الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحديث الثامن
عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ الحُسَيْنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنهم: أَنَّهُ كَانَ هُوَ وَأَبُوهُ عِنْدَ جَابِرِ بْنِ عَبدِ اللهِ، وَعِنْدَهُ قَوْمُهُ (1)؛ فَسَألوهُ عَنِ الْغُسْلِ، فَقَالَ: يَكْفِيكَ صَاعٌ، فَقَالَ رَجُلٌ: ما يَكْفِيني، فَقَالَ جَابرٌ: كَانَ يَكْفِي مَنْ هُوَ أَوْفَى مِنْكَ شَعْرًا، وخَيْرٌ مِنْكَ - يَرِيدُ: النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، ثُمَّ أمَّنَا فِي ثَوْب (2).
وَفِي لَفْظٍ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يفْرِغُ عَلَى رَأْسِه ثَلاثًا (3).
(1) في البخاري: "وعنده قوم". قال الحافظ ابن حجر في "فتح الباري"(1/ 366): كذا في النسخ التي وقفت عليها من البخاري، ووقع في "العمدة":"وعنده قومه" بزيادة الهاء، وجعلها شراحها ضميرًا يعود على جابر، وفيه ما فيه، وليست هذه الرواية في مسلم أصلًا، وذلك وارد أيضاً على قوله -أي: صاحب العمدة-: إنه يخرج المتفق عليه، انتهى.
(2)
* تَخْرِيج الحَدِيث:
رواه البخاري (249)، كتاب: الغسل، باب: الغسل بالصاع ونحوه، واللفظ له، و (253)، باب: من أفاض على رأسه ثلاثًا، ومسلم (329)، كتاب: الحيض، باب: استحباب إفاضة الماء على الرأس وغيره ثلاثًا، والنسائي (230)، كتاب: الطهارة، باب: ذكر القدر الذي يكتفي به الرجل من الماء للغسل، وابن ماجه (270)، كتاب: الطهارة، باب: ما جاء في مقدار الماء للوضوء والغسل من الجنابة.
(3)
رواه البخاري (252)، كتاب: الغسل، باب: من أفاض على رأسه ثلاثًا، ومسلم =
الرَّجُلُ الَّذِي قَالَ: "مَا يَكْفِينِي" هو: الحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، أَبُوهُ هُوَ ابْنُ الحَنفيَّةِ.
* * *
(عن أبي جعفرٍ) الإمام (محمد) الباقرِ (بن علي) زين العابدين (بنِ الحسين) شهيدِ كربلاء (بن علي) الهُمامِ أميرِ المؤمنين (بن أبي طالب رضي الله عنهم).
أما أبو جعفر محمد الباقر: لقب بالباقر، لأنه بقر العلم؛ أي: شقَّ عن مشكلاته وغوامضه. فروى عن أبي سعيد الخدري، وابن عباس، وأبي هريرة، وعبد الله بن جعفر بن أبي طالب، وجابر، وأنس رضي الله عنهم.
وروى أيضاً عن التابعين: عن ابن المسيب، ومحمد بن الحنفية، وغيرهما.
= (328)، كتاب: الحيض، باب: استحباب إفاضة الماء على الرأس وغيره ثلاثًا: أن وفد ثقيف سألوا النبي صلى الله عليه وسلم، فقالوا: إن أرضنا أرض باردهَ، فكيف بالغسل؟ فقال:"أما أنا، فأفرغ على رأسي ثلاثًا"، وروى نحوه ابن ماجه (577)، كتاب: الطهارة، باب: في الغسل من الجنابة. ورواه النسائي (426)، كتاب: الطهارة، باب: ما يكفي الجنب من إفاضة الماء عليه، بنحو لفظ البخاري.
