُكْمُ تَحْرِيمِ النِّكَاحِ فَإِنْ أَلْحَقَتْ الْقَافَةُ الْوَلَدَ بِأَحَدِ الْوَاطِئِينَ وَكَانَتْ بِنْتًا حَلَّتْ لِأَوْلَادِ الْآخَرِ وَلَمْ تَحِلَّ لِأَحَدٍ مِنْ الْوَاطِئَيْنِ لِكَوْنِهَا رَبِيبَةً لَهُ وَإِنْ لَمْ تُوجَدْ قَافَةٌ فَإِنْ قُلْنَا يَضِيعُ النَّسَبُ حَرُمَتْ عَلَى الْوَاطِئِينَ وَأَوْلَادِهِمْ كَمَا إذَا اشْتَبَهَتْ ذَاتُ مَحْرَمٍ بِأَجْنَبِيٍّ وَإِنْ قُلْنَا يُتْرَكُ حَتَّى يَبْلُغَ فَيُنْسَبَ إلَى أَحَدِهِمَا بِمَيْلِ الطَّبْعِ فَفِي حِلِّهَا لِوَلَدِ الْآخَرِ بِلَبَنِ هَذِهِ الْمَرْأَةِ احْتِمَالَانِ ذَكَرَهُمَا صَاحِبُ التَّرْغِيبِ فِي الرَّضَاعِ.
(وَأَمَّا حُكْمُ الْعِدَّةِ) فَقَالَ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ إنْ أَلْحَقَتْ الْقَافَةُ الْوَلَدَ بِأَحَدِهِمَا انْقَضَتْ بِهِ عِدَّتُهَا مِنْهُ ثُمَّ اعْتَدَّتْ لِلْآخَرِ وَإِنْ أَلْحَقَتْهُ بِهِمَا انْقَضَتْ بِهِ عِدَّتُهَا مِنْهُمَا. وَفِي الِانْتِصَارِ لِأَبِي الْخَطَّابِ لَا يَمْتَنِعُ عَلَى أَصْلِنَا أَنْ نَقُولَ تَنْقَضِي بِهِ عِدَّةُ أَحَدِهِمَا لَا بِعَيْنِهِ وَتَعْتَدُّ لِلْآخَرِ فِيمَا إذَا أَلْحَقَتْهُ الْقَافَةُ بِهِمَا كَمَا لَوْ وَطِئَهَا رَجُلَانِ بِشُبْهَةٍ وَجُهِلَ السَّابِقُ. وَأَمَّا إنْ ضَاعَ نَسَبُهُ فَإِنْ لَمْ تُوجَدْ قَافَةٌ وَأُشْكِلَ عَلَيْهِمْ فَفِي الْإِقْنَاعِ لِابْنِ الزاغوني يُضَافُ إلَى أَحَدِهِمَا بِالْقُرْعَةِ وَتَنْقَضِي بِهِ عِدَّتُهَا مِنْهُ. قَالَ وَيُحْتَمَلُ أَنْ تُسْتَأْنَفَ الْعِدَّةُ لَهُمَا لِأَنَّهُ لَا يَعْلَمُ بِهِ الْبَرَاءَةَ مِنْ مَاءِ أَحَدِهِمَا حَيْثُ لَمْ يُنْسَبْ إلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا.
وَفِي الْمُجَرَّدِ وَالْفُصُولِ وَالْمُغْنِي يَلْزَمُهَا أَنْ تَعْتَدَّ بَعْدَ وَضْعِهِ بِثَلَاثِ قُرُوءٍ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ مِنْ الْأَوَّلِ فَقَدْ أَتَتْ بِمَا عَلَيْهَا مِنْ عِدَّةِ الثَّانِي وَإِنْ كَانَ مِنْ الثَّانِي فَعَلَيْهَا أَنْ تُكْمِلَ عِدَّةَ الْأَوَّلِ لِيَسْقُطَ
الْفَرْضُ بِيَقِينٍ. وَأَمَّا حُكْمُ الْمِيرَاثِ إذَا تَعَذَّرَ إلْحَاقُ النَّسَبِ بِوَاحِدٍ مِنْهُمَا وَمَاتَ الْوَلَدُ فَفِي الْمُجَرَّدِ فِي الْعَدَدِ قِيَاسُ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ يُقْرِعُ بَيْنَهُمَا فَمَنْ تَقَعُ عَلَيْهِ الْقُرْعَةُ حُكِمَ لَهُ بِالْمِيرَاثِ، كَمَا قُلْنَا إذَا طَلَّقَ إحْدَى نِسَائِهِ وَمَاتَ. ثُمَّ قَالَ فَإِنْ كَانَ لِلطِّفْلِ أُمٌّ وَلِأَحَدِ الْمُتَدَاعِيَيْنِ فِيهِ وَلَدٌ أَوْ كَانَ لَهَا وَلَدٌ وَلِأَحَدِهِمَا وَلَدٌ فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ لِلْمَيِّتِ أَخَوَانِ وَيَجُوزُ أَنْ لَا يَكُونَ فَيُحْكَمُ لَهُ بِالثُّلُثِ وَلَا تُحْجَبُ بِالشَّكِّ.
قَالَ الشَّيْخُ مَجْدُ الدِّينِ وَفِي هَذَا عِنْدِي نَظَرٌ مِنْ وَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّ الْقُرْعَةَ إنَّمَا تُشْرَعُ عِنْدَنَا إذَا امْتَنَعَ الْجَمْعُ مِنْ الْأَمْرَيْنِ وَهُنَا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ مِنْهُمَا عِنْدَنَا.
وَالثَّانِي: أَنَّ الْقَاضِيَ ذَكَرَ فِي الْمُجَرَّدِ فِي كِتَابِ الْفَرَائِضِ: أَنَّهُ يُوقَفُ الْمَشْكُوكُ فِيهِ حَتَّى يَصْلُحَ عَلَيْهِ ثُمَّ الْعَجَبُ أَنَّهُ جَعَلَ لِلْأُمِّ هُنَا الثُّلُثَ حَيْثُ يَشُكُّ، هَلْ لَهَا الثُّلُثُ أَوْ السُّدُسُ؟ وَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ تُعْطَى بِمُقْتَضَى الْقُرْعَةِ انْتَهَى. وَأَقُولُ الْقُرْعَةُ هُنَا أَرْجَحُ مِنْ الْإِيقَافِ لِأَنَّ فِيهَا فَصْلًا لِلْأَحْكَامِ وَأَمَّا احْتِمَالُ كَوْنِهِ مِنْهُمَا فَهُوَ بَعِيدٌ جِدًّا فَلَا تَعْوِيلَ عَلَيْهِ وَإِنَّمَا التَّعْوِيلُ عَلَى الْعَادَةِ الْغَالِبَةِ وَأَنَّهُ ابْنٌ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا نَعَمْ لَوْ عَوَّلْنَا عَلَى هَذَا الِاحْتِمَالِ لَقَسَمْنَا إرْثَهُ بَيْنَهُمَا بِالسَّوِيَّةِ وَهُوَ مُتَوَجِّهٌ أَيْضًا.
وَأَمَّا دُخُولُ الْقُرْعَةِ فِيمَا تَسْتَحِقُّهُ الْأُمُّ مِنْ الثُّلُثِ أَوْ السُّدُسِ فَغَيْرُ مُمْكِنٍ، كَمَا لَا تَدْخُلُ الْقُرْعَةُ فِيمَا تَسْتَحِقُّهُ الْخُنْثَى مِنْ مِيرَاثِ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَلِأَنَّهُ فِيمَا يَسْتَحِقُّهُ مَنْ لَهُ حَاجِبٌ مَفْقُودٌ وَنَحْوُ ذَلِكَ. تَنْبِيهٌ: هَذَا الْكَلَامُ فِي إلْحَاقِ النَّسَبِ ابْتِدَاءً بِالْقُرْعَةِ فَأَمَّا إذَا أَقَرَّ بِوَلَدٍ مُبْهَمٍ مِنْ أَمَةٍ لَهُ ثُمَّ مَاتَ وَلَمْ يَتَبَيَّنَ وَتَعَذَّرَتْ الْقَافَةُ أَقْرَعْنَا لِأَجْلِ الْحُرِّيَّةِ فَمَنْ خَرَجَتْ عَلَيْهِ الْقُرْعَةُ فَهُوَ حُرٌّ، وَهَلْ يَثْبُتُ نَسَبُهُ بِذَلِكَ؟ فِيهِ خِلَافٌ سَبَقَ ذِكْرُهُ ; لِأَنَّ الْحُرِّيَّةَ هُنَا مُسْتَنِدَةٌ إلَى الْإِقْرَارِ وَالْقُرْعَةِ فَيُرَجِّحُهُ
(وَمِنْهَا) إذَا بَلَغَ سَبْعَ سِنِينَ فَإِنَّهُ يُخَيَّرُ بَيْنَ أَبِيهِ وَأُمِّهِ فِي الْحَضَانَةِ عَلَى ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ فَإِنْ لَمْ يَخْتَرْ وَاحِدًا مِنْهُمَا أَوْ اخْتَارَهُمَا جَمِيعًا أَقْرَعَ بَيْنَهُمَا عَلَى الْمَشْهُورِ، وَفِيهِ وَجْهٌ يُعْطَى لِأُمِّهِ. وَأَمَّا قَبْلَ السَّبْعِ فَإِذَا اسْتَوَى فِي اسْتِحْقَاقِ حَضَانَتِهِ رَجُلَانِ كَأَخَوَيْنِ أَوْ امْرَأَتَيْنِ كَأُخْتَيْنِ فَإِنَّهُ يُعَيِّنُ أَحَدَهُمَا بِالْقُرْعَةِ أَيْضًا.
