الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحديث الثاني
عَنْ حُذَيْفَةَ بْنِ اليَمَانِ رضي الله عنه، قالَ: كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إذَا قَامَ مِنَ اللَّيْلِ، يَشُوصُ فَاهُ بِالسِّوَاكِ (1).
قالَ الحافِظُ: "يَشُوصُ": معناه يَغْسِلُ. يُقال: شاصَهُ يَشوصُهُ، ومَاصَه يَمُوصُهُ: إذا غَسَلَهُ.
(1) * تَخْرِيج الحَدِيث:
رواه البخاري (242)، كتاب: الوضوء، باب: السواك، و (849)، كتاب، الجمعة، باب: السواك يوم الجمعة، و (1085)، كتاب: التهجد، باب: طول القيام في صلاة الليل، وقال فيه:"كان إذا قام للتهجد من الليل"، ومسلم (255)، (1/ 220)، كتاب: الطهارة، باب: السواك، وقال فيه:"إذا قام ليتهجد"، و (255)، (1/ 220 - 221)، باب: السواك، وأبو داود (55)، كتاب: الطهارة، باب: السواك لمن قام من الليل، والنسائي (2)، كتاب: الطهارة، باب: السواك إذا قام من الليل، و (1621)، كثاب: قيام الليل وتطوع النهار، باب: ما يفعل إذا قام من الليل من السواك، وابن ماجه (286)، كتاب: الطهارة، باب: السواك.
* مصَادر شرح الحَدِيث:
"معالم السنن" للخطابي (1/ 32)، و"إكمال المعلم" للقاضي عياض (2/ 58)، و"المفهم" للقرطبي (1/ 509)، و"شرح مسلم" للنووي (3/ 144)، و"شرح عمدة الأحكام" لابن دقيق (1/ 67)، و"النكت على العمدة" للزركشي (ص: 31)، و"فتح الباري" لابن حجر (1/ 356، 2/ 375)، و"عمدة القاري" للعيني (3/ 185، 6/ 183، 7/ 185)، و"فيض القدير" للمناوي (5/ 153)، و"نيل الأوطار" للشوكاني (1/ 129).
(عن حذيفةَ بنِ اليمانِ) - واسمُ اليمانِ: حِسْلٌ -بكسر الحاء وسكون السين المهملتين-، وقيل: بالتصغير.
وفي "مستدرك الحاكم": أنه حذيفةُ بنُ اليمانِ بنِ حِسْل (1) رضي الله عنه، فجعل حسلاً جدَّه، لا اسمَ أبيه، وإنما قيل لحسلٍ: اليمان؛ لأن جدهُ جُرْوةَ كان أصاب في قومه دماً، فهرب إلى المدينة، فحالف بني عبد الأشهل، فسماه قومه: اليمان؛ لأنه حالف اليمانية؛ يعنون: الأنصار، والمنتسب إلى اليمن: يَمانٍ - على غير قياسٍ -، جعلوا الألف عوضاً من ياء النسبة، وربما قالوا: اليمني - على القياس -، ولا يقال: اليماني؛ لأنه جمعٌ بين العِوض والمعوَّض.
وقيل: هو ابنُ جابرِ بنِ عمرِو بنِ ربيعةَ بنِ جُرْوة -بكسر الجيم كما قاله النووي، أو بضمها كما قاله ابن الأثير، وسكون الراء- بنِ الحارت بنِ مازنِ بنِ قُطَيعة -بضم القاف وفتح الطاء المهملة ثم تحتانية ساكنةٍ ثم عينٍ مهملةٍ- بنِ عَبْسٍ -بفتح العين المهملة وسكون الموحدة فسينٍ مهملةٍ- العبسيُّ: حليفُ بني عبد الأشهل من الأنصار، وابنُ أختهم، شهد حذيفةُ وأبوه أُحُداً، وقُتل أبوه يومئذٍ، قتله المسلمون خطأً؛ ظنوه كافراً، فأراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يَدِيَه، فتصدق حذيفةُ رضي الله عنه بديته على المسلمين، فلم يأخذ له ديةً.
وأسلمت أم حذيفة -أيضاً-، واسمها الرَّيانُ -بفتح الراء وبالمثناة تحت - بنتُ كعبِ بنِ عديٍّ، من الأنصار، من بني عبد الأشهل.
