المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌الحديث الأول عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبي طالِبٍ رضي الله عنه، قَالَ: - كشف اللثام شرح عمدة الأحكام - جـ ١

[السفاريني]

فهرس الكتاب

- ‌الفَصْلُ الأَوَّلُفي ترجمة الإمام أحمد

- ‌الفَصْلُ الثَّانيفي ترجمة مؤلّف "العمدة

- ‌[كتاب الطهارة]

- ‌الحديث الثالث

- ‌ باب:

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌الحديث السادس

- ‌الحديث السابع

- ‌الحديث الثامن

- ‌الحديث التاسع

- ‌الحديث العاشر

- ‌باب الاستطابة

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌الحديث السادس

- ‌باب السواك

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌باب المسح على الخفين

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌باب المزي وغيره

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌الحديث السادس

- ‌باب الجنابة

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌الحديث السادس

- ‌الحديث السابع

- ‌الحديث الثامن

- ‌باب التيمم

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌باب الحيض

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌كتاب الصلاة

- ‌باب المواقيت

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

الفصل: ‌ ‌الحديث الأول عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبي طالِبٍ رضي الله عنه، قَالَ:

‌الحديث الأول

عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبي طالِبٍ رضي الله عنه، قَالَ: كنتُ رَجُلاً مَذَّاءً، فَاسْتَحْيَيْتُ أَنْ أَسْأَلَ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم؛ لِمكانِ ابْنَتِهِ مِنِّي، فَأَمَرْتُ المِقْدَادَ بْنَ الأَسْوَدِ، فَسَأَلَهُ، فَقَالَ:"يَغْسِلُ ذَكَرَهُ، وَيَتَوَضَّأُ"(1). وللبخاريِّ: "اغْسِلْ ذَكَرَكَ، وَتَوَضَّأ"(2). ولمُسْلِمٍ: "تَوَضَّأْ، وَانْضَحْ فَرْجَكْ"(3).

(1) * تَخْرِيج الحَدِيث:

رواه مسلم (303)، كتاب: الحيض، باب: المذي.

(2)

رواه البخاري (226)، كتاب: الغسل، باب: غسل المذي والوضوء منه، لكن بلفظ:"توضأ واغسل ذكرك"، وسيأتي تنبيه الشارح عليه.

(3)

رواه مسلم (303)، (1/ 247)، كتاب: الحيض، باب: المذي، والنسائي (438)، كتاب: الغسل والتيمم، باب: الوضوء من المذي. وقد رواه البخاري (132)، كتاب: العلم، باب: من استحيا فأمر غيره بالسؤال، و (176)، كتاب الوضوء، باب: من لم ير الوضوء إلا من المخرجين، ومسلم (303)، (1/ 247)، كتاب: الحيض، باب: المذي، وأبو داود (207، 208، 209)، كتاب: الطهارة، باب: في المذي، والنسائي (156، 157)، كتاب: الطهارة، باب: ما ينقض الوضوء، وما لا ينقض الوضوء من المذي، و (435، 436، 437، 438، 439، 440)، كتاب: الغسل واليمم، باب: الوضوء من المذي، وابن ماجه (504)، كتاب: الطهارة، باب: الوضوء من المذي، بألفاظ وطرق مختلفة.

* مصَادر شرح الحَدِيث:

"معالم السنن" للخطابي (1/ 73)، و"الاستذكار" لابن =

ص: 289

(عن) سيدنا الإمام (علي) الهمام (رضي الله عنه) أمير المؤمنين (ابنِ أبي طالب)، واسم أبي طالب: عبد مناف، وقيل: اسمه كنيتة، وأبوه عبد المطلب، وفيه يجتمع مع النبي صلى الله عليه وسلم، وولده الذكور أربعة: طالب، وعقيل، وجعفر، وعلي.

وفيهم لطيفةٌ، وهو أن كل واحدٍ أكبر ممن بعده بعشر سنين، فطالبٌ أكبر من عَقيل بعشر سنين، ثم عَقيلٌ، ثم جعفرٌ، ثم عليٌّ، وأشرفهم عليٌّ، ثم جعفرٌ، فعقيلٌ، وطالبٌ لم يسلم، فلا شرف له، والإناث: أم هانىء، وحمامة.

