الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحديث الرابع
عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ: أَنَّ عُمَرَ بْنَ الخَطَّابِ رضي الله عنهم، قَالَ: يا رَسولَ اللهِ! أَيرْقُدُ أَحَدُنا وَهُوَ جُنُبٌ؟ قال: "نَعَمْ، إذَا تَوَضَّأَ أَحَدُكُمْ، فَلْيَرْقُدْ"(1).
* * *
(عن) أبي عبد الرحمن (عبدِ الله بنِ عمر: أن) أمير المؤمنين (عمر بن
(1) * تَخْرِيج الحَدِيث:
رواه البخاري (283)، كتاب: الغسل، باب: نوم الجنب، واللفظ له، وزاد في آخره:"وهو جنب"، و (258، 286)، باب: الجنب يتوضأ ثم ينام، ومسلم (306)، (1/ 248 - 249)، كتاب: الحيض، باب: جواز نوم الجنب، واستحباب الوضوء له، وأبو داود (221)، كتاب: الطهارة، باب: في الجنب ينام، والنسائي (259)، كتاب: الطهارة، باب: وضوء الجنب إذا أراد أن ينام، و (260)، باب: وضوء الجنب وغسل ذكره إذا أراد أن ينام، والترمذي (120)، كتاب: الطهارة، باب: ما جاء في النوم للجنب حتى يتوضأ وضوءه للصلاة.
* مصَادر شرح الحَدِيث:
"إكمال المعلم" للقاضي عياض (2/ 142)، و"المفهم" للقرطبي (1/ 564)، و"شرح مسلم" للنووي (3/ 216)، و"شرح عمدة الأحكام" لابن دقيق (1/ 98)، و"العدة في شرح العمدة" لابن العطار (1/ 212)، و"فتح الباري" لابن رجب (1/ 349)، و"فتح الباري" لابن حجر (1/ 392)، و"عمدة القاري" للعيني (3/ 242).
الخطاب رضي الله عنهم قال: يا رسول الله! أيرقد)؛ أي: ينام، فالرقاد كالنوم. وقيل: الرقاد خاصةً بالليل، ومرقدٌ كمسكن: المَضْجع، وأرقده: أنامه (1).
(أحدنا): فاعل يرقد، وجملة (وهو جنبٌ) حال؛ يعني: أيرقد أحدنا في حال كونه جنبًا؟ أي: في حال جنابته.
(قال) صلى الله عليه وسلم مجيبًا لسؤال سيدنا عمر رضي الله عنه: (نعم، إذا توضأ أحدكم) معشرَ الأمة من ذكرٍ وأنثى (فليرقدْ) وهو جنبٌ، كما في بعض ألفاظ البخاري بزيادة:"وهو جنبٌ"(2) بعد تخفيف جنابته بالوضوء.
وفي لفظٍ: "نعم، ليتوضأ، ثم لينمْ حتى يغتسلَ إذا شاء"(3).
وفي آخر لهما: "توضأْ واغسلْ ذكرك، ثم نَمْ"(4).
وفي لفظٍ عند البخاري: "نعم، ويتوضأ"(5).
فقوله: "ويتوضأ"، معطوفٌ على ما سدَّ لفظُ "نعم" مسدَّه؛ أي: يرقد ويتوضأ، والواو لا تقتضي الترتيب؛ فالمعنى: يتوضأ، ثم يرقد (6).
وللإمام أحمد، ومسلم من طريق الزهري، عن أبي سلمة بن
(1) انظر: "القاموس المحيط" للفيروزأبادي (ص: 362)، (مادة: رقد).
(2)
وتقدم تخريجه.
(3)
وهي رواية مسلم المتقدم تخريجها في حديث الباب برقم (306)، (1/ 249) عنده.
(4)
تقدم تخريجها عندهما في حديث الباب.
(5)
رواه البخاري (286)، كتاب: الغسل، باب: كينونة الجنب في البيت إذا توضأ قبل أن يغتسل، من حديث عائشة رضي الله عنها.
(6)
انظر: "فتح الباري" لابن حجر (1/ 392).
عبد الرحمن، عن عائشة رضي الله عنها: كان إذا أراد أن ينام وهو جنبٌ، توضأ وضوءه للصلاة (1). وهذا السياق أفصح في المراد.
وللبخاري عنها مثلُه بزيادة: غسل الفرج (2).
وفيه رد على من حمل الوضوء على التنظيف، وقد بيَّن النَّسائي سببَ ذلك في روايته من طريق ابن عون، عن نافع، قال: أصاب ابنَ عمر جنابةٌ، فأتى عمرَ، فسأله، فأتى عمرُ النبيَّ صلى الله عليه وسلم، فاستأمره، فقال:"ليتوضأ ويرقد"(3).
قال ابن دقيق العيد: جاء الحديث بصيغة الأمر، وجاء بصيغة الشرط، وهو متمسكٌ لمن قال بوجوبه (4).
قال ابن عبد البر: ذهب الجمهور إلى أنه للاستحباب، وذهب أهل الظاهر إلى إيجابه، وهو شذوذٌ (5).
وقال ابن العربي: قال مالك، والشافعي: لا يجوز للجنب أن ينام قبل أن يتوضأ (6).
قال الحافظ في "الفتح": واستنكر بعض المتأخرين هذا النقل، وقال: لم يقل الشافعي بوجوبه، ولا يعرف ذلك أصحابه. وهو كما قال، لكن
(1) رواه الإمام أحمد في "المسند"(6/ 36)، ومسلم (305)، كتاب: الحيض، باب: جواز نوم الجنب واستحباب الوضوء له.
(2)
رواه البخاري (4 - 28)، كتاب: الغسل، باب: الجنب يتوضأ ثم ينام.
