الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
صَاحِبُ التَّرْغِيبِ وَغَيْرُهُ.
وَالْأَوْلَى مَا ذَكَرْنَاهُ، فَأَمَّا قَوْلُهُ لِأَمَتِهِ: أَعْتَقْتُك وَجَعَلْت عِتْقَك صَدَاقَك فَجَعَلَهُ ابْنُ حَامِدٍ كِنَايَةً وَلَمْ يُعْقَدْ بِهِ النِّكَاحُ حَتَّى يَقُولَ: وَتَزَوَّجْتُك.
وَقَالَ الْقَاضِي وَهُوَ صَرِيحٌ بِقَرِينَةِ ذِكْرِ الصَّدَاقِ، فَإِنَّ الصَّرِيحَ قَدْ يَكُونُ مَجَازًا إذَا اُشْتُهِرَ وَتَبَادَرَ فَهْمُهُ وَلَوْ مَعَ الْقَرِينَةِ، وَفَسَّرَهُ الْقَاضِي بِأَنَّهُ الظَّاهِرُ وَلَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ نَصًّا، وَكَلَامُ أَحْمَدَ صَرِيحٌ فِي أَنَّ هَذَا اللَّفْظَ كِنَايَةٌ قَالَ فِي رِوَايَةِ صَالِحٍ: إذَا قَالَ: أَجْعَلُ عِتْقَكِ صَدَاقَكِ، أَوْ قَالَ: صَدَاقُكِ عِتْقُك، كُلُّ ذَلِكَ جَائِزٌ إذَا كَانَتْ لَهُ نِيَّةٌ فَنِيَّتُهُ تُصَرِّحُ بِاعْتِبَارِ النِّيَّةِ، وَتَأَوَّلَهُ الْقَاضِي بِتَأْوِيلٍ بَعِيدٍ جِدًّا، وَكَذَلِكَ نَصَّ أَحْمَدُ عَلَى مَا إذَا قَالَ الْخَاطِبُ لِلْوَلِيِّ أَزَوَّجْت وَلِيَّتَك؟ قَالَ: نَعَمْ وَقَالَ: لِلْمُتَزَوِّجِ: أَقَبِلْت؟ قَالَ نَعَمْ أَنَّ النِّكَاحَ يَنْعَقِدُ بِهِ، وَذَكَرَهُ الْخِرَقِيِّ، وَنَعَمْ هَهُنَا كِنَايَةٌ ; لِأَنَّ التَّقْدِيرَ نَعَمْ زَوَّجْتُ وَنَعَمْ قَبِلْتُ، وَأَكْثَرُ مَا يُقَالُ إنَّهَا صَرِيحَةٌ فِي الْإِعْلَامِ بِحُصُولِ الْإِنْشَاءِ، فَالْإِنْشَاءُ إنَّمَا اُسْتُفِيدَ مِنْهَا وَلَيْسَ فِيهَا مِنْ أَلْفَاظِ صَرِيحِ الْإِنْشَاءِ شَيْءٌ فَيَكُونُ كِنَايَةً عَنْ لَفْظِ النِّكَاحِ وَقَبُولِهِ.
[الْقَاعِدَةُ الْأَرْبَعُونَ الْأَحْكَامُ الْمُتَعَلِّقَةُ بِالْأَعْيَانِ بِالنِّسْبَةِ إلَى تَبَدُّلِ الْأَمْلَاكِ وَاخْتِلَافِهَا عَلَيْهَا نَوْعَانِ]
[النَّوْع الْأَوَّل مَا يَتَعَلَّقُ الْحُكْمُ فِيهِ بِمِلْكٍ وَاحِدٍ فَإِذَا زَالَ ذَلِكَ الْمِلْكُ سَقَطَ الْحُكْمُ]
(الْقَاعِدَةُ الْأَرْبَعُونَ) : الْأَحْكَامُ الْمُتَعَلِّقَةُ بِالْأَعْيَانِ بِالنِّسْبَةِ إلَى تَبَدُّلِ الْأَمْلَاكِ وَاخْتِلَافِهَا عَلَيْهَا نَوْعَانِ:
