الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحديث الأول
عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه: أَنَّ النبيَّ كانَ إذا دخلَ الخَلاءَ، قال:"اللَّهُمَّ إِنَّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الخُبُثِ والخَبَائِثِ"(1).
الخُبُثُ -بضمِّ الخَاء والبَاء-، وهو جمعُ خَبيثٍ، والخبائثُ: جمعُ خَبيثةٍ، استعاذَ من ذُكْرانِ الشَّياطينِ وإناثِهم.
(1) * تَخْرِيج الحَدِيث:
رواه البخاري (142)، كتاب: الوضوء، باب: ما يقول عند الخلاء، و (5963)، كتاب: الدعوات، باب: الدعاء عند الخلاء، ومسلم (375)، (1/ 283 - 284)، كتاب: الحيض، باب: ما يقول إذا أراد دخول الخلاء، وأبو داود (4، 5)، كتاب: الطهارة، باب: ما يقول الرجل إذا دخل الخلاء، والنسائي (19)، كتاب: الطهارة، باب: القول عند دخول الخلاء، والترمذي (5، 6)، كتاب: الطهارة، باب: ما يقول إذا دخل الخلاء، وابن ماجه (298)، كتاب: الطهارة، باب: ما يقول الرجل إذا دخل الخلاء.
* مصَادر شرح الحَدِيث:
"معالم السنن" للخطابي (1/ 10)، و"عارضة الأحوذي" لابن العربي (1/ 19)، و"إكمال المُعلم" للقاضي عياض (2/ 229)، و"المفهم" للقرطبي (1/ 553)، و"شرح مسلم" للنووي (4/ 70)، و"شرح عمدة الأحكام" لابن دقيق (1/ 49)، و"النكت على العمدة" للزركشي (ص: 23)، و"الإعلام بفوائد عمدة الأحكام" لابن الملقن (1/ 421)، و"فتح الباري" لابن حجر (1/ 242)، و"عمدة القاري" للعيني (2/ 270)، و"سبل السلام" للصنعاني (1/ 73)، و"نيل الأوطار" للشوكاني (1/ 87).
(عن أنس بنِ مالكِ) بنِ النَّضْرِ -بالضاد المعجمة- بن ضَمْضَم -بفتح المعجمتين- بنِ زيدِ بنِ حَرام -بفتح الحاء والراء المهملتين-، الأنصاريُّ الخزرجيُّ -بالخاء المعجمة والزاي بعدها جيم- النجَّاري -بالنون والجيم المشددة والراء؛ لأنه من ولد النجار، وهو تَيْمُ اللاتِ بنُ ثعلبةَ بنِ عمرِو بنِ الخزرجِ، وهو أخو الأوس والأنصار رضي الله عنهم كلَّهم -، من أولاد الأوس والخزرج من الأزد، سماهم الله - تعالى - ورسولُه بذلك لمَّا نصروا رسول الله صلى الله عليه وسلم وآووه.
وأنسٌ هذا خادمُ رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فإنه صلى الله عليه وسلم لما قدم المدينةَ، كان عُمْرُ أنسٍ رضي الله عنه عشرَ سنين - على المشهور -، فخدم النبيَّ صلى الله عليه وسلم مدةَ إقامته بالمدينة، وهي عشر سنين، وكناه رسول الله صلى الله عليه وسلم. أبا حمزة - بالحاء المهملة والزاي - ببقلة تسمى حمزة (1)، ويقال: فيها حُموضة. ويكنى: أبا ثُمامة -بضم المثلثة وتخفيف الميم -، نقله ابن عساكر، وابن الأثير.
وأمه: أم سُلَيم بنتُ مِلْحان -بكسر الميم وبالحاء المهملة-، وقد طلبت من رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يدعو لابنها أنس؛ فقالت: يارسول الله! إن لي خُوَيِّصة، قال:"ما هي؟ "، قالت: خادمُك أنس، فما تركَ خيرَ آخرةٍ ولا دنيا إلا دعا به:"اللهمَّ ارزْقه مالاً وولداً، وباركْ له".
