الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الثُّلُثِ، وَإِنَّمَا يَتَخَرَّجُ مِنْ هَذِهِ الرِّوَايَةِ رِوَايَةٌ عَنْهُ بِأَنَّ إقْرَارَ الْمَرِيضِ لِوَارِثِهِ مُعْتَبَرٌ مِنْ الثُّلُثِ وَاَللَّه أَعْلَمُ.
[الْقَاعِدَةُ الثَّامِنَةُ وَالْخَمْسُونَ مَنْ تَعَلَّقَ بِهِ الِامْتِنَاعُ مِنْ فِعْلٍ هُوَ متلبس بِهِ فَبَادَرَ إلَى الْإِقْلَاعِ عَنْهُ]
(الْقَاعِدَةُ الثَّامِنَةُ وَالْخَمْسُونَ) : مَنْ تَعَلَّقَ بِهِ الِامْتِنَاعُ مِنْ فِعْلٍ هُوَ مُتَلَبِّسٌ بِهِ فَبَادَرَ إلَى الْإِقْلَاعِ عَنْهُ، هَلْ يَكُونُ إقْلَاعُهُ فِعْلًا لِلْمَمْنُوعِ مِنْهُ أَوْ تَرْكًا لَهُ فَلَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ أَحْكَامِهِ؟ هَذَا عِدَّةُ أَنْوَاعٍ:
أَحَدُهَا أَلَّا يَتَعَلَّقَ بِهِ حُكْمُ الِامْتِنَاعِ بِالْكُلِّيَّةِ إلَّا وَهُوَ مُتَلَبِّسٌ بِهِ فَلَا يَكُونُ نَزْعُهُ فِعْلًا لِلْمَمْنُوعِ مِنْهُ.
فَمِنْ ذَلِكَ إذَا حَلَفَ لَا يَلْبَسُ ثَوْبًا وَهُوَ لَابِسُهُ، أَوْ لَا يَرْكَبُ دَابَّةً وَهُوَ رَاكِبُهَا، أَوْ لَا يَدْخُلُ دَارًا وَهُوَ فِيهَا، وَقُلْنَا إنَّ الِاسْتِدَامَةَ كَالِابْتِدَاءِ فِي جَمِيعِ هَذِهِ الْأَفْعَالِ فَخَلَعَ الثَّوْبَ وَنَزَلَ عَنْ الدَّابَّةِ وَخَرَجَ مِنْ الدَّارِ فِي أَوَّلِ أَوْقَاتِ الْإِمْكَانِ، فَإِنَّهُ لَا يَحْنَثُ لِأَنَّ الْيَمِينَ تَقْتَضِي الْكَفَّ فِي الْمُسْتَقْبَلِ دُونَ الْمَاضِي وَالْحَالِ فَيَتَعَلَّقُ الْحُكْمُ بِأَوَّلِ أَوْقَاتِ الْإِمْكَانِ، وَمِنْهُ مَا إذَا أَحْرَمَ وَعَلَيْهِ قَمِيصٌ فَإِنَّهُ يَنْزِعُهُ فِي الْحَالِ وَلَا فِدْيَةَ عَلَيْهِ ; لِأَنَّ مَحْظُورَاتِ الْإِحْرَامِ إنَّمَا تَتَرَتَّبُ عَلَى الْمُحْرِمِ لَا عَلَى الْمُحِلِّ وَلَا يُقَالُ إنَّهُ بِإِقْدَامِهِ عَلَى إنْشَاءِ الْإِحْرَامِ وَهُوَ مُتَلَبِّسٌ بِمَحْظُورَاتِهِ مُنْتَسِبٌ إلَى مُصَاحَبَةِ اللُّبْسِ فِي الْإِحْرَامِ كَمَا لَا يُقَالُ مِثْلُ ذَلِكَ فِي الْحَالِفِ وَالنَّاذِرِ فَإِنَّهُ كَانَ يُمْكِنُهُ أَنْ لَا يَحْلِفَ وَلَا يَنْذِرَ حَتَّى يَتْرُكَ التَّلَبُّسَ بِمَا يَحْلِفُ عَلَيْهِ، وَمِنْهُ مَا إذَا فَعَلَ فِعْلًا مُحَرَّمًا جَاهِلًا أَوْ نَاسِيًا ثُمَّ ذَكَرَ فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ قَطْعُهُ فِي الْحَالِ وَلَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ أَحْكَامُ أَنْصَاصًا لَهُ.
