الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحديث الخامس
عَنْ أبي قَتَادَةَ الحَارِثِ بْنِ رِبْعِيٍّ الأَنْصَارِيِّ رضي الله عنه: أَنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قالَ: "لا يُمْسِكَنَّ أَحَدُكُمْ ذَكَرَهُ بِيَمِينِهِ وَهُوَ يَبُولُ، وَلا يَتَمَسَّحْ مِنَ الخَلاءِ بِيَمِينِهِ، وَلايَتنفَّسْ في الإِنَاءِ"(1).
(1) * تَخْرِيج الحَدِيث:
رواه البخاري (153)، كتاب: الوضوء، باب: النهي عن الاستنجاء باليمين، و (153)، باب: لا يمسك ذكره بيمينه إذا بال، و (5307)، كتاب: الأشربة، باب: النهي عن التنفس في الإناء، ومسلم (267)، و (1/ 225)، كتاب: الطهارة، باب: النهي عن الاستنجاء باليمين، وهذا لفظه، ورواه أيضاً (267)، (3/ 1602)، كتاب: الأشربة، باب: كراهة التنفس في نفس الإناء، واستحباب التنفس ثلاثاً خارج الإناء، مختصراً. ورواه أبو داود (31)، كتاب: الطهارة، باب: كراهية مس الذكر باليمين في الاستبراء، والنسائي (24، 25)، كتاب: الطهارة، باب: النهي عن مس الذكر باليمين عند الحاجة، و (47، 48)، كتاب: الطهارة، باب: النهي عن الاستنجاء باليمين، والترمذي (15)، كتاب: الطهارة، باب: ماجاء في كراهة الاستنجاء باليمين، و (1889)، كتاب: الأشربة، باب: ما جاء في كراهية التنفس في الإناء، وابن ماجه (310)، كتاب: الطهارة، باب: كراهة مس الذكر باليمين، والاستنجاء باليمين.
* مصَادر شرح الحَدِيث:
"معالم السنن" للخطابي (1/ 23)، و"الاستذكار" لابن عبد البر (8/ 352)، و"إكمال المعلم" للقاضي عياض (2/ 74)، و"المفهم" للقرطبي (1/ 519)، و"شرح مسلم" للنووي (3/ 159)، و"شرح عمدة =
(عن أبي قتادةَ) هذه كنيتهُ -واسمه (الحارِثُ بنُ رِبْعي) - بكسر الراء وسكون الموحدة، وبالعين المهملة وتشديد المثناة تحت -، وهذا الأصح في اسم أبي قتادة واسم أبيه.
وقيل: اسمُه: النعمانُ بنُ ربعي. وقيل: النعمانُ بنُ عمرٍ و، وربعيٌّ: ابنُ بَلْدَمَةَ -بفتح الباء الموحدة وسكون اللام وفتح الدال المهملة-، ويقال: بُلْدُمَة - بالضم فيهما -، ويقال: بإعجام الذال مضمومةً، (الأنصاريِّ) السَّلَمِيِّ -بفتح السين المهملة - نسبةً إلى أحد أجداده كعبِ بنِ سَلَمة رضي الله عنه، وكان يقال له: فارس رسول الله صلى الله عليه وسلم.
شهد أُحُداً وما بعدها، وفي شهوده بدراً خلافٌ، والصحيح: أنه مات بالمدينة سنة أربعٍ وخمسين.
وقيل: مات في خلافة علي بالكوفة سنة ثمانٍ وثلاثين، وكان شهد معه صِفِّينَ وغيرَها، ولما مات، صلَّى عليه عليٌّ، وكَبَّرَ عليه سبعاً، وعمرُه يومَ مات سبعون سنةً، وهو ممن غلبت عليه الكنية.
روي له عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مئةُ حديثٍ وسبعون حديثاً، اتفقا على أحد عشر، وانفرد البخاري بحديثٍ، ومسلمٌ بثمانية (1).
= الأحكام" لابن دقيق (1/ 59)، و"فتح الباري" لابن حجر (1/ 253) و (10/ 92)، و"عمدة القاري" للعيني (2/ 294) و (21/ 200)، و"فيض القدير" للمناوي (1/ 386)، و"سبل السلام" للصنعاني (1/ 77).