(3)
رواه النسائي في "السنن الكبرى"(9062).
(4)
انظر: "شرح عمدة الأحكام" لابن دقيق (1/ 98).
(5)
انظر: "الاستذكار" لابن عبد البر (1/ 279).
(6)
انظر: "عارضة الأحوذي" لابن العربي (1/ 182).
كلام ابن العربي محمولٌ على أنه أراد نفي الإباحة المستوية الطرفين، لا إثبات الوجوب، أو أراد بأنه وجوب سنةٍ، أو تأكد الاستحباب، ويدل عليه مقابلته له بقول ابن حبيبٍ: هو واجب وجوب الفرائض، وهذا موجودٌ في عبارة كتب المالكية كثيراً. وأشار ابن العربي إلى تقوية قول ابن حبيب.
وبوَّب له أبو عوانة في "صحيحه": إيجاب الوضوء على الجنب إذا أراد النوم (1)، ثم استدل هو وابن خزيمة بعد ذلك على عدم الوجوب بحديث ابن عباس رضي الله عنهما مرفوعًا:"إنما أُمِرْتُ بالوضوء إذا قمتُ للصلاة"(2).
تنبيهات:
الأول: يستحب للجنب من رجلٍ وأنثى [غسل فرجه] على المعتمد.
وعن الإمام أحمد: إنما يُسن للرجل غسلُ فرجه، ووضوءه لأكلٍ وشربٍ.
(1) انظر: "مسند أبي عوانة"(1/ 277).
(2)
رواه أبو عوانة في "مسنده"(799)، وابن خزيمة في "صحيحه"(35)، ورواه أبو داود (3760)، كتاب: الأطعمة، باب: في غسل اليدين عند الطعام، والنسائي (132)، كتاب: الطهارة، باب الوضوء لكل صلاة، والترمذي (1847)، كتاب: الأطعمة، باب: في ترك الوضوء قبل الطعام، وقال: حسن صحيح.
* جاء على هامش الأصل المخطوط: من الأحاديث الواردة في ذلك: ما في مسلم، عن عبد الله بن أبي قيس، قال: سألت عائشة رضي الله عنها عن وتر رسول الله صلى الله عليه وسلم .. الحديث. قلت: كيف كان يصنع في الجنابة؟ أكان يغتسل قبل أن ينام، أم ينام قبل أن يغتسل؟ قالت: كل ذلك قد كان يفعل، ربما يغتسل فينام، وربما توضأ فنام، قلت: الحمد لله الذي جعل في الأمر سعة.
وعنه: يغسل يده ويتمضمض، كما عند أبي حنيفة. ولمعاود وطء وفاقًا، ولا يكره في المنصوص تركه في ذلك وفاقًا، ولنوم.
وفي كلام الإمام ما ظاهره وجوبه؛ كما قال شيخ الإسلام، كما في "الفروع". ويكره تركه في الأصح؛ خلافًا لأبي حنيفة.
ومن أحدث بعده، لم يُعِدْه (1) في ظاهر كلامهم؛ لتعليلهم بخفَّة الحدث، أو بالنشاط الذي وجد، وظاهر كلام شيخ الإسلام: يتوضأ لمبيته على إحدى الطهارتين (2).
وقال صلى الله عليه وسلم: "لا تدخلُ الملائكةُ بيتًا فيه جُنُبٌ"، وهو حديثٌ رواه الإمام أحمد، وأبو داود (3).
وحمل الخطابي الجنبَ في الحديث على من يتهاون بالاغتسال، ويتخذ تركه عادةً، لا من يؤخره ليفعله (4).
وحمله بعضهم -وهو مرادٌ- على من لم يرتفع حدثه كله ولا بعضه، فلا يكون بينه وبين حديث "الصحيحين" منافاةٌ؛ لأنه إذا توضأ، ارتفع بعضُ حدثه، على الصحيح (5).
(1) قال ابن قندس في "حاشيته على الفروع"(1/ 270): أي: إذا توضأ لأجل النوم، ثم أحدث بعد الوضوء، لم يُعدِ الوضوء في ظاهر كلامهم.
(2)
انظر: "الفروع" لابن مفلح (1/ 177).
(3)
رواه الإمام أحمد في "المسند"(1/ 83)، وأبو داود (277)، كتاب: الطهارة، باب: في الجنب يؤخر الغسل، والنسائي (261)، كتاب: الطهارة، باب: في الجنب إذا لم يتوضأ.
(4)
انظر: "معالم السنن" للخطابي (1/ 75).
(5)
انظر: "فتح الباري" لابن حجر (1/ 392).
الثاني: إذا أراد الجنب أن يعاود الوطء، يسن له أن يتوضأ، لما في مسلم وغيره من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا أتى أحدُكم أهلَه، ثم أراد أن يُعاود، فليتوضأ بينهما وضوءًا"(1).
وقد قيل: إن الحكمة في ذلك لِينْشَطَ إلى العَوْد.
الثالث: لا يُشرع الوضوء للحائض والنفساء إلا إذا انقطع الدمُ عنهما، لأنهما يكونان كالجنب، وأما قبل الانقطاع: فلا يُشرع لهما إذا أرادا أكلًا أو نومًا، كما قاله علماؤنا، كالشافعية، لعدم صحته.
وقال الناظم في "مجمع البحرين": قلت: واستحبابُ غسلِ جنابتها وهي حائضٌ عند الجمهور يُشعر باستحباب وضوئها للنوم هنا، انتهى (2).
وفيه ما لا يخفى على قواعد المذهب، والله أعلم.
* * *
(1) رواه مسلم (308)، كتاب: الحيض، باب: جواز نوم الجنب، واستحباب الوضوء له.
(2)
انظر: "الإنصاف" للمرداوي (1/ 261).