الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَمِنْهَا تَصَرُّفُ الزَّوْجَةِ فِي نِصْفِ الصَّدَاقِ إذَا طَلَّقَ الزَّوْجُ قَبْلَ الدُّخُولِ وَقُلْنَا لَمْ يَمْلِكْهُ [مَهْرًا] فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ صَرَّحَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ، فَأَمَّا تَصَرُّفُ أَحَدِ الْمُتَبَايِعَيْنِ فِيمَا بِيَدِهِ مِنْ الْعِوَضِ إذَا اسْتَحَقَّ الْآخَرُ رَدَّ مَا بِيَدِهِ بِعَيْبٍ أَوْ خَلْفٍ فِي صِفَةٍ فَيَجُوزُ، ذَكَرَهُ الْقَاضِي فِي خِلَافِهِ لِأَنَّ تَصَرُّفَهُ لَا يَمْنَعُ حَقَّ الْآخَرِ مِنْ رَدِّ مَا بِيَدِهِ فَإِذَا رَدَّهُ اسْتَحَقَّ الرُّجُوعَ بِالْعِوَضِ الَّذِي بَدَّلَهُ إنْ كَانَ بَاقِيًا وَإِلَّا رَجَعَ بِبَدَلِهِ وَقِيَاسُ هَذَا أَنَّ لِلْبَائِعِ التَّصَرُّفَ فِي الثَّمَنِ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ، وَظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ فِي رِوَايَةِ الْأَثْرَمِ أَنَّ لِلْبَائِعِ التَّصَرُّفَ فِي الثَّمَنِ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ إلَّا أَنْ يَتَّخِذَ حِيلَةً عَلَى أَنْ يُقْرِضَ غَيْرَهُ مَالًا وَيَأْخُذَ مِنْهُ مَا يَنْتَفِعُ بِهِ صُورَةَ الْبَيْعِ وَيَشْتَرِطُ الْخِيَارَ لِيَرْجِعَ فِيهِ، وَإِنْ كَانَ عَلَى غَيْرِ وَجْهِ الْحِيلَةِ فَيَجُوزُ وَلَمْ يَمْنَعْهُ مِنْ التَّصَرُّفِ فِي الثَّمَنِ.
[الْقَاعِدَةُ الْخَامِسَة وَالْخَمْسُونَ مِنْ ثَبَتَ لَهُ حَقُّ التَّمَلُّكِ بِفَسْخٍ أَوْ عَقْدٍ]
(الْقَاعِدَةُ الْخَامِسَة وَالْخَمْسُونَ) : مَنْ ثَبَتَ لَهُ حَقُّ التَّمَلُّكِ بِفَسْخٍ أَوْ عَقْدٍ هَلْ يَكُونُ تَصَرُّفُهُ فَسْخًا أَمْ لَا وَهَلْ يَنْفُذُ تَصَرُّفُهُ أَمْ لَا؟ الْمَذْهَبُ الْمَشْهُورُ أَنَّهُ لَا يَكُونُ تَمَلُّكًا، وَلَا يَنْفُذُ وَفِي بَعْضِ صُوَرِهَا خِلَافٌ، وَمِنْ صُوَرِ الْمَسْأَلَةِ الْبَائِعُ بِشَرْطِ الْخِيَارِ إذَا تَصَرَّفَ فِي الْمَبِيعِ لَمْ يَكُنْ تَصَرُّفُهُ فَسْخًا وَلَمْ يَنْفُذْ نَصَّ عَلَيْهِ وَقَالَ فِي رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ لَا يَجُوزُ عِتْقُ الْبَائِعِ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَالِكٍ لَهُ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ إنَّمَا لَهُ فِيهِ خِيَارٌ فَإِذَا اخْتَارَهُ ثُمَّ أَعْتَقَهُ جَازَ فَأَمَّا دُونَ أَنْ يَرُدَّ الْبَيْعَ فَلَا.