النَّوْعُ الثَّانِي أَنْ يَمْنَعَهُ الشَّارِعُ مِنْ الْفِعْلِ فِي وَقْتٍ مُعَيَّنٍ وَيَعْلَمَ بِالْمَنْعِ وَلَكِنْ لَا يَسْتَقِرُّ بِوَقْتِ الْمَنْعِ حَتَّى يَتَلَبَّسَ بِالْفِعْلِ فَيُقْلِعَ عَنْهُ فِي الْحَالِ.
فَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي ذَلِكَ عَلَى وَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ لَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ حُكْمُ الْفِعْلِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ بَلْ يَكُونُ إقْلَاعُهُ تَرْكًا لِلْفِعْلِ لِأَنَّ ابْتِدَاءَهُ كَانَ مُبَاحًا حَيْثُ وَقَعَ قَبْلَ وَقْتِ التَّحْرِيمِ، وَهُوَ اخْتِيَارُ أَبِي حَفْصٍ الْعُكْبَرِيِّ.
وَالثَّانِي: أَنَّهُ يَكُونُ حُكْمُهُ حُكْمَ الْفَاعِلِ بِتَرْكِهِ لِإِقْدَامِهِ عَلَى الْفِعْلِ مَعَ عِلْمِهِ بِتَحْرِيمِهِ فِي وَقْتِهِ لَا سِيَّمَا مَعَ قُرْبِ الْوَقْتِ [وَهَذَا ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ] .
مِنْ صُوَرِ الْمَسْأَلَةِ مَا إذَا جَامَعَ فِي لَيْلِ رَمَضَانَ فَأَدْرَكَهُ الْفَجْرُ وَهُوَ مُجَامِعٌ فَنَزَعَ فِي الْحَالِ فَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ يُفْطِرُ بِذَلِكَ وَفِي الْكَفَّارَةِ رِوَايَتَانِ وَاخْتَارَ أَبُو حَفْصٍ أَنَّهُ لَا يُفْطِرُ وَلَا خِلَافَ فِي أَنَّهُ لَا يَأْثَمُ إذَا كَانَ حَالَ الِابْتِدَاءِ مُتَيَقِّنًا لِبَقَاءِ اللَّيْلِ وَيَبْنِي بَعْضُ الْأَصْحَابِ الْمَسْأَلَةَ عَلَى أَصْلٍ آخَرَ وَهُوَ أَنَّ النَّزْعَ هَلْ هُوَ جُزْءٌ مِنْ الْجِمَاعِ أَوْ لَيْسَ مِنْ الْجِمَاعِ وَحَكَى فِي الْمَسْأَلَةِ رِوَايَتَيْنِ وَاخْتَارَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ أَنَّهُ لَا يُفْطِرُ تَطَوُّعًا فِي هَذِهِ الْحَالَةِ وَلَا بِالْأَكْلِ وَلَا بِغَيْرِهِ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ إنَّمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ حُكْمُ وُجُوبِ الْإِمْسَاكِ عَنْ الْمُفْطِرَاتِ بَعْدَ الْعِلْمِ بِطُلُوعِ الْفَجْرِ فَلَا يَكُونُ الْوَاقِعُ مِنْهَا فِي حَالَةِ