(وَمِنْهَا) إذَا اسْتَحَقَّ الْقَوَدَ جَمَاعَةٌ وَتَشَاحُّوا فِي مُبَاشَرَةِ الِاسْتِيفَاءِ فَفِيهِ وَجْهَانِ. أَشْهَرُهُمَا أَنَّهُ يُقَدَّمُ أَحَدُهُمَا بِالْقُرْعَةِ.
وَالثَّانِي: بِتَعْيِينِ الْإِمَامِ، قَالَهُ ابْنُ أَبِي مُوسَى هَذَا إذَا كَانَ الْمَقْتُولُ وَاحِدًا فَإِنْ كَانُوا جَمَاعَةً وَطَلَبَ وَلِيُّ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ أَنْ يَقْتَصَّ عَلَى الْكَمَالِ فَفِيهِ وَجْهَانِ أَيْضًا:
أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ يُقْرَعُ بَيْنَهُمْ فَمَنْ خَرَجَتْ قُرْعَتُهُ أُقِيدَ بِهِ وَيَجِبُ لِلْبَاقِينَ الدِّيَةُ.
وَالثَّانِي: يَبْدَأُ بِالسَّابِقِ فِي الْقَتْلِ فَيُقَادُ بِهِ وَتَتَعَيَّنُ الدِّيَةُ لِلْبَاقِينَ، فَإِنْ قَتَلَهُمْ دَفْعَةً وَاحِدَةً قَدَّمَ مَنْ تَخْرُجُ لَهُ الْقُرْعَةُ وَلَمْ يَذْكُرْ صَاحِبُ الْمُغْنِي سِوَى هَذَا الْوَجْهِ.
وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ فِي الِانْتِصَارِ يُقْتَلُ لِلْجَمِيعِ وَيُؤْخَذُ مِنْ مَالِهِ بَقِيَّةُ دِيَاتِ الْجَمِيعِ تُقْسَمُ بَيْنَهُمْ، وَحَكَى أَنَّ الْمَنْصُوصُ عَنْ أَحْمَدَ أَنَّهُمْ إذَا طَلَبُوا الْقَتْلَ فَلَيْسَ لَهُمْ غَيْرُهُ وَيَكُونُونَ قَدْ أَخَذُوا بَعْضَ حُقُوقِهِمْ وَسَقَطَ بَعْضُهَا، وَبَعُدَ بِأَنَّ الْقِصَاصَ لَا يَتَبَعَّضُ فِي الِاسْتِيفَاءِ وَالْإِسْقَاطِ.
(وَمِنْهَا) إذَا أَعْطَيْنَا الْأَمَانَ لِمُشْرِكٍ فِي حِصْنٍ لِيَفْتَحَهُ
لَنَا فَفَعَلَ ثُمَّ اشْتَبَهَ عَلَيْنَا وَادَّعَى كُلٌّ مِنْهُمْ أَنَّهُ الْمُسْتَأْمَنُ فَفِيهِ وَجْهَانِ:
أَحَدُهُمَا: وَهُوَ الْمَنْصُوصُ فِي رِوَايَةِ ابْنِ هَانِئٍ أَنَّهُ يَحْرُمُ قَتْلُهُمْ وَاسْتِرْقَاقُهُمْ جَمِيعًا.
وَالثَّانِي: يَخْرُجُ أَحَدُهُمْ بِالْقُرْعَةِ فَيَكُونُ حُرًّا وَيَرِقُّ الْبَاقُونَ وَحُكِيَ ذَلِكَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ وَالْخِرَقِيِّ لِأَنَّ الْقُرْعَةَ تُمَيِّزُ الْحُرَّ مِنْ الْعَبْدِ عِنْدَ الِاشْتِبَاهِ، وَلَوْ كَانَ حُرَّ الْأَصْلِ كَمَا لَوْ أَقَرَّ أَنَّ أَحَدَ هَذَيْنِ الْوَلَدَيْنِ مِنْ هَذِهِ الْأَمَةِ وَلَدُهُ ثُمَّ مَاتَ وَلَمْ يُوجَدْ قَافَةٌ فَإِنَّا نَقْرَعُ بَيْنَهُمَا لِلْحُرِّيَّةِ وَإِنْ كَانَ حُرَّ الْأَصْلِ. وَمَنْ نَصَرَ الْأَوَّلَ قَالَ إرْقَاقُ الْبَاقِينَ هُنَا يُؤَدِّي إلَى ابْتِدَاءِ الْإِرْقَاقِ مَعَ الشَّكِّ فِي إبَاحَتِهِ بِخِلَافِ مَنْ أَعْتَقَ أَحَدَ عَبِيدِهِ وَاشْتَبَهَ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ لَيْسَ فِيهِ سِوَى اسْتِدَامَةِ الْإِرْقَاقِ مَعَ الشَّكِّ فِي زَوَالِهِ فَالِاسْتِدَامَةُ تُبْقِيهِ عَلَى الْأَصْلِ الَّذِي لَمْ يَتَحَقَّقْ زَوَالُهُ وَالِابْتِدَاءُ نُقِلَ عَنْ الْأَصْلِ الْمُتَحَقِّقِ مَعَ الشَّكِّ فِي إبَاحَتِهِ، نَعَمْ لَوْ كَانَ الْمُعْطِي لِلْأَمَانِ امْرَأَةً وَاشْتَبَهَتْ عَلَيْنَا لِتَوْجِيهِ جَوَازِ إرْقَاقِ النِّسَاءِ سِوَى وَاحِدَةٍ بِالْقُرْعَةِ لِأَنَّ النِّسَاءَ يَصِرْنَ أَرِقَّاءَ بِنَفْسِ السَّبْيِ فَقَدْ اشْتَبَهَ هَا هُنَا الرَّقِيقُ بِحُرِّ الْأَصْلِ كَمَسْأَلَةِ الْإِقْرَارِ الْمُشَارِ إلَيْهَا، وَكَذَلِكَ لَوْ أَسْلَمَ وَاحِدٌ مِنْ حِصْنٍ قَبْلَ فَتْحِهِ ثُمَّ فَتَحْنَاهُ وَادَّعَى كُلُّهُمْ أَنَّهُ الْمُسْلِمُ فَإِنَّهُ يَخْرُجُ بِالْقُرْعَةِ وَاحِدٌ فَلَا يُسْتَرَقُّ، وَيُسْتَرَقُّ الْبَاقُونَ لِأَنَّهُمْ إنَّمَا أَسْلَمُوا بَعْدَ الْقَهْرِ وَذَلِكَ يُوجِبُ اسْتِرْقَاقَهُمْ عَلَى لِيَكْسِبُوا فَقَدْ اشْتَبَهَ هَاهُنَا الْحُرُّ بِمَنْ يَثْبُتُ اسْتِرْقَاقُهُ فَيُمَيَّزُ بِالْقُرْعَةِ.
وَجَعَلَ أَصْحَابُنَا حُكْمَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ حُكْمَ مَسْأَلَةِ دَعْوَى الْأَمَانِ فِي جَرَيَانِ الْخِلَافِ فِيهَا.
(وَمِنْهَا) إذَا جَعَلْنَا مَالًا لِمَنْ يَفْتَحُ الْحِصْنَ فَادَّعَى اثْنَانِ كُلٌّ مِنْهُمَا أَنَّهُ الَّذِي فَتَحَهُ دُونَ الْآخَرِ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ فِي التَّنْبِيهِ فِيهِ قَوْلَانِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّ الْمَالَ بَيْنَهُمَا جَمِيعًا لِأَنَّهُمَا فِيهِ سَوَاءٌ بِدَعْوَاهُمَا لَهُ.
وَالْآخَرُ يُقْرَعُ بَيْنَهُمَا فَمَنْ أَصَابَتْهُ الْقُرْعَةُ كَانَ الْمَالُ لَهُ.