وكان حذيفةُ- رضي الله عنه صاحبَ سِرِّ رسول الله صلى الله عليه وسلم في المنافقين يعلمُهم وحدَه، وفي غيرهم -أيضاً-.
(1) انظر: "المستدرك" للحاكم (3/ 427).
ففي مسلمٍ، عنه: حدثني رسولُ الله صلى الله عليه وسلم بما يكون حتى تقومَ الساعة، غير أني لم أسأله: ما يُخرج أهلَ المدينة منها (1)؟
وكان عمر- رضي الله عنه إذا مات أحدٌ، فإن صلَّى عليه حذيفةُ، صلى عليه، وإلا، فلا، وهاجر مع أبويه أيام بدر، فلم يشهدها.
وقد روى عنه خلقٌ كثر من الصحابة والتابعين.
قال الحافظ ابن الجوزي: ولا يُحصى ما روى عن رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، إلا أنه قد أُخرج له في "الصحيحين" سبعة وثلاثون حديثاً، اتفقا منها على اثني عشر، وانفرد البخاري بثمانية، ومسلمٌ بسبعة عشر.
وشهد فتحَ نهاوندَ، وكان فتحُ همذانَ والريِّ والدِّيْنَوَرِ على يديه، وذلك كله سنة اثنتين وعشرين، ولَاّه عمرُ المدائنَ، فتوفي بها سنة ست وثلاثين أولَ خلافة علي بعد قتلِ عثمان بأربعين ليلةً، وقبره بالمدائن - رضي الله عنه - (2). فمما اتفقا عليه من حديثه رضي الله عنه هذا الحديث.
(قال) حذيفة رضي الله عنه: (كانَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم إذا قامَ من الليلِ) ظاهرُه: يقتضي تعليقَ الحكم بمجرد القيام، ويحتمل أن يكون المراد: إذا
(1) رواه مسلم (2891)، كتاب: الفتن وأشراط الساعة، باب: إخبار النبي صلى الله عليه وسلم فيما يكون إلى قيام الساعة.
(2)
وانظر ترجمته في: "الطبقات الكبرى" لابن سعد (6/ 15)، و (7/ 317)، و"التاريخ الكبير" للبخاري (3/ 95)، و"حلية الأولياء" لأبي نعيم (1/ 354)، و"الاستيعاب" لابن عبد البر (1/ 354)، و"تاريخ بغداد" للخطيب (1/ 161)، و"تاريخ دمشق" لابن عساكر (12/ 259)، و"المنتظم" لابن الجوزي (5/ 104)، و"أسد الغابة" لابن الأثير (1/ 706)، و"تهذيب الكمال" للمزي (5/ 495)، و"سير أعلام النبلاء" للذهبي (2/ 361)، و"الإصابة في تمييز الصحابة" لابن حجر (2/ 44)، و"تهذيب التهذيب" له أيضاً (2/ 193).
قامَ من الليل للصلاة، وحينئذ يعود إلى محش حديث أبي هريرةَ الأولِ، فالأولى عدمُ قيدِ: للصلاة؛ لأن النوم مقتضٍ لتغير الفم، والسواك آلةٌ التنظيف للفم، فيتأكد عندَ مقتضي التغير.
وهذا الذي يرشد إليه صنيعُ الحافظ؛ فإنه ذكر حديثَ أبي هريرةَ ليدلَّ على الإتيان بالسواك في ابتداء العبادة من الصلاة منطوقاً، ومثلُها الوضوء والقراءة والذكرُ ونحوُها. وحديثُ حذيفةَ ليدل على زوال التغير؛ فإن النوم مظنةُ تغير رائحة الفم، فيشمل طلب التسوك لسائر التغيرات من أكلِ ما له رائحةٌ كريهةٌ، ومن إطالةِ سكوتٍ، وصفرةِ أسنانٍ، ونحوِها.
وذكرَ حديثَ عائشة؛ ليدل على طلبه عند ختام الحياة؛ لأنه يُسَهِّلُ خروجَ الروح، ويُذَكِّر الشهادةَ، ويُطْلق اللسان، فيفصح بكلماتِ الذكر؛ فحملُ قيامه من الليل؛ لكونه للصلاة يفوِّتُ غرضَ الحافظ، والله أعلم.