وَاخْتَلَفَ الْأَصْحَابُ فِي الْمَسْأَلَةِ عَلَى طُرُقٍ: أَحَدُهَا: لَا يَكُونُ فَسْخًا رِوَايَةً وَاحِدَةً وَإِنَّمَا يَنْفَسِخُ بِالْقَوْلِ وَهِيَ طَرِيقَةُ أَبِي بَكْرٍ وَالْقَاضِي فِي خِلَافِهِ وَصَاحِبِ الْمُحَرَّرِ وَهِيَ أَصَحُّ وَقَدْ نَصَّ أَحْمَدُ عَلَى أَنَّ بَيْعَهُ لَيْسَ بِفَسْخٍ فِي رِوَايَةِ إسْمَاعِيلَ بْنِ سَعِيدٍ وَنَصَّ عَلَى أَنَّهُ إذَا وَطِئَ فَعَلَيْهِ الْحَدُّ فِي رِوَايَةِ مُهَنَّا.
وَالطَّرِيقَةُ الثَّانِيَة: أَنَّ الْمَسْأَلَةَ عَلَى رِوَايَتَيْنِ وَهِيَ طَرِيقَةُ الْقَاضِي فِي كِتَابِ الرِّوَايَتَيْنِ وَأَبِي الْخَطَّابِ وَابْنِ عَقِيلٍ وَصَاحِبِ الْمُغْنِي وَرَجَّحَ أَنَّهُ فَسْخٌ لِأَنَّ مِلْكَ الْمُشْتَرِي فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ غَيْرُ مُسْتَقِرٍّ فَيَنْفَسِخُ بِمُجَرَّدِ تَصَرُّفِ الْبَائِعِ بِخِلَافِ بَائِعِ الْمُفْلِسِ فَإِنَّ مِلْكَ الْمُفْلِسِ تَامٌّ.
وَالطَّرِيقَةُ الثَّالِثَةُ أَنَّ تَصَرُّفَهُ فَسْخٌ بِغَيْرِ خِلَافٍ كَمَا أَنَّ تَصَرُّفَ الْمُشْتَرِي إمْضَاءٌ وَإِبْطَالٌ لِلْخِيَارِ فِي الْمَنْصُوصِ، وَهِيَ طَرِيقَةُ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ وَالْحَلْوَانِيِّ فِي الْكِفَايَةِ وَهِيَ مُخَالِفَةٌ لِلْمَنْصُوصِ وَلَا يَصِحُّ اعْتِبَارُ فَسْخِ الْبَائِعِ بِإِمْضَاءِ الْمُشْتَرِي لِأَنَّ مِلْكَ الْمُشْتَرِي قَائِمٌ وَمِلْكَ الْبَائِعِ مَفْقُودٌ.
وَالطَّرِيقَةُ الرَّابِعَةُ: أَنَّ تَصَرُّفَهُ بِالْوَطْءِ فَسْخٌ بِلَا خِلَافٍ لِأَنَّهُ اخْتِيَارٌ بِدَلِيلِ وَطْءِ مَنْ أَسْلَمَ عَلَى
أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعِ نِسْوَةٍ وَبِغَيْرِهِ وَفِيهِ الْخِلَافُ وَهِيَ طَرِيقَةُ صَاحِبِ الْكَافِي وَمِمَّنْ صَرَّحَ بِأَنَّ الْوَطْءَ اخْتِيَارٌ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ وَحَكَاهُ فِي الْخِلَافِ عَنْ أَبِي بَكْرٍ فِي التَّنْبِيهِ وَلَمْ أَجِدْهُ فِيهِ وَلَا يَصِحُّ إلْحَاقُ وَطْءِ الْبَائِعِ بِوَطْءِ مَنْ أَسْلَمَ عَلَى أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعِ نِسْوَةٍ لِأَنَّ مِلْكَهُ قَائِمٌ فَلِذَلِكَ كَانَ الْوَطْءُ اخْتِيَارًا فِي حَقِّهِ فَهُوَ كَوَطْءِ الْمُشْتَرِي هَهُنَا وَالْبَائِعُ بِخِلَافِهِ وَقَدْ نَصَّ أَحْمَدُ عَلَى أَنَّ عَلَيْهِ الْحَدَّ فِي رِوَايَةِ مُهَنَّا وَأَمَّا نُفُوذُ التَّصَرُّفِ فَهُوَ مَمْنُوعٌ عَلَى الْأَقْوَالِ كُلِّهَا، صَرَّحَ بِهِ الْأَكْثَرُونَ مِنْ الْأَصْحَابِ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَقَدَّمْهُ مِلْكٌ اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يَتَقَدَّمَهُ سَبَبٌ يُوجِبُ الِانْفِسَاخَ كَالسَّوْمِ وَنَحْوِهِ، وَذَكَرَ الْحَلْوَانِيُّ فِي التَّبْصِرَةِ أَنَّهُ لَا يَنْفُذُ وَيَتَخَرَّجُ مِنْ قَاعِدَةٍ لَنَا سَنَذْكُرُهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَهِيَ أَنَّهُ هَلْ تَكْفِي مُقَارَنَةُ شَرْطِ الْعَقْدِ فِي صِحَّتِهِ؟
وَمِنْهَا إذَا بَاعَ أَمَةً بِعَبْدٍ ثُمَّ وَجَدَ بِالْعَبْدِ عَيْبًا فَلَهُ الْفَسْخُ وَاسْتِرْجَاعُ الْأَمَةِ، وَكَذَلِكَ سَائِرُ السِّلَعِ الْمَعِيبَةِ إذَا عَلِمَ بِهَا بَعْدَ الْعَقْدِ وَلَيْسَ لَهُ التَّصَرُّفُ فِي عِوَضِهِ الَّذِي أَدَّاهُ لِأَنَّ مِلْكَ الْآخَرِ عَلَيْهِ تَامٌّ مُسْتَقِرٌّ فَلَوْ أَقْدَمَ وَأَعْتَقَ الْأَمَةَ أَوْ وَطِئَهَا لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ فَسْخًا وَلَمْ يَنْفُذْ عِتْقُهُ. ذَكَرَهُ الْقَاضِي فِي خِلَافِهِ وَذَكَرَ فِي الْمُجَرَّدِ وَابْنُ عَقِيلٍ فِي الْفُصُولِ احْتِمَالًا آخَرَ أَنَّ وَطْأَهُ يَكُونُ اسْتِرْجَاعًا كَمَا فِي وَطْءِ الْمُطَلَّقَةِ الرَّجْعِيَّةِ.
وَمَنْ أَسْلَمَ عَلَى أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعِ نِسْوَةٍ وَهَذَا وَاهٍ جِدًّا فَإِنَّ الْمِلْكَ عَنْ الرَّجْعِيَّةِ وَمَنْ أَسْلَمَ عَلَيْهِنَّ لَمْ يَزُلْ وَهَذَا قَدْ زَالَ.
وَمِنْهَا لَوْ بَاعَ أَمَةً ثُمَّ أَفْلَسَ الْمُشْتَرِي قَبْلَ نَقْدِ الثَّمَنِ وَالْأَمَةُ مَوْجُودَةٌ بِعَيْنِهَا فَلَهُ اسْتِرْجَاعُهَا بِالْقَوْلِ بِدُونِ إذْنِ الْحَاكِمِ عَلَى أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ حَكَاهُمَا الْقَاضِي بِنَاءً عَلَى نَقْضِ حُكْمِ الْحَاكِمِ بِخِلَافِهِ فَيَكُونُ كَالْفَسْخِ الْمُجْمَعِ عَلَيْهِ فَلَا يَحْتَاجُ إلَى حَاكِمٍ، وَلَوْ أَقْدَمَ عَلَى التَّصَرُّفِ فِيهَا ابْتِدَاءً لَمْ يَنْفُذْ وَلَمْ يَكُنْ اسْتِرْجَاعًا، وَكَذَلِكَ الْوَطْءُ ذَكَرَهُ الْقَاضِي فِي الْخِلَافِ لِتَمَامِ مِلْكِ الْمُفْلِسِ. وَفِي الْمُجَرَّدِ وَالْفُصُولِ أَنَّ الْوَطْءَ اسْتِرْجَاعٌ وَأَنَّ فِيهِ احْتِمَالًا آخَرَ بِعَدَمِهِ، وَيُمْكِنُ تَخْرِيجُ هَذَا الْخِلَافِ فِي سَائِرِ التَّصَرُّفَاتِ عَلَى طَرِيقَةِ مَنْ أَثْبَتَ الْخِلَافَ فِي تَصَرُّفِ الْبَائِعِ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ لِأَنَّ مِلْكَ الْمُفْلِسِ غَيْرُ تَامٍّ بِدَلِيلِ مَنْعِهِ مِنْ التَّصَرُّفِ فِي مَالِهِ لِحَقِّ الْبَائِعِ فَهُوَ كَالْمُشْتَرِي فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ غَيْرَ أَنَّ ضَعْفَ الْمِلْكِ هَهُنَا طَارِئٌ وَفِي الذَّكَرِ الْخِيَارِ مُبْتَدِئٌ وَلَا أَثَرَ لِذَلِكَ.