قال: فأنا أكثر الأنصار مالاً، وحدثتني ابنتي أُمَيْنَةُ: أنه دفن لصُلبي إلى مقدم الحَجَّاج البصرةَ بضعٌ وعشرون ومئة (2).
(1) رواه الترمذي (3830)، كتاب: المناقب، باب: مناقب أنس بن مالك رضي الله عنه، والإمام أحمد في "المسند"(3/ 127)، وغيرهما.
(2)
رواه البخاري (1881)، كتاب: الصوم، باب: من زار قوماً فلم يفطر عندهم، عن أنس رضي الله عنه.
رُوي لسيدِنا أنسٍ رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم ألفا حديث، ومئتان وستة وثمانون حديثاً، اتفق الشيخان على مئةٍ وثمانية وستين، وانفرد البخاري بثلاثةٍ وثمانين، ومسلم بأحد وستين، فهو أحد المكثرين.
مات رضي الله عنه بالبصرة، في موضع يعرف بقصر أنس، خارجها، على فرسخٍ ونصف منها، وهو آخر من مات بها من الصحابة رضي الله عنهم سنة إحدى وتسعين، أو اثنتين أو ثلاث أو خمسٍ وتسعين.
والأول أرجح عند ابن الأثير، ورجح الثالثَ: النوويُّ والذهبي، وغيرهما.
وعمره مئة وثلاث سنين.
قال النووي: اتفقوا على أنه جاوز المئة (1).
(رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا دخل الخلاء)؛ أي: أراد أن يدخل؛ كما في بعض ألفاظ البخاري، ولم يصل به سنده (2).
(1) وانظر ترجمته في: "الطبقات الكبرى" لابن سعد (7/ 17)، و"الثقات" لابن حبان (3/ 4)، و"الاستيعاب" لابن عبد البر (1/ 109)، و"تاريخ دمشق" لابن عساكر (9/ 332)، و"صفة الصفوة" لابن الجوزي (1/ 710)، و"المنتظم" له أيضاً (6/ 303)، و"أسد الغابة" لابن الأثير (1/ 294)، و"تهذيب الأسماء واللغات" للنووي (1/ 136)، و"تهذيب الكمال" للمزي (3/ 353)، و"سير أعلام النبلاء" للذهبي (3/ 395)، و"تذكرة الحفاظ" له أيضاً (1/ 44)، و"العبر" له أيضاً (1/ 107)، و"البداية والنهاية" لابن كثير (5/ 331)، و"الإصابة في تمييز الصحابة" لابن حجر (1/ 126)، و"تهذيب التهذيب" له أيضاً (1/ 329).
(2)
قال البخاري عَقِب حديث (142) المتقدم تخريجه: تابعه ابن عَرْعَرة عن شعبة، =
نعم، وصله في "الأدب المفرد"، ولفظه: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن يدخل الخلاء، قال، فذكر مثله (1).
وفي بعضها: إذا أتى الخلاء (2).
والخلاء -ممدود-: المكان الذي يُتوضأ فيه -عن الجوهري- (3)؛ سمي بذلك؛ لكونه يُتخلى فيه.
وقال أبو عبيدٍ: يقال لموضع الغائط: الخلاء، والمذهب، والمرفق، والمرحاض (4).
وفي روايةٍ في "الصحيحين": كان إذا دخل الكنيف (5)، وهو بمعنى الخلاء، سمي بذلك لأنه يَكْنُف من دخله ويستره.
قال في "القاموس": والكنيف؛ كأمير: المرحاض (6).
(قال: اللهمَّ)؛ أي: يا ألله! فالميم عوض عن النداء، ولهذا لا يجمع بينهما في اختيار الكلام (إني أعوذ)؛ أي: أتَحَرَّزُ وأَتَحَصَّن.
قال ابن القيم في "بدائع الفوائد": اعلم أن لفظة: عاذَ، وما تصرف
= وقال غندر، عن شعبة:"إذا أتى الخلاء". وقال موسى، عن حماد:"إذا دخل". وقال سعيد بن زيد: حدثنا عبد العزيز: "إذا أراد أن يدخل".