أَحَدُهُمَا: مَا يَتَعَلَّقُ الْحُكْمُ فِيهِ بِمِلْكٍ وَاحِدٍ فَإِذَا زَالَ ذَلِكَ الْمِلْكُ سَقَطَ الْحُكْمُ وَصُوَرُ ذَلِكَ كَثِيرَةٌ: مِنْهَا: الْإِجَارَةُ فَمَنْ اسْتَأْجَرَ شَيْئًا مُدَّةً فَزَالَ مِلْكُ صَاحِبِهِ عَنْهُ بِتَمَلُّكٍ قَهْرِيٍّ يَشْمَلُ الْعَيْنَ وَالْمَنْفَعَةَ ثُمَّ عَادَ مِلْكُ الْمُؤَجِّرِ وَالْمُدَّةُ بَاقِيَةٌ لَمْ تَعُدْ الْإِجَارَةُ، هَذَا هُوَ الظَّاهِرُ ; لِأَنَّ مِلْكَ الْمُسْتَأْجِرِ زَالَ عَنْ الْمَنَافِعِ وَثَبَتَ لَهُ الرُّجُوعُ عَلَى الْمَالِكِ بِقِسْطِهِ مِنْ الْأُجْرَةِ، فَإِذَا اسْتَوْفَاهُ مِنْهُ لَمْ يَبْقَ لَهُ حَقٌّ فَتَعُودُ الْعَيْنُ بِمَنَافِعِهَا مِلْكًا لِلْمُؤَجِّرِ، أَمَّا إنْ لَمْ يَسْتَوْفِ شَيْئًا فَقَدْ سَبَقَ نَظَائِرُهَا فِي قَاعِدَةِ مَنْ تَعَذَّرَ عَلَيْهِ الْأَصْلُ وَاسْتَقَرَّ حَقُّهُ فِي الْبَدَلِ ثُمَّ وَجَدَ الْأَصْلَ فَيَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ، وَالْأَظْهَرُ هُنَا عَدَمُ اسْتِحْقَاقِ الْمَنَافِعِ لِأَنَّ حَقَّهُ سَقَطَ مِنْهُ وَانْتَقَلَ إلَى بَدَلِهَا.
وَمِنْهَا: الْإِعَارَةُ فَلَوْ أَعَارَهُ شَيْئًا ثُمَّ زَالَ مِلْكُهُ عَنْهُ ثُمَّ عَادَ لَمْ تَعُدْ الْإِعَارَةُ.
وَمِنْهَا: الْوَصِيَّةُ تَبْطُلُ بِإِزَالَةِ الْمِلْكِ وَلَا تَعُودُ بِعَوْدِهِ.
[النَّوْعُ الثَّانِي مَا يَتَعَلَّقُ الْحُكْمُ فِيهِ بِنَفْسِ الْعَيْنِ مِنْ حَيْثُ هِيَ تَعَلُّقًا لَازِمًا]
يَخْتَصُّ تَعَلُّقُهُ بِمِلْكٍ دُونَ مِلْكٍ وَلَهُ صُوَرٌ: مِنْهَا: الرَّهْنُ، فَإِذَا رَهَنَ عَيْنًا رَهْنًا لَازِمًا ثُمَّ زَالَ مِلْكُهُ عَنْهَا بِغَيْرِ اخْتِيَارِهِ ثُمَّ عَادَ فَالرَّهْنُ بَاقٍ بِحَالِهِ، لِأَنَّهُ وَثِيقَةٌ لَازِمَةٌ لِلْعَيْنِ فَلَا تَنْفَكُّ بِتَبَدُّلِ الْأَمْلَاكِ كَأَرْشِ الْجِنَايَةِ، غَيْرَ أَنَّ الْأَرْشَ لَازِمٌ لِرَقَبَةِ الْجَانِي بِدُونِ الْقَبْضِ، وَالرَّهْنُ لَا يَلْزَمُ أَوْ لَا يَصِحُّ بِدُونِ الْقَبْضِ، وَذَكَرَ الْأَصْحَابُ صُوَرًا يَعُودُ فِيهَا الرَّهْنُ بِعَوْدِ الْمِلْكِ: مِنْهَا: لَوْ سَبَى الْكُفَّارُ الْعَبْدَ الْمَرْهُونَ ثُمَّ اُسْتُنْقِذَ مِنْهُمْ عَادَ رَهْنًا بِحَالِهِ نَصَّ عَلَيْهِ الْإِمَامُ أَحْمَدُ.
وَمِنْهَا: لَوْ تَخَمَّرَ الْعَصِيرُ الْمُرْتَهَنُ ثُمَّ تَخَلَّلَ فَإِنَّهُ يَعُودُ رَهْنًا كَمَا كَانَ.
وَكَذَلِكَ يَعُودُ الرَّهْنُ بَعْدَ زَوَالِهِ وَإِنْ كَانَ مِلْكُ الرَّاهِنِ بَاقِيًا عَلَيْهِ فِي مَوَاضِعَ.