وَمِنْهَا تَصَرُّفُ الشَّفِيعِ فِي الشِّقْصِ الْمَشْفُوعِ قَبْلَ التَّمَلُّكِ هَلْ يَكُونُ تَمَلُّكًا وَيَقُومُ ذَلِكَ مَقَامَ قَوْلِهِ أَوْ تَمَلُّكِهِ أَوْ مَقَامَ الْمُطَالَبَةِ عِنْدَ مَنْ أَثْبَتَ بِهَا الْمِلْكَ أَوْ مَقَامَ الْأَخْذِ بِالْيَدِ عِنْدَ مَنْ أَثْبَتَ الْمِلْكَ
بِهِ يُمْكِنُ] عَلَى تَخْرِيجِهِ عَلَى الْخِلَافِ فِي الْمَسْأَلَةِ قَبْلَهَا، وَلَا سِيَّمَا بَعْدَ الْمُطَالَبَةِ لِأَنَّ حَقَّهُ اسْتَقَرَّ وَثَبَتَ وَانْقَطَعَ تَصَرُّفُ الْمُشْتَرِي.
وَمِنْهَا لَوْ وَهَبَ الْأَبُ لِوَلَدِهِ شَيْئًا وَقَبَضَهُ الْوَلَدُ ثُمَّ تَصَرَّفَ الْأَبُ فِيهِ بَعْدَ الْقَبْضِ هَلْ يَكُونُ تَصَرُّفُهُ رُجُوعًا؟ الْمَنْصُوصُ أَنْ لَا. قَالَ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ أَبِي طَالِبٍ إذَا وَهَبَ لِابْنِهِ جَارِيَةً وَقَبَضَهَا الِابْنُ لَمْ يَجُزْ لِلْأَبِ عِتْقُهَا حَتَّى يَرْجِعَ فِيهَا.
وَقَالَ فِي رِوَايَةِ ابْنِ هَانِئٍ هَذِهِ الْجَارِيَةُ لِلِابْنِ وَأَعْتَقَ الْأَبُ مَا لَيْسَ لَهُ، وَخَرَّجَ أَبُو حَفْصٍ الْبَرْمَكِيُّ فِي كِتَاب حُكْمِ الْوَالِدَيْنِ فِي مَالِ وَلَدِهِمَا رِوَايَةً أُخْرَى أَنَّ الْعِتْقَ صَحِيحٌ وَيَكُونُ رُجُوعًا وَسَيَأْتِي تَخْرِيجُ هَذَا الْأَصْلِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، وَفِي التَّلْخِيصِ لَا يَكُونُ وَطْؤُهُ رُجُوعًا وَهَلْ يَكُونُ بَيْعُهُ وَعِتْقُهُ وَنَحْوُهُمَا رُجُوعًا؟ عَلَى وَجْهَيْنِ وَلَا يَنْفُذُ عَلَيْهِمَا لِأَنَّهُ لَمْ يُلَاقِ الْمِلْكَ مَثَانِينَ وَجْهٌ بِنُفُوذِهِ لِاقْتِرَانِ الْمِلْكِ بِهِ كَمَا سَبَقَ
وَمِنْهَا لَوْ تَصَرَّفَ الْوَالِدُ فِي مَالِ وَلَدِهِ الَّذِي يُبَاحُ لَهُ تَمَلُّكُهُ قَبْلَ التَّمَلُّكِ لَمْ يَنْفُذْ [انْتَهَى] . وَلَمْ يَكُنْ تَمَلُّكًا عَلَى الْمَعْرُوفِ مِنْ الْمَذْهَبِ وَأَنَّ تَمَلُّكَهُ لَا يَحْصُلُ بِدُونِ الْقَبْضِ الَّذِي يُرَادُ التَّمَلُّكُ بِهِ وَقَدْ نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ فِي مَوَاضِعَ لِأَنَّهُ مُبَاحٌ فَلَمْ يَتَمَلَّكْ بِدُونِ قَبْضِهِ كَالِاصْطِيَادِ وَالِاحْتِشَاشِ وَلَمْ يُخَرِّجُوا فِي تَمَلُّكِهِ بِالْقَبُولِ خِلَافًا مِنْ الْهِبَةِ وَنَحْوِهَا لِأَنَّ الْهِبَةَ عَقْدٌ بَيْنَ اثْنَيْنِ فَيُكْتَفَى