الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يَسْرِي
وَمِنْهَا: لَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ مِمَّا اشْتَرَاهُ فُلَانٌ فَأَكَلَ مِنْ لَبَنِهِ أَوْ بَيْضِهِ لَمْ يَحْنَثْ لِأَنَّ الْعَقْدَ لَمْ يَتَعَلَّقْ ذَكَرَهُ الْقَاضِي فِي خِلَافِهِ فَإِنَّ الْيَمِينَ لَيْسَتْ لَازِمَةً بَلْ يُخَيَّرُ الْحَالِفُ بَيْنَ الْتِزَامِهَا وَبَيْنَ الْحِنْثِ فِيهَا وَتَكْفِيرِهَا [وَهَذَا] بِخِلَافِ مَا لَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ مِنْ هَذِهِ الشَّاةِ فَإِنَّهُ يَحْنَثُ بِأَكْلِ لَبَنِهَا لِأَنَّهُ لَا يُؤْكَلُ مِنْهَا فِي الْحَيَاةِ عَادَةً إلَّا اللَّبَنُ فَأَمَّا نِتَاجُهَا فَفِيهِ نَظَرٌ.
[فَصْلٌ النَّمَاءِ فِي الفسوخ لَا تَتْبَعُ فِيهَا النَّمَاءَ الْحَاصِل مِنْ الْكَسْبِ]
(فَصْلٌ)
هَذَا حُكْمُ النَّمَاءِ فِي الْعُقُودِ وَأَمَّا فِي الْفُسُوخِ فَلَا تَتْبَعُ فِيهَا النَّمَاءَ الْحَاصِلُ مِنْ الْكَسْبِ بِغَيْرِ خِلَافٍ، وَأَمَّا الْمُتَوَلِّدُ مِنْ الْعَيْنِ فَفِي تَبَعِيَّتِهِ فِيهَا رِوَايَتَانِ
فِي الْجُمْلَةِ تَرْجِعَانِ إلَى أَنَّ الْفَسْخَ هَلْ هُوَ رَفْعٌ لِلْعَقْدِ مِنْ أَصْلِهِ أَوْ مِنْ حِينِهِ وَالْأَصَحُّ عَدَمُ الِاسْتِتْبَاعِ وَيَنْدَرِجُ تَحْتَ ذَلِكَ صُوَرٌ: مِنْهَا: إذَا عَجَّلَ الزَّكَاةَ ثُمَّ هَلَكَ الْمَالُ وَقُلْنَا لَهُ الرُّجُوعُ بِهَا فَإِنَّهُ يَرْجِعُ بِهَا وَهَلْ يَرْجِعُ بِزِيَادَتِهَا الْمُتَّصِلَةِ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ أَظْهَرُهُمَا لَا يَرْجِعُ.
وَالثَّانِي: يَرْجِعُ وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي فِي خِلَافِهِ
وَمِنْهَا: الْمَبِيعُ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ إذَا نَمَا نَمَاءً مُنْفَصِلًا ثُمَّ فُسِخَ الْبَيْعُ هَلْ يَرْجِعُ الْبَائِعُ أَمْ لَا؟ خَرَّجَهُ طَائِفَةٌ مِنْ الْأَصْحَابِ كَصَاحِبَيْ التَّلْخِيصِ وَالْمُسْتَوْعِبِ عَلَى وَجْهَيْنِ كَالْفَسْخِ بِالْعَيْبِ، وَقَدْ ذَكَرَ الْقَاضِي فِي خِلَافِهِ وَابْنُ عَقِيلٍ فِي عُمَدِهِ أَنَّ الْفَسْخَ بِالْخِيَارِ فَسْخٌ لِلْعَقْدِ مِنْ أَصْلِهِ لِأَنَّهُ لَمْ يَرْضَ فِيهِ بِلُزُومِ الْبَيْعِ بِخِلَافِ الْفَسْخِ بِالْعَيْبِ وَنَحْوِهِ فَعَلَى هَذَا يَرْجِعُ بِالنَّمَاءِ الْمُنْفَصِلِ فِي الْخِيَارِ بِخِلَافِ الْعَيْبِ
وَمِنْهَا: الْإِقَالَةُ إذَا قُلْنَا هِيَ فَسْخٌ فَالنَّمَاءُ لِلْمُشْتَرِي ذَكَرَهُ الْقَاضِي فِي خِلَافِهِ، وَيَتَخَرَّجُ فِيهِ وَجْهٌ آخَرُ أَنَّهُ يَرُدُّهُ مَعَ أَصْلِهِ حَكَاهُ أَبُو الْبَرَكَاتِ فِي تَعْلِيقِهِ عَنْ الْقَاضِي فِي خِلَافِهِ أَيْضًا.