(وَمِنْهَا) لَوْ حَلَفَ بِيَمِينٍ وَلَمْ يَدْرِ أَيُّ الْأَيْمَانِ هِيَ فَالْمَنْصُوصُ عَنْ أَحْمَدَ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ قَالَ فِي رِوَايَةِ ابْنِ مَنْصُورٍ فِي رَجُلٍ حَلَفَ بِيَمِينٍ لَا يَدْرِي مَا هِيَ طَلَاقٌ أَوْ غَيْرُهُ قَالَ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الطَّلَاقُ حَتَّى يَعْلَمَ أَوْ يَسْتَيْقِنَ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ مِنْ مُوجِبَاتِ الْأَيْمَانِ كُلِّهَا لِأَنَّ الْأَصْلَ بَرَاءَةُ الذِّمَّةِ مِنْ مُوجِبِ كُلِّ يَمِينٍ بِانْفِرَادِهَا. وَتَوَقَّفَ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةٍ أُخْرَى قَالَ صَالِحٌ: سَأَلْت أَبِي عَنْ رَجُلٍ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ لَا يَدْرِي مَا حَلَفَ بِاَللَّهِ أَمْ بِالطَّلَاقِ أَوْ بِالْمَشْيِ قَالَ لَوْ عَرَفَ اجْتَرَأْتُ أَنْ أُجِيبَ فِيهَا فَكَيْفَ إذَا لَمْ يَدْرِ؟ ، وَفِي الْمَسْأَلَةِ قَوْلَانِ آخَرَانِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ يُقْرَعُ بَيْنَ الْأَيْمَانِ كُلِّهَا مِنْ الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ وَالظِّهَارِ وَالْيَمِينِ بِاَللَّهِ فَمَا خَرَجَ بِالْقُرْعَةِ لَزِمَهُ مُقْتَضَاهُ، وَهُوَ بَعِيدٌ لِمَا يَتَضَمَّنُهُ مِنْ إيقَاعِ الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ بِالشَّكِّ وَلَكِنَّهُ احْتِمَالٌ ذَكَرَهُ ابْنُ عَقِيلٍ فِي فُنُونِهِ.
وَذَكَرَ الْقَاضِي فِي بَعْضِ تَعَالِيقِهِ أَنَّهُ اُسْتُفْتِيَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فَتَوَقَّفَ فِيهَا ثُمَّ نَظَرَ فَإِذَا قِيَاسُ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ يُقْرَعُ بَيْنَ الْأَيْمَانِ كُلِّهَا الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ وَالظِّهَارِ وَالْيَمِينِ بِاَللَّهِ، فَأَيُّ يَمِينٍ وَقَعَتْ عَلَيْهَا الْقُرْعَةُ فَهِيَ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهَا قَالَ ثُمَّ وَجَدْت عَنْ أَحْمَدَ
مَا يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ حُكْمُ هَذِهِ الْيَمِينِ وَذَكَرَ رِوَايَةَ ابْنِ مَنْصُورٍ.
وَالثَّانِي: أَنَّهُ يَلْزَمُهُ كَفَّارَةُ كُلِّ يَمِينٍ لِأَنَّهُ يَتَيَقَّنُ وُجُوبَ أَحَدِهِمَا وَشَكَّ فِي عَيْنِهِ وَذَكَرَهُ ابْنُ عَقِيلٍ فِي فُنُونِهِ أَيْضًا، وَهُوَ مُتَّجَهٌ فِيمَا إذَا عَلِمَ أَنَّهَا إحْدَى الْأَيْمَانِ الْمُكَفَّرَةِ، وَأَمَّا إنْ شَكَّ هَلْ هِيَ مِمَّا يَدْخُلُهُ التَّكْفِيرُ أَوْ لَا؟ فَلَا يَزُولُ شَكُّهُ بِالتَّكْفِيرِ الْمَذْكُورِ، وَفِي مَسَائِلِ إبْرَاهِيمَ الْحَرْبِيِّ سَمِعْت رَجُلًا سَأَلَ أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ عَنْ يَمِينٍ حَلَفَهَا فَقَالَ لَهُ أَحْمَدُ كَيْفَ حَلَفْت فَقَالَ لَهُ الرَّجُلُ لَيْسَ أَدْرِي كَيْفَ حَلَفْت؟ فَقَالَ أَحْمَدُ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ آدَمَ قَالَ قَالَ رَجُلٌ لِشَرِيكٍ حَلَفْت وَلَيْسَ أَدْرِي كَيْفَ حَلَفْت؟ فَقَالَ لَهُ شَرِيكٌ: لَيْتَنِي إذَا دَرَيْتُ أَنْتَ كَيْفَ حَلَفْتَ دَرَيْتُ أَنَا كَيْفَ أُفْتِيكَ انْتَهَى.
وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ أَنَّهُ لَمْ يَدْرِ بِمَاذَا حَلَفَ فَيَكُونُ كَرِوَايَةِ صَالِحٍ السَّابِقَةِ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ لَمْ يَدْرِ مَا حَلَفَ عَلَيْهِ، مِثْلُ أَنْ يَعْلَمَ أَنَّهُ حَلَفَ بِالطَّلَاقِ مَثَلًا لَيَفْعَلُ شَيْئًا وَنَسِيَ مَا حَلَفَ عَلَيْهِ وَهُنَا قَدْ شَكَّ فِي شَرْطِ الطَّلَاقِ وَهُوَ عَدَمِيٌّ فَلَا يَلْزَمُهُ طَلَاقٌ عَلَى الْمَذْهَبِ عِنْدَ صَاحِبِ الْمُحَرَّرِ، وَفِيهِ وَجْهٌ يَحْنَثُ فِي آخِرِ أَوْقَاتِ الْإِمْكَانِ لِأَنَّ الْأَصْلَ وُجُودُ [مَا عَلَّقَ عَلَيْهِ وَهُوَ الْعَدَمُ وَإِنْ حَلَفَ بِالطَّلَاقِ لَا يَفْعَلُ كَذَا فَهُنَا شَرْطُ الطَّلَاقِ وُجُودِيٌّ] وَهُوَ الْفِعْلُ فَلَا يَقَعُ الطَّلَاقُ بِالشَّكِّ فِي وُجُودِهِ وَأَفْتَى الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ فِيمَنْ حَلَفَ لَا يَفْعَلَنَّ شَيْئًا ثُمَّ نَسِيَهُ أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ لِأَنَّهُ عَاجِزٌ عَنْ الْبِرِّ وَهُوَ يَرْجِعُ إلَى الْوَجْهِ الْمَذْكُورِ فِي الصُّورَةِ الْأُولَى
(وَمِنْهَا) إذَا تَنَاضَلَ حِزْبَانِ وَاقْتَسَمُوا الرِّجَالَ بِالِاخْتِيَارِ وَاخْتَلَفُوا فِي الْبَادِي بِالِاخْتِيَارِ مِنْ كُلِّ حِزْبٍ أُقْرِعَ بَيْنَهُمْ لِذَلِكَ، وَكَذَلِكَ إذَا اخْتَلَفَتْ الرُّمَاةُ فِي الْمُبْتَدِي بِالرَّامِي وَتَشَاحُّوا أُقْرِعَ بَيْنَهُمْ فِي قِيَاسِ الْمَذْهَبِ قَالَهُ الْآمِدِيّ وَاخْتَارَ الْقَاضِي أَنَّهُ يُقَدِّمُ مَنْ أَخْرَجَ السَّبَقَ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ أَقْرَعَ بَيْنَهُمْ وَاخْتَارَ صَاحِبُ التَّرْغِيبِ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ عَقْدُ الْمُنَاضَلَةِ حَتَّى يُعَيَّنَ الْمُبْتَدِئ فِيهِ بِالرَّمْيِ.
(وَمِنْهَا) إذَا اسْتَوَى اثْنَانِ مِنْ أَهْلِ الْفَيْءِ فِي دَرَجَةٍ فَفِي الْمُجَرَّدِ يُقَدَّمُ أَسَنُّهُمَا ثُمَّ أَقْدَمُهُمَا هِجْرَةً وَفِي الْأَحْكَامِ السُّلْطَانِيَّةِ يُقَدَّمُ بِالسَّابِقَةِ فِي الْإِسْلَامِ ثُمَّ بِالدِّينِ ثُمَّ بِالسِّنِّ ثُمَّ بِالشَّجَاعَةِ، ثُمَّ وَلِيُّ الْأَمْرِ مُخَيَّرٌ إنْ شَاءَ أَقْرَعَ بَيْنَهُمَا وَإِنْ شَاءَ رَتَّبَهُمَا عَلَى رَأْيِهِ وَاجْتِهَادِهِ.
(وَمِنْهَا) إذَا تَنَازَعَ الْإِمَامَةَ الْعُظْمَى اثْنَانِ وَتَكَافَآ فِي صِفَاتِ التَّرْجِيحِ قُدِّمَ أَحَدُهُمَا بِالْقُرْعَةِ قَالَ الْقَاضِي هَذَا قِيَاسُ الْمَذْهَبِ كَالْأَذَانِ.
(وَمِنْهَا) لَوْ عُقِدَتْ الْإِمَامَةُ لِاثْنَيْنِ فِي عَقْدَيْنِ مُتَرَتِّبَيْنِ وَجُهِلَ السَّابِقُ مِنْهُمَا فَقَالَ الْقَاضِي: يَخْرُجُ عَلَى رِوَايَتَيْنِ. إحْدَاهُمَا بُطْلَانُ الْعَقْدِ فِيهِمَا.