الطُّلُوعِ مُحَرَّمًا أَلْبَتَّةَ كَمَا قُلْنَا فِي مَحْظُورَاتِ الْإِحْرَامِ إنَّهَا إنَّمَا تَثْبُتُ بَعْدَ التَّلَبُّسِ بِهِ، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَحْمَدَ مَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ فَإِنَّهُ قَالَ إذَا شَكَّ فِي طُلُوعِ الْفَجْرِ فَإِنَّهُ يَأْكُلُ حَتَّى لَا يَشُكَّ أَنَّهُ طَلَعَ وَفِي الْمَسْأَلَةِ أَحَادِيثُ وَآثَارٌ كَثِيرَةٌ تَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَمِنْهَا إذَا وَطِئَ امْرَأَتَهُ فَحَاضَتْ فِي أَثْنَاءِ الْوَطْءِ فَنَزَعَ هَلْ يَلْزَمُهُ الْكَفَّارَةُ إذَا قُلْنَا يَلْزَمُ الْمَعْذُورُ فَمِنْ الْأَصْحَابِ مَنْ خَرَّجَهَا عَلَى النَّزْعِ هَلْ هُوَ جِمَاعٌ أَمْ تَرْكٌ لِلْجِمَاعِ، وَمِنْهُمْ مَنْ خَرَّجَهَا عَلَى مَسْأَلَةِ الصَّوْمِ وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ إنْ كَانَ يَعْلَمُ بِمُقْتَضَى الْعَادَةِ قُرْبَ وَقْتِ حَيْضِهَا ثُمَّ وَطِئَ وَهُوَ يَخْشَى مُفَاجَأَةَ الْحَيْضِ هُوَ شَبِيهٌ بِمَسْأَلَةِ الصَّوْمِ وَإِلَّا فَلَا كَفَّارَةَ لِأَنَّهُ إنَّمَا تَعَلَّقَ بِهِ الْمَنْعُ بَعْدَ وُجُودِ الْحَيْضِ وَقَدْ تَرَكَ الْوَطْءَ حِينَئِذٍ وَكَذَلِكَ يَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ فِي الْوَطْءِ فِي لَيْلِ الصِّيَامِ إنَّهُ إنْ ظَنَّ بَقَاءَ اللَّيْلِ وَأَنَّهُ فِي مُهْلَةٍ مِنْهُ لَمْ يُفْطِرْ وَإِنْ خَشِيَ مُفَاجَأَةَ الْفَجْرِ أَفْطَرَ لِأَنَّهُ أَقْدَمَ عَلَى مَكْرُوهٍ أَوْ مُحَرَّمٍ ابْتِدَاءً
النَّوْعُ الثَّالِثُ أَنْ يَعْلَمَ قَبْلَ الشُّرُوعِ فِي فِعْلٍ أَنَّهُ إذَا شَرَعَ فِيهِ تَرَتَّبَ عَلَيْهِ تَحْرِيمُهُ وَهُوَ مُتَلَبِّسٌ بِهِ
، فَهَلْ يُبَاحُ لَهُ الْإِقْدَامُ عَلَى ذَلِكَ الْفِعْلِ لِأَنَّ التَّحْرِيمَ لَمْ يَثْبُتْ حِينَئِذٍ أَمْ لَا يُبَاحُ لِأَنَّهُ يَعْلَمُ أَنَّ إتْمَامَهُ يَقَعُ حَرَامًا فِيهِ لِأَصْحَابِنَا قَوْلَانِ، وَمِثَالُ ذَلِكَ: أَنْ يَقُولَ لِزَوْجَتِهِ إنْ وَطِئْتُك فَأَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا أَوْ فَأَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي وَمِثْلُ أَنْ يَعْلَمَ أَنَّهُ مَتَى أَوْلَجَ فِي هَذَا الْوَقْتِ طَلَعَ عَلَيْهِ الْفَجْرُ وَهُوَ مُولِجٌ فَحَكَى الْأَصْحَابُ فِي مَسْأَلَةِ الطَّلَاقِ وَالظِّهَارِ رِوَايَتَيْنِ بَنَوْهُمَا عَلَى أَنَّ النَّزْعَ هَلْ هُوَ جِمَاعٌ أَوْ لَيْسَ بِجِمَاعٍ وَرَجَّحَ صَاحِبُ الْمُغْنِي التَّحْرِيمَ فِي مَسْأَلَةِ الطَّلَاقِ وَالظِّهَارِ عَلَى كِلَا الْقَوْلَيْنِ لِأَنَّهُ اسْتِمْتَاعٌ بِأَجْنَبِيَّةٍ وَهُوَ حَرَامٌ وَلَوْ كَانَ لَمَسَ بَدَنَهَا لِشَهْوَةٍ فَلَمْسُ الْفَرْجِ بِالْفَرْجِ أَوْلَى بِخِلَافِ الصَّائِمِ فَإِنَّهُ لَا يُفْطِرُ بِالْوَطْءِ وَيُمْكِنُ مَنْعُ كَوْنِ النَّوْعِ وَطْئًا. قَالَ: فَإِنْ قِيلَ هَذَا إنَّمَا يَحْصُلُ ضَرُورَةً تَرَكَ الْوَطْءَ الْحَرَامَ قُلْنَا فَإِذَا لَمْ يَكُنْ الْوَطْءُ إلَّا بِفِعْلٍ مُحَرَّمٍ ضَرُورَةً وَهُوَ تَرْكُ الْحَرَامِ كَمَا لَوْ اخْتَلَطَ لَحْمُ الْخِنْزِيرِ بِلَحْمٍ مُبَاحٍ لَا يُمْكِنُهُ أَكْلُهُ إلَّا بِأَكْلِ لَحْمِ الْخِنْزِيرِ أَوْ اشْتَبَهَتْ مَيْتَةٌ بِمُذَكَّاةٍ فَإِنَّ الْجَمِيعَ مُحَرَّمٌ انْتَهَى. وَلَيْسَ هَذَا مُطَابِقًا لِمَسْأَلَتِنَا فَإِنَّ ابْتِدَاءَ الْوَطْءِ هُنَا مُنْفَرِدٌ عَنْ الْحَرَامِ مُتَمَيِّزٌ عَنْهُ لَمْ يَشْتَبِهْ بِحَرَامٍ أَوْ لَمْ يَخْتَلِطْ بِهِ، فَإِذَا انْضَمَّ إلَى ذَلِكَ أَنَّ النَّزْعَ تَرْكٌ لِلْحَرَامِ لَمْ يَبْقَ هَهُنَا حَرَامٌ، وَأَيْضًا فَإِنَّ النَّزْعَ هَهُنَا مُقَارِنٌ الْبَيْنُونَةَ فَيُمْكِنُ النِّزَاعُ فِي تَحْرِيمِهِ كَمَا وَقَعَ النِّزَاعُ فِي تَرَتُّبِ أَحْكَامِ الزَّوْجِيَّةِ مَعَهُ وَأَمَّا الْإِيلَاجُ فَمُقَارِنٌ لِشَرْطِ الْبَيْنُونَةِ فَإِنْ قِيلَ إنَّ الْمُقَارِنَ لِلشَّرْطِ كَالْمُقَارِنِ لِلْمَشْرُوطِ عَلَى مَا سَبَقَ تَقْرِيرُهُ فِي الْقَاعِدَةِ الَّتِي قَبْلَهَا تَوَجَّهَ تَحْرِيمُهُ أَيْضًا وَإِلَّا فَلَا. وَأَيْضًا فَمَنْ يَقُولُ النَّزْعُ جُزْءٌ مِنْ الْجِمَاعِ وَإِنَّ الْجِمَاعَ عِبَارَةٌ عَنْ الْإِيلَاجِ وَالنَّزْعِ يَلْتَزِمُ أَنَّ الطَّلَاقَ وَالظِّهَارَ إنَّمَا يَقَعَانِ بَعْدَ النَّزْعِ لَا قَبْلَهُ فَلَا يَحْصُلُ فِي أَجْنَبِيَّةٍ وَلَا مُظَاهَرٍ مِنْهَا وَلَا يُقَالُ يَلْزَمُ عَلَى هَذَا أَنْ لَا يُفْطِرَ الصَّائِمُ بِالْإِيلَاجِ قَبْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ إذَا نَزَعَ بَعْدَهُ لِأَنَّ مُفْطِرَاتِ
الصَّائِمِ لَمْ تَنْحَصِرْ فِي الْجِمَاعِ وَحْدَهُ بَلْ تَحْصُلُ بِأُمُورٍ مُتَعَدِّدَةٍ فَيَجُوزُ أَنْ يَحْصُلَ بِأَحَدِ جُزْأَيْ الْجِمَاعِ كَمَا يَحْصُلُ بِالْإِنْزَالِ بِالْمُبَاشَرَةِ وَنَحْوِهِ بِخِلَافِ الْأَحْكَامِ الْمُتَرَتِّبَةِ عَلَى مُسَمَّى الْوَطْءِ فَإِنَّهَا لَا تَثْبُتُ إلَّا بَعْدَ تَمَامِ مُسَمَّى الْوَطْءِ.