وَمِنْهَا: الرَّدُّ بِالْعَيْبِ وَفِي رَدِّ النَّمَاءِ فِيهِ رِوَايَتَانِ أَشْهَرُهُمَا أَنَّهُ لَا يُرَدُّ كَالْكَسْبِ وَنَقَلَ ابْنُ مَنْصُورٍ عَنْ أَحْمَدَ كَلَامًا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ اللَّبَنَ وَحْدَهُ يُرَدُّ عِوَضُهُ لِحَدِيثِ الْمُصَرَّاةِ وَنَقَلَ عَنْهُ ابْنُ مَنْصُورٍ أَيْضًا أَنَّهُ ذَكَرَ لَهُ قَوْلَ سُفْيَانَ فِي رَجُلٍ بَاعَ مَاشِيَةً أَوْ شَاةً فَوَلَدَتْ أَوْ نَخْلًا لَهَا ثَمَرَةٌ فَوَجَدَ بِهَا عَيْبًا أَوْ اسْتَحَقَّ أُخِذَ مِنْهُ قِيمَةُ الثَّمَرَةِ وَقِيمَةُ الْوَلَدِ إنْ كَانَ أَحْدَثَ فِيهِمْ شَيْئًا أَوْ كَانَ بَاعَ أَوْ اسْتَهْلَكَ فَإِنْ كَانَ مَاتَ أَوْ ذَهَبَ بِهِ الرِّيحُ فَلَيْسَ عَلَيْهِ شَيْءٌ قَالَ أَحْمَدُ كَمَا قَالَ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ النَّمَاءَ الْمُنْفَصِلَ يَرُدُّهُ مَعَ وُجُودِهِ وَيَرُدُّ عِوَضَهُ مَعَ تَلَفِهِ إنْ كَانَ تَلِفَ بِفِعْلِ الْمُشْتَرِي وَإِنْ كَانَ تَلِفَ بِفِعْلِ اللَّهِ تَعَالَى لَمْ يَضْمَنْ لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ لَمْ يَدْخُلْ عَلَى ضَمَانِهِ فَيَكُونُ كَالْأَمَانَةِ عِنْدَهُ وَأَمَّا إذَا مَا انْتَفَعَ بِهِ فَإِنَّهُ يَسْتَقِرُّ الضَّمَانُ عَلَيْهِ فَيَرُدُّ عِوَضَهُ كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ حَدِيثُ الْمُصَرَّاةِ وَكَمَا نَقُولُ فِي الْمُتَّهَبِ مِنْ الْغَاصِبِ أَنَّهُ إذَا انْتَفَعَ بِالْمَوْهُوبِ فَأَتْلَفَهُ اسْتَقَرَّ الضَّمَانُ عَلَيْهِ وَحَمَلَ الْقَاضِي هَذِهِ الرِّوَايَةَ عَلَى أَنَّ الْبَائِعَ كَانَ قَدْ دَلَّسَ الْعَيْبَ وَإِنْ كَانَ النَّمَاءُ مَوْجُودًا حَالَ الْعَقْدِ وَلَكِنَّ الْمَنْصُوصَ عَنْ أَحْمَدَ فِي الْمُدَلِّسِ أَنَّهُ يَرْجِعُ بِالثَّمَنِ وَإِنْ تَلِفَ الْمَبِيعُ إلَّا أَنَّ نَصَّهُ فِي صُورَةِ الْإِبَاقِ وَهُوَ تَلَفٌ بِغَيْرِ فِعْلِ الْمُشْتَرِي وَأَطْلَقَ الْأَكْثَرُونَ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلٍ بَيْنَ أَنْ يَتْلَفَ بِفِعْلِهِ أَوْ بِفِعْلِ غَيْرِهِ لِأَنَّهُ سَلَّطَهُ عَلَى
