الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحديث الثاني
عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها، قَالَتْ: لقَدْ كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي الفَجْرَ، فَيَشْهَدُ مَعَهُ نِسَاءٌ مِنَ المُؤمِنَاتِ، مُتَلَفِّعَاتٍ بمُرُوطِهِنَّ، ثُمَّ يَرْجِعْنَ إِلى بُيُوتِهِنَّ لا يَعْرِفُهُنَّ أَحَدٌ مِنَ الغَلَسِ (1).
(1) * تَخْرِيج الحَدِيث:
رواه البخاري (365)، كتاب: الصلاة في الثياب، باب: في كم تصلي المرأة من الثياب؟ و (553)، كتاب: مواقيت الصلاة، باب: وقت الفجر، و (829)، كتاب: صفة الصلاة، باب: انتظار الناس قيام الإمام العالم، و (834)، باب،: سرعة انصراف النساء من الصبح، وقلة مقامهن في المسجد، ومسلم (645)، (1/ 445 - 446)، كتاب: المساجد ومواضع الصلاة، باب: استحباب التبكير بالصبح في أول وقتها، وأبو داود (423)، كتاب: الصلاة، باب: في وقت الصبح، والنسائي (545، 546)، كتاب: المواقيت، باب: التغليس في الحضر، و (1362)، كتاب: السهو، باب: الوقت الذي ينصرف فيه النساء من الصلاة، والترمذي (153)، كتاب: الصلاة، باب: ما جاء في التغليس بالفجر، وابن ماجه (669)، كتاب: الصلاة، باب: وقت صلاة الفجر.
* مصَادر شرح الحَدِيث:
"معالم السنن" للخطابي (1/ 132)، و"الاستذكار" لابن عبد البر (1/ 37)، و"عارضة الأحوذي" لابن العربي (1/ 260)، و"إكمال المعلم" للقاضي عياض (2/ 609)، و"المفهم" للقرطبي (2/ 269)، و"شرح مسلم" للنووي (5/ 143)، و"شرح عمدة الأحكام" لابن دقيق (1/ 133)، و"العدة في شرح العمدة" لابن العطار (1/ 287)، و"فتح الباري" لابن رجب (3/ 224)، و"فتح الباري" لابن حجر (1/ 482)، و"عمدة القاري" للعيني =
المُرُوطُ: أَكْسِيَةٌ مُعْلَمَةٌ تَكُونُ مِنْ خَزٍّ، وتَكُونُ مِنْ صُوفٍ.
ومُتَلَفِّعَاتٍ: مُتَلَحِّفاتٍ. والغَلَسُ: اخْتِلاطُ ضِياءِ الصُّبْح بظُلْمَةِ اللَّيلِ.
(عن) أم المؤمنين (عائشة) الصدّيقةِ (رضي الله عنها، قالت: لقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلِّي الفجر)؛ أي: بغَلَس، (فيشهد الصلاة معه نساءٌ
من المؤمنات).
وفي رواية عند البخاري: نساءُ المؤمنات (1)، بإسقاط "من".
قال الحافظ ابن حجر: تقديرُه: نساءُ الأنفسِ المؤمناتِ، ونحو ذلك، حتى لا يكون من إضافة الشيء إلى نفسه.
وقيل: إن "نساء" هنا، بمعنى: الفاضلات؛ أي: فاضلات المؤمنات، كما يقال: رجال القوم؛ أي: فضلاؤهم (2).
(متلفعاتٍ)؛ أي: متجلِّلات ومتلحِّفات (بمروطهنَّ)؛ جمعُ مِرْط -بكسر الميم-: وهو كساءٌ معلمٌ من خزٍّ، أو صوفٍ، أو غير ذلك. وقيل: لا يسمى مرطًا، إلا إذا كان أخضر، ولا يلبسه إلا النساء، وهو مردودٌ بقوله: من شعرٍ أسودٍ (3).
وقال في "النهاية": قوله: متلفعات بمروطهن؛ أي: متلفعات بأكسيتهن.
واللفاع: ثوبٌ يجلَّل به الجسدُ كله، كساءً كان أو غيره، وتَلَفَّعَ
= (4/ 89)، و"نيل الأوطار" للشوكاني (1/ 420).
(1)
تقدم تخريجه آنفًا برقم (553) عنده.