النَّوْعُ الرَّابِعُ: أَنْ يَتَعَمَّدَ الشُّرُوعَ فِي فِعْلٍ مُحَرَّمٍ عَالِمًا بِتَحْرِيمِهِ ثُمَّ يُرِيدُ تَرْكَهُ وَالْخُرُوجَ مِنْهُ وَهُوَ مُتَلَبِّسٌ بِهِ فَيَشْرَعُ فِي التَّخَلُّصِ مِنْهُ بِمُبَاشَرَةٍ أَيْضًا
، كَمَنْ تَوَسَّطَ دَارًا مَغْصُوبَةً ثُمَّ تَابَ وَنَدِمَ وَأَخَذَ فِي الْخُرُوجِ مِنْهَا، أَوْ طَيَّبَ الْمُحْرِمُ بَدَنَهُ عَامِدًا ثُمَّ تَابَ، وَشَرَعَ فِي غَسْلِهِ بِيَدِهِ قَصْدًا لِإِزَالَتِهِ، أَوْ غَصَبَ عَيْنًا ثُمَّ نَدِمَ وَشَرَعَ فِي حَمْلِهَا عَلَى رَأْسِهِ إلَى صَاحِبِهَا، وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ.
وَالْكَلَامُ هَهُنَا مَقَامَيْنِ أَحَدُهُمَا: هَلْ تَصِحُّ التَّوْبَةُ فِي هَذَا الْحَالِ وَيَزُولُ الْإِثْمُ بِمُجَرَّدِهَا، أَوْ لَا يَزُولُ حَتَّى يَنْفَصِلَ عَنْ مُلَابَسَةِ الْفِعْلِ بِالْكُلِّيَّةِ، وَفِيهِ لِأَصْحَابِنَا وَجْهَانِ:
أَحَدُهُمَا: وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ عَقِيلٍ أَنَّ تَوْبَتَهُ صَحِيحَةٌ وَيَزُولُ عَنْهُ الْإِثْمُ بِمُجَرَّدِهَا وَيَكُونُ تَخَلُّصُهُ مِنْ الْفِعْلِ طَاعَةً وَإِنْ كَانَ مُلَابِسًا لَهُ لِأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِهِ فَلَا يَكُونُ مَعْصِيَةً، وَلَا يُقَالُ مِنْ شَرْطِ التَّوْبَةِ الْإِقْلَاعُ وَلَمْ يُوجَدْ لِأَنَّ هَذَا هُوَ الْإِقْلَاعُ بِعَيْنِهِ وَأَيْضًا فَالْإِقْلَاعُ إنَّمَا يُشْتَرَطُ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ دُونَ الْعَجْزِ، كَمَا لَوْ تَابَ الْغَاصِبُ وَهُوَ مَحْبُوسٌ فِي الدَّارِ الْمَغْصُوبَةِ أَوْ تَوَسَّطَ جَمْعًا مِنْ الْجَرْحَى الصَّحِيحُ ثُمَّ تَابَ وَقَدْ عَلِمَ أَنَّهُ إنْ أَقَامَ قَتَلَ مَنْ هُوَ عَلَيْهِ وَإِنْ انْتَقَلَ قَتَلَ غَيْرَهُ لَكِنَّ هَذَا مِنْ مَحَلِّ النِّزَاعِ أَيْضًا.