إتْلَافِهِ بِتَغْرِيرِهِ فَلَا يَسْتَقِرُّ عَلَيْهِ الضَّمَانُ كَمَا يَرْجِعُ الْمَغْرُورُ فِي النِّكَاحِ بِالْمَهْرِ، وَحَكَى طَائِفَةٌ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ رِوَايَةً أُخْرَى أَنَّهُ لَا يَرْجِعُ مَعَ التَّلَفِ بَلْ يَأْخُذُ الْأَرْشَ وَرَجَّحَهُ أَبُو الْخَطَّابِ فِي انْتِصَارِهِ وَصَاحِبُ الْمُغْنِي وَهَذَا تَفْصِيلٌ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ التَّلَفُ بِانْتِفَاعِهِ أَوْ بِفِعْلِ اللَّهِ تَعَالَى كَمَا حَمَلَ الْقَاضِي عَلَيْهِ، رِوَايَةُ ابْنِ مَنْصُورٍ أَصَحُّ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ أَبِي بَكْرٍ وَبِذَلِكَ أَجَابَ عَنْ حَدِيثِ الْمُصَرَّاةِ، وَكَذَلِكَ أَجَابَ الْقَاضِي فِي خِلَافِهِ.
وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ مِثْلُ ذَلِكَ فِي النَّمَاءِ الْحَادِثِ إذَا رُدَّ بِعَيْبٍ عَلَى الْقَوْلِ بِرَدِّهِ كَمَا حَمَلْنَا عَلَيْهِ رِوَايَةَ ابْنِ مَنْصُورٍ أَوَّلًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
وَمِنْهَا: فَسْخُ الْبَائِعِ لِإِفْلَاسِ الْمُشْتَرِي بِالثَّمَنِ هَلْ يَتْبَعُهُ النَّمَاءُ الْمُنْفَصِلُ؟ فِيهِ رِوَايَتَانِ: إحْدَاهُمَا يَتْبَعُ وَهِيَ الْمُرَجَّحَةُ عِنْدَ الْقَاضِي فِي الْخِلَافِ وَابْنِ عَقِيلٍ وَنَصَّ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ حَنْبَلٍ فِيمَنْ اشْتَرَى جَارِيَةً أَوْ دَابَّةً فَوَلَدَتْ ثُمَّ أَفْلَسَ الْمُشْتَرِي رَجَعَتْ إلَى الْأَوَّلِ لِأَنَّهَا مَالُ الْبَائِعِ وَقَدْ اسْتَحَقَّهَا وَوَلَدَهَا وَهَكَذَا ذَكَرَهُ أَبُو بَكْرٍ فِي التَّنْبِيهِ، وَذَكَرَ الْقَاضِي فِي خِلَافِهِ لَفْظَ هَذِهِ الرِّوَايَةِ أَنَّ أَحْمَدَ ذَكَرَ لَهُ قَوْلَ مَالِكٍ فِيمَنْ اشْتَرَى جَارِيَةً أَوْ دَابَّةً فَوَلَدَتْ ثُمَّ أَفْلَسَ الْمُشْتَرِي أَنَّ الْجَارِيَةَ وَالدَّابَّةَ وَوَلَدَهَا لِلْبَائِعِ إلَّا أَنْ يَرْغَبَ الْغُرَمَاءُ فِي ذَلِكَ فَيُعْطُوهُ حَقَّهُ كَامِلًا وَيُمْسِكُونَ ذَلِكَ فَقَالَ أَحْمَدُ تَرْجِعُ إلَى الْأَوَّلِ لِأَنَّهَا مَالُهُ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى غَيْرِ الرُّجُوعِ فِي الْجَارِيَةِ أَوْ الدَّابَّةِ.