وأم الجميع فاطمةُ بنتُ أَسَدِ بنِ هاشمِ بنِ عبدِ مناف، وهي أول هاشمية ولدت لهاشمي، أسلمت وهاجرت، ولما توفيت في حياة وسول الله صلى الله عليه وسلم، ألبسها قميصه، واضطجع معها في قبرها، فسُئل عن ذلك، فقال:"لم يكنْ بعدَ أبي طالب أَبَرَّ لي منها؛ فألبستُها قميصي؛ لتكتسيَ من حُلَل الجنةِ، واضطجعتُ معها؛ ليهون عليها"(1)، وهي التي سَمَّتْ عَلِيّاً حيدرةَ.

= عبد البر (1/ 238)، و"المنتقى شرح الموطأ" لأبي الوليد الباجي (1/ 378)، و"عارضة الأحوذي" لابن العربي (1/ 174)، و"إكمال المعلم" للقاضي عياض (2/ 136)، و"المفهم" للقرطبي (1/ 562)، و"شرح مسلم" للنووي (3/ 212)، و"شرح عمدة الأحكام" لابن دقيق (1/ 75)، و"فتح الباري شرح صحيح البخاري" لابن رجب (1/ 304)، و"النكت على العمدة" للزركشي (ص: 39)، و"فتح الباري" لابن حجر (1/ 379)، و"عمدة القاري" للعيني (2/ 214)، و"سبل السلام" للصنعاني (1/ 65)، و"نيل الأوطار" للشوكاني (1/ 63).

(1)

ذكره ابن عبد البر في "الاستيعاب"(3/ 1089) فقال: روى سعدان بن الوليد السابري، عن عطاء بن أبي رباح، عن ابن عباس، به. قال الذهبي في "سير أعلام النبلاء" (2/ 118): هذا غريب.

ص: 290

قال ابن قتيبة: ولد عليٌّ وأبو طالب غائب، فسمته أمه حيدرةَ، فلما قدم أبوه، كره هذا الاسم، وسماه علياً.

وحيدرةُ من أسماء الأسد، وهو أشجعها؛ ولذا قال سيدنا علي رضي الله عنه يوم خيبر:[من الرجز]

أَنَا الَّذِي سَمَّتْنِي أُمِّي حَيْدَرَهْ

كَلَيْثِ غَابَاتٍ كَرِيهِ المَنْظَرَهْ

أُوفِيهِمُ بِالصَّاعِ كَيْلَ السَّنْدَرَهْ (1)

والسَّندرة: شجرٌ يُعمل منها القِسِيُّ.

كان سيدنا علي - رضوان الله عليه - من الخلفاء الراشدين، والعشرةِ المبشرين، والأئمةِ المَهْديين، والشجعانِ المشهورين، والعلماء المتبحِّرين.

يكنى بأبي تُراب، كناه بذلك سيدُ العالم رسولُ الله صلى الله عليه وسلم (2). وكان لعلي رضي الله عنه من الولد أربعون إلا ولداً، أشرفُهم: الحسنُ، والحسين - رضوان الله عليهم أجمعين -.

وعند جَمْعٍ: أنه أولُ من أسلم رضي الله عنه.

والتحقيق: أن الصِّدِّيقَ الأكبرَ أولُ من أسلم من الرجال، وعلياً من الصبيان، وخديجة من النساء، وزيدَ بن حارثة من الموالي، وبلال بن حمامة -وهي أمه، وأبوه اسمه: رباح- من العبيد.

(1) رواه مسلم (1807)، كتاب: الجهاد والسير، باب: غزوة ذي قرد وغيرها.

(2)

رواه البخاري (3500)، كتاب: فضائل الصحابة، باب: مناقب علي بن أبي طالب رضي الله عنه، عن سهل بن سعد رضي الله عنه.