* مصَادر شرح الحَدِيث:
"المفهم" للقرطبي (1/ 586)، و"شرح مسلم" للنووي (4/ 9)، و"شرح عمدة الأحكام" لابن دقيق (1/ 106)، و"العدة في شرح العمدة" لابن العطار (1/ 230)، و"فتح الباري" لابن رجب (1/ 250)، و"النكت على العمدة" للزركشي (ص: 52)، و"فتح الباري" لابن حجر (1/ 367)، و"عمدة القاري" للعيني (3/ 198).
وروى عنه: أبو إسحاق الهمذاني، وعمرو بن دينار، والزهري، وعطاء بن أبي رباح، وغيرهم.
أخرج له الجماعة.
وكنيته بابنه جعفرٍ الصادقِ.
قال البرماوي في "شرح الزهر": كان مولده سنة ست وخمسين، ومات سنة مئة وأربع عشرة، وعمره ثمان وخمسون سنة رضي الله عنه (1).
وأما والدُه عليٌّ، فيلقب: زينَ العابدين، ويكنى: أبا الحسين، ويقال: أبا الحسن، ويقال: أبا محمد.
كان رضي الله عنه من أكابر أئمة أهل البيت، وساداتهم (2)، ومن جلة التابعين وأعلامهم.
وأمه: أُمُّ وَلَد، اسمُها غزالة، خلفَ عليها بعدَ الحسين مولاه زُبَيد -بضم الزاي وفتح الموحدة-، فولدت له: عبدَ الله بنَ زُبيد، فهو أخو عليٍّ زينِ العابدين لأمه.
قال الزهري: ما رأيت قرشيًا أفضلَ من علي بن الحسين.
(1) وانظر ترجمته في: "الطبقات الكبرى" لابن سعد (5/ 320)، و"حلية الأولياء" لأبي نعيم (3/ 180)، و"تهذيب الكمال" للمزي (26/ 136)، و"سير أعلام النبلاء" للذهبي (4/ 401)، و"تهذيب التهذيب" لابن حجر (9/ 311)، و"تقريب التهذيب" له أيضاً (تر: 6151).
(2)
جاء على هامش الأصل المخطوط: الأئمة الاثنا عشر من أهل البيت - رضوان الله عليهم -: أبو القاسم محمد الحجة بن الحسن الخالص أبي محمد العسكري بن علي التقي بن محمد الجواد بن علي الرضا بن موسى الكاظم بن جعفر الصادق بن محمد الباقر بن علي السجاد زين العابدين بن سيدنا الحسين شهيد كربلاء بن أمير المؤمنين وشقيقه سيدنا الحسن ابنا فاطمة البتول عليها السلام.
وقال أبو بكر بن أبي شيبة: إن أصح الأسانيد: الزهري، عن علي بن الحسين، عن أبيه، عن علي رضي الله عنه.
وهذه المسألة فيها مذاهب معروفة في علوم الحديث.
والمختار عند المحققين: أنه لا يُجزم في إسناد بأنه أصحُّ مطلقا (1).
قال أحمد بن صالح: وُلد الزهريُّ وعليُّ بنُ الحسين في سنة واحدة، سنة خمسين.
وقال يعقوب بن سفيان: ولدا في سنة ثلاث وثلاثين، وهذا هو الظاهر؛ لما تقدَّم في أن ولده الباقر ولد سنة ست وخمسين.
ومات علي زين العابدين رضي الله عنه سنة أربع وتسعين، وكان يقال لها: سَنَةُ الفقهاء؛ لكثرة مَن مات فيها منهم.
وقيل: سنة اثنتين وتسعين، وهو ابن ثمان وخمسين سنة.
ودفن في البقيع، في القبة التي فيها قبر العباس بن عبد المطلب رضي الله عنه.
سمع زينُ العابدين من أبيه، وابنِ عباس، والمِسْوَرِ بنِ مَخْرَمَة، وأبي رافعٍ مولى النبيِّ صلى الله عليه وسلم، وعائشةَ، وأم سلمة، وصفيَّةَ، وغيرِهم.