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: وَهُوَ قَوْلُ أَبِي الْخَطَّابِ أَنَّ حَرَكَاتِ الْغَاصِبِ وَنَحْوِهِ فِي جُرُوحِهِ لَيْسَتْ طَاعَةً وَلَا مَأْمُورًا بِهَا بَلْ هِيَ مَعْصِيَةٌ وَلَكِنَّهُ يَفْعَلُهَا لِدَفْعِ أَكْبَرِ الْمَعْصِيَتَيْنِ بِأَقَلِّهِمَا وَأَبُو الْخَطَّابِ وَإِنْ قَالَ لَيْسَتْ طَاعَةً هُوَ يَقُولُ لَا إثْمَ فِيهَا بَلْ يَقُولُ بِوُجُوبِهَا وَهُوَ مَعْنَى الطَّاعَةِ وَخَرَّجَ بَعْضُ الْأَصْحَابِ الْخِلَافَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ عَلَى جَوَازِ الْخِلَافِ فِي الْإِقْدَامِ عَلَى الْوَطْءِ فِي مَسَائِلِ النَّوْعِ الثَّالِثِ فَإِنْ قِيلَ بِجَوَازِهِ لَزِمَ أَنْ يَكُونَ التَّرْكُ امْتِثَالًا مِنْ كُلِّ وَجْهٍ فَلَا يَكُونُ مَعْصِيَةً وَإِنْ قِيلَ بِتَحْرِيمِهِ لَزِمَ تَحْرِيمُ التَّرْكِ هَهُنَا وَقَدْ يُفَرَّقُ بِالتَّحْرِيمِ ثُمَّ طَارَ وَهُنَا مُسْتَصْحَبٌ مِنْ الِابْتِدَاءِ فَلَا يَلْزَمُ مِنْ الْجَوَازِ ثُمَّ الْجَوَازُ هُنَا، وَيَلْزَمُ مِنْ التَّحْرِيمِ هُنَاكَ التَّحْرِيمُ هَهُنَا بِطَرِيقِ الْأَوْلَى.
وَالْمَقَامُ الثَّانِي فِي الْأَحْكَامِ الْمُتَرَتِّبَةِ عَلَى هَذَا الْأَصْلِ وَهِيَ كَثِيرَةٌ فَمِنْهَا غَسْلُ الطِّيبِ بِيَدِهِ لِلْمُحْرِمِ يَجُوزُ لِأَنَّ تَرْكَ الطِّيبِ لَا فِعْلَ لَهُ ذَكَرَهُ الْأَصْحَابُ وَاسْتَدَلُّوا بِحَدِيثِ الَّذِي أَحْرَمَ وَهُوَ مُتَضَمِّخٌ بِطِيبٍ فَأَمَرَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَنْ يَغْسِلَهُ عَنْهُ، وَلَكِنَّ هَذَا كَانَ جَاهِلًا بِالْحُكْمِ فَهُوَ كَمَنْ تَطَيَّبَ بَعْدَ إحْرَامِهِ نَاسِيًا فَإِنَّهُ يَغْسِلُهُ بِغَيْرِ خِلَافٍ وَخَصَّ كَثِيرٌ مِنْ الْأَصْحَابِ كَالْقَاضِي وَغَيْرِهِ الْحُكْمَ بِالنَّاسِي وَهُوَ مُشْعِرٌ بِأَنَّ الْعَامِدَ بِخِلَافِهِ وَهُوَ مُتَخَرَّجٌ عَلَى الْخِلَافِ السَّابِقِ فِي كَوْنِهِ مَعْصِيَةً، وَالصَّحِيحُ التَّعْمِيمُ لِأَنَّ مُبَاشَرَةَ الْفِعْلِ إنَّمَا جَازَتْ ضَرُورَةً لِلْخُرُوجِ مِنْهُ وَالْمُحْرِمُ لَا ضَرُورَةَ لَهُ بِالْغَسْلِ بِيَدِهِ، فَلَمَّا أَذِنَ الشَّارِعُ فِيهِ دَلَّ عَلَى أَنَّ مُبَاشَرَةَ