(1)
وانظر ترجمته في: "الطبقات الكبرى" لابن سعد (6/ 15)، و"التاريخ الكبير" للبخاري (2/ 258)، و"الاستيعاب" لابن عبد البر (4/ 1731)، و"تاريخ بغداد" للخطيب البغدادي (1/ 159)، و"تاريخ دمشق" لابن عساكر (67/ 141)، و"صفة الصفوة" لابن الجوزي (1/ 647)، و"المنتظم" له أيضاً (5/ 268)، و"أسد الغابة" لابن الأثير (6/ 244)، و"سير أعلام النبلاء" للذهبي (2 / =
فمن المتفق عليه: مارواه (رضي الله عنه: أَنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: لا يُمْسِكَنَّ)؛ "لا" ناهية، و"يمسكن": فعلٌ مضارعٌ مبنيٌّ على الفتح؛ لاتصاله بنون التوكيد الثقيلة، و (أحدكم) فاعل، و (ذَكَرَهُ) مفعولٌ، و (بيمينِهِ) متعلقٌ بيمسك، وجملة (وهو يبولُ) من المبتدأ والخبر جملةٌ حاليةٌ؛ أي: في حال بوله، فيقتضي النهي عن مس الذكر باليمين في حال البول، فيكون ما عداه مباحاً.
وقال بعض العلماء: بل يكون ممنوعاً -أيضاً- من باب الأولى؛ لأنه إذا نُهي عن ذلك مع مَظِنَّة الحاجة في تلك الحال، ففي سواها أولى.
وتعقبه ابن أبي جمرة بأن مظنة الحاجة لا تختص بحال الاستنجاء، وإنما خص النهي بحال البول من جهة أن مجاور الشيء يُعطى حكمه، فلما مُنع الاستنجاء باليمين، مُنع مسُّ آلته حسماً للمادة، انتهى (1).
وقد جاء في رواية: النهيُ عن مس الذكر باليمين مطلقاً من غير تقييد بحال البول (2).
قال في "الفروع": نقل صالح -يعني: عن أبيه الإمام أحمد رضي الله عنه: أكره أن يمسَّ فرجَه بيمينه، فظاهره: مطلقاً، وذكره صاحب "المحرر" -يعني: المجد (3) -، وهو ظاهر كلام الشيخ -يعني: الموفق (4).
= 449)، و"تهذيب الكمال" للمزي (24/ 194)، و"الوافي بالوفيات" للصفدي (11/ 185)، و"الإصابة في تمييز الصحابة" لابن حجر (7/ 327)، و"تهذيب التهذيب" له أيضاً (12/ 224).
(1)
انظر: "فتح الباري" لابن حجر (1/ 254).
(2)
كما في إحدى روايتي مسلم المتقدم تخريجها في حديث الباب.
(3)
انظر: "المحرر في الفقه" للإمام مجد الدين بن تيمية (1/ 10).
(4)
انظر: "المغني" لابن قدامة (1/ 103).
قال في "الفروع": وحمله أبو البركات ابنُ مُنجَّى على وقت الحاجة؛ لسياقه فيها، وترجم الخَلَاّل روايةَ صالح كذلك، انتهى (1).
واستدل ابنُ أبي جمرةَ على إباحة مسِّ الذكر باليمين في غير حال البول، بقوله صلى الله عليه وسلم لطلقِ بنَ عليٍّ حين سأله عن مس ذكره:"إنما هو بَضْعَةٌ منكَ"(2)، فدل على الجواز في كل حالٍ، فخرجت حالة البول بهذا الحديث الصحيح، وبقي ما عداها على الإباحة، انتهى. والحديث الذي أشار إليه صحيحٌ أو حسنٌ.
وقد يقال: حملُ المطلَق على المقيد غيرُ متفقٍ عليه بين العلماء، ومن قال به اشترط فيه شروطاً (3).