ص: 291

وقد قال له صلى الله عليه وسلم في ذلك: "لا يحبُّك إلا مؤمنٌ، ولا يُبغضك إلا منافقٌ"(1).

ومناقبه رضي الله عنه لا تنحصر، وقد أُفْرِدَت بالتأليف.

بويع له بالخلافة بعد عثمان، فوليها أربعَ سنين، وسبعةَ أشهر، وأياماً، وقيل: خمسة، وقيل: تسعة، وقيل: ثلاثة، أو غير ذلك.

ثم قتله عبدُ الرحمن بن مُلْجِم ليلةَ الجمعة، فتُوفي ليلة الأحد، التاسع عشر من شهر رمضان، سنة أربعين، عام الجماعة، وله ثلاث وستون سنة على المشهور رضي الله عنه (2).

(قال) علي رضي الله عنه: (كنت رجلاً مذاءً)؛ أي: كثير خروج المذي من ذَكَري.

قال في "النهاية" مَذَّاء: فَعَّال للمبالغة في كَثْرَة المَذْي، وقد مذى الرجل يَمْذي وإمذاءً، والمذاء المماذاة: فَغَال منه (3).

(1) رواه مسلم (78)، كتاب: الإيمان، باب: الدليل على أن حب الأنصار وعلي رضي الله عنه من الإيمان وعلاماته، وبغضهم من علامات النفاق، عن علي رضي الله عنه.

(2)

وانظر ترجمته في: "الطبقات الكبرى" لابن سعد (3/ 19)، و"التاريخ الكبير" للبخاري (6/ 259)، و"حلية الأولياء" لأبي نعيم (1/ 61)، و"الاستيعاب" لابن عبد البر (3/ 1089)، و"الثقات" لابن حبان (2/ 302)، و"تاريخ بغداد" للخطيب (1/ 133)، و"تاريخ دمشق" لابن عساكر (72/ 7)، و"صفة الصفوة" لابن الجوزي (1/ 308)، و"أسد الغابة" لابن الأثير (4/ 87)، و"تهذيب الأسماء واللغات" للنووي (1/ 315)، و"تهذيب الكمال" للمزي (20/ 472)، و"الإصابة في تمييز الصحابة" لابن حجر (4/ 564)، و"تهذيب التهذيب" له أيضاً (7/ 294).

(3)

انظر: "النهاية في غريب الحديث" لابن الأثير (4/ 312). وانظر: "غريب الحديث" لأبي عبيد (3/ 300)، و"تحرير ألفاظ التنبيه" للنووي (ص: 38)، =

ص: 292

قال علي رضي الله عنه: (فاستَحييت) هي اللغة الفصحى، وقد يقال: استَحَيْتُ؛ من الحياء، وهو لغةً: تغيرُ وانكسارٌ يعتري الإنسانَ من خوف ما يُعاب به، وشرعاَّ: خُلُق يبعث على اجتناب القبيح، ويمنع من التقصير في حق ذي الحق (1)(أن أسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم) عن حكم ذلك؛ المكان ابنته) صلى الله عليه وسلم، وهي فاطمة الزهراء عليها السلام (مِنِّي)(2).

وفي روايةٍ لمسلم من طريق ابن الحنفية، عن علي: من أجل فاطمة عليها السلام.

وفيه: استعمالُ الأدب ومحاسن العادات في ترك المواجهة مما يُستحيا منه عرفاً.

(فأمرت المقداد بنَ الأسود) وليس الأسود - الذي اشتُهر به - أباه، وإنما هو المقدادُ بنُ عمرِو بنِ ثعلبةَ الكِنْديُّ، وقيل: القضاعيُّ، وذلك أن أباه حالفَ كندةَ، فنُسب إليها، وحالف المقدادُ الأسودَ بنَ عبدِ يغوثَ بنِ وهب بن مناف بن زهرة بن كلاب بن مرة الزهريَّ، فقيل للمقداد: الزهري، ومن هنا عُلم سبب اشتهاره بابن الأسود، للحلف المذكور.