(1)
رواه البخاري في "الأدب المفرد"(692).
(2)
كما تقدم عند البخاري قريباً. وقد رواه الإمام أحمد في "المسند"(3/ 282) موصولاً.
(3)
انظر: "الصحاح" للجوهري (6/ 2330)، (مادة: خلا).
(4)
نقله عنه ابن الجوزي في "غريب الحديث"(1/ 367). وانظر: "المطلع على أبواب المقنع" لابن أبي الفتح (ص: 11).
(5)
هي من رواية مسلم فقط دون البخاري، وقد تقدم تخريجها في حديث الباب.
(6)
انظر: "القاموس المحيط" للفيروزأبادي (ص: 1099)، (مادة: كنف).
منها، تدل على التحرُّز والتحصُّن والالتجاء، وحقيقة معناها: الهروبُ من شيء تخافه إلى من يعصمك منه، ولهذا سمي المستعاذ به: مَعاذاً، كما يسمى: مَلْجأ، وفي الحديث: لما دخل عليه الصلاة والسلام على ابنة الجون، فوضع يده عليها، قالت: أعوذ بالله منك، قال:"لقد عُذْتِ بِمَعاذٍ، الحقي بأهلِكِ"(1).
فمعنى "أعوذ": ألتجىء وأعتصم وأتحرز. وفي أصله قولان:
أحدهما: أنه مأخوذٌ من الستر.
والثاني: من لزوم المجاورة.
فمن قال بالأول: استدل بأن العرب تقول للبيت الذي في أصل الشجرة، الذي قد استتر بها: عُوَّذ -بضم العين وتشديد الواو مفتوحة-، فكأنه لما عاذ بالشجرة، واستتر بأصلها وظلها، سمي عوذاً، فكذا - العائذ - قد استتر من عدوه بمن استعاذ به.
ومن قال بالثاني: استدل بأن العرب تقول للحم إذا لصق بالعظم فلم يتخلص منه: عوذ؛ لأنه اعتصم به واستمسك، فكذا العائذ قد استمسك بالمعاذ به، واعتصم به، ولزمه (2).
(بك) يا ألله لا بغيرك، وأجرى عليه ضمير الخطاب؛ لاستشعار قربه منه، وأنه معه بعلمه وحفظه له - جلَّ شأنه -.
(من الخُبُثِ والخبائِثِ).
(1) رواه البخاري (4956)، كتاب: الطلاق، باب: من طلق، وهل يواجه الرجل امرأته بالطلاق، عن أبي أسيد رضي الله عنه.
(2)
انظر: "بدائع الفوائد" لابن القيم (2/ 426).
قال الحافظ رضي الله عنه: (الخُبثُ -بضم الخاء المعجمة والباء-: جمع خبيث، والخبائث: جمع خبيثة). كذا في الرواية.
وقال الخطابي: إنه لا يجوز غيره، وغلَّط من سكّن الباء الموحدة (1)، وتعقب بأنه يجوز الإسكان كما في نظائره مما جاء على هذا الوجه؛ كُكُتب ورسُل وسُبُل (2).
فعلى هذا يكون قد (استعاذَ صلى الله عليه وسلم من ذُكرانِ الشياطينِ): مفرد شيطان، إما من شاط: إذا احترق، أو من شطنَ: إذا بَعُدَ (3)، وعلى كل، فالشيطان محروق مبعود، (وإناثِهم)، وإنما كان صلى الله عليه وسلم يستعيذ إظهاراً للعبودية، ويجهر بها للتعليم.
وقد روى المعمري هذا الحديث من طريق عبد العزيز بن المختار، عن
(1) انظر: "معالم السنن" للخطابي (1/ 10 - 11)، و"إصلاح غلط المحدثين" له أيضاً (ص: 48).