وَمِنْهَا: لَوْ صَالَحَهُ مِنْ دَيْنِ الرَّهْنِ عَلَى مَا يُشْتَرَطُ قَبْضُهُ فِي الْمَجْلِسِ صَحَّ الصُّلْحُ وَبَرِئَتْ ذِمَّتُهُ مِنْ الدَّيْنِ وَزَالَ الرَّهْنُ، فَإِنْ تَفَرَّقَا قَبْلَ الْقَبْضِ بَطَلَ الصُّلْحُ وَعَادَ الدَّيْنُ وَالرَّهْنُ بِحَالِهِ.
وَمِنْهَا: مَا قَالَهُ أَبُو بَكْرٍ: إنْ عَادَ الرَّهْنُ إلَى الرَّاهِنِ بَطَلَ الرَّهْنُ، فَإِنْ عَادَ إلَيْهِ عَادَ رَهْنًا كَمَا كَانَ، وَفِي كَلَامِ أَحْمَدَ نَحْوُهُ، وَتَأَوَّلَهُ الْقَاضِي وَابْنُ عَقِيلٍ عَلَى أَنَّهُ بَطَلَ لُزُومُهُ لِأَنَّهُ لَوْ بَطَلَ بِالْكُلِّيَّةِ لَمْ يَعُدْ بِدُونِ عَقْدٍ، وَهَذَا بَاطِلٌ بِمَسْأَلَةِ الصُّلْحِ، وَقَدْ وَافَقَا عَلَيْهِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ الرَّهْنَ لَا يَبْطُلُ بَعْدَ لُزُومِهِ بِدُونِ رِضَى الْمُرْتَهِنِ.
وَمِنْ صُوَرِ هَذَا النَّوْعِ: الْمُكَاتَبُ، فَإِنَّ الْمُكَاتَبَةَ عَقْدٌ لَازِمٌ ثَابِتٌ فِي الرَّقَبَةِ فَلَا يَسْقُطُ بِانْتِقَالِ الْمِلْكِ فِيهِ.
وَمِنْهَا: الْأُضْحِيَّةُ الْمُعَيَّنَةُ فَإِنَّ الْحَقَّ ثَابِتٌ فِي رَقَبَتِهَا لَا يَزُولُ بِدُونِ اخْتِيَارِ الْمَالِكِ فَإِذَا تَعَيَّبَتْ خَرَجَتْ عَنْ كَوْنِهَا أُضْحِيَّةً، فَإِذَا زَالَ الْعَيْبُ عَادَتْ أُضْحِيَّةً كَمَا كَانَتْ، ذَكَرَهُ ابْنُ عَقِيلٍ فِي عُمَدِهِ.
وَمِنْهَا: التَّدْبِيرُ عَلَى إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ.
وَمِنْهَا رُجُوعُ الزَّوْجِ فِي نِصْفِ الصَّدَاقِ بَعْدَ الْفُرْقَةِ فَإِنَّهُ يَسْتَحِقُّهُ سَوَاءٌ كَانَ قَدْ زَالَ مِلْكُ الزَّوْجَةِ عَنْهُ ثُمَّ عَادَ أَوْ لَمْ يَزُلْ ; لِأَنَّ حَقَّهُ مُتَعَلِّقٌ بِعَيْنِهِ.
وَمِنْهَا: عُرُوضُ التِّجَارَةِ إذَا خَرَجَتْ عَنْ مِلْكِهِ بِغَيْرِ اخْتِيَارِهِ ثُمَّ عَادَتْ فَإِنَّهُ لَا يَنْقَطِعُ الْحَوْلُ بِذَلِكَ كَمَا إذَا تَخَمَّرَ الْعَصِيرُ ثُمَّ تَخَلَّلَ. ذَكَرَهُ ابْنُ عَقِيلٍ وَغَيْرُهُ.
وَمِنْهَا صِفَةُ الطَّلَاقِ، تَعُودُ بِعَوْدِ النِّكَاحِ، وَسَوَاءٌ وُجِدَتْ فِي زَمَنِ الْبَيْنُونَةِ أَوْ لَمْ تُوجَدْ، عَلَى الْمَذْهَبِ الصَّحِيحِ.