وَالثَّانِيَةُ: اسْتِعْمَالُ الْقُرْعَةِ بِنَاءً عَلَى مَا إذَا زَوَّجَ الْوَلِيَّانِ وَجَهِلَ السَّابِقُ مِنْهُمَا، فَإِنَّهُ عَلَى رِوَايَتَيْنِ كَذَلِكَ هُنَا انْتَهَى.
وَلَكِنَّ الْمَشْهُورَ فِي حِكَايَةِ الرِّوَايَةِ الْأُولَى فِي كِتَابِ الْقَاضِي وَأَصْحَابِهِ أَنَّهُ يُفْسَخُ النِّكَاحَانِ وَقِيَاسُ هَذَا أَنَّهُ يُفْسَخُ الْعَقْدَانِ لِأَنَّهُمَا يَبْطُلَانِ مِنْ غَيْرِ فَسْخٍ.
(وَمِنْهَا) إذَا وَلَّى الْإِمَامُ قَاضِيَيْنِ فِي بَلَدٍ
عَمَلًا وَاحِدًا وَقُلْنَا بِصِحَّةِ ذَلِكَ فَاخْتَلَفَ الْخَصْمَانِ فِيمَنْ يَحْتَكِمَانِ إلَيْهِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُدَّعِي، فَإِنْ تَسَاوَيَا فِي الدَّعْوَى اُعْتُبِرَ أَقْرَبُ الْحَاكِمَيْنِ إلَيْهِمَا، فَإِنْ اسْتَوَيَا أُقْرِعَ بَيْنَهُمَا.
وَقِيلَ: يُمْنَعَانِ مِنْ التَّخَاصُمِ حَتَّى يَتَّفِقَا عَلَى أَحَدِهِمَا قَالَ الْقَاضِي: وَالْأَوَّلُ أَشْبَهُ بِقَوْلِنَا.
(وَمِنْهَا) إذَا هَجَمَ الْخُصُومُ عَلَى الْقَاضِي دُفْعَةً وَاحِدَةً وَتَشَاحُّوا فِي التَّقَدُّمِ وَلَيْسَ فِيهِمْ مُسَافِرٌ فَإِنَّهُ يُقَدَّمُ أَحَدُهُمْ بِالْقُرْعَةِ [وَكَذَا إذَا ادَّعَى الْخَصْمَانِ عِنْدَهُ مَعًا فَإِنَّهُ يُقَدَّمُ أَحَدَاهُمَا بِالْقُرْعَةِ]
(وَمِنْهَا) الْقُرْعَةُ فِي الْقِسْمَةِ إذَا عَدَّلَ الْقَاسِمُ السِّهَامَ بِالْأَجْزَاءِ إنْ تَسَاوَتْ وَبِالْقِيمَةِ إنْ اخْتَلَفَتْ وَبِالرَّدِّ فِيمَا يَقْتَضِي الرَّدَّ فَإِنَّهُ يُقْرِعُ بَيْنَ الشُّرَكَاءِ وَهُوَ مُخَيَّرٌ إنْ شَاءَ كَتَبَ اسْمَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ فِي رُقْعَةٍ، ثُمَّ تُخْلَطُ الرِّقَاعُ وَيَخْرُجُ عَلَى كُلِّ اسْمٍ رُقْعَةً مِنْهَا، وَإِنْ شَاءَ كَتَبَ اسْمَ كُلِّ سَهْمٍ فِي رُقْعَةٍ ثُمَّ خَلَطَهَا وَأَخْرَج وَاحِدَةً وَاحِدَةً، كُلٌّ مِنْهُمَا عَلَى اسْمِ وَاحِدٍ مِنْ الشُّرَكَاءِ فَإِذَا تَمَّتْ الْقُرْعَةُ لَزِمَتْ الْقِسْمَةُ لِلشُّرَكَاءِ. وَفِيهِ وَجْهٌ: لَا يَلْزَمُهُ فِيمَا فِيهِ رَدٌّ حَتَّى يَتَرَاضَيَا بِهِ بَعْدَ الْقِسْمَةِ لِأَنَّهَا بَيْعٌ إذَا دَخَلَهَا الرَّدُّ فَيُشْتَرَطُ لَهَا التَّرَاضِي.
(وَمِنْهَا) إذَا تَدَاعَى اثْنَانِ عَيْنًا بِيَدِ ثَالِثٍ فَأَقَرَّ بِهَا لِأَحَدِهِمَا مُبْهَمًا وَقَالَ: لَا أَعْلَمُ عَيْنَهُ فَإِنَّهُ يُقْرَعُ بَيْنَهُمَا فَمَنْ قَرَعَ فَهِيَ لَهُ، وَهَلْ يَحْلِفُ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ، ذَكَرَهُمَا أَبُو بَكْرٍ. وَالْمَنْصُوصُ عَنْ أَحْمَدَ أَنَّ عَلَيْهِ الْيَمِينَ وَعَلَيْهِ حُمِلَ حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ «إذَا أَحَبَّ الرَّجُلَانِ الْيَمِينَ أَوْ كَرِهَاهَا فَلْيَسْتَهِمَا عَلَيْهِ» لَكِنَّهُ قَالَ إذَا كَرِهَا الْيَمِينَ وَخَرَجَتْ الْقُرْعَةُ لِأَحَدِهِمَا فَهِيَ لَهُ بِغَيْرِ يَمِينٍ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ وَدِيعَةً أَوْ عَارِيَّةً أَوْ رَهْنًا أَوْ بَيْعًا مَرْدُودًا بِعَيْبٍ أَوْ خِيَارٍ أَوْ غَيْرِهَا نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْمَرْدُودِ فِي رِوَايَةِ ابْنِ مَنْصُورٍ.
وَإِنْ قَالَ مَنْ هِيَ فِي يَدِهِ لَيْسَ لِي وَلَا أَعْلَمُ لِمَنْ هِيَ؟ فَفِيهَا ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ: إحْدَاهَا يَقْتَرِعَانِ عَلَيْهَا، كَمَا لَوْ أَقَرَّ بِهَا لِأَحَدِهِمَا مُبْهَمًا.
وَالثَّانِي: يُجْعَلُ عِنْدَ أَمِينِ الْحَاكِمِ.
وَالثَّالِثُ: تُقَرُّ فِي يَدِ مَنْ هِيَ فِي يَدِهِ. وَالْأَوَّلُ ظَاهِرُ كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ فِي رِوَايَةِ صَالِحٍ وَأَبِي طَالِبٍ وَأَبِي النَّصْرِ وَغَيْرِهِمْ. وَالْوَجْهَانِ الْآخَرَانِ مُخَرَّجَانِ مِنْ مَسْأَلَةِ مَنْ هِيَ فِي يَدِهِ شَيْءٌ مُعْتَرَفٍ بِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ وَلَا يُعْرَفُ مَالِكُهُ فَادَّعَاهُ مُعَيَّنٌ فَهَلْ يُدْفَعُ إلَيْهِ أَمْ لَا؟ وَهَلْ تُقَرُّ بِيَدِ مَنْ هُوَ فِي يَدِهِ أَمْ يَنْتَزِعُهُ الْحَاكِمُ؟ فِيهِ خِلَافٌ.
(وَمِنْهَا) إذَا تَدَاعَى اثْنَانِ عَيْنًا لَيْسَتْ فِي يَدِ أَحَدِهِمَا فَفِيهَا وَجْهَانِ:
أَحَدُهُمَا: يُقْسَمُ بَيْنَهُمَا كَاَلَّتِي بِأَيْدِيهِمَا.
وَالثَّانِي: يُقْرِعُ بَيْنَهُمَا فَيُعْطَى لِمَنْ قُرِعَ كَمَا لَوْ كَانَتْ بِيَدِ ثَالِثٍ وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ فِي رِوَايَةِ صَالِحٍ فِي اثْنَيْنِ تَدَاعَيَا كِيسًا لَيْسَتْ أَيْدِيهمَا عَلَيْهِ أَنَّهُمَا يَسْتَهِمَانِ عَلَيْهِ فَمَنْ خَرَجَ سَهْمُهُ فَهُوَ لَهُ مَعَ يَمِينِهِ وَلَمْ يُفَرَّقْ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ فِي يَدِ غَيْرِهِمَا أَوْ لَا يَكُونَ فِي يَدِ وَاحِدٍ مِنْهُمَا.
(وَمِنْهَا) إذَا تَعَارَضَتْ الْبَيِّنَتَانِ فَفِي الْمَسْأَلَةِ ثَلَاثُ رِوَايَاتٍ. إحْدَاهُنَّ يَسْقُطَانِ بِالتَّعَارُضِ وَيَصِيرَانِ كَمَنْ لَا بَيِّنَةَ لَهُمَا.
وَالثَّانِيَةُ: يُسْتَعْمَلَانِ بِقِسْمَةِ الْعَيْنِ بَيْنَهُمَا بِغَيْرِ يَمِينٍ.