أسلم رضي الله عنه قديماً، شهد بدراً، ولم يثبت أنه شهدها مع النبي صلى الله عليه وسلم فارسٌ غيرُه، وقد قيل: بل الزبير أيضاً كان فارساً، وشهد المقداد أحُداً، والمشاهدَ كلَّها، وكان من الفضلاء النجباء من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم.

= و"لسان العرب" لابن منظور (15/ 274).

(1)

انظر: "تهذيب الأسماء واللغات" للنووي (3/ 76)، و"شرح عمدة الأحكام" لابن دقيق (1/ 75)، و"فتح الباري" لابن حجر (1/ 52).

(2)

زيادة "مني" ليست عند البخاري ومسلم، وهي عند النسائي في "سننه" برقم (435)، وقد تقدم تخريجها عنده في حديث الباب.

ص: 293

روى عنه: عليٌّ، وغيره من الصحابة.

رُوي له اثنان وأربعون حديثاً، اتفقا على واحد، ولمسلمٍ ثلاثة، مات بالجُرُف -بضم الجيم والراء - على ثلاثة أميال من المدينة، وقيل: عشرة أميال، فحمل على رقاب الناس، ودُفن بالبقيع، سنة ثلاثٍ وثلاثين، وهو ابن سبعين سنة، وصلى عليه عثمان بن عفان رضي الله عنه (1).

(فسأله)؛ أي: سأل المقدادُ النبيَّ صلى الله عليه وسلم عن حكم المذي.

ووقع في رواية لأبي داود، والنسائي، وابن خزيمة ذكرُ سبب سؤاله، من طريق حصين بن قَبيصة، عن علي رضي الله عنه، قال: كنت رجلاً مذاءً، فجعلتُ أغتسل منه في الشتاء، حتى تشقَّق ظهري، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:"لا تفعل"(2).

ووقع في رواية النسائي: أن علياً قال: أمرتُ عماراً أن يسأل (3)، وفي

(1) وانظر ترجمته في: "الطبقات الكبرى" لابن سعد (3/ 161)، و"الثقات" لابن حبان (3/ 371)، و"حلية الأولياء" لأبي نعيم (1/ 172)، و"الاستيعاب" لابن عبد البر (4/ 1480)، و"تاريخ دمشق" لابن عساكر (60/ 159)، و"صفة الصفوة" لابن الجوزي (1/ 423)، و"أسد الغابة" لابن الأثير (5/ 242)، و"تهذيب الأسماء واللغات" للنووي (2/ 414)، و"تهذيب الكمال" للمزي (28/ 452)، و"سير أعلام النبلاء" للذهبي (1/ 385)، و"الإصابة في تمييز الصحابة" لابن حجر (6/ 202)، و"تهذيب التهذيب" له أيضاً (10/ 254).

(2)

رواه أبو داود (206)، كتاب: الطهارة، باب: في المذي، وابن خزيمة في "صحيحه"(20). وقد رواه النسائي في "سننه" بألفاظ مختلفة كما تقدم في حديث الباب، وليس في شيء منها هذا اللفظ الذي ساقه الشارح نقلاً عن الحافظ ابن حجر في "الفتح"(1/ 380).

(3)

تقدم تخريجه في حديث الباب.

ص: 294

رواية لابن حبان والإسماعيلي: أن علياً قال: سألتُ (1)، وجمع ابنُ حِبَّانَ بين هذا الاختلاف أن علياً أمر عماراً أن يسأل، ثم أمر المقدادَ بذلك، ثم سأل بنفسه، وهو جمع جيد لولا آخره؛ لأنه ينافي قوله: إنه استحى من السؤال بنفسه لأجل فاطمة، فيتعين حملُه بأن بعض الرواة أطلق أنه سأله؛ لكونه الآمرَ بذلك (2)، وبه جزم الإسماعيلي، ثم النووي (3)، ويؤيده أنه أمر كلاً من المقداد وعمارٍ بالسؤال عن ذلك ما رواه عبد الرزاق، من طريق عائش بن أنس، قال: تذاكر عليٌّ والمقدادُ وعمارٌ المذيَ، فقال علي: إنني رجلٌ مذاءٌ، فاسألا عن ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسأله أحد الرجلين (4).