لكن نبه ابنُ دقيق العيد على أن محلَّ الاختلاف إنما هو حيث تتغاير مخارجُ الحديث بحيث يعد حديثين مختلفين، فأما إذا اتحد المخرج، فكأن الاختلاف فيه من بعض الرواة، فيبقى حملُ المطلق على المقيد بلا خلافٍ؛ لأن القيد حينئذٍ يكون زيادةً من عدلٍ، فتقبل (4).
(ولا يتمسح من) إتيانِ (الخلاء بيمينه) من بولٍ ولاغائطٍ، في قُبل ولا دبرٍ.
قال البهاء البغدادي في "شرح الوجيز": فإن كان من غائطٍ، أخذ الحجر
(1) انظر: "الفروع" لابن مفلح (1/ 93).
(2)
رواه أبو داود (182)، كتاب: الطهارة، باب: الرخصة في ذلك، والنسائي (165)، كتاب: الطهارة، باب: ما جاء في ترك الوضوء من مس الذكر، وابن ماجه (483)، كتاب: الطهارة، باب: الرخصة في ذلك.
(3)
انظر: "فتح الباري" لابن حجر (1/ 254).
(4)
انظر: "شرح عمدة الأحكام" لابن دقيق (1/ 60).
بشماله، فمسح به، وإن كان من بولٍ، وكان الحجر كبيراً، أخذ ذكره بشماله، فمسح به.
وقال صاحب "المحرر": يتوخى الاستنجاء بجدارٍ، أو موضع ناتىء من الأرض، أو حجرٍ ضخم لا يحتاج إلى إمساكه، فإن اضطر إلى الحجارة الصغار، جعل الحجر بين عقبيه، أو بين أصابعه، وتناول ذكرَه بشماله، فمسحه بها، فإن لم يمكنه، أمسك الحجر بيمينه، ومسح بشماله؛ لأنه موضع حاجة، فأشبه الاستعانة بها في الاستنجاء بالماء.
وقيل: يمسك ذكره بيمينه، ويمسح بشماله؛ ليكون المسح بغير اليمين (1).
والأول أولى؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: "لا يمسَّ أحدُكم ذكرَه بيمينه"، فإذا أمسك الحجر باليمنى، ومسح الذكر عليه باليسرى، لم يكن ماسحاً ولا ممسكاً للذكر، وعلى كل يحرك اليسرى، وتكون اليمنى قارَّةً؛ لأن الاستجمار بالمتحركة (2).
تنبيهات:
الأول: النهي في الحديث عن مس الذكر باليمنى وعن التمسح بها للكراهة.
قال في "الفروع": ويكره بيمينه؛ وفاقاً للشافعي، وقيل بتحريمه، وإجزائه في الأصح، انتهى (3).
(1) انظر: "الإنصاف" للمرداوي (1/ 104).
(2)
انظر: "المبدع" لابن مفلح (1/ 88).
(3)
انظر: "الفروع" لابن مفلح (1/ 93).
قال في "الإنصاف": الكراهةُ المذهبُ، وعليه أكثرُ الأصحاب، وجزم به في "المستوعب"(1)، و"النظم"، و"الوجيز"، و"الحاوي الكبير"، و- "تذكرة ابن عبدوس"، وغيرهم.
قال: وجزم في "التلخيص"(2) للفخر بن تيمية بالتحريم، وعلى كلا القولين يجزيه الاستجمار، انتهى (3).
قال في "شرح البخاري": القرينة الصارفة للنهي من التحريم: أنه أدبٌ من الآداب.
قال: وبكونه للتنزيه قال به الجمهور.
وذهب أهل الظاهر إلى أنه للتحريم.
قال: وفي كلام جماعةٍ من الشافعية ما يُشعر به، لكن قال النووي: مرادُ من قال منهم: لا يجوز الاستنجاء باليمين؛ أي: لا يكون مُباحاً يستوي طرفاه، بل هو مكروهٌ راجحُ الترك (4).
قال: ومع القول بالتحريم، فمن فعل، أساءَ، وأجزأه.
قال: وقال أهل الظاهر وبعض الحنابلة: لا يجزىء.
(1) انظر: "المستوعب" للسّامري (1/ 128).