وَالثَّالِثَةُ: يُرَجَّحُ أَحَدُهُمَا بِالْقُرْعَةِ فَمَنْ قُرِعَ لَهُ حَلَفَ وَأَخَذَ الْعَيْنَ. هَكَذَا حَكَى الْقَاضِي فِي بَعْضِ كُتُبِهِ هَذِهِ الرِّوَايَةَ وَتَبِعَهُ عَلَيْهَا كَثِيرٌ مِنْ الْأَصْحَابِ وَأَنْكَرَهَا فِي كِتَابِ الْمُجَرَّدِ
وَالْخِلَافِ.
وَقَالَ: إنَّمَا مَعْنَاهَا أَنَّ الْبَيِّنَتَيْنِ يَسْقُطَانِ بِالتَّعَارُضِ وَتَصِيرُ الْعَيْنُ فِي يَدِ غَيْرِهِمَا الْمُتَدَاعِيَيْنِ فَيُقْرَعُ بَيْنَهُمَا عَلَى مَا تَقَدَّمَ وَصَرَّحَ أَحْمَدُ بِهَذَا الْمَعْنَى فِي رِوَايَةِ حَنْبَلٍ فَقَالَ: لَوْ أَقَامَا الْبَيِّنَةَ جَمِيعًا أَسْقَطْتَ الْبَيِّنَتَيْنِ جَمِيعًا لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا قَدْ أَكَذَبَتْ صَاحِبَتَهَا وَيَسْتَهِمَانِ عَلَى الْيَمِينِ.
وَحَكَى ابْنُ شِهَابٍ فِي عُيُونِ الْمَسَائِلِ رِوَايَةً أُخْرَى: أَنَّهُ يُوقَفُ الْأَمْرُ حَتَّى يَتَبَيَّنَ أَوْ يَصْطَلِحَا عَلَيْهِ، وَلَوْ كَانَتْ الْعَيْنُ الْمُنَازَعُ فِيهَا بِيَدِ أَحَدِهِمَا فَلَا تَعَارُضَ، بَلْ نُقَدِّمُ بَيِّنَةَ الْخَارِجِ فِي أَشْهَرِ الرِّوَايَتَيْنِ وَفِي الْأُخْرَى بَيِّنَةَ الدَّاخِلِ، إلَّا أَنْ يَكُونَ التَّنَازُعُ فِي سَبَبِ الْيَدِ بِأَنْ يَدَّعِيَ كُلٌّ مِنْهُمَا أَنَّهُ اشْتَرَاهَا مِنْ زَيْدٍ أَوْ اتَّهَبَهَا مِنْهُ وَيُقِيمَ بِذَلِكَ بَيِّنَةً، فَفِيهِ رِوَايَتَانِ إحْدَاهُمَا أَنَّهُ كَبَيِّنَةِ الدَّاخِلِ وَالْخَارِجِ عَلَى مَا سَبَقَ وَهِيَ الْمَذْهَبُ عِنْدَ الْقَاضِي.
وَالثَّانِيَةُ: يَتَعَارَضَانِ ; لِأَنَّ السَّبَبَ الْيَدُ هُوَ نَفْسُ الْمُتَنَازَعِ فِيهِ فَلَا تَبْقَى مُؤَثِّرَةً لِأَنَّهُمَا اتَّفَقَا عَلَى أَنَّ مِلْكَ هَذِهِ الدَّارِ لِزَيْدٍ وَعَنْهُ هُوَ سَمَّيْتُك فَلِذَلِكَ لَمْ يَبْقَ لِلْيَدِ تَأْثِيرٌ لِأَنَّهُ قَدْ عَلِمَ مُسْتَنَدَهَا وَهُوَ الشِّرَاءُ الَّذِي عُورِضَ بِمِثْلِهِ، وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ اخْتِيَارُ أَبِي بَكْرٍ وَابْنِ أَبِي مُوسَى وَصَاحِبِ الْمُحَرِّرِ.
وَاخْتَارَ أَبُو بَكْرٍ هَاهُنَا وَابْنُ أَبِي مُوسَى أَنَّهُ يُرَجَّحُ بِالْقُرْعَةِ، وَنَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ ابْنِ مَنْصُورٍ فِي رَجُلٍ بَاعَ ثَوْبًا فَجَاءَ رَجُلٌ فَأَقَامَ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ اشْتَرَاهُ بِمِائَةٍ وَأَقَامَ الْآخَرُ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ اشْتَرَاهُ بِمِائَتَيْنِ وَالْبَائِعُ يَقُولُ: بِعْتُهُ بِمِائَتَيْنِ وَالثَّوْبُ فِي يَدِ الْبَائِعِ بَعْدُ. قَالَ لَيْسَ قَوْلُ الْبَائِعِ بِشَيْءٍ، يُقْرَعُ بَيْنَهُمَا فَمَنْ أَصَابَتْهُ الْقُرْعَةُ فَهُوَ لَهُ بِاَلَّذِي ادَّعَى أَنَّهُ اشْتَرَاهُ بِهِ. قُلْت: فَإِنْ كَانَ الثَّوْبُ فِي يَدِ أَحَدِهِمَا وَلَا يَدْرِي أَيَّهُمَا اشْتَرَاهُ أَوَّلًا قَالَ لَا يَنْفَعُهُ مَا فِي يَدِهِ إذَا كَانَ مُقِرًّا أَنَّهُ اشْتَرَاهُ مِنْ فُلَانٍ فَلَا يَنْفَعُهُ مَا فِي يَدِهِ.
وَالْعَجَبُ أَنَّ الْقَاضِيَ فِي الْمُجَرَّدِ حَكَى هَذَا النَّصَّ عَنْ أَحْمَدَ وَذَكَرَ أَنَّهُ أَجَابَ بِقِسْمَةِ الثَّوْبِ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ ثُمَّ تَأَوَّلَهُ عَلَى أَنَّهُ كَانَ فِي أَيْدِيهمَا، وَإِنَّمَا أَجَابَ أَحْمَدُ فِيهِ بِالْقُرْعَةِ كَمَا ذَكَرْنَاهُ وَإِنَّمَا الْمُجِيبُ بِالْقِسْمَةِ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ فَإِنَّ إِسْحَاقَ بْنَ مَنْصُورٍ يَذْكُرُ لِأَحْمَدَ أَوَّلًا الْمَسْأَلَةَ، وَجَوَابَ سُفْيَانَ فِيهَا فَيُجِيبُهُ أَحْمَدُ عَنْهَا بَعْدَ ذَلِكَ بِالْمُوَافَقَةِ أَوْ بِالْمُخَالِفَةِ فَرُبَمَا يُشْتَبَهُ جَوَابُ أَحْمَدَ بِجَوَابِ سُفْيَانَ وَقَدْ وَقَعَ ذَلِكَ لِلْقَاضِي كَثِيرًا فَلْيُنَبَّهْ لِذَلِكَ وَلْيُرَاجِعْ كَلَامَ أَحْمَدَ مِنْ أَصْلِ مَسَائِلِ ابْنِ مَنْصُورٍ، وَوَقَعَ فِي الْإِرْشَادِ لِابْنِ أَبِي مُوسَى فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ كَمَا وَقَعَ لِلْقَاضِي فَإِنَّهُ نُقِلَ عَنْ أَحْمَدَ أَنَّهُ إذَا كَانَ الثَّوْبُ فِي يَدِ الْبَائِعِ فَهُوَ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ وَإِنْ كَانَ فِي يَدِ أَحَدِهِمَا أُقْرِعَ بَيْنَهُمَا وَهُوَ وَهْمٌ أَيْضًا.
وَذَكَرَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: أَنَّ مُقْتَضَى الْمَذْهَبِ أَنَّهُ إذَا شَهِدَتْ الْبَيِّنَتَانِ بِالْعَقْدَيْنِ أَوْ الْإِقْرَارَيْنِ أَوْ الْحُكْمَيْنِ أَنْ يُصَدَّقَ الْبَيِّنَتَانِ بِهِ إنْ عُلِمَ السَّابِقُ وَإِلَّا كَانَ بِمَنْزِلَةِ أَنْ تَشْهَدَ بَيِّنَةٌ وَاحِدَةٌ بِالْعَقْدَيْنِ وَلَا يُعْلَمَ السَّابِقُ مِنْهُمَا. فَهُنَا إمَّا أَنْ يُقْرِعَ أَوْ يَبْطُلَ الْعَقْدَانِ، فَلَا يَبْقَى هُنَا عَقْدٌ صَحِيحٌ يُحْكَمُ بِهِ فَيَقَرَّ فِي يَدِ ذِي الْيَدِ وَتَكُونُ الدَّعْوَى حِينَئِذٍ لِمَنْ انْتَقَلَ عَنْهُ عَلَى صَاحِبِ الْيَدِ قَالَ وَقِيَاسُ الْمَذْهَبِ فِيمَا إذَا اشْتَبَهَ أَسْبَقُ عَقْدَيْ الْبَيْعِ أَنْ يَفْسَخَهُمَا إلَّا إذَا تَعَذَّرَ مُوجِبُ الْفَسْخِ مِنْ رَدِّ الثَّمَنِ وَنَحْوِهِ فَإِنَّهُ يُقْرَعُ لِأَنَّ مِنْ أَصْلِنَا أَنَّهُ إذَا اشْتَبَهَ الْمَالِكُ بِغَيْرِ الْمَالِكِ أَوْ الْمِلْكُ بِغَيْرِ الْمِلْكِ
فَإِنَّا نُقْرِعُ، فَإِذَا أَمْكَنَ فَسْخُ الْعَقْدِ وَرَدُّ كُلِّ مَالٍ إلَى صَاحِبِهِ فَهُوَ خَيْرٌ مِنْ خَطَرِ الْقُرْعَةِ
(وَمِنْهَا) الْإِقْرَاعُ فِي الْعِتْقِ وَهُوَ أَشْهَرُ مَا وَرَدَتْ فِيهِ السُّنَّةُ بِالْإِقْرَاعِ فِيهِ وَيَنْدَرِجُ تَحْتَهُ صُوَرٌ كَثِيرَةٌ (فَمِنْهَا) إذَا أَعْتَقَ فِي مَرَضِهِ عَبِيدَهُ أَوْ دَبَّرَهُمْ وَلَمْ يَخْرُجُوا مِنْ ثُلُثِهِ فَإِنَّهُ يُقْرِعُ بَيْنَهُمْ فَيَعْتِقُ مِنْهُمْ بِقَدْرِ الثُّلُثِ. نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ جَمَاعَةٍ قَالَ الْقَاضِي وَيَكُونُ الْعِتْقُ مُرَاعًى فَإِنْ مَاتَ وَلَمْ يُجِزْ الْوَرَثَةُ تَبَيَّنَّا أَنَّ الْحُرَّ مِنْهُمْ اثْنَانِ مَثَلًا وَأَنَّ الْعِتْقَ كَانَ وَاقِعًا عَلَيْهِمَا دُونَ غَيْرِهِمَا وَلَكِنَّهُمَا كَانَا غَيْرَ مُعَيَّنَيْنِ وَإِنَّمَا تَمَيَّزَا وَتَعَيَّنَا بِالْقُرْعَةِ كَمَا يَتَمَيَّزُ وَيَتَعَيَّنُ الْحُقُوقُ الْمُشْتَرَكَةُ فِي الْعَقَارِ وَغَيْرِهِ بِالْإِقْرَاعِ فِي الْقِسْمَةِ وَغَيْرِهَا.
وَيُسْتَثْنَى مِنْ هَذَا صُوَرٌ لَا إقْرَاعَ فِيهَا ذَكَرَهَا الْأَصْحَابُ (أَحَدُهَا) إذَا كَانَ عِتْقُ أَحَدِ الْعَبْدَيْنِ مُرَتَّبًا عَلَى الْآخَرِ بِأَنْ قَالَ إنْ أَعْتَقْتُ سَالِمًا فَغَانِمٌ حُرٌّ فَإِنَّهُ يُعْتَقُ سَالِمٌ وَحْدَهُ إذَا عَتَقَهُ وَلَا يُقْرَعُ لِأَنَّ الْقُرْعَةَ قَدْ تُفْضِي إلَى عِتْقِ غَانِمٍ وَحْدَهُ فَيَلْزَمُهُ مِنْهُ ثُبُوتُ الْمَشْرُوطِ بِدُونِ شَرْطِهِ.
(وَالثَّانِيَة) إذَا قَالَ فِي مَرَضِهِ: اعْتِقُوا سَالِمًا إنْ خَرَجَ مِنْ الثُّلُثِ وَإِلَّا فَاعْتِقُوا مِنْهُ مَا عَتَقَ، وَقَالَ أَيْضًا اعْتِقُوا غَانِمًا إنْ خَرَجَ مِنْ الثُّلُثِ وَإِلَّا فَاعْتِقُوا مِنْهُ مَا عَتَقَ قَالَ الْأَصْحَابُ يُعْتَقُ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ نِصْفُهُ مَعَ تَسَاوِي قِيمَتِهَا لِأَنَّهُ لَمْ يَقْصِدْ بِالْوَصِيَّةِ تَكْمِيلَ الْحُرِّيَّةِ فِي كُلِّ وَاحِدٍ فَلَمْ يُقْرَعْ. كَمَا لَوْ قَالَ: اعْتِقُوا نِصْفَ سَالِمٍ وَإِلَّا فَنِصْفُ غَانِمٍ.
(وَالثَّالِثَةُ) إذَا أَعْتَقَ أَمَةً حَامِلًا فِي مَرَضِ مَوْتِهِ وَلَمْ يَتَّسِعْ الثُّلُثُ لَهَا وَلِحَمْلِهَا قَالُوا لَا يَجُوزُ الْإِقْرَاعُ لِأَنَّ الْحَمْلَ تَبَعٌ لِأُمِّهِ وَجُزْءٌ مِنْهَا وَلَا يَجُوزُ إفْرَادُهُ بِالْعِتْقِ دُونَهَا وَالْقُرْعَةُ قَدْ تُفْضِي إلَى ذَلِكَ وَلَا أَنْ تُعْتَقَ هِيَ دُونَ حَمْلِهَا إذَا اسْتَوْعَبَتْ قِيمَتُهَا الثُّلُثَ ; لِأَنَّ الْوَلَدَ تَبَعٌ لَهَا وَعِتْقُهُ مُلَازِمٌ لِعِتْقِهَا فَلَا يُمْكِنُ أَنْ يُعْتَقَ مِنْهَا شَيْءٌ وَلَا يُعْتَقُ مِنْهُ مِثْلُهُ فَيَتَعَيَّنُ أَنْ يُعْتَقَ مِنْهَا وَمِنْ حَمْلِهَا بِالْحِصَّةِ.
وَذَهَبَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي مُوسَى إلَى أَنَّ الْإِقْرَاعَ إنَّمَا يَدْخُلُ حَيْثُ كَانَ الْعِتْقُ لِمُبْهَمٍ غَيْرِ مُعَيَّنٍ وَتَشَاحَّ الْعَبِيدُ فِيهِ فَأَمَّا إنْ كَانَ لِمُعَيَّنٍ فَلَا إقْرَاعَ وَكَذَا إنْ لَمْ يتشاح فِيهِ الْعَبِيدُ وَحُكِيَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ فِي خِلَافِهِ مَا يُوَافِقُ ذَلِكَ فَعَلَى هَذَا إذَا وَصَّى بِعِتْقِ عَبِيدِهِ وَلَمْ يُجِزْ الْوَرَثَةُ أَعْتَقُوا مِنْهُمْ بِمِقْدَارِ الثُّلُثِ. فَإِنْ تَشَاحَّ الْعَبِيدُ فِي الْعِتْقِ أُقْرِعَ بَيْنَهُمْ فَعَتَقَ مَنْ وَقَعَ عَلَيْهِ سَهْمُ الْحُرِّيَّةِ مِنْهُمْ وَكَذَلِكَ لَوْ دَبَّرَهُمْ ذَكَرَهُ ابْنُ أَبِي مُوسَى وَذَكَرَ هُوَ وَأَبُو بَكْرٍ فِيمَا إذَا شَهِدَتْ بَيِّنَةٌ عَلَى مَرِيضٍ أَنَّهُ أَعْتَقَ عَبْدَهُ هَذَا وَشَهِدَتْ أُخْرَى أَنَّهُ أَعْتَقَ عَبْدَهُ هَذَا أَنَّهُ يَجِبُ الْعِتْقُ لَهُمَا وَيَتَحَاصُّ فِيهِ الْعَبْدَانِ، قَالَ أَبُو بَكْرٍ: لِأَنَّ الْقُرْعَةَ إنَّمَا تَجِبُ إذَا كَانَ أَحَدُهُمَا حُرًّا وَالْآخَرُ عَبْدًا يَعْنِي إذَا كَانَ الْعِتْقُ لِوَاحِدٍ لَا لِلْجَمِيعِ وَهَذَا مُنَاقِضٌ لِمَا ذَكَرَهُ ابْنُ أَبِي مُوسَى فِي تَدْبِيرِهِمْ كُلِّهِمْ إلَّا أَنْ نَقُولَ: تَدْبِيرُهُمْ يَقَعُ مَوْقُوفًا مُرَاعًى كَعِتْقِهِمْ الْمُنْجَزِ فِي مَرَضِهِ فَيُعْتَقُ مِنْهُمْ مَنْ عَدِمَ الْإِجَازَةَ قَدْرَ الثُّلُثِ، وَهُوَ مُبْهَمٌ فَيُمَيَّزُ بِالْقُرْعَةِ بِخِلَافِ مَا إذَا أَعْتَقَ عَبْدَيْنِ مُعَيَّنَيْنِ.