وصحح ابن بشكوال أن الذي تولى السؤال عن ذلك المقدادُ (5).

وعلى هذا، فنسبة عمار إلى أنه سألَ عن ذلك محمولةٌ على المجاز؛ لكونه قصده، لكن تولى المقداد الخطابَ دونه (6) (فقال) صلى الله عليه وسلم مجيباً لسؤال المقداد:(يغسل ذَكَرَه)؛ أي: عليٌّ، إن كان أفصحَ بذكره.

والأظهر: ما في رواية لمسلم من طريق ابن عباس رضي الله عنهما، عن علي رضي الله عنه: فسأله عن المذي يخرج من الإنسان (7)، وفي

(1) رواه ابن حبان في "صحيحه"(1102).

(2)

انظر: "صحيح ابن حبان"(3/ 386).

(3)

انظر: "شرح مسلم" للنووي (3/ 213).

(4)

رواه عبد الرزاق في "المصنف"(597).

(5)

انظر: "غوامض الأسماء المبهمة" لابن بشكوال (2/ 513 - 514).

(6)

انظر: "فتح الباري" لابن حجر (1/ 380).

(7)

تقدم تخريجه في حديث الباب.

ص: 295

"الموطأ" نحوه (1)، (ويتوضأ)؛ لأنه نجاسةٌ خارجةٌ من أحد السبيلين ناقضةٌ للطهارة الصغرى.

وفيه دليل على عدم وجوب الغسل منه، وأنه نجسٌ؛ للأمر بغسل الذَّكَر منه.

قال الحافظ - رحمه الله تعالى -: (ولـ) ـلإمام (البخاري): أنه صلى الله عليه وسلم قال للمقداد بن الأسود رضي الله عنه بصيغة الخطاب، والمراد: ما يعمم كلَّ من خرج منه المذي: (اغسلْ ذَكَرَكَ)، وظاهره: ولو لم يصبه من الخارج شيء، وأنه لكل الذكر، (وتوضَّأْ)، والذي في نسخ البخاري:"توضأ، واغسلْ ذكرك" بتقديم الأمر بالوضوء على غَسل الذكر، وفي "شرح البخاري": وقع في "العمدة": تقديمُ غسل الذكر على الوضوء، ونسبه للبخاري، لكن الواو لا تفيد الترتيب، فالمعنى واحد، وهي رواية الإسماعيلي، فيجوز تقديمُ الوضوء على غسله، لكن من يقول: إن مس الذكر ينقض الوضوء، يشترط أن يكون ذلك بحائل (2).

(ولـ) لإمام (مسلم) بلفظ: (توضأ، وانضَحْ فَرْجَك).

قال الحافظ عبد الحق في "الجمع بين الصحيحين": لم يذكر البخاري النضحَ (3).

قال في "النهاية": الانتضاح بالماء: هو أن يأخذ قليلاً من الماء، فيبرش به مذاكيره، وهذا قاله في الانتضاح المندوب بعد الاستنجاء لدفع

(1) رواه الإمام مالك في "الموطأ"(1/ 40).

(2)

انظر: "فتح الباري" لابن حجر (1/ 380).

(3)

انظر: "الجمع بين الصحيحين" للإشبيلي (1/ 231 - 232)، حديث رقم (411).

ص: 296

الوسوسة، وقد نضح عليه الماءَ، ونضحه به: إذا رَشَّه عليه، وقد يرد النضحُ بمعنى الغسل والإزالة، ومنه حديث الحيض:"ثم لتنضحْه"(1)؛ أي: تغسله، وحديث: ونضحَ الدمَ عن جبينه (2).

والمراد بالفرج هنا: الذكر.

والصيغة لها وضعان؛ لغوي وعرفي:

فاللغوي: مأخوذٌ من الانفراج، فيدخل فيه الدبر، ويلزم منه انتقاضُ الطهارة بمسِّه، لدخوله تحت قوله صلى الله عليه وسلم:"من مَسَّ فرجَهُ فليتوضأ"(3).