وَإِنَّمَا الْقَائِلُ بِالرُّجُوعِ فِي الْوَلَدِ مَالِكٌ وَلَيْسَ فِي كَلَامِ أَحْمَدَ مُوَافَقَةٌ لَهُ وَأَبُو بَكْرٍ كَثِيرًا مَا يَنْقُلُ كَلَامَ أَحْمَدَ بِالْمَعْنَى الَّذِي يَفْهَمُهُ مِنْهُ فَيَقَعُ فِيهِ تَغْيِيرٌ شَدِيدٌ وَوَقَعَ لَهُ مِثْلُ هَذَا فِي كِتَابِ زَادِ الْمُسَافِرِ كَثِيرًا مَعَ أَنَّ ابْنَ أَبِي مُوسَى وَغَيْرَهُ تَأَوَّلُوا الرُّجُوعَ بِالْوَلَدِ عَلَى أَنَّهُ كَانَ مَوْجُودًا فِي عَقْدِ الْبَيْعِ حَمْلًا، وَاخْتَارَ هُوَ وَابْنُ حَامِدٍ أَنَّهَا لِلْمُفْلِسِ لِأَنَّهَا نَمَتْ فِي مِلْكِهِ وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ وَكَذَلِكَ صَحَّحَهُ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ وَابْنُ عَقِيلٍ فِي الْفُصُولِ.
وَمِنْهَا: اللُّقَطَةُ إذَا جَاءَ مَالِكُهَا وَقَدْ نَمَتْ نَمَاءً مُنْفَصِلًا فَهَلْ يَسْتَرِدُّهُ مَعَهَا؟ عَلَى وَجْهَيْنِ خَرَّجَهُمَا الْقَاضِي وَابْنُ عَقِيلٍ مِنْ الْمُفْلِسِ وَفَرَّقَ بَيْنَهُمَا صَاحِبُ الْمُغْنِي وَيُحْتَمَلُ الرُّجُوعُ هُنَا بِالزِّيَادَةِ الْمُنْفَصِلَةِ وَجْهًا وَاحِدًا لِأَنَّ تَمَلُّكَهَا إنَّمَا كَانَ مُسْتَنِدًا إلَى فَقْدِ رَبِّهَا فِي الظَّاهِرِ وَقَدْ تَبَيَّنَ خِلَافُهُ فَانْفَسَخَ الْمِلْكُ مِنْ أَصْلِهِ لِظُهُورِ الْخَطَأِ فِي مُسْتَنَدِهِ وَوَجَبَ الرُّجُوعُ بِمَا وَجَدَهُ مِنْهَا قَائِمًا، وَهَذَا [هُوَ] الَّذِي ذَكَرَهُ ابْنُ أَبِي مُوسَى وَذَكَرَ أَصْلًا مِنْ كَلَامِ أَحْمَدَ فِي طَيْرَةٍ فَرَّخَتْ عِنْدَ قَوْمٍ أَنَّهُمْ يَرُدُّونَ فِرَاخَهَا.
وَمِنْهَا رُجُوعُ الْأَبِ فِيمَا وَهَبَهُ لِوَلَدِهِ إذَا كَانَ قَدْ نَمَا نَمَاءً مُنْفَصِلًا هَلْ يَسْتَرِدُّهُ مَعَهُ أَمْ لَا؟ فِيهِ وَجْهَانِ.
وَمِنْهَا: إذَا وَهَبَ الْمَرِيضُ جَمِيعَ مَالِهِ فِي مَرَضِهِ وَنَمَا نَمَاءً مُنْفَصِلًا [وَمَاتَ] وَلَمْ يُجِزْ الْوَرَثَةُ فَذَكَرَ الْقَاضِي فِي خِلَافِهِ أَنَّ الْمَوْهُوبَ لَهُ يَمْلِكُهُ بِالْقَبْضِ وَجَازَ لَهُ التَّصَرُّفُ فِيهِ إجْمَاعًا وَإِنَّمَا يَثْبُتُ لِلْوَرَثَةِ حَقُّ الْفَسْخِ فِيمَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ وَإِذَا جَازَ وَأُسْقِطَ حَقُّهُمْ مِنْ الْفَسْخِ فَعَلَى هَذَا يَتَخَرَّجُ فِي اسْتِرْجَاعِ النَّمَاءِ وَجْهَانِ أَظْهَرُهُمَا أَنَّ النَّمَاءَ لِلْمُتَّهَبِ
إلَى حِينِ الْفَسْخِ نَبَّهَ عَلَى هَذَا الشَّيْخُ مَجْدُ الدَّيْنِ وَالْمَعْرُوفُ فِي الْمَذْهَبِ أَنَّ الْهِبَةَ تَقَعُ مُرَاعَاةً فَلَا يَتَبَيَّنُ مِلْكُهَا إلَّا حِينَ خُرُوجِهَا مِنْ الثُّلُثِ عِنْدَ الْمَوْتِ وَإِنْ خَرَجَ بَعْضُهَا فَلَهُ مِنْهَا مِقْدَارُ الثُّلُثِ وَيَتْبَعُهُ نَمَاؤُهُ وَالزَّائِدُ مَبْنِيٌّ عَلَى الْخِلَافِ فِي الْإِجَازَةِ هَلْ هِيَ تَنْفِيذٌ أَوْ هِيَ عَطِيَّةٌ مُبْتَدَأَةٌ.
