الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحديث الثاني
عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها: أَنَّ أُمَّ حَبِيبَةَ اسْتُحِيضَتْ سَبْعَ سِنِينَ، فَسَأَلَتْ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ ذَلِكَ، فَأَمَرَهَا أَنْ تَغْتَسِلَ، فَكَانَتْ تَغْتَسِلُ لِكُلِّ صَلَاةٍ (1).
(1) * تَخْرِيج الحَدِيث:
رواه البخاري (321)، كتاب: الحيض، باب: عرق الاستحاضة، واللفظ له، ومسلم (334)، (1/ 263 - 264)، كتاب: الحيض، باب: المستحاضة وغسلها وصلاتها، وأبو داود (285)، كتاب: الطهارة، باب: من قال: إذا أقبلت الحيضة تدع الصلاة، و (288، 289، 290، 291، 292)، باب: من روى أن المستحاضة تغتسل لكل صلاة، والنسائي (203، 204، 205، 206، 207)، كتاب: الطهارة، باب: ذكر الاغتسال من الحيض، و (209، 210)، باب: ذكر الأقراء، و (356، 357)، كتاب: الحيض، باب: ذكر الأقراء، والترمذي (129)، كتاب: الطهارة، باب: ما جاء في المستحاضة أنها تغتسل عند كل صلاة، وابن ماجه (626)، كتاب: الطهارة، باب: ما جاء في المستحاضة إذا اختلط عليها الدم، فلم تقف على أيام حيضها.
* مصَادر شرح الحَدِيث:
"معالم السنن" للخطابي (1/ 86)، و"الاستذكار" لابن عبد البر (1/ 343)، و"إكمال المعلم" للقاضي عياض (2/ 178)، و"المفهم" للقرطبي (1/ 592)، و"شرح مسلم" للنووي (4/ 22)، و"شرح عمدة الأحكام" لابن دقيق (1/ 125)، و"العدة في شرح العمدة" لابن العطار (1/ 226)، و"فتح الباري" لابن رجب (1/ 524)، و"فتح الباري" لابن حجر (1/ 426)، و"عمدة القاري" للعيني (3/ 310).
(عن) أم المؤمنين (عائشةَ) الصدِّيقةِ (رضي الله عنها: أن أمَّ حبيبة) بنتَ جحشِ بنِ رِئاب -بكسر الراء وبالهمزة ممدودًا- الأسديِّ، من نسل أسدِ بنِ جذيمةَ بنِ مدركةَ.
وقد اختُلف في اسمها، فقيل: حبيبة، وأن كنيتها أم حبيب -من غير هاء-، والمشهور -بالهاء-، وقيل: اسمها زينب.
وهي أختُ زينبَ وحَمْنَةَ ابنتي جحش.
وكانت تحت عبد الرحمن بن عوف، وكانت حمنةُ أيضاً تُستحاض، وقيل في زينب أيضاً، وليس بشيء.
وفي "الموطأ" وَهْمٌ: أن زينب بنت جحش استُحيضت، وأنها كانت تحت عبد الرحمن بن عوف (1)، وهذا غلط؛ إنما كانت زينبُ تحت زيد بن حارثة قبل النبيِّ صلى الله عليه وسلم، ولم تكن عند ابن عوف قَطُّ، وقلَّ من يسلمُ من الغلط (2).
وإذا كان اسم أم حبيبة زينب، فلا غلط في التسمية؛ لأنها كانت تحت ابن عوف (3).
وأُمُّ أمِّ حبيبة: أُمَيمَةُ بنتُ عبد المطلب، عمةُ رسول صلى الله عليه وسلم (4).
(1) رواه الإمام مالك في "الموطأ"(1/ 62).
(2)
انظر: "الاستذكار" لابن عبد البر (1/ 343).
(3)
انظر: "فتح الباري" لابن حجر (1/ 427).
(4)
وانظر ترجمتها في: "الطبقات الكبرى" لابن سعد (8/ 242)، و"الاستيعاب" لابن عبد البر (4/ 1928)، و"أسد الغابة" لابن الأثير (7/ 302)، و"تهذيب الكمال" للمزي (35/ 157)، و"الإصابة في تمييز الصحابة" لابن حجر (7/ 586)، و"تهذيب التهذيب" له أيضاً (12/ 440).
وممَّن عُدَّ من المُستحاضات في زمنه صلى الله عليه وسلم غير بنات جحش: فاطمةُ بنتُ أبي حُبيش المتقدم ذكرُها، وسَهْلَةُ بنتُ لسُهيل بن عمرو القرشية، كما في "سنن أبي داود"(1) وغيره، وسودةُ بنتُ زمعةَ زوجُ النبي صلى الله عليه وسلم (2).
وقد جمعهنَّ البرماوي في قوله: [من الطويل]
سِتُّ نِسْوَةٍ جَاءَ اسْتِحَاضَتُهُنَّ في
…
زَمَانِ النَّبيِّ الْهَاشِمِيِّ الْمُشَرَّفِ
كَاُمِّ حَبِيبٍ ثُمَّ حَمْنَةَ زَيْنَبٍ
…
بَنَاتٍ لِجَحْشٍ في الأَخِيرِ تَوَقَّفِ
وَبِنْتِ سُهَيْلٍ سَهْلَةٍ ثُمَّ بِنْتِ أَبِي
…
حُبَيْشٍ كَذَا مِنْهُنَّ سَوْدَةُ فَاعْرِفِ
(استُحِيْضَت) -بالبناء للمفعول-، ولم يبن هذا الفعل للفاعل، كما في قولهم: نُفِسَتِ المرأة، ونُتِجَتِ الناقة، وأصلُ الكلمة من الحيض، والزوائدُ اللاحقة لها للمبالغة؛ كما يقال: قَرَّ في المكان، ثم يقال للمبالغة: استقرَّ. وأعشبَ المكان، ثم يقال فيه للمبالغة: اعشوشب (3).