(2)
انظر: "شرح مسلم" للنووي (4/ 71)، و"شرح عمدة الأحكام" لابن دقيق (1/ 50)، و"النكت على العمدة" للزركشي (ص: 23 - 24)، وقد صوّب الزركشي كلام الخطابي، فقال: وفيما قالا -أي: النووي وابن دقيق - نظر، فإنه إن أريد بالخبث هنا المصدر، لم يناسب قوله:"الخبائث"؛ إذ لا ينتظم أعوذ بالله من أن أكون خبثاً، ومن إناث الشياطين، وإن أريد جمع خبيث بالضم وخفف، فينبغي المنع؛ لأن التخفيف إنما يطَّرد فيما لا يلتبس كُعُنق وأُذُن من المفرد، ورسُل وسبُل من الجمع، ولا يطَّرد مما يلتبس كحمر وخضر، فإن التخفيف في حمر مُلْبس لجمع أحمر وحمراء، وفي خضر بالمفرد، ولذلك قرأ في السبع:{رُسْلنا} و {وسُبْلنا} و {الأُذْن بالأذْن} كل ذلك بالتخفيف، ولم يقرأ في السبع:{كأنهم حمر مستنفرة} إلا بالضم، فبذلك ينبغي ألّا يخفف الخبث إلا مسموعاً من العرب، لئلا يلتبس بالمصدر، فالذي قاله الخطابي أقرب إلى الصواب، انتهى.
(3)
انظر: "لسان العرب" لابن منظور (13/ 237)، (مادة: شطن).
عبد العزيز بن صهيب، بلفظ الأمر، قال:"إذا دخلتُم الخلاءَ، فقولوا: باسم الله، أعوذ بالله من الخبثِ والخبائثِ"، وإسناده على شرط مسلم، وفيه زيادة التسمية. قال الحافظ ابن حجرٍ: ولم أرها في غير هذه الرواية، انتهى (1).
قلت: لعله أراد: لم يرها في الحديث المذكور، وإلا فقد روى ابن ماجه، والترمذي من حديث علي رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "سترُ ما بين الجِنِّ وعوراتِ بني آدم إذا دخلَ أحدُهم الخلاءَ: أن يقول: باسم الله"(2).
وروى سعيد بن منصور حديث أنس، فذكر:"باسم الله، أعوذ بالله من الخبث والخبائث"(3).
قال: الإمام أحمد رضي الله عنه: ما دخلت المتوضأ ولم أقلها إلا أصابني ما أكره (4).
وروى أبو داودَ وابنُ ماجه من حديث زيد بن أرقمَ رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن هذه الحُشوشَ مُحْتَضَرَةٌ، فإذا دخلَ أحدُكم، فليقلِ: اللهمَّ إنِّي أعوذُ بكَ من الخُبُثِ والخبائث"(5).
(1) انظر: "فتح الباري" لابن حجر (1/ 244).
(2)
رواه الترمذي (606)، كتاب: الطهارة، باب: ما ذكر من التسمية عند دخول الخلاء، وقال: إسناده ليس بذلك القوي، وابن ماجه (297)، كتاب: الطهارة، باب: ما يقول الرجل إذا دخل الخلاء، وغيرهما.
(3)
لم أر هذه الرواية في المطبوع من "سنن سعيد بن منصور". وقد نسبها إليه الشوكاني في "نيل الأوطار"(1/ 87)، وغيره.
(4)
انظر: "المغني" لابن قدامة (1/ 110).
(5)
رواه أبو داود (6)، كتاب: الطهارة، باب: ما يقول الرجل إذا دخل الخلاء، والنسائي في "السنن الكبرى"(6/ 23)، والترمذي في "العلل" (ص: 22)، =
"الحُشوش": جمع حُشّ؛ وهي في الأصل: البساتين، كانوا يقضون الحاجة بها، ثم سُمي به موضعُ قضاء الحاجة، والمحتضرة: التي تحضرها الشياطين (1)، ولذلك أمر بذكر الله والاستعاذة قبل دخولها؛ ليكون ذلك حصناً ومعاذاً منها.