وروى عنه: أبو سلمةَ بنُ عبدِ الرحمن، والزهريُّ، وأبو الزناد، وزيدُ بنُ أسلم، وغيرهم.
(1) انظر أقوال الأئمة في أصح الأسانيد: "معرفة علوم الحديث" للحاكم (ص: 53)، و"الكفاية" للخطيب (ص: 397)، و"علوم الحديث" لابن الصلاح (ص: 15)، و"فتح المغيث" للسخاوي (1/ 23)، وغيرها.
أخرج له الجماعة رضي الله عنه (1).
وأما سيدنا الحسين رضي الله عنه، فهو أحد السِّبْطَين، وأحدُ الرَّيحانتين لسيد الكونين صلى الله عليه وسلم.
ولم يكن اسمُ الحسن والحسين يُعرف في الجاهلية.
قال الفضل: إن الله حجبَ اسمَ الحسن والحسين، حتى سَمَّى بهما النبيُّ صلى الله عليه وسلم ابنيه (2).
وفي البخاري: عن ابن عمر رضي الله عنهما، قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "هما ريحانتاي في الدنيا"(3) -يعني: الحسن والحسين-.
وفي الترمذي: عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الحسنُ والحسينُ سيدا شبابِ أهلِ الجنة"(4).
وفيه أيضاً: عن أسامة بن زيد رضي الله عنهما، قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم -وحسن وحسين على ركبتيه-، فقال: "هذان ابناي، وابنا
(1) وانظر ترجمته في: "الطبقات الكبرى" لابن سعد (5/ 211)، و"حلية الأولياء" لأبي نعيم (3/ 133)، و"تاريخ دمشق"(41/ 360)، و"تهذيب الكمال" للمزي (20/ 382)، و"سير أعلام النبلاء" للذهبي (4/ 386)، و"تهذيب التهذيب" لابن حجر (7/ 268).
(2)
رواه أبو أحمد العسكري، عن ابن الأعرابي، عن الفضل، كما ذكر النووي في "تهذيب الأسماء واللغات"(1/ 162).
(3)
رواه البخاري (3543)، كتاب: فضائل الصحابة، باب: مناقب الحسن والحسين رضي الله عنهما، وعنده:"من الدنيا" بدل "في الدنيا".
(4)
رواه الترمذي (3768)، كتاب، المناقب، باب: مناقب الحسن والحسين عليهما السلام، وقال: حسن صحيح، والإمام أحمد في "المسند"(3/ 3)، وغيرهما.
ابنتي، اللهمَّ إِني أُحِبُّهما وأُحِبُّ مَنْ يُحِبُّهما" (1).
وأخرج أيضاً: عن أنس رضي الله عنه، قال: سئل رسول صلى الله عليه وسلم: أيُّ أهل بيتك أحبُّ إليك؟ قال: "الحسنُ والحسينُ"(2).
وفضائل الحسين كأخيه لا تُحصى، ومزاياهما لا تُستقصى.
قال ابن الجوزي في "منتخب المنتخب" كغيره: ولد الحسين سنة أربع من الهجرة، وكان له ثلاثة ذكور، وابنتان، وحَجَّ خمسًا وعشرين حجة ماشيًا.
وروي له عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: ثمانيةُ أحاديث.
واستُشهد رضي الله عنه بكربلاء من أرض العراق، بناحية الكوفة. ويُعرف الموضعُ أيضاً بالطَّفِّ. قتله سنانُ بنُ أنسٍ النخعيُّ، وقيل: شمرُ بنُ ذي الجَوْشَن، وقيل غير ذلك، نهار الجمعة، يومَ عاشوراء سنة إحدى وستين، وله ستٌّ وخمسون سنة، وأَشْهُر رضي الله عنه وعن آبائه وذريته - (3).
(1) رواه الترمذي (3769)، كتاب، المناقب، باب: مناقب الحسن والحسين عليهما السلام، وقال: حسن غريب، وابن حبان في "صحيحه"(6967)، وغيرهما.