(2)
انظر: "فتح الباري" لابن حجر (2/ 55).
(3)
المرجع السابق، الموضع نفسه.
بالثوب: إذا اشتمل [به]، ومنه: حديثُ عليٍّ وفاطمة: وقد دخلْنا في لِفاعِنا (1)؛ أي: لِحافِنا (2).
وقال: في قوله: كان يصلي في مروط نسائه؛ أي: أكسيتهن، الواحد: مرط، ويكون من صوفٍ، وربما كان من خَزّ، أو غيرِه، انتهى (3).
(ثم يرجعن). وفي لفظٍ لهما: ثم ينقلبن (4)؛ أي: بعد أداء الصلاة (إلى بيوتهن).
(ما يعرفهن أحدٌ) من الرجال (من الغلس)،
وفيه الحجة لمن يرى التغليس في صلاة الفجر، وتقديمها في أول الوقت، ولاسيما مع ما ورد من طول قراءة رسول الله صلى الله عليه وسلم في صلاة الصبح (5).
وهذا أظهر الروايتين من مذهبنا؛ وفاقًا لمالك، والشافعي، أو يراعي أكثر المأمومين.
الذي استقر عليه المذهب: الأفضلُ: التغليسُ. وقيل: الإسفار؛ وفاقًا لأبي حنيفة، لغير الحاج بمزدلفة.
قال الحنفية في تعريفه: بحيث يقدر على قراءةٍ مسنونةٍ، وإعادتها لوضوء، وإعادة الوضوء قبل طلوع الشمس لو ظهر سهو، ولهم في الإسفار بسنة الفجر خلافٌ (6).
(1) رواه أبو داود (5063)، كتاب: الأدب، باب: في التسبيح عند النوم.
(2)
انظر: "النهاية في غريب الحديث" لابن الأثير (4/ 261).
(3)
المرجع السابق، (4/ 319).
(4)
تقدم تخريجه برقم (553) عند البخاري، و (645)، (1/ 446) عند مسلم.
(5)
انظر: "شرح عمدة الأحكام" لابن دقيق (1/ 133).
(6)
انظر: "الفروع" لابن مفلح (1/ 265).
ولنا: حديث: "أولُ الوقتِ رضوانُ الله، وأوسطُ الوقتِ رحمةُ الله، وآخرُ الوقت عفوُ الله" رواه ابن عدي، والدارقطني، وغيرهما (1).
وروى الإمام أحمد، والشيخان من حديث أبي برزة رضي الله عنه، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينفتل من صلاة الغداة حين يعرفُ أحدُنا جليسَه (2).
وروى أبو داود، والدارقطني، من حديث أبي مسعودٍ الأنصاري: سمعت رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقول: "نزلَ جبريلُ فأخبرني بوقتِ الصلاة، فصليت معه، ثم صلَّيتُ معه، ثم صلَّيتُ معه" يحسب بأصابعه خمسَ صلواتٍ، فرأيتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يصلِّي الظهرَ حين تزول الشمس، وربما أخرها حين يشتدُّ الحر، ورأيته يصلِّي العصر والشمسُ مرتفعةٌ بيضاءُ، فينصرف الرجل من الصلاة فيأتي ذا الحُلَيفة قبل غروب الشمس، ويصلي المغرب حين تسقط الشمس، ويصلي العشاء حين يسودُّ الأفق، وصلَّى الصبحَ مرة بغَلَسٍ، ثم صلى مرةً أخرى فأسفرَ، ثم كانت صلاته بعد ذلك بالغلس حتى مات، ثم لم يَعُدْ إلى أن يُسْفِر (3).
(1) رواه الدارقطني في "سننه"(1/ 249)، وابن عدي في "الكامل في الضعفاء"(1/ 256)، والبيهقي في "السنن الكبرى"(1/ 435)، عن أبي محذورة رضي الله عنه.
(2)
رواه الإمام أحمد في "المسند"(4/ 420)، والبخاري (574)، كتاب: مواقيت الصلاة، باب: ما يكره من السمر بعد العشاء، ومسلم (461)، كتاب: الصلاة، باب: القراءة في الصبح والمغرب. إلا أنّ مسلمًا لم يخرج هذه الجملة في سياق حديثه.
