الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
صَاحِبُ التَّرْغِيبِ: يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ لِتَرَدُّدِهِ بَيْنَ خِيَارِ الْبَيْعِ وَبَيْنَ خِيَارِ الْوَاهِبِ.
وَمِنْهَا تَصَرُّفُ مَنْ وَهَبَهُ الْمَرِيضُ مَالَهُ كُلَّهُ فِي مَرَضِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ فَيَجُوزُ وَيَنْفُذُ حَتَّى لَوْ كَانَ أَمَةً كَانَ لَهُ وَطْؤُهَا، ذَكَرَهُ الْقَاضِي وَحْدَهُ فِي خِلَافِهِ وَاسْتَبْعَدَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ لِأَنَّهُ يَتَوَقَّفُ عَلَى إجَازَةِ الْوَرَثَةِ فَكَيْفَ يَجُوزُ قَبْلَهَا، وَقَدْ يُقَالُ هُوَ فِي الظَّاهِرِ مَلَكَهُ بِالْقَبْضِ وَمَوْتِ الْوَاهِبِ، وَانْتِقَالُ الْحَقِّ إلَى الْوَرَثَةِ مَظْنُونٌ فَلَا يَمْنَعُ التَّصَرُّفَ، وَأَمَّا تَصَرُّفُ الْمُشْتَرِي فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ لَهُ وَلِلْبَائِعِ فَالْمَنْصُوصُ عَنْ أَحْمَدَ أَنَّهُ مَوْقُوفٌ عَلَى إمْضَاءِ الْبَيْعِ، وَكَذَلِكَ ذَكَرَهُ أَبُو بَكْرٍ فِي التَّنْبِيهِ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْقَاضِي فِي خِلَافِهِ لِأَنَّهُ تَصَرُّفٌ فِي خَالِصِ مِلْكِهِ، وَلَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ سِوَى حَقِّ الْبَائِعِ فِي الْفَسْخِ وَقَدْ زَالَ، فَأَشْبَهَ تَصَرُّفَ الِابْنِ فِيمَا وَهَبَهُ لَهُ الْأَبُ غَيْرَ أَنَّ تَصَرُّفَ الِابْنِ لَا يَقِفُ عَلَى إمْضَاءِ الْأَبِ ; لِأَنَّ حَقَّ الْأَبِ فِي الْفَسْخِ يَسْقُطُ بِانْتِقَالِ الْمِلْكِ، وَلِأَنَّ تَسَلُّطَ الْأَبِ عَلَى الرُّجُوعِ لَمْ يَكُنْ لِبَقَاءِ أَثَرِ مِلْكِهِ، بَلْ هُوَ حَقٌّ ثَابِتٌ بِالشَّرْعِ مَعَ ثُبُوتِ مِلْكِ الْوَلَدِ وَاسْتِقْرَارِهِ فَلَا يَمْنَعُ التَّصَرُّفَ، وَطُرِدَ هَذَا فِي كُلِّ مَنْ تَصَرَّفَ فِي مِلْكِهِ وَقَدْ تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّ غَيْرِهِ لَا يَبْطُلُ مِنْ أَصْلِهِ كَتَصَرُّفِ الْمَرِيضِ فِيمَا زَادَ عَلَى ثُلُثِ مَالِهِ فَإِنَّهُ يَقِفُ عَلَى إمْضَاءِ الْوَرَثَةِ، وَعِتْقُ الْمُكَاتِبِ لِرَقِيقِهِ يَقِفُ عَلَى تَمَامِ مِلْكِهِ، ذَكَرَهُ أَبُو بَكْرٍ فِي الْخِلَافِ، وَكَذَا ذَكَرَهُ أَبُو الْخَطَّابِ فِي الِانْتِصَارِ فِي مَسْأَلَةِ إجَازَةِ الْوَرَثَةِ أَنَّ تَصَرُّفَ الرَّاهِنِ يَصِحُّ وَيَقِفُ عَلَى إجَازَةِ الْمُرْتَهِنِ، وَذَكَرَ الشَّيْخُ مَجْدُ الدِّينِ أَنَّ هَذَا قَوْلُ مَنْ يَقُولُ بِوَقْفِ تَصَرُّفِ الْفُضُولِيِّ وَذَكَرَ أَبُو الْخَطَّابِ أَيْضًا أَنَّ تَصَرُّفَ الْمُشْتَرِي فِي الشِّقْصِ الْمَشْفُوعِ يَقِفُ عَلَى إجَازَةِ الشَّفِيعِ.