وَهُوَ ضَعِيفٌ ; فَإِنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْعَبِيدُ جَمِيعَ مَالِهِ أَوْ نِصْفَهُ مَثَلًا، إذْ لَا بُدَّ مِنْ الرَّدِّ إلَى الثُّلُثِ وَقَدْ نَقَلَ ابْنُ مَنْصُورٍ عَنْ أَحْمَدَ فِيمَنْ قَالَ فِي مَرَضِهِ اعْتِقُوا عَنِّي أَحَدَ عَبْدَيَّ هَذَيْنِ أَنَّهُ يُعْتَقُ أَحَدُهُمَا
فَإِنْ تَشَاحَّا فِي الْعِتْقِ يُقْرَعُ بَيْنَهُمَا وَإِنَّمَا قَالَ: يُعْتَقُ أَحَدُهُمَا ابْتِدَاءً لِأَنَّهُ وَصِيَّةٌ فَالْوَاجِبُ فِيهَا مَا يَصْدُقُ عَلَيْهِ الِاسْمُ كَمَا لَوْ وَصَّى بِأَحَدِهِمَا لِزَيْدٍ
(وَمِنْهَا) لَوْ عَتَقَ أَحَدَ عَبِيدِهِ فَإِنَّهُ يُعَيَّنُ بِالْقُرْعَةِ وَيَتَخَرَّجُ وَجْهٌ آخَرُ أَنَّهُ يَعْتِقُهُ بِتَعْيِينِهِ مِنْ الرِّوَايَةِ السَّابِقَةِ فِي الطَّلَاقِ وَلَوْ أَعْتَقَ عَبْدًا مِنْ عَبِيدِهِ ثُمَّ أُنْسِيه أَوْ جَهِلَهُ ابْتِدَاءً كَمَسْأَلَةِ الطَّائِرِ الْمَشْهُورَةِ فَإِنَّهُ يَخْرُجُ بِالْقُرْعَةِ أَيْضًا وَيَتَخَرَّجُ وَجْهٌ آخَرُ أَنَّهُ لَا يُقْرِعُ هَاهُنَا مِنْ الطَّلَاقِ وَأَشَارَ إلَيْهِ بَعْضُ الْأَصْحَابِ لَكِنَّ قِيَاسَ الرِّوَايَةِ الْمَذْكُورَةِ فِي الطَّلَاقِ أَنَّهُ يُقْرِعُ فَمَنْ خَرَجَتْ لَهُ الْقُرْعَةُ عَتَقَ وَيُسْتَدَامُ الْمِلْكُ فِي غَيْرِهِ إلَّا أَنَّهُ لَا يُسْتَبَاحُ وَطْءُ شَيْءٍ مِنْهُنَّ إذَا كُنَّ إمَاءً وَلَوْ قَالَ رَجُلٌ: إنْ كَانَ هَذَا الطَّائِرُ غُرَابًا فَعَبْدِي حُرٌّ، وَقَالَ آخَرُ: إنْ لَمْ يَكُنْ غُرَابًا فَعَبْدِي حُرٌّ، وَجُهِلَ أَمْرُهُ فَالْمَشْهُورُ أَنَّهُ لَا يُعْتَقُ وَاحِدٌ مِنْ الْعَبْدَيْنِ فَإِنْ اشْتَرَى أَحَدُ الْمَالِكَيْنِ عَبْدَ الْآخَرِ فَفِيهِ وَجْهَانِ:
أَحَدُهُمَا: يُعْتَقُ مَا اشْتَرَاهُ لِأَنَّ اسْتِدَامَتَهُ لِاسْتِرْقَاقِ عَبْدِهِ إقْرَارٌ مِنْهُ لِأَنَّ عَبْدَ صَاحِبِهِ هُوَ الَّذِي عَتَقَ فَإِذَا اشْتَرَاهُ نَفَذَ إقْرَارُهُ عَلَى نَفْسِهِ فَعَتَقَ عَلَيْهِ.
وَالثَّانِي: أَنَّهُ يُعْتَقُ أَحَدُهُمَا غَيْرَ مُعَيَّنٍ ثُمَّ يُمَيَّزُ بِالْقُرْعَةِ وَهُوَ أَصَحُّ لِأَنَّ تَمَسُّكَهُ بِعَبْدِهِ إنَّمَا كَانَ اسْتِصْحَابًا لِلْأَصْلِ لَا غَيْرُ، وَأَمَّا الْوَلَاءُ فَعَلَى الْوَجْهِ الْأَوَّلِ هُوَ مَوْقُوفٌ حَتَّى يَتَصَادَقَا عَلَى أَمْرٍ يَتَّفِقَانِ عَلَيْهِ، وَعَلَى الثَّانِي إنْ وَقَعَتْ الْحُرِّيَّةُ عَلَى الْمُشْتَرِي فَكَذَلِكَ وَإِنْ وَقَعَتْ عَلَى عَبْدِهِ فَوَلَاؤُهُ لَهُ وَيَتَوَجَّهُ أَنْ يُقَالَ: يُقْرَعُ بَيْنَهُمَا فَمَنْ قُرِعَ فَالْوَلَاءُ لَهُ كَمَا تَقَدَّمَ مِثْلُ ذَلِكَ فِي الْوَلَدِ الَّذِي يَدَّعِيه أَبَوَانِ وَأَوْلَى ; لِأَنَّ هَاهُنَا إنَّمَا عَتَقَ عَلَى وَاحِدٍ غَيْرِ مُعَيَّنٍ وَهُنَاكَ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ الْوَلَدُ لَهُمَا وَكَذَلِكَ يُقَالُ لَوْ كَانَ عَبْدٌ بَيْنَ شَرِيكَيْنِ مُوسِرَيْنِ فَقَالَ أَحَدُهُمَا: إنْ كَانَ الطَّائِرُ غُرَابًا فَنَصِيبِي حُرٌّ وَقَالَ الْآخَرُ إنْ لَمْ يَكُنْ غُرَابًا فَنَصِيبِي حُرٌّ فَإِنَّ الْعَبْدَ يُعْتَقُ عَلَى أَحَدِهِمَا وَهُوَ غَيْرُ مَعْلُومٍ فَيُمَيَّزُ بِالْقُرْعَةِ وَيَكُونُ لَهُ الْوَلَاءُ.
(وَمِنْهَا) لَوْ قَالَ لِأَمَتِهِ: أَوَّلُ مَا تَلِدِينَهُ حُرٌّ فَوَلَدَتْ وَلَدَيْنِ وَاشْتَبَهَ أَوَّلُهُمَا خُرُوجًا فَإِنَّهُ يُمَيَّزُ بِالْقُرْعَةِ نَصَّ عَلَيْهِ ; لِأَنَّ الْعِتْقَ وَقَعَ عَلَى مُعَيَّنٍ وَجُهِلَ ابْتِدَاءً وَلَوْ قَالَ أَوَّلُ غُلَامٍ لِي يَطْلُعُ فَهُوَ حُرٌّ فَطَلَعَ عَبِيدُهُ كُلُّهُمْ أَوْ قَالَ لِزَوْجَاتِهِ أَيَّتُكُنَّ طَلَعَ أَوَّلًا فَهِيَ طَالِقٌ فَطَلَعْنَ كُلُّهُنَّ فَنَصَّ أَحْمَدُ عَلَى أَنَّهُ يُمَيَّزُ وَاحِدٌ مِنْ الْعَبِيدِ وَامْرَأَةٌ مِنْ الزَّوْجَاتِ بِالْقُرْعَةِ فِي رِوَايَةِ مُهَنَّا وَاخْتَلَفَ الْأَصْحَابُ فِي هَذَا النَّصِّ فَمِنْهُمْ مَنْ حَمَلَهُ عَلَى أَنَّ اطِّلَاعَهُمْ كَانَ مُرَتَّبًا وَأَشْكَلَ السَّابِقُ فَيُمَيَّزُ بِالْقُرْعَةِ كَمَسْأَلَةِ الْوِلَادَةِ وَمِنْهُمْ مَنْ أَقَرَّ النَّصَّ عَلَى ظَاهِرِهِ وَأَنَّهُمْ طَلَعُوا دَفْعَةً وَاحِدَةً.