(2)
رواه الترمذي (3772)، كتاب، المناقب، باب: مناقب الحسن والحسين عليهما السلام، وقال: حديث غريب، وأبو يعلى في "مسنده"(4294)، وابن عدي في "الكامل في الضعفاء"(7/ 166).
(3)
وانظر ترجمته في: "التاريخ الكبير" للبخاري (2/ 381)، و"حلية الأولياء" لأبي نعيم (2/ 39)، و"الاستيعاب" لابن عبد البر (1/ 392)، و"تاريخ دمشق" لابن عساكر (14/ 111)، و"تهذيب الكمال" للمزي (6/ 396)، و"سير أعلام النبلاء" للذهبي (2/ 280)، و"أسد الغابة" لابن الأثير (2/ 24)، و"البداية والنهاية" لابن كثير (8/ 11)، و"الإصابة في تمييز الصحابة" لابن حجر (2/ 76)، و"تهذيب التهذيب" له أيضًا (2/ 299).
(أنه)؛ أي: أبا جعفر محمدًا الباقر رضي الله عنه (كان هو وأبوه) عليٌّ زينُ العابدين- رضوان الله عليهما- (عند جابر بن عبد الله) بن عمرِو بنِ حَرام -بالمهملتين- بنِ عمرِو بنِ سواد بن سَلِمة -بكسر اللام- الأنصاريِّ الخزرجيِّ السَّلَمي -بفتح السين واللام- المدنيِّ رضي الله عنه.
كنيته: أبو عبد الله، وقيل: أبو عبد الرحمن.
وهو وأبوه صحابيان رضي الله عنهما، شهد العقبة مع أبيه صغيرًا، وكان أبوه نقيبًا، وأول قتيل للمسلمين في أحد، وشهد جابرٌ بدرًا على قول البخاري وغيره.
ونقل ابن عساكر عن ابن سعدٍ والواقدي: أنه لم يشهدها، ورجَّحه أبو عمر بن عبد البر، ودليلُه: ما رواه مسلم، من حديث أبي الزبير، عن جابر رضي الله عنه: أنه قال: غزوتُ مع رسول الله صلى الله عليه وسلم سبع عشرة غزوة، لم أشهد بدرًا ولا أحدًا؛ منعني أبي (1).
ثم شهد جابر جمع علي رضي الله عنه صفين. وكُفَّ بصرُه في آخر عمره.
مات رضي الله عنه بالمدينة، سنة أربع وسبعين، وقيل: سبع وسبعين، وقيل: ثمان وسبعين، وقيل: إحدى وستين، ذكره ابن دقيق العيد (2). وقيل: ثلاث وسبعين، وهو الذي قدمه النووي.
وأرجحها: الأول، كما قال ابن عبد البر وغيره.
(1) رواه مسلم (1813) كتاب: الجهاد والسير، باب: عدد غزوات النبي صلى الله عليه وسلم.
(2)
انظر: "شرح عمدة الأحكام" لابن دقيق (1/ 113).
وصلى عليه: أَبانُ بنُ عثمان، وهو أميرُها يومئذٍ، وله من العمر أربع وتسعون سنة.
وقيل: إنه آخر من مات من الصحابة بالمدينة، والراجحُ خلافه.
وإذا أُطلق جابر، فهو المراد، وهو أحدُ المُكثرين من الصحابة، رُوي له: ألف وخمس مئةٍ وأربعون حديثًا، اتفقا على ثمانية وخمسين، وانفرد البخاري بستة وعشرين، ومسلم بمئة وستة وعشرين (1).
(وعنده قومه) أي: والحالُ أن عند جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قومَه من الأنصار رضي الله عنهم، (فسألوه)؛ أي: سأل القومُ جابرًا (عن الغسل).
وأفاد الإمام إسحاق بن راهويه في "مسنده": أن الذي تولى السؤال هو أبو جعفر الراوي، فأخرج من طريق جعفر بن محمد، عن أبيه، قال: سألتُ جابرَ بن عبد الله عن غسل الجنابة (2).