(يَشُوصُ) -بضم المعجمة وسكون الواو، وبعدها صادٌ مهملة-.
(فاه) قال في "القاموس": الفاه والفوه بالضم، والفيه بالكسر [والفُوهة] والفم سواءٌ، والجمع: أفواه وأفمام، ولا واحد لها؛ لأن فماً أصلُه: فَوَهٌ، حذفت الهاء كما حذفت من سَنَةٍ، فبقيت الواو طرفاً متحركةً، فوجب إبدالها ألفاً؛ لانفتاح ما قبلها، فبقي فاً، ولا يكون الاسم على حرفين أحدُهما التنوين، فأُبدل مكانَها حرفٌ مشاكلٌ لها، وهو الميم؛ لأنهما شفهيتان، وفي الميم هُوِيٌّ في الفم يضارع امتداد الواو، ويقال في تثنيته: فَمَان وفَمَوان وفَمَيان، والأخيران نادران (1).
(بالسواك) متعلقٌ بـ"يشوص".
(1) انظر: "القاموس المحيط" للفيروزأبادي (ص: 1614).
قال الحافظ رحمه الله: (يشوص معناه: يغسل) على ما في "الصحاح"(1)، (يقال: شاصَهُ يشوصُهُ، وماصَهُ يَموصُه: إذا غسله).
وفي "القاموس": الشوص: نصبُ الشيء بيدك وزعزعتُه عن مكانه، والدَّلْكُ باليد، ومضغُ السواك، والاستياكُ به، أو الاستياكُ من أسفل إلى علو؛ كالإشاصة، ثم قال: والغسل والتنقية (2). والمَوْصُ: غَسْلٌ لينٌ، والدلكُ باليد، قاله في "القاموس" -أيضاً- (3).
وفي "النهاية": المَوْص: الغسلُ بالأصابع، يقال: مُصْته أموصُه مَوْصاً (4).
وفي "الفتح"(5): يشُوصُ (6) -بضم المعجمة وسكون الواو، وبعدها مهملةٌ-، والشَّوص -بالفتح-: الغسلُ والتنظيف، كذا في "الصحاح"(7).
وفي "المحكم": الغسل، عن كراع (8)، والتنقية، عن أبي عبيدٍ (9)،
(1) انظر: "الصحاح" للجوهري (3/ 1044)، (مادة: شوص).
(2)
انظر: "القاموس المحيط" للفيروزأبادي (ص: 803)، (مادة: شوص).
(3)
المرجع السابق، (ص: 815)، (مادة: موص).
(4)
انظر: "النهاية في غريب الحديث" لابن الأثير (3/ 372).
(5)
انظر: "فتح الباري" لابن حجر (1/ 356).
(6)
في الأصل: "الشوص"، والتصحيح من "الفتح".
(7)
انظر: "الصحاح" للجوهري (3/ 1044)، (مادة: شوص).
(8)
هو علي بن الحسن الهنائي الأزدي، أبو الحسن المصري، المعروف بـ"كراع النمل"؛ لقصره، أو لدمامته -، كان عالماً بالعربية، وله فيها كتب عدة، منها:"المنضد"، و"المنجد فيما اتفق لفظه واختلف معناه"، و"المنظم"، وغيرها، توفي بعد سنة (309 هـ). انظر:"بغية الوعاة" للسيوطي (ص: 333)، و"الأعلام" للزركلي (4/ 272).
(9)
انظر: "غريب الحديث" لأبي عبيد (1/ 260).
والدلك، عن ابن الأنباري (1).
وقيل: الإمرارُ على الأسنان من أسفل إلى فوق. واستدل قائله: بأنه مأخوذٌ من الشوصة، وهي ريحٌ ترفع القلبَ عن موضعه (2).
وعكسه الخطابي، فقال: هو دلكُ الأسنان بالسواك أو الأصابع عَرْضاً، والله أعلم (3).
* * *
(1) لم أقف على كلام ابن سيده في "المحكم"، والله أعلم.
(2)
انظر: "فتح الباري" لابن حجر (1/ 356)، و"لسان العرب" لابن منظور (7/ 50)، (مادة: شوص).
(3)
ونقله عنه البيهقي في "السنن الكبرى"(1/ 38).