ويستحب أن يقدم رجله اليسرى دخولاً، واليمنى خروجاً؛ لأن اليمنى لما شَرُف، واليسرى لما خَبُث، والخروج من محل الخبث يمنٌ في الجملة، عكس منزل ومسجد.
وروى ابن ماجه عن أبي أمامة مرفوعاً: "لا يعجز أحدُكم إذا أدخل مرفقه أن يقول: اللهمّ إني أعوذُ بك من الرِّجْس النَّجِس الخبيثِ المُخَبث الشيطانِ الرجيمِ (2) ".
قال في "المطلع": الرجس: القذر، والنجس: اسم فاعل من نَجِس ينجَس فهو نَجِسٌ؛ كفرِح يفرَح فهو فَرِحٌ.
وقال الفراء: إذا قالوه مع الرجس، أتبعوه إياه، فقالوا: رِجْسٌ نِجْس - بكسر النون وإسكان الجيم -، وهو من عطف الخاص على العام؛ فإن الرجس النجس: الشيطان الرجيم، قد دخل في الخبث والخبائث؛ لأن المراد بهم: الشياطين (3).
= وابن ماجه (296)، كتاب: الطهارة، باب: ما يقول الرجل إذا دخل الخلاء، والحاكم في "المستدرك"(669).
(1)
انظر: "معالم السنن" للخطابي (1/ 10).
(2)
رواه ابن ماجه (299)، كتاب: الطهارة، باب: ما يقول الرجل إذا دخل الخلاء، والطبراني في "المعجم الكبير"(7849)، وابن عدي في "الكامل في الضعفاء"(5/ 179)، وغيرهم.
(3)
انظر: "المطلع على أبواب المقنع" لابن أبي الفتح (ص: 12).
تنبيهات:
الأول: قد نبهنا على أن ضبط الحافظ المصنف - رحمه الله تعالى - هو الذي صوبه الخطابي.
لكن قد صرح جماعةٌ من الأئمة، وأهل المعرفة: بأن "الباء" في لفظة "الخبث" ساكنةٌ، منهم: أبو عُبيدٍ (1)، إلا أنه يقال: إنَّ تركَ التخفيف أولى؛ لِئلا يُشتبه بالمصدر.
قال الحافظ ابن حجرٍ: ووقع في نسخة ابن عساكر -يعني: من "صحيح البخاري"-: قال أبو عبد الله -يعني: البخاري-: ويقال: الخبْث- بإسكان الموحدة -، فإن كانت مخففة من المحركة، فقد تقدم توجيهه، يعني: أنه جمعُ خبيثٍ لذكرانِ الشياطين، وإن كان بمعنى المفرد، فمعناه كما قال ابن الأعرابي: المكروه.
قال: فإن كان من الكلام، فهو الشتم، وإن كان من الملل، فهو الكفر، وإن كان من الشراب، فهو الضار. وعلى هذا؛ فالمراد بالخبائث: المعاصي، أو مطلق الأفعال المذمومة؛ ليحصل التناسب. قال: ولهذا وقع في رواية الترمذي وغيره: "أعوذ بالله من الخُبْث والخبيث، أو الخُبُث والخبائث"(2) هكذا على الشك، الأول بالإسكان مع الإفراد، والثاني بالتحريك مع الجمع؛ أي: من الشيء المكروه، ومن الشيء المذموم، أو ذكران الشياطين وإناثهم، انتهى (3).
(1) انظر: "غريب الحديث" لأبي عبيد (2/ 192).
(2)
تقدم تخريجه في حديث الباب.
(3)
انظر: "فتح الباري" لابن حجر (1/ 243 - 244).
قال ابن قرقول في "المطالع": الخبث - بإسكان الباء - (1).
قال أبو عبيدٍ: هو الشر.
وقال ابن الأنباري: هو الكفر. والخبائث: الشياطين.
وقال الداودي: الخبث: الشيطان، والخبائث: المعاصي.
قال: وقيل: الخبائث: إناث الجن، والخبُث -بضم الباء-: ذكورهم، جمع خبيث.