والعرفي: استعمالُه في القبل غالباً من الرجل والمرأة، والمراد: الثاني، والله أعلم.

تنبيهات:

أحدها: ظاهر الحديث: وجوبُ غسل الذكر كله، ولهذا أوجبنا ذلك على أصح الروايات، كالمالكية، وزدنا عليهم: بغسل الأنثيين أيضاً.

وخالف في ذلك الحنفيةُ والشافعيةُ، فلم يوجبوا استيعابَ الذكَر؛ نظراً

(1) رواه البخاري (301)، كتاب: الحيض، باب: غسل دم المحيض، ومسلم (291)، كتاب الطهارة، باب: نجاسة الدم وكيفية غسله، عن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها.

(2)

رواه مسلم (1792)، (3/ 1417)، كتاب: الجهاد والسير، باب: غزوة أحد، عن ابن مسعود رضي الله عنه. وانظر:"النهاية في غريب الحديث" لابن الأثير (5/ 68 - 69).

(3)

رواه أبو داود (181)، كتاب: الطهارة، باب: الوضوء من مس الذكر، والنسائي (444)، كتاب: الغسل والتيمم، باب: الوضوء من مس الذكر، وابن ماجه (479)، كتاب: الطهارة، باب: الوضوء من مس الذكر، والإمام أحمد في "المسند"(6/ 406)، من حديث بسرة بنت صفوان رضي الله عنها.

ص: 297

منهم إلى أن الموجب لغسله إنما هو خروجُ الخارج، فلا يجب المجاوزةُ إلى غير محله.

ولنا: أن الأصل في الأشياء الحقيقةُ، وحقيقةُ الذكَر استيعابه بالغسل؛ كما هو صريح الحديث.

واختلف القائلون بذلك؛ هل هو معقول المعنى، أو للتقييد؟ وعلى الثاني، هل تجب فيه النية أو لا؟.

عندنا: لا نية له.

وقال الطحاوي من الحنفية: لم يكن الأمر بغسله لوجوب غسله كلِّه، بل ليتقلص فيبطل خروجه؛ كما في الضرع إذا غسل بالماء البارد، فينقبض اللبن إلى داخل الضرع، فينقطع خروجه (1).

ولنا: أن هذه مكلَّفات جدليةٌ، وتخيلاتٌ وهميةٌ، لا يدل عليها منطوقُ الحديث، ولا مفهومُه.

وقد قلنا: إن اسم الذكَر حقيقةٌ في العضو كله.

وفي حديث علي رضي الله عنه: كنت رجلاً مذاءً، فاستحييت أن أسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأمرت المقدادَ بنَ الأسود، فسأله، قال:"يغسل ذكره وأُنثييه، ويتوضأ" رواه أبو داود (2).

فهذا دليلٌ على المذهب.

وفي "الفروع": المذيُ نجسٌ وفاقاً، ولا يطهر بنضحِه وِفاقاً، ولا يُعفى

(1) انظر: "فتح الباري" لابن حجر (1/ 381).

(2)

تقدم تخريجه في حديث الباب.

ص: 298

عن يسيره، خلافاً لأبي حنيفة (1)؛ أي: ولشيخ الإسلام.

وصوبه في "الإنصاف"، قال: وخصوصاً في حق الشباب (2).

قال: وهل يغسل ما أصابه وفاقاً لأبي حنيفة والشافعي؟ أو ذكره كله وفاقاً لمالك؟ أو أنثييه؟ فيه رواياتٌ.

قال: وأجيب عن أمره بغسلهما بمنع صحته، ثم لتبريدهما وتلويثهما غالباً؛ لنزوله مُتَسبْسِباً، انتهى (3).

والذي استقر عليه المذهب: وجوبُ غسل الذكر والأنثيين مرةً واحدةً إن لم يصبهما.