(2)
هو كتاب: "تخليص المطلب في تلخيص المذهب" للإمام الفقيه المفسر محمد بن الخضر أبو عبد الله فخر الدين ابن تيمية، المتوفى سنة (622 هـ)، كذا سماه ابن رجب في "ذيل طبقات الحنابلة"(2/ 153)، وسماه ابن مفلح في "المقصد الأرشد"(2/ 408)، والمرداوي في "الإنصاف"(1/ 14) بـ"التلخيص". وانظر "معجم مصنفات الحنابلة" لعبد الله الطريقي (3/ 92).
(3)
انظر: "الإنصاف" للمرداوي (1/ 103).
(4)
انظر: "شرح مسلم" للنووي (3/ 159).
قال: ومحل هذا الاختلاف حيث كانت اليد تباشر ذلك بآلة غيرها، كالماء وغيره، أما بغير آلةٍ، فحرامٌ غير مجزىءٍ، بلا خلافٍ، واليسرى في ذلك كاليمنى، انتهى (1).
قلت: كأنه أخذ ما نقله من فحوى كلام بعضهم، ومفهومِه، وإلا، فلا أعلم قائلاً به في المذهب، وعبارة "الإنصاف" إن قلنا بالكراهة، أجزأه الاستنجاء والاستجمار، وإن قلنا بالتحريم، أجزأه -أيضاً- على الصحيح من المذهب. وقيل: لا يجزىء.
قال في "مجمع البحرين": قياس قولهم في الوضوء في الفضة أنه لا يجزئه هنا. وقيل: يجزىء الاستنجاءُ دونَ الاستجمار.
وجزم ابنُ تميمٍ بصحة الاستنجاء، وأطلقَ على الوجهين في الاستجمار، فنقل الخلاف في الجملة، ولم يبين قائله، والله أعلم (2).
الثاني: قوله: "ولا يتمسَّحْ" بالجزم بلا الناهية. وقال الحافظ ابن حجر: وروي بالضم فيها، وفي "يتنفس"، على أن "لا" نافية (3).
الثالث: التنصيص على الذَّكَر لا مفهوم له، بل مثلُه الدُّبر وفرجُ المرأة، وإنما خص الذَّكَرَ بالذِّكْرِ؛ لكون الرجال في الغالب هم المخاطبون، والنساءُ شقائق الرجال في أحكام التكليف، إلا ما خص الرجال.
الرابع: استنبط بعض العلماء من الحديث: منعَ الاستنجاء باليد التي فيها الخاتم المنقوش فيه اسم الله - تعالى -؛ لكون النهي عن ذلك لتشريف اليمين، فيكون ذلك من بابٍ أولى.
(1) انظر: "فتح الباري" لابن حجر (1/ 253).
(2)
انظر: "الإنصاف" للمرداوي (1/ 103).
(3)
انظر: "فتح الباري" لابن حجر (1/ 253).
وما وقع في "الغنية" عن مالك من عدم الكراهة، قد أنكره حذاقُ أصحابه.
وقيل: الحكمة في النهي؛ لكون اليمين معدةً للأكل بها، فلو تعاطى ذلك بها، لأمكن أن يتذكره عند الأكل، فيتأذى بذلك (1).
(ولا يتنفس في الإناء)؛ أي: الوعاء. وهذه جملةٌ جزئيةٌ مستقلةٌ إن كانت "لا" نافية، وإن كانت "لا" ناهية، فمعطوفةٌ، لكن لا يلزم من كون المعطوف عليه مقيداً بقيدٍ أن يكون المعطوف مقيداً به؛ لأن التنفس لا يتعلق بحالة البول، وإنما هو حكمٌ مستقل، ويحتمل أن تكون الحكمة في ذكره هنا: أن الغالب من أخلاق المؤمنين التأسي بأفعال النبي صلى الله عليه وسلم، وقد كان إذا بال يتوضأ، وثبتَ أنه شرب فضل وضوئه، فالمؤمن بصدد أن يفعل ذلك، فعلمه أدب الشرب مطلقاً لاستحضاره (2).
والنهي عن التنفس في الإناء مختصٌّ بحالة الشرب كما دل عليه سياق الرواية؛ ففي "الصحيحين" عن أبي قتادة: نهى رسولُ الله صلى الله عليه وسلم أن يتنفس في الإناء (3).