فِيهِ بِالْقَبُولِ كَعُقُودِ الْمُعَاوَضَةِ وَهَهُنَا اكْتِسَابُهُ مَالٌ مُبَاحٌ مِنْ غَيْرِ عَقْدٍ فَلَا يُكْتَفَى فِيهِ بِدُونِ الْقَبْضِ وَالْحِيَازَةِ وَمَا لَمْ يَجُزْ فَهُوَ بَاقٍ عَلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ وَخَرَّجَ أَبُو حَفْصٍ الْبَرْمَكِيُّ رِوَايَةً أُخْرَى بِصِحَّةِ تَصَرُّفِهِ بِالْعِتْقِ قَبْلَ الْقَبْضِ وَأُخِذَ ذَلِكَ مِمَّا رَوَاهُ الْمَرُّوذِيّ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ لَوْ أَنَّ لِابْنِهِ جَارِيَةً فَعَتَقَهَا كَانَ جَائِزًا وَفِي رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَكَمِ يُعْتِقُ الْأَبُ مِنْ مَالِ الِابْنِ وَهُوَ مِلْكُ الِابْنِ حَتَّى يَعْتِقَ الْأَبُ أَوْ يُؤْخَذَ وَفِي رِوَايَةِ الْمَيْمُونِيِّ أَرَى أَنَّ مَالَهُ يُؤْخَذُ مِنْهُ وَيُعْتَقُ مِنْهُ إلَّا أُمَّ وَلَدِ ابْنِهِ وَفِي تَوْجِيه هَذِهِ الرِّوَايَةِ طَرِيقَانِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّ رَقِيقَ الِابْنِ لَهُ فِيهِ شِبْهُ مِلْكٍ وَلِذَلِكَ نَفَذَ اسْتِيلَاؤُهُ فَيَنْفُذُ عِتْقُهُ كَعِتْقِ أُمِّهِ مِنْ الْمَغْنَمِ لَكِنْ لَا يَضْمَنُ لِأَنَّ الْأَبَ لَا يُطَالَبُ بِمَا أَتْلَفَهُ مِنْ مَالِ وَلَدِهِ.
وَالثَّانِي: أَنْ يُقَالَ وَقَعَ الْمِلْكُ مُقَارِنًا لِلْعِتْقِ فَنَفَذَ وَهَذَا الْقَدْرُ مِنْ الْمِلْكِ يُكْتَفَى بِهِ فِي الْعِتْقِ كَمَا لَوْ قَالَ لِغَيْرِهِ اعْتِقْ عَبْدَك عَنِّي وَعَلَيَّ ثَمَنُهُ فَفَعَلَ صَحَّ وَوَقَعَ الْعِتْقُ وَالْمِلْكُ مَعًا، وَنَقَلَ أَبُو طَالِبٍ عَنْ أَحْمَدَ أَنَّهُ قَالَ بَيْعُ الْأَبِ وَشِرَاؤُهُ عَلَى ابْنِهِ جَائِزٌ لِقَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم «أَنْتَ وَمَالُكَ لِأَبِيكَ» وَظَاهِرُ هَذِهِ الرِّوَايَةِ جَوَازُ الْإِقْدَامِ عَلَى التَّصَرُّفِ فِي مَالِهِ وَنُفُوذِهِ وَحُصُولُ التَّصَرُّفِ بِهِ وَفِي التَّنْبِيهِ لِأَبِي بَكْرٍ بَيْعُ الْأَبِ عَلَى ابْنِهِ وَعِتْقُهُ وَصَدَقَتُهُ وَوَطْءُ إمَائِهِ مَا لَمْ يَكُنْ الِابْنُ قَدْ وَطِئَ جَائِزٌ وَيَجُوزُ لَهُ بَيْعُ عَبِيدِهِ وَإِمَائِهِ وَعِتْقُهُمْ، وَلِهَذَا الْقَوْلِ مَأْخَذَانِ أَيْضًا:
أَحَدُهُمَا: أَنَّ الْمِلْكَ يَقْتَرِنُ بِالتَّصَرُّفِ فَيَنْفُذُ كَمَا فِي نَظِيرِهِ.