ثانيها: قوله صلى الله عليه وسلم: "وانضحْ فرجك" إن أريدَ المحلُّ الذي أصابه المذي، فلا يجزىء إلا الغسل؛ كسائر النجاسات، فيكون النضحُ هنا بمعنى الغسل، وقد أشرنا إلى أنه يستعمل بمعنى ذلك، وإن أُريد نضحُ الذكَر والأنثيين على ما أسلفنا، فيجزىء النضح الذي هو دون الغسل؛ كنضح بول الغلام، على ما اختاره الشيخ وجمع (4).

والمذهب: لابد من الغسل، ولكن يكتفي بمرةٍ واحدةٍ.

ثالئها: استدل به أيضاً على وجوب الوضوء على مَنْ به سلسُ المذي؛ للأمر بالوضوء مع الوصف بصيغة المبالغة الدالة على الكثرة.

وتعقبه ابنُ دقيق العيد؛ بأن الكثرة هنا ناشئةٌ عن غلبة الشهوة، بخلاف

(1) انظر: "الفروع" لابن مفلح (1/ 214).

(2)

انظر: "الإنصاف" للمرداوي (1/ 330).

(3)

انظر: "الفروع" لابن مفلح (1/ 214). وقوله: مُتَسَبْسِباً؛ أي: سائلاً.

(4)

انظر: "شرح العمدة" لشيخ الإسلام ابن تيمية (1/ 98).

ص: 299

صاحب السَّلَسِ؛ فإنه ينشأ عن علة في الجسد (1).

لكن من الممكن أن يقال: أمرُ الشارعِ بالوضوء، ولم يستفصل، يدلُّ على عموم الحكم (2).

رابعها: استدل بالحديث على قبول خبر الواحد، وعلى جواز الاعتماد على الخبر المظنون مع القدرة على المقطوع.

وفيهما نظرٌ؛ لأن السؤال كان بحضرة علي، ثم لو صح كون السؤال كان في غيبته، لم يكن دليلاً على المدَّعى؛ لاحتمال وجود القرائن التي تحف الخبر، فترقِّيه عن الظن إلى القطع، قاله القاضي عياض (3).

وقال ابن دقيق العيد: المرادُ به: الاستدلالُ به على قبول خبر الواحد، مع كونه خبر واحد: أنه صورة من الصور التي تدل، وهي كثيرةٌ تقوم الحجةُ بجملتها، لا بفردٍ معينٍ منها، وإلا لكان ذلك إثباتاً للشيء بنفسه، وهو محالٌ، وإنما ذكر صورةً مخصوصةً؛ للتنبيه على أمثالها، لا للاكتفاء بها، فليعلم ذلك، فإنه مما انتقد على بعض العلماء؛ حيث استدل بالمسألة بأخبارٍ آحادٍ، وقيل: قد أثبت خبر الواحد بخبر الواحد، وجوابه: ما ذكر، والله الموفق (4).

خامسها: هل يجوز في المذي الاقتصارُ على الأحجار، أو لابدَّ من الاستنجاء بالماء؟.

(1) انظر: "شرح عمدة الأحكام" لابن دقيق (1/ 76).

(2)

انظر: "فتح الباري" لابن حجر (1/ 381).

(3)

انظر: "إكمال المعلم"(2/ 137).

(4)

انظر: "شرح عمدة الأحكام" لابن دقيق (1/ 76 - 77).

ص: 300

المعتمد في المذهب: جوازُ الاقتصار على الأحجار في الخارج دون الذكر والأنثيين.

وصحح ابن دقيق العيد عدمَ الجواز (1)؛ كالنووي في "شرح مسلم"(2)، وصحح في بقية كتبه الجوازَ؛ إلحاقاً له بالبول، وحمل الأمرَ بغسله على الاستحباب، أو أنه خرج مخرج الغالب.

قال الحافظ ابن حجر في "شرح البخاري": وهذا هو المعروف في المذهب، يعني: مذهب الشافعي، والله أعلم (3).

* * *

(1) المرجع السابق (1/ 77).

(2)

انظر: "شرح مسلم" للنووي (3/ 213).

(3)

انظر: "فتح الباري" لابن حجر (1/ 380).

ص: 301