الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحديث الأول
عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها: أَنَّ فَاطِمَةَ بنْتَ أَبِي حُبَيْشٍ سَأَلَتِ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم؛ فَقَالَتْ: إنِّي اسْتَحَاضُ، فلا أَطْهُرُ، أَفَأَدع الصَّلَاةَ؟ فقالَ:"لا، إِنَّ ذَلِكَ عِرْقٌ؛ وَلَكِنْ دَعِي الصَّلَاةَ قَدْرَ الأَيامِ الَّتي كنْتِ تَحِيضِينَ فيها، ثُمَّ اغْتَسِلِي، وصَلِّي"(1).
وَفِي رِوَايَةٍ (2): "وَلَيْسَ بالحَيْضَةِ، فَإذَا أَقْبَلَتِ الحَيْضَةُ؛ فَاتْرُكِي الصَّلَاةَ، فَإذَا ذَهَبَ قَدْرُها؛ فَاغسِلِي عَنْكِ الدَّمَ، وصَلِّي"(3).
(1) * تَخْرِيج الحَدِيث:
رواه البخاري (319)، كتاب: الحيض، باب: إذا حاضت في شهر ثلاث حيض، واللفظ له.
(2)
قال الصنعاني في "حاشيته على الإحكام"(1/ 465): لا أدري لم زاد: في رواية؛ فإن هذا اللفظ في "الصحيحين" معًا في باب: الاستحاضة في سياق واحد من طريق هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة، وكأنه يشير إلى أنه لفق عن روايات منها، نعم للبخاري في باب: غسل الدم بلفظ: "وليس بحيض، فإذا أقبلت حيضتك، فدعي الصلاة، وإذا أدبرت فاغسلي عنك الدم".
(3)
رواه البخاري (300)، كتاب: الحيض، باب: الاستحاضة، واللفظ له، ورواه أيضاً:(226)، كتاب: الوضوء، باب: غسل الدم، و (314)، كتاب: الحيض، باب: إقبال المحيض وإدباره، و (324)، باب: إذا رأت المستحاضة الطهر. ورواه مسلم (333)، كتاب: الحيض، باب: المستحاضة وغسلها وصلاتها، وأبو داود (282، 283)، كتاب: الطهارة، باب: من روى أن الحيضة إذا =
(عن عائشة) الصدّيقةِ - رضي الله عنها: أن فاطمةَ بنتَ أبي حُبَيش) - بضم الحاء المهملة وفتح الموحدة وسكون التحتية فشين معجمة - اسمُه: قيسُ بنُ المطلب بنِ أسدِ بنِ عبدِ العُزَّى بنِ قصيِّ بنِ كلابٍ، القرشيةُ الأسديةُ، وهي زوجة عبدِ الله بنِ جحش رضي الله عنها.
ووقع في أكثر النسخ من "صحيح مسلم": قيس بن عبدالمطلب. والصواب: المطلب بإسقاط عبد (1).
= أدبرت لا تدع الصلاة، والنسائي (201)، كتاب: الطهارة، باب: ذكر الاغتسال من المحيض، و (212)، باب: ذكر الأقراء، و (217، 218، 219)، باب: الفرق بين دم الحيض والاستحاضة، و (349)، كتاب: الحيض والاستحاضة، باب: ذكر الاستحاضة وإقبال الدم وإدباره، و (359)، باب: ذكر الأقراء، و (364، 365، 366، 367)، باب: الفرق بين دم الحيض والاستحاضة، والترمذي (125)، كتاب: الطهارة، باب: ما جاء في المستحاضة، وابن ماجه (621)، كتاب: الطهارة، باب: ما جاء في المستحاضة.
* مصَادر شرح الحَدِيث:
"معالم السنن" للخطابي (1/ 86)، و"الاستذكار" لابن عبد البر (1/ 337)، و"عارضة الأحوذي" لابن العربي المالكي (1/ 197)، و"إكمال المعلم" للقاضي عياض (2/ 174)، و"المفهم" للقرطبي (1/ 590)، و"شرح مسلم" للنووي (4/ 16)، و"شرح عمدة الأحكام" لابن دقيق (1/ 121)، و"العدة في شرح العمدة" لابن العطار (1/ 258)، و"فتح الباري" لابن رجب (1/ 497)، و"النكت على شرح العمدة" للزركشي (ص: 55)، و"فتح الباري" لابن حجر (1/ 409)، و"عمدة القاري" للعيني (3/ 141)، و"سبل السلام" للصنعاني (1/ 63)، و"نيل الأوطار" للشوكاني (1/ 282).
(1)
قال مسلم في "صحيحه"(1/ 262) عقب حديث (333): وفي حديث قتيبة عن جرير: جاءت فاطمة بنت أبي حبيش بن عبد المطلب بن أسد، وهي امرأة منا. ا. هـ. وانظر ترجمة فاطمة رضي الله عنها في:"الطبقات الكبرى" لابن سعد (8/ 245)، و"الاستيعاب" لابن عبد البر (4/ 1892)، و"أسد الغابة" لابن الأثير =
(سألَتِ النبيَّ صلى الله عليه وسلم، فقالت) في سؤالها له: (إني أُستحاض): قد قدمنا أن الاستحاضه جريان الدم من المرأة في غير أوانه، وأنه يخرج من العاذل.
(فلا أطْهُر): هذا بحسب ما عندها أنها لا تطهُر إلا بانقطاع الدم، فَكَنَّتْ بعدم الطهر عن اتصاله، وكانت قد علمت أن الحائض لا تصلي، فظنَّت أنَّ ذلك الحكم مقترنٌ بجريان الدم من الفرج، فأرادت تحقيق ذلك، فقالت:(أفأدع الصلاة؟)؛ لأجل ما يتواصل من جريان الدم؟
(فقال) لها النبي صلى الله عليه وسلم: (لا) تدعي الصلاة في كل ذلك الزمن.
(إن ذلك)؛ أي: تواصلَ جريان الدم الذي يخرج منك (عرقٌ) ظاهرهُ: انبثاقُ الدم من عرق.
وقد جاء في الحديث: "عرقٌ انفجرَ"(1).
وتقدم تسميةُ العرق وموضعُه من الرحم.
(ولكن دعي)؛ أي: اتركي (الصلاة قدر الأيام التي كنت تحيضين فيها).
فيه دليلٌ على أن الحائض تترك الصلاة من غير قضاء، وهو كالإجماع من السلف والخلف في تركها، وعدمِ وجوب القضاء، ولم يخالف في عدم وجوب القضاء إلا الخوارج.
نعم، استحبَّ بعضُ السلف للحائض إذا دخل وقت الصلاة أن تتوضأ،
= (7/ 214)، و"تهذيب الكمال" للمزي (35/ 254)، و"الإصابة في تمييز الصحابة"(8/ 61)، و"تهذيب التهذيب" كلاهما لابن حجر (12/ 469).
(1)
رواه العقيلي في "الضعفاء"(3/ 258)، عن أسماء بنت عُميس رضي الله عنها، وضعّفه.
وتستقبل القبلة، وتذكر الله. ذكره ابن دقيق العيد، قال: وأنكره بعضهم، انتهى (1).
قلت: والذي في "الفروع" للإمام ابن مفلح: أن الحيض يمنع الطهارةَ له؛ وفاقًا، والوضوءَ والصلاةَ إجماعًا، ولا تقضيها إجماعًا، قيل للإمام أحمد: فإن أحبت أن تقضيها؟ قال: لا، هذا خلاف، فظاهرُ النهي التحريمُ.
قال ابن مفلح: وَيتوجَّه احتمال: يُكره، لكنه بدعة (2).
كما يأتي في شرح الحديث الخامس.
(ثم) بعد مُضِيِّ الأيام التي كنت تحيضين فيها، (اغتسلي) من الحيض، و (صلي) بعد ذلك الغسلِ، لكن لا بدَّ من الوضوء لكل صلاة بعد فى خول وقتها.
وقال الإمام أحمد: إن اغتسلت لكل صلاة، فهو أحوط، وكذا قال إسحاق (3).
(وفي رواية): "إنما ذلك عرق"، (وليس بالحَيْضة) -بفتح الحاء- كما نقله الخطابي عن أكثر المحدثين، أو كلِّهم (4)، وإن كان قد اختار -الكسرَ- على إرادة الحالة، لكن -الفتح- هنا أظهر.
(1) انظر: "شرح عمدة الأحكام" لابن دقيق (1/ 123).
(2)
انظر: "الفروع" لابن مفلح (1/ 225).
(3)
انظر: "فتح الباري" لابن حجر (1/ 410).
(4)
انظر: "غريب الحديث" للخطابي (3/ 220)، و"إصلاح غلط المحدثين" له أيضاً (ص: 47).
وقال النووي: هو متعيِّنٌ، أو قريبٌ من المتعيق؛ لأنه صلى الله عليه وسلم أراد إثباتَ الاستحاضة، ونفيَ الحيض.
وأما قوله صلى الله عليه وسلم: (فإذا أقبلت الحيضة)، فيجوز فيه الوجهان معًا جوازًا حسنًا (1)، كما في "الفتح"، ثم قال: والذي في روايتنا: -بفتح الحاء- في الموضعين (2).
(فاتركي الصلاة) قدرَ أيام حيضتك، (فإذا ذهب قدرُها)، أي: الأيام التي كنت تحيضين فيها.