(سبع سنين).
قيل: فيه حجة لمن أسقط قضاء الصلاة عن المستحاضة إذا تركتها ظانَّة أن ذلك حيض؛ لعدم أمره لها بالإعادة مع طول المدة.
ولعل قولها: سبع سنين، بيان لمدة استحاضتها، مع قطع النظر عن كون المدة كانت كلها قبل السؤال أو لا، وحينئذ فلا حجة فيه لما ذكر (4).
(فسألت)، وفي لفظ: فاستفتت.
(1) رواه أبو داود (295)، كتاب: الطهارة، باب: من قال: تجمع بين الصلاتين، وتغتسل لهما غسلًا.
(2)
انظر: "مختصر سنن أبي داود" للمنذري (1/ 190).
(3)
انظر: "شرح عمدة الأحكام" لابن دقيق (1/ 122).
(4)
انظر: "فتح الباري" لابن حجر (1/ 427).
(رسولَ الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك). وفي لفظٍ: في ذلك. فقال رسول صلى الله عليه وسلم: "إن هذه ليستْ بالحَيْضة، ولكن هذا عِرْقٌ، فاغتسلي وصَلِّي".
قالت عائشة رضي الله عنها: فكانت تغتسل في مِرْكَنٍ في حجرة أختها زينبَ بنتِ جحش، حتى تعلو حمرةُ الدم الماءَ (1).
قالت عائشة: رأيت مِرْكَنَهَا ملانَ دمًا (2).
(فأمرها) رسول الله صلى الله عليه وسلم (أن تغتسل). وفي لفظٍ: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "امْكُثي قَدْرَ ما كانتْ تحبسكِ حَيْضتُك، ثم اغتسلي وصَلِّي"(3). (فكانت) أمُّ حبيبةَ بنتُ جحش رضي الله عنها (تغتسل لكل صلاة).
وليس في كلامه صلى الله عليه وسلم أمرُها بالغسل لكل صلاة، ولا فيه ما وكأنها فهمت ذلك بقرينة.
قال الشافعي: إنما أمرَها صلى الله عليه وسلم أن تغتسل وتصلِّي، وإنما كانت تغتسل لكلِّ صلاة تطوعًا (4).
وكذا قال الليث بن سعد في روايته عند مسلم: لم يذكر ابنُ شهاب أنه صلى الله عليه وسلم أمرها أن تغتسل لكل صلاة، ولكنه شيءٌ فعلته هي (5).
وإلى هذا ذهب الجمهور من عدم وجوب الغسل عليها لكل صلاة.
نعم: الواجبُ عليها لكل صلاة الوضوءُ.
وله ما وقع عند أبي داود من رواية سليمان بن كثير، وابن إسحاق، عن
(1) هذا لفظ مسلم المتقدم تخريجه برقم (334)، (1/ 263) عنده.
(2)
تقدم تخريجه عند مسلم برقم (334)، (1/ 264) عنده.
(3)
تقدم تخريجه عند مسلم برقم (334)، (1/ 264) عنده.
(4)
انظر: "الأم" للإمام الشافعي (1/ 62).
(5)
تقدم تخريجه عند مسلم برقم (332)، (1/ 263).
الزهري في هذا الحديث: فأمرها بالغسل لكل صلاة (1)، فقد طعن الحفاظ في هذه الزيادة؛ لأن الأئمة الأثباتَ من أصحاب الزهري لم يذكروها (2).
قال ابن دقيق العيد: ووقع في نسخ من هذا الكتاب -يعني: "العمدة"-: فأمرها رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تغتسل لكل صلاة.
قال: وليس في "الصحيحين"، ولا أحدِهما (3).
قلت: ولعلَّه وقع ذلك له، وإلا، فما رأيتُ ذلك ولا في نسخة مما وقفت عليه، وقد علمت وقوع هذه الزيادة في رواية لأبي داود، فعلى فرض صحة ذلك يُحمل الأمر على الندب، جمعًا بين الروايتين.
وأجاب بعضهم عن ذلك: بأنه أمرها أن تغتسل من الدم الذي أصابها؛ لأنه من إزالة النجاسة، وهي شرط لصحة الصلاة.
وقال الطحاوي: حديثُ أم حبيبة منسوخٌ بحديث فاطمةَ بنتِ أبي حبيش؛ لأن فيه الأمرَ بالوضوء لكل صلاة دون الغسل (4).
والجمع بين الحديثين بحمل الأمرِ بالغسلِ على الندب أولى (5)، ولهذا استحبَّه سيدنا الإمام أحمد رضي الله عنه، والله أعلم.
* * *
(1) تقدم تخريجه في حديث الباب برقم (292).
(2)
انظر: "فتح الباري" لابن حجر (1/ 427). وانظر: "السنن الكبرى" للبيهقي (1/ 350).
(3)
انظر: "شرح عمدة الأحكام" لابن دقيق (1/ 125).
(4)
انظر: "شرح معاني الآثار" للطحاوي (1/ 105).
(5)
انظر: "فتح الباري" لابن حجر (1/ 428).