وَالثَّانِي: أَنَّ هَذَا تَمَلُّكٌ قَهْرِيٌّ فِي مَالٍ مُعَيَّنٍ فَيُكْتَفَى فِيهِ بِالْقَوْلِ الدَّالِّ عَلَى التَّمَلُّكِ كَمَا مَلَكَ الْهِبَةَ الْمُعَيَّنَةَ بِمُجَرَّدِ الْقَبُولِ عَلَى رِوَايَةٍ، وَلِهَذَا حَكَى طَائِفَةٌ مِنْ الْأَصْحَابِ فِي بَيْعِ الْمُبَاحَاتِ النَّابِتَةِ وَالْجَارِيَةِ فِي الْأَرْضِ الْمَمْلُوكَةِ [قَبْلَ حِيَازَتِهَا] رِوَايَتَيْنِ وَلَمْ يَذْكُرُوا خِلَافًا فِي أَنَّهَا عَيْنٌ مَمْلُوكَةٌ وَمِمَّنْ سَلَكَ هَذَا الْمَسْلَكَ صَاحِبُ الْمُقْنِعِ فِي كِتَابِ الْبَيْعِ وَصَاحِبُ الْمُحَرَّرِ وَوَجْهُ صِحَّةِ الْبَيْعِ عَلَى هَذَا أَنَّهُ مَقْدُورٌ عَلَى تَسْلِيمِهِ وَلَيْسَ مَمْلُوكًا لِغَيْرِهِ فَهُوَ كَالْمَمْلُوكِ، وَهُوَ قَرِيبٌ مِنْ بَيْعِ الصِّكَاكِ قَبْلَ اسْتِحْقَاقِهَا، وَقَدْ تَقَدَّمَ الْخِلَافُ فِيهَا، وَأَمَّا تَصَرُّفُ الْأَبِ فِي أَمَةِ وَلَدِهِ بِالْوَطْءِ قَبْلَ الْقَبْضِ فَإِنْ أَحْبَلَهَا صَارَتْ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ، وَإِنْ لَمْ يُحْبِلْهَا، فَإِنْ قُلْنَا لَا يَمْلِكْ الْأَبُ مَالَ وَلَدِهِ إلَّا بِالْقَبْضِ لَمْ يَمْلِكْهَا حَتَّى يَقْبِضَهَا، وَإِنْ قُلْنَا يَمْلِكُ بِمُجَرَّدِ التَّصَرُّفِ صَارَتْ مِلْكًا لَهُ بِالْوَطْءِ بِمُجَرَّدِهِ، وَنَقَلْتُ مِنْ خَطِّ الْقَاضِي وَذَكَرَ أَنَّهُ نَقَلَهُ مِنْ خَطِّ ابْنِ شَاقِلَا قَالَ الشَّيْخُ يَعْنِي أَبَا بَكْرٍ عَبْدَ الْعَزِيزِ، رَوَى الْأَثْرَمُ أَنَّ الْمَرْأَةَ إذَا وَطِئَهَا زَوْجُهَا وَانْقَضَتْ الْعِدَّةُ ثُمَّ تَزَوَّجَتْ فَإِنْ أَتَتْ بِوَلَدٍ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ فَتَدَاعَيَاهُ جَمِيعًا أَرَى الْقَافَةَ.
وَقَالَ إذَا وَطِئَ الرَّجُلُ جَارِيَةَ ابْنِهِ وَإِنْ كَانَ الِابْنُ قَدْ وَطِئَ فَلَا حَدَّ عَلَى الْأَبِ لِأَنَّهَا بِنَفْسِ الْوَطْءِ مِلْكٌ لَهُ قَالَ الشَّيْخُ فِي نَفْسِي مِنْ مَسْأَلَةِ الْأَثْرَمِ شَيْءٌ انْتَهَى.