وَمِنْهَا: صِفَةُ الْعِتْقِ تَعُودُ بِعَوْدِ مِلْكِ الرَّقِيقِ فِي أَشْهَرِ الرِّوَايَتَيْنِ، وَفِي الْأُخْرَى لَا تَعُودُ إذَا وُجِدَتْ الصِّفَةُ بَعْدَ زَوَالِ الْمِلْكِ، وَفَرَّقَ الْقَاضِي بَيْنَ الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ، بِأَنَّ مِلْكَ الرَّقِيقِ لَا يُبْنَى فِيهِ أَحَدُ الْمِلْكَيْنِ عَلَى الْآخَرِ، بِخِلَافِ النِّكَاحِ فَإِنَّهُ يُبْنَى فِيهِ أَحَدُ الْمِلْكَيْنِ عَلَى الْآخَرِ فِي عِدَدِ الطَّلَاقِ عَلَى الصَّحِيحِ، وَهَذَا التَّفْرِيقُ لَا أَثَرَ لَهُ ; إذْ لَوْ كَانَ مُعْتَبَرًا لَمْ يُشْتَرَطْ لِعَدَمِ الْحِنْثِ وَوُجُودِ الصِّفَةِ فِي غَيْرِ الْمِلْكِ.
وَمِنْهَا: الرَّدُّ بِالْعَيْبِ لَا يَمْتَنِعُ بِزَوَالِ الْمِلْكِ إذَا لَمْ يَدُلَّ عَلَى الرِّضَا، وَهَاهُنَا مُخْتَلَفٌ فِي إلْحَاقِهَا بِأَحَدِ النَّوْعَيْنِ وَهِيَ مُحْتَمِلَةٌ: فَمِنْهَا رُجُوعُ الْأَبِ فِيمَا وَهَبَهُ لِوَلَدِهِ إذَا أَخْرَجَهُ الِابْنُ عَنْ مِلْكِهِ ثُمَّ عَادَ إلَيْهِ فَهَلْ يَسْقُطُ حَقُّهُ مِنْ الرُّجُوعِ أَمْ لَا؟
وَمِنْهَا رُجُوعُ غَرِيمِ الْمُفْلِسِ فِي السِّلْعَةِ الَّتِي وَجَدَهَا بِعَيْنِهَا وَكَانَ الْمُفْلِسُ قَدْ أَخْرَجَهَا عَنْ مِلْكِهِ ثُمَّ عَادَتْ إلَيْهِ، وَفِي الْمَسْأَلَتَيْنِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ: أَحَدُهَا: لَا حَقَّ لَهُمَا فِيهَا ; لِأَنَّ حَقَّهُمَا مُتَعَلِّقٌ بِالْعَقْدِ الْأَوَّلِ الْمُتَلَقَّى عَنْهُمَا.
وَالثَّانِي: غَيْرُ مُتَعَلِّقٍ عَنْهُمَا فَلَا يَسْتَحِقَّانِ فِيهِ رُجُوعًا.
وَالثَّالِثُ: لَهُمَا الرُّجُوعُ نَظَرًا إلَى أَنَّ حَقَّهُمَا ثَابِتٌ فِي الْعَيْنِ وَهِيَ مَوْجُودَةٌ فَأَشْبَهَ الرَّدَّ بِالْعَيْبِ.
وَالرَّابِعُ: إنْ عَادَ بِمِلْكٍ جَدِيدٍ سَقَطَ حَقُّهُمَا، وَإِنْ عَادَ بِفَسْخِ الْعَقْدِ فَلَهُمَا الرُّجُوعُ، لِأَنَّ الْمِلْكَ الْعَائِدَ بِالْفَسْخِ تَابِعٌ لِلْمِلْكِ الْأَوَّلِ فَإِنَّ الْفَسْخَ رَفْعٌ لِلْعَقْدِ الْحَادِثِ فَيَعُودُ الْمِلْكُ كَمَا كَانَ.
وَمِنْهَا: الْفِرَاشُ، فَإِذَا وَطِئَ أَمَةً ثُمَّ بَاعَهَا وَوَطِئَ أُخْتَهَا بِالْمِلْكِ، ثُمَّ عَادَتْ الْأُولَى إلَى مِلْكِهِ فَهَلْ يَعُودُ الْفِرَاشُ أَمْ لَا؟ عَلَى وَجْهَيْنِ، أَشْهَرُهُمَا أَنَّهُ يَعُودُ، وَهُوَ الْمَنْصُوصُ ; فَيَجِبُ عَلَيْهِ اجْتِنَابُهُمَا حَتَّى يُحَرِّمَ إحْدَاهُمَا.
وَالثَّانِي: لَهُ اسْتِدَامَةُ اسْتِفْرَاشِ الثَّانِيَة وَيَجْتَنِبُ الرَّاجِعَةَ لِزَوَالِ الْفِرَاشِ فِيهَا بِزَوَالِ الْمِلْكِ وَهُوَ اخْتِيَارُ صَاحِبِ الْمُحَرَّرِ.