وبين النسائي في "سننه" سبب السؤال، فأخرج من طريق أبي الأحوص،
(1) وانظر ترجمته في: "الطبقات الكبرى" لابن سعد (1/ 648)، و"التاريخ الكبير" للبخاري (2/ 257)، و"الثقات" لابن حبان (3/ 51)، و"الاستيعاب" لابن عبد البر (1/ 219)، و"تاريخ دمشق" لابن عساكر (11/ 208)، و"أسد الغابة" لابن الأثير (1/ 492)، و"تهذيب الأسماء واللغات" للنووي (1/ 149)، و"تهذيب الكمال" للمزي (4/ 443)، و"سير أعلام النبلاء" للذهبي (3/ 189)، و"الإصابة في تمييز الصحابة" لابن حجر (1/ 434)، و"تهذيب التهذيب" له أيضاً (2/ 37).
(2)
لم أقف عليه في المطبوع من "مسنده"، وقد عزاه إليه الحافظ ابن حجر في "فتح الباري"(1/ 366)، كما نقله الشارح.
عن أبي جعفر، قال: تَمارَيْنا في الغسل عند جابر، فقال: .. إلخ (1).
ونسب السؤال في هذه الرواية إلى الجميع مجازًا؛ لقصدهم ذلك، ولهذا أفرد جابر بالجواب، (فقال) جابر رضي الله عنه:(يكفيك) -بفتح أوله- (صاعٌ).
وتقدم أنه خمسة أرطال وثلث بالعراقي، وهو: مئة وثمانية وعشرون درهمًا، وأربعة أسباع درهم.
وقال الشافعي وغيره: مئة وثلاثون درهمًا.
ورجح النووي الأول (2)، كعلمائنا.
قال الحافظ ابن حجر في "شرح البخاري": وقد بين الشيخ الموفق سبب الخلاف في ذلك، فقال: إنه كان في الأصل مئة وثمانية وعشرين وأربعة أسباع، ثم زادوا فيه مثقالًا لإرادة جبر الكسر، فصار مئة وثلاثين.
قال: والعمل على الأول؛ لأنه هو الذي كان موجودًا وقتَ تقدير العلماء به، انتهى كلام الحافظ (3).
فائدة:
أوقية العراقي: عشرة دراهم، وخمسةُ أسباع درهم.
وأوقية المصري والمكي والمدني: اثنا عشر درهمًا.
وأوقية الدمشقي والصفدي: خمسون درهمًا.
وأوقية الحلبي والبيروتي: ستون درهمًا.
(1) تقدم تخريجه في حديث الباب برقم (230) عنده.
(2)
انظر: "شرح مسلم" للنووي (7/ 49).
(3)
انظر: "فتح الباري" لابن حجر (1/ 365).
وأوقية القدسي والنابلسي والحمصي: ستة وستون درهمًا، وثلثا درهم.
وأوقية البعلي: خمسة وسبعون درهمًا، كما قاله الحجاوي في "حاشية التنقيح "(1) -رحمه الله تعالى-.
(فقال رجل): زاد الإسماعيلي-: منهم (2)، أي: من القوم. وسيأتي في كلام الحافظ بيانه.
(ما يكفيني) -بفتح الياء التحتية-، أي: الصاعُ لغسلي.
(فقال جابر) رضي الله عنه: (كلان)، أي: الصاعُ (يكفي مَنْ هو أوفى) يحتمل الصفة، والمقدار، أي: أطول وأكثر (منك شعرًا وخيرٌ منك) -بالرفع- عطفًا على أوفى (3)، المخبَر به عن هو.
(1) ونقله عنه البهوتي في "كشاف القناع"(1/ 44).
(2)
انظر: "فتح الباري" لابن حجر (1/ 366).