(3)
رواه أبو داود (394)، كتاب: الصلاة، باب: في المواقيت، والدارقطني في "سننه"(1/ 250)، واللفظ له.
واحتج الحنفية للإسفار: بما رواه الترمذي، عن رافع بن خَديج رضي الله عنه، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "أَسْفِروا بالفجرِ؛ فإنه أعظمُ للأجر"(1).
ورواه الإمام أحمد بلفظ: "أَصْبِحوا بالصبح؛ فإنه أعظمُ لأجورِكم، أو أعظمُ للأجر"(2).
قال الترمذي: هذا حديثٌ صحيحٌ، وهو محمولٌ على ما إذا تأخر الجيران.
قال الحافظ ابن عبد الهادي: في "تنقيح التحقيق": ورواه الإمام أحمد، وأبو داود، وابن ماجه، والنسائي، وأبو حاتم البُسْتي.
وإنما حملناه على ما إذا تأخر الجيران؛ لما روى سعيدٌ الأمويُّ في "المغازي" بإسناده: أن النبي صلى الله عليه وسلم لما بعث معاذًا إلى اليمن، قال له:"إذا كانَ الشتاءُ، فصلِّ الفجرَ في أولِ وقتِها، ثم أَطِلِ القراءةَ، وإذا كان في الصيفِ، فأسفرْ بالصبح؛ فإن الليلَ قصيرٌ، والناس ينامون"(3).
فانتظم لنا من الأحاديث ما قال به إمامنا، ولم نهمل منها شيئًا -ولله الحمد-.
قال الحافظ رضي الله عنه: (المُروط): جمعُ مِرْطٍ، (أكسيةٌ معلَمةٌ
(1) رواه الترمذي (154)، كتاب: الصلاة، باب: ما جاء في الإسفار بالفجر، وقال: حسن صحيح، والنسائي (548)، كتاب: المواقيت، باب: الإسفار، وابن حبان في "صحيحه"(1490).
(2)
رواه الإمام أحمد في "المسند"(4/ 140)، وأبو داود (424)، كتاب: الصلاة، باب: في وقت الصبح، وابن ماجه (672)، كتاب: الصلاة، باب: وقت صلاة الفجر.
(3)
انظر: "تنقيح التحقيق" لابن عبد الهادي (1/ 261 - 262).
تكون من خَزٍّ، وتكون من صوفٍ) كما قدمناه عن صاحب "النهاية"، وغيره.
(و) قوله: (متلفِّعاتٌ) -بالعين-، ويروى: متلِّففاتٍ -بالفاء- (1)، والمعنى متقاربٌ، إلا أن التلفُّع يستعمل في تغطية الرأس.
قال ابن حبيب: لا يكون الالتفاع إلا بتغطية الرأس.
واستأنسوا في ذلك بقول عبيد بن الأبرص: [من الرمل]
كَيْفَ يَرْجُونَ سُقُوطِي بَعْدَما
…
لَفَعَ الرَّأسَ بَيَاضٌ وَصَلَعْ (2)
واللِّفاع: ما التُفع به، واللِّحاف: ما التُحِف به (3)؛ أي: (متلحِّفات).
(والغلسُ: اختلاطُ ضياءِ الصُّبحِ بظلمة الليل).
قال في "النهاية": الغلس: الظلمة آخر الليل إذا اختلط بضوء الصباح، انتهى (4).
والغلس والغَبَش متقاربان، والفرق بينهما: أن الغلسَ في آخر الليل، وقد يكون الغبشُ في أوله وآخره. وأما من قال: الغبس -بالباء والسين المهملة-، فغلط (5).
* * *
(1) كما رواه مسلم في الحديث المتقدم تخريجه عنه برقم (645)، (1/ 446).
(2)
انظر: "العقد الفريد" لابن عبد ربه (4/ 208، 5/ 487).
(3)
انظر: "شرح عمدة الأحكام " لابن دقيق (1/ 134)، و"الإعلام بفوائد عمدة الأحكام" لابن الملقن (2/ 231)، و"فتح الباري" لابن حجر (1/ 482).
(4)
انظر: "النهاية في غريب الحديث" لابن الأثير (4/ 377).
(5)
ذكره ابن دقيق العيد في "شرح عمدة الأحكام"(1/ 134) نقلًا عن ابن عبد البر في "التمهيد"(23/ 390).