وفي حديث أنس عندهما: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يتنفس في الإناء ثلاثاً"(4).
(1) انظر: "فتح الباري" لابن حجر (1/ 255).
(2)
المرجع السابق، الموضع نفسه، وانظرت "عمدة القاري" للعيني (2/ 297).
(3)
تقدم تخريجه في حديث الباب.
(4)
رواه البخاري (5308)، كتاب: الأشربة، باب: الشرب بنفَسين أو ثلاثة، ومسلم (2028)، كتاب: الأشربة، باب: كراهة التنفس في نَفْسِ الإناء، واستحباب التنفس ثلاثاً خارج الإناء.
فظاهر هذه الأحاديث: المدافعة، وليس كذلك، وإنما المقصود في أحاديث النهي: أَلَاّ يتنفس داخل الإناء، إذ قد يخرج مع النفس بصاقٌ أو مخاطٌ، أو بخار رديء، فيكسبه رائحة كريهة، فيستقذر منه هو أو غيره، فيترك شربه.
وعند الحاكم، من حديث أبي هريرة:"لا يتنفسْ أحدُكم في الإناء إذا كانَ يشربُ منه"(1).
والمقصود في أحاديث الأمر: أن يشربَ، ثم يُبِينَ الإناءَ عن فيه، فيتنفسَ خارجَ الإناء ثلاثاً.
ففي حديث لأنسٍ عند مسلمٍ وأصحاب السنن: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتنفَّس في الشر اب ثلاثاً، ويقول:"إنه أَرْوى، وأَمْرَأ، وأَبْرَأُ"-، وفي رواية أبي داود:"أهنأُ" بدل "أروى" -. قال أنس: وأنا أتنفس في الشراب ثلاثاً (2).
قال الحافظ ابن حجرٍ في "شرح البخاري": تقديره: كان يتنفس في حالة الشرب من الإناء.
وقال الإسماعيلي: المعنى: أنه كان يتنفس على الشراب، لا فيه داخلَ الإناء.
(1) رواه الحاكم في "المستدرك"(7207)، وأبو يعلى في "مسنده"(6677)، وابن عبد البر في "التمهيد"(1/ 396).
(2)
رواه مسلم (2028)، كتاب: الأشربة، باب: كراهة التنفس في الإناء، واستحباب التنفس ثلاثاً خارج الإناء، وأبو داود (3727)، كتاب: الأشربة، باب: في الساقي متى يشرب، والنسائي في "السنن الكبرى"(6887، 6888)، والترمذي (1884)، كتاب: الأشربة، باب: ما جاء في التنفس في الإناء، وابن ماجه (3416)، كتاب: الأشربة، باب: الشرب بثلاثة أنفاس.
قال: وإن لم يحمل على هذا، صار الحديثان مختلفين، وكان أحدهما منسوخاً لا محالة، والأصلُ عدم النسخ، والجمعُ مهما أمكن أولى.
وفي حديث أبي هريرة عند ابن ماجه مرفوعاً: "إذا شربَ أحدُكم، فلا يتنفَّسْ في الإناء، فإن أراد أن يعودَ، فلينحِّ الإناَء، ثم ليعدْ إن كان يريدُ"(1).
قال الأثرم: اختلاف الرواية في هذا دال على الجواز، وعلى اختيار الثلاث.
والمراد بالنهي عن التنفس في الإناء: أَلَّا يجعل نَفَسَه داخل الإناء، وليس المراد أَلَّا يتنفس خارجه طلباً للراحة، انتهى ملخصاً (2).
تتمة: كما أنَّ التنفس في الشراب مكروهٌ، كذلك النفخُ، فإنه مكروهٌ.
وفي حديث أبي قتادة: النهي عن النفخ في الإناء.
وله شاهدٌ من حديث ابن عباسٍ عند أبي داود، والترمذي:"أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم نهى أن يتنفَّسَ في الإناء، وأن ينفخَ فيه"(3).