(3)
قال الحافظ ابن حجر في "فتح الباري"(1/ 366): وفي رواية الأصيلي: "أو خيرًا" - بالنصب- عطفًا على الموصول، انتهى. قال الزركشي في "النكت على العمدة" (ص: 52): هكذا ثبت في النسخ بنصب "خير" وهو الدائر على الألسنة، والظاهر أنه مرفوع عطفًا على (أَوْفَى) المخبَر به عن (هو)، أي: كان يكفي مَنْ هو أَوْفَى وخير، كما تقول: أحبُّ من هو عالم وعامل. وأما النصب، فله تخريجات فاسدة، وأجودها: أنه بالعطف على شعر، لأن أوفى بمعنى أكثر، فكأنه قيل: أكثر منك شعرًا وخيرًا، ويبعده ذكره منك بعد خيرًا. أو يجاب: بأنها مؤكدة للأولى. وجعله الشيخ تاج الدين الإسكندراني الشارح منصوبًا على المفعول؛ أعني: "من" كما قاله الحافظ ابن حجر فيما نقلناه عنه، وهو فاسد، فإنه يؤذن بمغايرة المعطوف لمن وقعت عليه "من"، وتصير بمنزلة: كان يكفي زيدًا وعمرًا، فيكون الذي هو أوفى غير الذي هو خير، وليس المراد ذلك، انتهى.
وفي هذا بيان ما كان عليه السلف من الاحتجاج بأفعال النبي صلى الله عليه وسلم، والانقياد إلى ذلك.
وفيه: جواز الرد بعنف على من يماري بغير علم؛ إذا قصد الرادُّ إيضاح الحق وتحذيرَ السامعين من مثل ذلك.
وفيه: كراهيةُ التنطُّع والإسراف في الماء.
(يريد) جابر- رضي الله عنه بقوله: كان يكفي مَنْ هو أوفى .. إلخ (النبيَّ صلى الله عليه وسلم)، وهذا السياق للبخاري.
قال جابر رضي الله عنه في آخره: (ثم أَمَّنا) يعني النبيَّ صلى الله عليه وسلم -أي: صلى بنا إماماً (في ثوب).
ولفظه: ثم أمنا في ثوبٍ، لهما معًا.
وسياق مسلم في أصل حديث جابر- رضي الله عنه، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا اغتسل من الجنابة، صبَّ على رأسه ثلاث حَثَيات من ماء، فقال له الحسنُ بنُ محمد: إن شعري كثير، قال جابر: فقلت له: يا بن أخي! كان شعرُ رسول الله صلى الله عليه وسلم أكثر من شعرك وأطيبَ، هذا المتفق عليه. وزاد البخاري: ثم يفيض على سائر جسده. وقال: عن أبي جعفر، الحديث (1).
ولذا قال الحافظ: (وفي لفظٍ: كان النبي صلى الله عليه وسلم يفرغ على رأسه ثلاثاً)؛ أي: من الماء، ولفظ هذا الحديث: عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما: أن وفد ثقيف سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالوا: إن أرضنا أرض
(1) تقدم تخريجه عند البخاري برقم (253)، وعند مسلم برقم (329).
باردة، فكيف نغتسل؟ فقال:"أما أنا، فأفرغ على رأسي ثلاثاً"(1).
وفي حديث جُبير بن مطعم: "أما أنا، فأفيض على رأسي ثلاثاً"، وأشار بيديه كلتيهما (2). لم يخرج البخاري من الحديث إلا ذكرَ العدد عن جُبيرٍ، وجابر رضي الله عنهما.
تنبيه:
المقصود من هذا الحديث: الاكتفاءُ في غسل الجنابة بالصاع من الماء، فإن أسبغ بدونه، أجزأه ذلك؛ لأن الله- سبحانه- أمر بالغسل، وقد فعله، ولم يكره.