[الْقَاعِدَةُ الرَّابِعَة وَالْخَمْسُونَ مَنْ ثَبَتَ لَهُ حَقٌّ فِي عَيْنٍ وَسَقَطَ بِتَصَرُّفِ غَيْرِهِ فِيهَا]
(الْقَاعِدَةُ الرَّابِعَة وَالْخَمْسُونَ) : مَنْ ثَبَتَ لَهُ حَقٌّ فِي عَيْنٍ وَسَقَطَ بِتَصَرُّفِ غَيْرِهِ فِيهَا، فَهَلْ يَجُوزُ لِلْمُتَصَرِّفِ فِيهَا الْإِقْدَامُ عَلَى التَّصَرُّفِ الْمُسْقِطِ لِحَقِّ غَيْرِهِ قَبْلَ اسْتِئْذَانِهِ أَمْ لَا؟ هَذَا عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ: أَحَدُهَا أَنْ يَكُونَ الْحَقُّ الَّذِي يَسْقُطُ بِالتَّصَرُّفِ قَدْ أَخَذَ بِهِ صَاحِبُهُ وَتَمَلَّكَهُ، وَالثَّانِي أَنْ يَكُونَ قَدْ طَالَبَ بِهِ صَرِيحًا أَوْ إيمَاءً، الَّذِينَ أَنْ يَثْبُتَ لَهُ الْحَقُّ شَرْعًا وَلَمْ يَأْخُذْ بِهِ وَلَمْ يُطَالِبْ بِهِ.
فَأَمَّا الْأَوَّلُ: فَلَا يَجُوزُ إسْقَاطُ حَقِّهِ وَلَوْ ضَمِنَهُ بِالْبَدَلِ كَعِتْقِ الْعَبْدِ الْمَرْهُونِ إذَا قُلْنَا بِنُفُوذِهِ عَلَى الْمَذْهَبِ الْمَشْهُورِ، فَإِنَّهُ يَجُوزُ، ذَكَرَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ الْأَصْحَابِ مِنْهُمْ الْقَاضِي وَابْنُ عَقِيلٍ وَصَاحِبُ
الْكَافِي مَعَ أَنَّ عِتْقَهُ يُوجِبُ ضَمَانَ قِيمَتِهِ يَكُونُ رَهْنًا لِأَنَّ فِيهِ إسْقَاطًا لِحَقِّهِ الْقَائِمِ فِي الْعَيْنِ بِغَيْرِ رِضَاهُ، وَكَذَلِكَ إخْرَاجُ الرَّهْنِ بِالِاسْتِيلَادِ مُحَرَّمٌ وَلِأَجْلِهِ مَنَعْنَا أَصْلَ الْوَطْءِ، وَكَذَلِكَ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ عِتْقُ الْمُفْلِسِ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ إذَا نَفَّذْنَاهُ لِأَنَّ غُرَمَاءَهُ قَدْ قَطَعُوا تَصَرُّفَهُ فِيهِ بِالْحَجْرِ وَتَمَلَّكُوا الْمَالَ وَقَدْ ذَكَرَهُ ابْنُ عَقِيلٍ أَيْضًا فِي تَبْذِيرِهِ قَبْلَ الْحَجْرِ، وَذَكَرَ الْقَاضِي فِي خِلَافِهِ أَنَّ ظَاهِرَ كَلَامِ أَحْمَدَ جَوَازُ عِتْقِ الرَّاهِنِ كَاقْتِصَاصِهِ مِنْ أَحَدِ عَبِيدِهِ الْمَرْهُونِينَ إذَا قَتَلَهُ الْآخَرُ وَلَمْ يَذْكُرْ لِذَلِكَ نَصًّا، وَلَعَلَّهُ أَخَذَهُ مِنْ قَوْلِهِ بِنُفُوذِ الْعِتْقِ وَلَا يَدُلُّ، وَأَمَّا اقْتِصَاصُ الرَّاهِنِ مِنْ الْعَبْدِ الْمَرْهُونِ أَوْ مِنْ قَاتِلِهِ، وَقَدْ صَرَّحَ الْقَاضِي وَابْنُ عَقِيلٍ بِأَنَّهُ يَجُوزُ لِأَنَّ فِيهِ تَفْوِيتًا لِحَقِّ الْمُرْتَهِنِ مِنْ غَيْرِ الرَّهْنِ أَوْ قِيمَتِهِ الْوَاجِبَةِ لَهُ وَوَاجِبًا عَلَى الرَّاهِنِ قِيمَتُهُ تَكُونُ رَهْنًا، وَصَرَّحَا أَيْضًا [هَهُنَا] بِأَنَّ الْعِتْقَ هَهُنَا لَا يَجُوزُ وَإِنَّمَا ذَكَرَا جَوَازَهُ فِي مَسْأَلَةِ الْعِتْقِ وَظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ جَوَازُ الْقِصَاصِ فَيَكُونُ الْفَرْقُ بَيْنَ الْقِصَاصِ وَالْعِتْقِ أَنَّ وُجُوبَ الْقِصَاصِ تَعَلَّقَ بِالْعَبْدِ تَعَلُّقًا يُقَدَّمُ بِهِ عَلَى حَقِّ الْمُرْتَهِنِ بِدَلِيلِ أَنَّ حَقَّ الْجَانِي مُقَدَّمٌ عَلَى الْمُرْتَهِنِ لِانْحِصَارِ حَقِّهِ فِيهِ بِخِلَافِ الْمُرْتَهِنِ وَهَذَا مَفْقُودٌ فِي الْعِتْقِ.