وجاء في النهي عن النفخ في الإناء عدةُ أحاديث؛ لأن العلة التي لأجلها كره التنفس في الإناء -من مَظِنَّةِ تغيير المشروب بالنفس-، موجودة في النفخ بالأولى، فإن النفخ أشد من التنفس.
قال المهلب: النهي عن التنفس في الشراب، والنهي عن النفخ في الطعام والشراب؛ من أجل أنه قد يقع فيه شيءٌ من الريق، فيعافه الشارب،
(1) رواه ابن ماجه (3427)، كتاب: الأشربة، باب: التنفس في الإناء، وابن أبي شيبة في "المصنف"(24169).
(2)
انظر: "فتح الباري" لابن حجر (10/ 93).
(3)
رواه أبو داود (3728)، كتاب: الأشربة، باب: في النفخ في الشراب والتنفس فيه، والترمذي (1888)، كتاب: الأشربة، باب: ما جاء في كراهية النفخ في الشراب، وقال: حسن صحيح، وعندهما:"أو ينفخ فيه" بدل "وأن ينفخ فيه".
ويستقذزه؛ إذ كان التقذرُ في مثل ذلك عادةً غالبةً على طباع أكثر الناس.
قال: ومحل هذا: إذا أكل أو شرب مع غيره، أما لو أكل وحده، أو مع أهله، أو مع من يعلم أنه لا يقذر شيئاً مما يتناوله، فلا بأس.
واعترضه الحافظ ابن حجرٍ: بأن الأولى: تعميمُ المنع؛ لأنه لا يؤمَنُ مع ذلك أن يفضل فضلة، أو يحصل التقذر من الإناء، أو نحو ذلك.
وقال ابن العربي: قال علماؤنا: هو من مكارم الأخلاق، ولكن يحرم على الرجل أن يناول أخاه ما يقذره، فإن فعَلَهُ في خاصَّةِ نفسه، فجاء غيرُه فناوله إياه، فليُعْلِمْه، فإن لم يُعلمه، فهو غش، والغش حرامٌ. كذا قال (1).
تنبيه:
أومأ بعضُ العلماء أن التنفس في الإناء من خصائصه صلى الله عليه وسلم. ويردُّه ما ذكرناه من قول أنسٍ رضي الله عنه، ولأنَّ محملَه على ما ذكرنا، لا ما توهمه من ظن المعارضة، وقد أخرج الطبراني في "الأوسط " بسندٍ حسنٍ عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يشرب في ثلاثة أنفاسٍ، إذا أدنى الإناء إلى فيه، سمى الله، فإذا أخره، حَمِدَ الله، يفعل ذلك ثلاثاً (2).
وأصله في ابن ماجه (3)، وله شاهدٌ من حديث ابن مسعودٍ عند البزار، والطبراني (4).
(1) انظر: "فتح الباري" لابن حجر (10/ 94).
(2)
رواه الطبراني في "المعجم الأوسط"(840). وقال ابن أبي حاتم في "العلل"(2/ 294): سألت أبي عنه، فقال: هذا حديث منكر.
(3)
تقدم تخريجه بلفظ: "إذا شرب أحدكم، فلا يتنفس في الإناء، فإذا أراد أن يعود، فلينح
…
".
(4)
رواه البزار في "مسنده"(1752)، والطبراني في "المعجم الكبير"(10475)، وفي "المعجم الأوسط"(9290).
وأخرج الترمذي في حديث ابن عباسٍ رضي الله عنهما: "وسَمُّوا إذا أنتم شربتم، واحْمَدُوا (1) إذا أنتم رفعتُم"(2).
قال الحافظ ابنُ حجرٍ: وهذا يحتمل أن يكون شاهداً لحديث أبي هريرة المذكور، ويحتمل أن يكون المراد به في الابتداء والانتهاء فقط، والله أعلم (3).
* * *
(1) في الأصل: "والإمام أحمد" بدل "واحمدوا"، ولعله سبق قلم؛ إذ لم يخرجه الإمام أحمد في "مسنده".
(2)
رواه الترمذي (1885)، كتاب: الأشربة، باب: ما جاء في التنفس في الإناء، وقال: غريب.
(3)
انظر: "فتح الباري" لابن حجر (10/ 94).