والإسباغ: تعميمُ سائر البدن بالماء بحيث يجري عليه، ولا يكون مسحًا، بل إنما يسمى غسلاً بإفاضة الماء على العضو، وسيلانِه عليه، فمتى حصل ذلك، تأدى الواجب، وذلك يختلف باختلاف الناس.
قال الإمام الشافعي رضي الله عنه: قد يرفق بالقليل فيكفي، ويخرق بالكثير فلا يكفي (3).
لكن المستحب: أَلَّا ينقص الغسل عن صاعٍ، والوضوء عن مدٍ.
كما دل هذا الحديث على الاغتسال بصاعٍ.
وقد دلت الأحاديث على مقادير مختلفة، وكان ذلك لاختلاف الأوقات أو الأحوال (4).
(1) تقدم تخريجه.
(2)
رواه البخاري (251)، كتاب: الغسل، باب: من أفاض على رأسه ثلاثاً، ومسلم (327)، كتاب: الحيض، باب: استحباب إفاضة الماء على الرأس وغيره ثلاثاً.
(3)
انظر: "الأم" للإمام الشافعي (1/ 28).
(4)
انظر: "شرح عمدة الأحكام" لابن دقيق (1/ 107).
ففي "الصحيح": عن أنس: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يغتسل بخمس مكاكيك.- وفي رواية: مكاكي-، ويتوضأ بمكوك (1)،
وعنه: كان النبي صلى الله عليه وسلم يتوضأ بالمد، ويغتسل بالصاع إلى خمسة أمداد (2).
قال في "النهاية": أراد بالمكوك: المد، وقيل: الصاع. والأول: أشبه.
والمكاكي: جمع مكوك على إبدال الياء من الكاف الأخيرة. والمكوك: اسم للمكيال، ويختلف مقداره باختلاف اصطلاح الناس عليه في البلاد.
ومنه: في حديث ابن عباس رضي الله عنهما في تفسير قوله تعالى: {صُوَاعَ الْمَلِكِ} [يوسف: 72]. قال: كهيئة المكوك، وكان للعباس مثله في الجاهلية يشرب به (3)، والله أعلم (4).
قال الحافظ- رحمه الله ورضي عنه -: (الرجل الذي قال: ما يكفيني، هو الحسن بن محمد بن علي بن أبي طالب) رضي الله عنه. (أبوه) -
(1) رواه مسلم (325) كتاب: الحيض، باب: القدر المستحب من الماء في غسل الجنابة.
(2)
رواه البخاري (198)، كتاب: الوضوء، باب: الوضوء بالمد، ومسلم (325)، (1/ 258)، كتاب: الحيض، باب: القدر المستحب من الماء في غسل الجنابة، واللفظ له.
(3)
رواه ابن جرير الطبري في "تفسيره"(13/ 18)، وابن أبي حاتم في "تفسيره"(7/ 2173)، والضياء المقدسي في "الأحاديث المختارة"(10/ 95)، وهذا سياقه.
(4)
انظر: "النهاية في غريب الحديث" لابن الأثير (4/ 350).
أي: أبو الحسن- (هو) محمد المشهور بـ (ابن الحنفية).
ففي هذا: ذكر الحسن، وذكر أبيه محمد، وذكر الحنفية.
فأما الحسن، فكنيته: أبو محمد المدني التابعي، سمع: سلمةَ بن الأكوع، وجابرَ بن عبد الله الصحابيين، وسمع أباه، وغيره من التابعين.
وروى عنه: عمرو بن دينار، والزهري، وآخرون، واتفقوا على توثيقه.
روى له الجماعة، وهو أول المرجئة، ألف في ذلك.
قال عمرو بن دينار: أَخْبرنَا الحسن بن محمد، ولم أر قَطُّ أعلمَ منه.
توفي الحسن: سنة خمس وتسعين، كما اختاره الذهبي، وقيل: سنة مئة، أو تسعة وتسعين (1).
وأما أبوه: فهو محمد بن علي بن أبي طالب رضي الله عنه.