وَقَالَ: صِفَةُ الْأَوَّلِيَّةِ شَامِلَةٌ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ بِانْفِرَادِهِ وَالْمُعْتَقُ إنَّمَا أَرَادَ عِتْقَ وَاحِدٍ مِنْهُمْ فَمُيِّزَ بِالْقُرْعَةِ وَهِيَ طَرِيقَةُ الْقَاضِي فِي خِلَافِهِ وَمِنْ الْأَصْحَابِ مَنْ قَالَ يَعْتِقُ وَيُطَلِّقُ الْجَمِيعَ لِأَنَّ تَرِكَةٌ صِفَةٌ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ وَلَفْظُهُ صَالِحٌ لِلْعُمُومِ لِأَنَّهُ مُفْرَدٌ [مُضَافٌ] أَوْ يُقَالُ الْأَوَّلِيَّةُ صِفَةٌ لِلْمَجْمُوعِ لَا لِلْأَفْرَادِ وَهُوَ الَّذِي ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْمُغْنِي فِي الطَّلَاقِ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: لَا تَطْلُقُ وَلَا يُعْتَقُ شَيْءٌ مِنْهُمْ لِأَنَّ الْأَوَّلَ لَا يَكُونُ إلَّا فَرْدًا لَا تَعَدُّدَ فِيهِ وَالْفَرْدِيَّةُ مُشْتَبِهَةٌ هُنَا وَهُوَ الَّذِي ذَكَرَهُ الْقَاضِي وَابْنُ عَقِيلٍ
فِي الطَّلَاق وَالسَّامِرِيُّ وَصَاحِبُ الْكَافِي، وَيَتَخَرَّجُ وَجْهٌ آخَرُ وَهُوَ أَنَّهُ إنْ طَلَعَ بَعْدَهُمْ مِنْ عَبِيدِهِ وَزَوْجَاتِهِ طَلُقْنَ وَعَتَقْنَ وَإِلَّا فَلَا ; بِنَاءَ عَلَى أَنَّ الْأَوَّلَ هُوَ السَّابِقُ لِغَيْرِهِ، فَلَا يَكُونُ أَوَّلًا حَتَّى يَأْتِيَ بَعْدَهُ غَيْرُهُ فَيَتَحَقَّقُ لَهُ بِذَلِكَ صِيغَةُ الْأَوَّلِيَّةِ وَهُوَ وَجْهٌ لَنَا، ذَكَرَهُ ابْنُ عَقِيلٍ وَغَيْرُهُ، وَقَرِيبٌ مِنْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مَا ذَكَرَهُ ابْنُ أَبِي مُوسَى فِي كِتَابِ الْعِتْقِ فَقَالَ: وَاخْتَلَفَ قَوْلُهُ فِي الرَّجُلِ يَقُولُ لِعَبِيدِهِ أَيُّكُمْ جَاءَنِي بِخَبَرِ كَذَا فَهُوَ حُرٌّ فَأَتَى بِذَلِكَ الْخَبَرِ اثْنَانِ مَعًا أَوْ أَكْثَرُ عَلَى رِوَايَتَيْنِ قَالَ فِي أَحَدِهِمَا: قَدْ عَتَقَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ فَيُقْرَعُ بَيْنَهُمْ فَمَنْ قَرَعَ صَاحِبَهُ فَقَدْ عَتَقَ. وَقَالَ فِي الْأُخْرَى فَقَدْ عَتَقَا جَمِيعًا انْتَهَى.
فَأَمَّا وَجْهُ عِتْقِهِمَا جَمِيعًا فَظَاهِرٌ لِأَنَّ أَيًّا مِنْ صِيَغِ الْعُمُومِ وَأَمَّا وَجْهُ عِتْقِ أَحَدِهِمَا بِالْقُرْعَةِ فَهُوَ أَنَّ الْمُتَبَادَرَ إلَى الْأَفْهَامِ مِنْ هَذَا التَّعْلِيقِ الْخُصُوصُ وَأَنَّهُ إنَّمَا أُرِيدَ بِهِ عِتْقٌ وَاحِدٌ يَجِيءُ بِالْخَبَرِ فَيَصِيرُ عُمُومُ هَذَا اللَّفْظِ عُمُومًا بِدَلِيلِهِ لَا عُمُومَ شُمُولٍ فَلَا يُعْتَقُ بِهِ أَكْثَرُ مِنْ وَاحِدَةٍ فَإِذَا اجْتَمَعَ اثْنَانِ عَلَى الْإِتْيَانِ بِالْخَبَرِ أُعْتِقَ أَحَدُهُمَا بِالْقُرْعَةِ وَلَيْسَ هَذَا كَمَا لَوْ قَالَ لِزَوْجَاتِهِ أَيَّتُكُنَّ خَرَجَتْ فَهِيَ طَالِقٌ فَإِذَا خَرَجْنَ جَمِيعًا طُلِّقْنَ لِأَنَّ الْخُرُوجَ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْجَمِيعِ سَوَاءٌ. وَأَمَّا الْإِخْبَارُ فَالْمَقْصُودُ مِنْهُ يَحْصُلُ مِنْ أَحَدِ الْمُخْبِرَيْنِ فَلَا حَاجَةَ إلَى الْآخَرِ، وَلِهَذَا قُلْنَا: عَلَى أَحَدِ الْوُجُوهِ. وَهُوَ قَوْلُ الْقَاضِي أَنَّهُ لَوْ قَالَ لِزَوْجَاتِهِ مَنْ أَخْبَرَنِي مِنْكُنَّ بِكَذَا فَهِيَ طَالِقٌ فَأَخْبَرْنَهُ مُتَفَرِّقَاتٍ أَنَّهُ لَا يُطَلَّقُ مِنْهُنَّ إلَّا الْأُولَى لِأَنَّ مَقْصُودَهُ مِنْ الْإِخْبَارِ وَهُوَ الْإِعْلَامُ حَاصِلٌ بِهَا وَلِهَذَا لَوْ قَالَ مَنْ دَخَلَ دَارِي فَلَهُ دِرْهَمٌ فَدَخَلَ جَمَاعَةٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ دِرْهَمٌ.
وَلَوْ قَالَ: مَنْ جَاءَنِي فَلَهُ دِرْهَمٌ فَجَاءَهُ جَمَاعَةٌ فَلَهُمْ دِرْهَمٌ وَاحِدٌ بَيْنَهُمْ. ذَكَرَهُ الْقَاضِي فِي كِتَابِ أَحْكَامِ الْقُرْآنِ قَالَ لِأَنَّ الشَّرْطَ وُجِدَ مِنْ الْجَمَاعَةِ وُجُودًا وَاحِدًا بِخِلَافِ دُخُولِ الدَّارِ فَإِنَّ كُلَّ وَاحِدٍ وُجِدَ مِنْهُ دُخُولٌ كَامِلٌ، وَلَوْ قَالَ رَجُلٌ مَنْ سَبَقَ فَلَهُ كَذَا فَسَبَقَ اثْنَانِ مَعًا فَفِيهِ وَجْهَانِ:
أَحَدُهُمَا: السَّبْقُ الْمَذْكُورُ بَيْنَهُمَا كَمَا لَوْ قَالَ مَنْ رَدَّ ضَالَّتِي فَلَهُ كَذَا فَرَدَّهَا جَمَاعَةٌ.
وَالثَّانِي: لِكُلٍّ مِنْهُمْ سَبْقٌ كَامِلٌ لِأَنَّهُ سَابِقٌ بِانْفِرَادِهِ، وَحَاصِلُ الْأَمْرِ فِي هَذَا الْبَابِ: أَنَّ الْمُعَلَّقَ عَلَيْهِ تَارَةً يَكُونُ شَيْئًا وَاحِدًا لَا تَعَدُّدَ فِيهِ كَرَدِّ الْآبِقِ وَنَحْوِهِ فَلَا يَتَعَدَّدُ الْمَشْرُوطُ بِعَدَدِ الْمُحَصِّلِينَ لَهُ ; لِأَنَّهُمْ اشْتَرَكُوا فِي تَحْصِيلِ شَيْءٍ وَاحِدٍ فَاشْتَرَكُوا فِي اسْتِحْقَاقِ الْمُرَتَّبِ عَلَيْهِ وَتَارَةً يَكُونُ قَابِلًا لِلْعَدَدِ وَهُوَ نَوْعَانِ:
أَحَدُهُمَا: مَا يَكُونُ التَّعَدُّدُ فِيهِ مَقْصُودًا لِدُخُولِ الدَّارِ وَنَحْوِهِ فَيَتَعَدَّدُ الِاسْتِحْقَاقُ عَلَى الصَّحِيحِ كَمَا إذَا قَالَ مَنْ دَخَلَ دَارِي فَهُوَ حُرٌّ أَوْ فَلَهُ دِرْهَمٌ أَوْ فَهِيَ طَالِقٌ وَكَذَلِكَ تَجِيءُ عَلَى هَذَا إذَا قَالَ: مَنْ جَاءَنِي فَلَهُ دِرْهَمٌ، لِأَنَّ تَعَدُّدَ الِاثْنَيْنِ مَطْلُوبٌ بِخِلَافِ مَا ذَكَرَهُ الْقَاضِي.
وَمَسْأَلَةُ السَّبْقِ قَدْ يُقَالُ هِيَ مِنْ هَذَا النَّوْعِ وَقَدْ يُقَالُ السَّبْقُ إنَّمَا حَصَلَ مِنْ الْمَجْمُوعِ لَا مِنْ كُلِّ فَرْدٍ مِنْهُمْ، أَوْ كُلُّ فَرْدٍ مِنْهُمْ لَيْسَ بِسَابِقٍ لِلْبَاقِينَ بَلْ هُوَ سَابِقٌ لِمَنْ تَأَخَّرَ عَنْهُ وَمُسَاوٍ لِمَنْ جَامَعَهُ فَالْمُتَّصِفُ بِالسَّبْقِ هُوَ الْمَجْمُوعُ لَا كُلُّ فَرْدٍ مِنْهُمْ فَلِذَلِكَ اسْتَحَقُّوا