وَأَمَّا الثَّانِي: فَلَا يَجُوزُ أَيْضًا، وَمِنْهُ خِيَارُ الْبَائِعِ الْمُشْتَرَطِ فِي الْعَقْدِ لَا يَجُوزُ لِلْمُشْتَرِي إسْقَاطُهُ بِالتَّصَرُّفِ فِي الْمَبِيعِ، وَإِنْ قُلْنَا إنَّ الْمِلْكَ لَهُ فَإِنْ اشْتِرَاطَهُ الْخِيَارَ فِي الْعَقْدِ تَعْرِيضٌ بِالْمُطَالَبَةِ بِالْفَسْخِ.
وَأَمَّا الثَّالِثُ: فَفِيهِ خِلَافٌ، وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَيْضًا، وَلِهَذَا لَا يَجُوزُ إسْقَاطُ خِيَارِهِ الثَّابِتِ فِي الْمَجْلِسِ [بِالْعِتْقِ وَلَا غَيْرِهِ] كَمَا لَوْ اشْتَرَطَهُ.
وَيَنْدَرِجُ فِي صُوَرِ الْخِلَافِ مَسَائِلُ: مِنْهَا مُفَارَقَةُ أَحَدِ الْمُتَبَايِعَيْنِ الْآخَرَ فِي الْمَجْلِسِ بِغَيْرِ إذْنِهِ خَشْيَةَ أَنْ يَفْسَخَ الْآخَرُ، وَفِيهِ رِوَايَتَانِ إحْدَاهُمَا يَجُوزُ ; لِفِعْلِ ابْنِ عُمَرَ.
وَالثَّانِيَة لَا يَجُوزُ ; لِحَدِيثِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يُفَارِقَهُ خَشْيَةَ أَنْ يَسْتَقِيلَهُ» . وَهُوَ صَرِيحٌ فِي التَّحْرِيمِ وَهُوَ اخْتِيَارُ أَبِي بَكْرٍ وَصَاحِبِ الْمُغْنِي وَمِنْهَا تَصَرُّفُ الْمُشْتَرِي فِي الشِّقْصِ الْمَشْفُوعِ بِالْوَقْفِ قَبْلَ الطَّلَبِ يَنْبَغِي أَنْ يُخَرَّجَ عَلَى الْخِلَافِ فِي الَّتِي قَبْلَهَا، وَصَرَّحَ الْقَاضِي بِجَوَازِهِ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي مَسْأَلَةِ التَّحَيُّلِ عَلَى إسْقَاطِ الشُّفْعَةِ تَحْرِيمُهُ وَهُوَ الْأَظْهَرُ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ أَنَّ «النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنْ بَيْعِ الشَّرِيكِ حَتَّى يَعْرِضَ عَلَى شَرِيكِهِ لِيَأْخُذَ أَوْ يَذَرَ» ، مَعَ أَنَّ حَقَّهُ مِنْ الْأَخْذِ لَا يَسْقُطُ بِذَلِكَ، فَأَوْلَى أَنْ يَنْهَى عَمَّا يُسْقِطُ حَقَّهُ بِالْكُلِّيَّةِ وَمِنْهَا وَطْءُ الْعَبْدِ زَوْجَتَهُ الْأَمَةَ إذَا عَتَقَتْ وَلَمْ تَعْلَمْ بِالْعِتْقِ لِيُسْقِطَ اخْتِيَارَهَا لِلْفَسْخِ، الْأَظْهَرُ تَخْرِيجُهُ عَلَى الْخِلَافِ.
وَقَالَ الشَّيْخُ مَجْدُ الدِّينِ فِي تَعْلِيقِهِ عَلَى الْهِدَايَةِ قِيَاسُ مَذْهَبِنَا جَوَازُهُ وَفِيمَا قَالَهُ نَظَرٌ