وَمِنْهَا: إذَا عَادَ الصَّدَاقُ أَوْ نِصْفُهُ إلَى الزَّوْجِ قَبْلَ الدُّخُولِ بِطَلَاقٍ أَوْ فَسْخٍ وَقَدْ نَمَا عِنْدَ الزَّوْجَةِ نَمَاءً مُنْفَصِلًا فَهَلْ يَرْجِعُ بِنَمَائِهِ أَوْ نِصْفِهِ الْمَذْهَبُ أَنَّهُ لَا يَرْجِعُ بِهِ وَنَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُد وَصَالِحٍ نَقَلَ عَنْهُ ابْنُ مَنْصُورٍ أَنَّهُ ذَكَرَ لَهُ قَوْلَ سُفْيَانَ فِي رَجُلٍ تَزَوَّجَ امْرَأَةً عَلَى خَادِمَةٍ ثُمَّ زَوَّجَهَا غُلَامًا فَوَلَدَتْ أَوْلَادًا، فَطَلَّقَ امْرَأَتَهُ قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ بِهَا فَلَهَا نِصْفُ قِيمَتِهَا وَقِيمَةِ وَلَدِهَا قَالَ أَحْمَدُ جَيِّدٌ وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي مَعْنَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ عَلَى طَرِيقَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: وَهُوَ مَسْلَكُ الْقَاضِي أَنَّهَا تَدُلُّ عَلَى أَنَّ الزَّوْجَةَ إنَّمَا مَلَكَتْ بِالْعَقْدِ نِصْفَ الصَّدَاقِ فَيَكُونُ لَهَا نِصْفُ نَمَائِهِ وَجَعَلَ قَوْلَهُ وَقِيمَةِ وَلَدِهَا مَجْرُورًا بِالْعَطْفِ عَلَى قَوْلِهِ نِصْفُ قِيمَتِهَا أَيْ وَنِصْفُ قِيمَةِ وَلَدِهَا.
قَالَ وَذِكْرُ الْقِيمَةِ هَهُنَا مَحْمُولٌ عَلَى التَّرَاضِي عَلَيْهَا أَوْ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ نِصْفُ الْأُمِّ وَنِصْفُ الْوَلَدِ وَلَمْ يُرِدْ الْقِيمَةَ وَهَذَا الْمَسْلَكُ ضَعِيفٌ جِدًّا أَوْ فِي تَمَامِ النِّصْفِ مَا يُبْطِلُهُ وَهُوَ قَوْلُ أَحْمَدَ فَإِنْ أَعْتَقَهَا قَبْل أَنْ يَدْخُلَ بِهَا لَا يَجُوزُ عِتْقُهَا لِأَنَّهَا مِنْ حِينِ تَزَوَّجَهَا وَجَبَتْ لَهَا الْجَارِيَةُ وَهَذَا تَصْرِيحٌ بِأَنَّهَا مَلَكَتْ الْأَمَةَ كُلَّهَا بِالْعَقْدِ إذْ لَوْلَا ذَلِكَ لَعَتَقَ نِصْفُهَا بِالْمِلْكِ وَسَرَى عِتْقُهَا إلَى الْبَاقِي مَعَ الْيَسَارِ وَكَذَلِكَ سَلَكَ أَبُو بَكْرٍ فِي زَادِ الْمُسَافِرِ وَابْنُ أَبِي مُوسَى فِي تَخْرِيجِ هَذَا النَّصِّ وَبَنَيَاهُ عَلَى أَنَّ الْمَرْأَةَ لَمْ تَمْلِكْ بِالْعَقْدِ إلَّا النِّصْفَ ثُمَّ خَرَّجَ أَبُو بَكْرٍ لِأَحْمَدَ قَوْلًا آخَرَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ عَلَى قَوْلِهِ تَمْلِكُ الصَّدَاقَ كُلَّهُ بِالْعَقْدِ أَنَّ الْأَوْلَادَ وَالنَّمَاءَ لَهَا وَيَرْجِعُ بِنِصْفِ قِيمَةِ الْأُمِّ دُونَ الْأَوْلَادِ يَعْنِي الزَّوْجَ قَالَ وَبِهِ أَقُولُ وَهُوَ اخْتِيَارُ صَاحِبِ الْمُغْنِي أَيْضًا فِرَارًا مِنْ التَّفْرِيقِ بَيْنَ الْأُمِّ وَوَلَدِهَا فِي بَعْضِ الزَّمَانِ وَأَمَّا ابْنُ أَبِي مُوسَى فَإِنَّهُ خَرَّجَ وَجْهًا عَلَى الْقَوْلِ بِمِلْكِ الصَّدَاقِ كُلِّهِ بِالْعَقْدِ أَنَّ الْوَلَدَ لِلْمَرْأَةِ لِحُدُوثِهِ فِي مِلْكِهَا وَلَهَا نِصْفُ قِيمَةِ الْأُمِّ فَجَعَلَ لِلزَّوْجَةِ الْقِيمَةَ كَمَا فِي نَصِّ أَحْمَدَ وَهَذَا الْوَجْهُ ضَعِيفٌ جِدًّا حَيْثُ تَضَمَّنَ التَّفْرِيقَ بَيْنَ الْأُمِّ وَوَلَدِهَا بِغَيْرِ الْعِتْقِ وَمَنَعَ الزَّوْجَةَ مِنْ أَخْذِ نِصْفِ الْأَمَةِ وَهُوَ أَقْرَبُ إلَى عَدَمِ التَّفْرِيقِ مِنْ أَخْذِ نِصْف الْقِيمَةِ، وَعِنْدَ الْقَاضِي إذَا قِيلَ إنَّ الْوَلَدَ كُلَّهُ لَهُ فَلِلزَّوْجِ نِصْفُ قِيمَةِ الْأُمِّ صَرَّحَ بِهِ فِي الْمُجَرَّدِ، وَقَالَ فِي الْخِلَافِ يَرْجِعُ بِنِصْفِ الْأَمَةِ.
وَالطَّرِيقُ الثَّانِي: فِي مَعْنَى الرِّوَايَةِ أَنَّهَا تَدُلُّ عَلَى أَنَّ النَّمَاءَ الْمُنْفَصِلَ يَرْجِعُ بِهِ الزَّوْجُ بِالْفُرْقَةِ تَبَعًا لِلْأَصْلِ، وَهَذَا مَسْلَكُ جَمَاعَةٍ مِنْهُمْ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ لَكِنَّهُ اسْتَشْكَلَ إيجَابَ الْقِيمَةِ دُونَ الْمُعَيَّنِ وَقَالَ لَا أَدْرِي هَلْ هُوَ لِنَقْصِ الْوِلَادَةِ أَوْ لِغَيْرِ ذَلِكَ فَإِنَّ أَحْمَدَ جَعَلَ لِلْمَرْأَةِ نِصْفَ قِيمَةِ الْأَمَةِ وَنِصْفَ قِيمَةِ الْوَلَدِ لِأَجْلِ حَقِّ الزَّوْجِ فَبَطَلَ فِي نِصْفِ الْأَمَةِ وَوَلَدِهَا وَلَيْسَ ذَلِكَ بِأَوْلَى مِنْ الْعَكْسِ.
وَقَدْ يُجَابُ عَنْ ذَلِكَ بِأَنَّ بِالطَّلَاقِ يَرْجِعُ بِهِ نِصْفُ الْأَمَةِ