وصحَّفه بعضُ الطلبة، فقال: فإذا ذهب قَذَرُها -بالذال المعجمة المفتوحة-، قاله ابن دقيق العيد (3).
(فاغسلي عنك الدم وصلي)، أي: بعد الاغتسال -كما مر-.
وفي بعض طرق البخاري: قال -يعني: عروة بن الزبير-: ثم توضئي لكل صلاة حتى يجيء ذلك الوقت (4).
وزعم ابن حزم أن الزيادة هذه موقوفة على عروة، وليس كذلك؛ كما رده الحافظ ابن حجر.
تنبيه:
قوله صلى الله عليه وسلم: "قدر الأيام التي كنت تحيضين .... " الحديث. فيه: الردُّ إلى أيام العادة.
(1) انظر: "شرح مسلم" للنووي (4/ 21).
(2)
انظر: "فتح الباري" لابن حجر (1/ 409).
(3)
انظر: "شرح عمدة الأحكام" لابن دقيق (1/ 124).
(4)
تقدم تخريجه في حديث الباب برقم (226) عنده.
وحاصل هذا الباب: أن المستحاضة إما مبتدأة، أو معتادة، وعلى كلٍّ إما مميزة أو غير مميزة.
والمميزة: إما أن يكون تمييزُها صالحًا أن يكون حيضًا، أو لا.
والحديث دل لفظه على أن هذه المرأة كانت معتادة، لقوله صلى الله عليه وسلم:"دعي الصلاةَ قدرَ الأيام التي كنتِ تحيضين فيها".
وحكم المستحاضة -التي لها عادة معلومة لها؛ بأن تعرفَ شهرها، وهو ما اجتمع لها فيه حيضٌ وطهر صحيحان، وتعلمَ وقتَ حيضها وطهرها، وعددَ أيامها-: أن تجلس عادتها، ولو كان لها تمييزٌ صالح؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمرها بترك الصلاة قدر أيام حيضها، ولم يستفصل (1).
وتركُ الاستفصال في قضايا الأحوال ينزل منزلة عموم المقال، وهذا مذهبنا كالحنفية، وأحد قولي الشافعي، لكن معتمد مذهبه: تقديمُ التمييز على العادة، وعند مالك: لا عبرة بالعادة (2).
وعلى معتمد مذهبنا: فإن عدمت العادة؛ بأن جهلَتْها، عملت بتمييز صالح للحيض، ونعني به: أنه لا ينقص عن أقل الحيض يومًا وليلة، وأَلَاّ يتجاوز أكثرُه خمسة عشر يومًا، فإن نسيت العدد فقط، وعلمت غيره: جلست من أول موضع حيضها غالبَ الحيض إن اتسع شهرها، وإلا، فالفاضل عن أقل طهر.
وتجلس ناسيةً الوقتَ فقط، العددَ به، وناسية العدد والوقت: تجلس غالب حيض من أول كل مدة عُلم فيها، وَضَاع موضعه، فإن جهلت: فمن
(1) انظر: "فتح الباري" لابن حجر (1/ 332) و (1/ 409).
(2)
انظر: "شرح عمدة الأحكام" لابن دقيق (1/ 123).
أول كل شهر هلالي، ومتى ذكرت عادتها، رجعت إليها، وقضت الواجب زمنها، فهذا حكم المعتادة بقسميها.
وأما المبتدأة: فإن كان لها تمييز صالح، جلسته بعد تكرره ثلاثًا، وقبله، أقلَّ حيض.
وإن لم يكن لها تمييز، أو كان ولم يصلح أن يكون حيضًا: جلست أقلَّه حتى يتكرر ثلاثًا، ثم غالبَهُ من أول وقت ابتدائها إن علمته، وإلا، فأقل كل شهرٍ هلالي.
والمذهب: أن أقلَّ الحيض يومٌ وليلة، وفاقًا للشافعي.
وقال أبو حنيفة: أقلُّه ثلاثةُ أيام.
وعند مالك: لا حدَّ لأقله.
وأكثره: خمسة عشر يومًا؛ وفاقًا لمالك والشافعي.
وعند أبي حنيفة: أكثره عشرة أيام بلياليها، وغالبه: ست أو سبع.
وأقل الطهر: ثلاثة عشر يومًا، وقال الثلاثة: خمسة عشر، ولا حد لأكثره، وغالبه بقية الشهر، والله أعلم (1).
* * *
(1) انظر: "شرح العمدة" لشيخ الإسلام ابن تيمية (1/ 511)، و"الفروع" لابن مفلح (1/ 237)، و"المبدع"، لابن مفلح (1/ 279)، و"كشاف القناع" للبهوتي (1/ 207).