وأمه: الحنفية: أم ولد علي رضي الله عنه.
ولد محمد هذا في خلافة الصديق -في أرجح الأقوال على المعتمد-، وعليه اقتصر البرماوي في "نظم رجال العمدة"(2).
وقيل: في أواخر خلافة عمر رضي الله عنه.
(1) وانظر ترجمته في: "الطبقات الكبرى" لابن سعد (5/ 328)، و"التاريخ الكبير" للبخاري (2/ 305)، و"تاريخ دمشق" لابن عساكر (13/ 373)، و"تهذيب الكمال " للمزي (6/ 316)، و"سير أعلام النبلاء" للذهبي (4/ 130)، و"تهذيب التهذيب" لابن حجر (2/ 276).
(2)
تقدم التعريف بكتابه هذا.
وجزم ابن خلكان بأنه ولد لسنتين بقيتا من خلافة عمر.
وتوفي رضي الله عنه سنة أربع عشرة ومئة، وقيل: سنة ثمانين، بين الشام والمدينة، وقيل: إحدى وثمانين، وقيل: ثلاث وثمانين، وقيل: ثلاث وسبعين، ودفن بالبقيع، وقيل: إنه خرج إلى الطائف هاربًا من ابن الزبير، فمات هناك، وقيل: إنه مات ببلاد أيلة.
والفرقة الكيسانية تعتقد إمامته، وتغلو فيه، وتزعم أنه مقيم بجبل رَضْوَى، وإلى هذا أشار كثيِّر عزة -وكان كيساني الاعتقاد- بقوله:[من الوافر]
وَسِبْطٌ لا يَذُوقُ المَوْتَ حَتَّى
…
يَقُودَ الْخَيْلَ يَقْدُمُها اللِّوَاءُ
تَغيَّبَ لَا يُرَى فِيهِمْ زَمَاناً
…
بِرَضْوَى عِنْدَهُ عَسَلٌ وَمَاءُ (1)
أخرج له الجماعة (2).
وأما أم محمدٍ الحنفيةُ: فاسمها خَوْلَةُ بنتُ جعفرِ بنِ قيس، من بني حنيفةَ بنِ لُجَيْم -بضم اللام وفتح الجيم وسكون الياء (3).
واسم حنيفة: أُثَيْل -بضم الهمزة وفتح المثلثة-، قيل له: حنيفة؛ لأن الأحزنَ بنَ عوف العبديَّ ضربه على رجله، فحنفها، وضرب حنيفةُ
(1) انظر: "ديوانه"(ص: 521).
(2)
وانظر ترجمته في: "الطبقات الكبرى" لابن سعد (5/ 91)، و"حلية الأولياء" لأبي نعيم (3/ 174)، و"تاريخ دمشق" لابن عساكر (54/ 318)، و"صفة الصفوة" لابن الجوزي (2/ 77)، و"تهذيب الكمال" للمزي (26/ 147)، و"سير أعلام النبلاء" للذهبي (4/ 110)، و"وفيات الأعيان" لابن خلكان (4/ 172)، و"تهذيب التهذيب" لابن حجر (9/ 315).
(3)
انظر: "الطبقات الكبرى" لابن سعد (5/ 91)، و"تهذيب الأسماء واللغات" للنووي (1/ 103)، و"تهذيب الكمال" للمزي (16/ 148).
الأحزن، فجذمه بالسيف، فسمي: جذيمة. وبنو حنيفة: قبيلة كبيرة تولوا باليمامة (1).
وكانت وقعة اليمامة التي فيها سبيُ بني حنيفة سنة إحدى عشرة؛ وذلك بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم في أول خلافة الصديق، فوهب خولةَ لعليٍّ رضي الله عنه، فأولدها محمداً هذا، والله تعالى الموفق.
* * *
(1) انظر: "وفيات الأعيان" لابن خلكان (3/ 26) ووقع عنده تسمية حنيفة: "أُثاَل" بدل "أُثَيل".