فَإِنْ كَانَ قَوْلُهُ إذَا وَطِئَ الرَّجُلُ جَارِيَةَ ابْنِهِ إلَى آخِرِهِ مِنْ تَمَامِ رِوَايَةِ الْأَثْرَمِ فَيَكُونُ ذَلِكَ مَنْصُوصًا عَنْ أَحْمَدَ وَإِلَّا فَهُوَ مِنْ كَلَامِ أَبِي بَكْرٍ، وَهُوَ مُوَافِقٌ لِمَا ذَكَرَهُ فِي التَّنْبِيهِ كَمَا حَكَيْنَاهُ عَنْهُ. وَقَوْلُهُ وَإِنْ كَانَ الِابْنُ قَدْ وَطِئَ يُرِيدُ أَنَّ تَمَلُّكَهَا يَثْبُتُ مَعَ وَطْءِ الِابْنِ فَأَمَّا ثُبُوتُ الِاسْتِيلَادِ فَفِيهِ خِلَافٌ فِي الْمَذْهَبِ وَنَقَلَ ابْنُ مَنْصُورٍ عَنْ أَحْمَدَ كَلَامًا يَدُلُّ بِمَفْهُومِهِ عَلَى أَنَّهَا لَا تَصِيرُ مُسْتَوْلَدَةً لَهُ وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ أَبِي مُوسَى وَالْمُرَجَّحُ عِنْدَ صَاحِبِ الْمُغْنِي أَنَّهَا تَصِيرُ مُسْتَوْلَدَةً لِأَنَّ التَّحْرِيمَ لَا يُنَافِي الِاسْتِيلَادَ وَكَالْأَمَةِ الْمُشْتَرَكَةِ وَلَكِنْ بَيْنَهُمَا فَرْقٌ وَهُوَ أَنَّ هَذِهِ مُحَرَّمَةٌ عَلَى التَّأْبِيدِ بِخِلَافِ الْمُشْتَرَكَةِ وَقَدْ نَصَّ أَحْمَدُ عَلَى أَنَّ النَّسَبَ لَا يَلْحَقُ بِوَطْءِ الْأَمَةِ الْمُزَوَّجَةِ وَإِنْ كَانَ زَوْجُهَا صَغِيرًا لَا يُولَدُ لِمِثْلِهِ فِي رِوَايَةِ حَرْبٍ وَابْنِ بُخْتَانَ وَذَكَرَهُ أَبُو بَكْرٍ وَابْنُ أَبِي مُوسَى فَلِمُؤَبَّدَةِ التَّحْرِيمِ أَوْلَى هَذَا كُلُّهُ مَا لَمْ يَكُنْ الِابْنُ قَدْ اسْتَوْلَدَهَا فَإِنْ كَانَ اسْتَوْلَدَهَا لَمْ يَنْتَقِلْ الْمِلْكُ فِيهَا بِاسْتِيلَادِ غَيْرِهِ كَمَا لَا يَنْتَقِلُ بِالْعُقُودِ، وَذَكَرَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي فُنُونِهِ أَنَّهَا تَصِيرُ مُسْتَوْلَدَةً لَهُمَا جَمِيعًا كَمَا لَوْ وَطِئَ الشَّرِيكَانِ أَمَتَهُمَا فِي طُهْرٍ وَاحِدٍ وَأَتَتْ بِوَلَدٍ أَلْحَقَتْهُ الْقَافَةُ بِهِمَا لَكِنْ فِي مَسْأَلَةِ الْقَافَةِ حُكِمَ بِاسْتِيلَادِهِمَا [لَهَا] دُفْعَةً وَاحِدَةً وَفِي مَسْأَلَتِنَا قَدْ ثَبَتَ اسْتِيلَادُ الِابْنِ أَوَّلًا لَهَا فَلَا يَنْتَقِلُ إلَى غَيْرِهِ إلَّا أَنْ يُقَالَ أُمُّ الْوَلَدِ تُمْلَكُ بِالْقَهْرِ عَلَى رِوَايَةٍ وَالِاسْتِيلَادُ سَبَبٌ قَهْرِيٌّ وَمِنْهَا تَصَرُّفُ السَّيِّدِ فِي مَالِ عَبْدِهِ الَّذِي مَلَّكَهُ إيَّاهُ وَقُلْنَا يَمْلِكُهُ، ظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ أَنَّهُ يَنْفُذُ وَيَكُونُ اسْتِرْجَاعًا لِتَضَمُّنِهِ إيَّاهُ وَذَكَرَ الْقَاضِي فِي الْجَامِعِ الْكَبِيرِ أَنَّهُ يَحْتَمِلُ حَمْلَهُ عَلَى أَنَّهُ سَبَقَ