وغَلَّط الخطابي مَنْ سكَّن الباء.
وقيل: استعاذ الخبث نفسِه الذي هو الكفر، ومن الخبائث التي هي الأخلاق الخبيثة، انتهى (2).
الثاني: يسن للمتخلِّي إذا خرج أن يقدِّم رجلَه اليمنى خروجاً، ويقول: غُفرانَكَ، الحمدُ لله الذي أذهبَ عني الأذى وعافاني؛ لِما روت عائشة رضي الله عنها، قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا خرجَ من الخلاء، قال:"غُفرانَكَ" رواه الخمسة إلا النسائي. حديثٌ حسنٌ غريبٌ (3).
وعن أنسِ بنِ مالكٍ رضي الله عنه، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا خرج من الخلاء، قال:"الحمدُ لله الذي أذهبَ عنِّي الأَذَى وعافاني"
(1) انظر: "مشارق الأنوار" للقاضي عياض (1/ 228).
(2)
وانظر: "النهاية في غريب الحديث" لابن الأثير (2/ 6)، و"تحرير ألفاظ التنبيه" للنووي (ص: 36)، و"لسان العرب" لابن منظور (2/ 141)، (مادة: خبث).
(3)
رواه أبو داود (30)، كتاب: الطهارة، باب: ما يقول الرجل إذا خرج من الخلاء، والترمذي (7)، كتاب: الطهارة، باب: ما يقول إذا خرج من الخلاء، وقال: حسن غريب، وابن ماجه (300)، كتاب: الطهارة، باب: ما يقول إذا خرج من الخلاء، والإمام أحمد في "المسند"(6/ 155).
رواه ابن ماجه (1)، وذكره الإمام أحمد (2).
فقوله: "غُفرانَكَ" منصوبٌ على المفعولية بفعلٍ محذوفٍ، أي: أسألك غفرانَك، أو على المصدرية، أي: اغفرْ غفرانَكَ.
قال في "المطلع": معناه: اغفر لي تقصيري في شكر ما أنعمت به علي من الرزق ولذَّتِه وإساغتِه والانتفاعِ به، وتسهيلِ خروجه (3).
وكان نوح عليه السلام يقول: "الحمدُ لله الذي أذاقَني لَذَّتَهُ، وأبقى فِيَّ منفعتَهُ، وأذهبَ عني أذاه"(4).
وقيل: مِنْ تَرْكِ الذكر مُدَّةَ التخلِّي.
وقال في "شرح الوجيز": إنما شُرع له ذلك؛ لأن الخلاءَ مَظِنَّةُ الغفلةِ والوسواس، فاستُحِبَّ الاستغفارُ عقبَهُ.
الثالث: المراد بالخلاء: محلُّ قضاء الحاجة، حتى لو بال في نحو إناء، لكن إن كان قضاء الحاجة في الأمكنة المعدَّة لذلك يقول الذكرَ المشروع عند إرادة دخولها، وإلا، فيقوله عند الشروع في ذلك؛ كتشمير ثيابه، والله أعلم.
* * *
(1) رواه ابن ماجه (301)، كتاب: الطهارة، باب: ما يقول إذا خرج من الخلاء.
(2)
ذكر هذا شيخُ الإسلام ابن تيمية في "شرح العمدة"(1/ 139)، وعنه نقل الشارح، ولم أره في "مسند الإمام أحمد"، ولم ينسبه أحد من الحفاظ إليه، فالله أعلم.
(3)
انظر: "المطلع على أبواب المقنع" لابن أبي الفتح (ص: 12).
(4)
رواه ابن أبي الدنيا في "الشكر"(127)، والبيهقي في "شعب الإيمان"(4469)، عن عائشة رضي الله عنها مرفوعاً. وقد رواه الطبراني في "المعجم الكبير"(370)، وابن السني في "عمل اليوم والليلة" (ص: 24)، عن ابن عمر رضي الله عنهما: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقوله إذا خرج من الخلاء.