المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌الحديث الأول عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ صلى - كشف اللثام شرح عمدة الأحكام - جـ ١

[السفاريني]

فهرس الكتاب

- ‌الفَصْلُ الأَوَّلُفي ترجمة الإمام أحمد

- ‌الفَصْلُ الثَّانيفي ترجمة مؤلّف "العمدة

- ‌[كتاب الطهارة]

- ‌الحديث الثالث

- ‌ باب:

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌الحديث السادس

- ‌الحديث السابع

- ‌الحديث الثامن

- ‌الحديث التاسع

- ‌الحديث العاشر

- ‌باب الاستطابة

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌الحديث السادس

- ‌باب السواك

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌باب المسح على الخفين

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌باب المزي وغيره

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌الحديث السادس

- ‌باب الجنابة

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌الحديث السادس

- ‌الحديث السابع

- ‌الحديث الثامن

- ‌باب التيمم

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌باب الحيض

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌كتاب الصلاة

- ‌باب المواقيت

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

الفصل: ‌ ‌الحديث الأول عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ صلى

‌الحديث الأول

عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، قالَ:"لَوْلَا أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي؛ لأَمَرْتُهُمْ بِالسِّوَاكِ عِنْدَ كُلِّ صَلاةٍ"(1).

* * *

(عن أبي هريرة) عبدِ الرحمنِ بنِ صخر (رضي الله عنه، عن

(1) * تَخْرِيج الحَدِيث:

رواه البخاري (847)، كتاب: الجمعة، باب: السواك يوم الجمعة، و (6813)، كتاب: التمني، باب: ما يجوز من اللّو، ومسلم (252)، كتاب: الطهارة، باب: السواك، وأبو داود (46)، كتاب: الطهارة، باب: السواك، والنسائي (7)، كتاب: الطهارة، باب: الرخصة في السواك بالعشي للصائم، والترمذي (22)، كتاب: الطهارة، باب: ما جاء في السواك، وابن ماجه (287)، كتاب: الطهارة، باب: السواك.

* مصَادر شرح الحَدِيث:

"معالم السنن" للخطابي (1/ 28)، و"عارضة الأحوذي" لابن العربي (1/ 39)، و"إكمال المعلم" للقاضي عياض (2/ 57)، و"المفهم" للقرطبي (1/ 508)، و"شرح مسلم" للنووي (3/ 143)، و"شرح عمدة الأحكام" لابن دقيق (1/ 65)، و"النكت على العمدة" للزركشي (ص: 31)، و"طرح التثريب" للعراقي (2/ 62)، و"فتح الباري" لابن حجر (2/ 375) و (4/ 158)، و"عمدة القاري" للعيني (11/ 19)، و"فيض القدير" للمناوي (5/ 338)، و"سبل السلام" للصنعاني (1/ 41)، و"نيل الأوطار" للشوكاني (1/ 127).

ص: 230

النبي صلى الله عليه وسلم): أنه (قال: لولا أن أشق) محل (أن أشقَّ) الرفعُ با لابتداء، والخبرُ محذوفٌ وجوباً؛ أي: لولا المشقة موجودةٌ (1)، أي: لولا مخافةُ وجودها (على أمتي) التي أجابتني، وأطاعتني، واتبعَتْ ما جئتُ به من الدين القويم.

(لأمرتهم بالسواك): أمرَ إيجاب؛ أي: باستعمالِ السواك إن أريد به الآلة، وقد يطلق على الفعل، فلا يفتقر إلى تقدير (2).

وقال في "المغني": التقدير: لولا مخافُة أن أشق، لأمرتهم أمرَ إيجابٍ، وإلا، لانعكس معناه؛ إذ الممتنع المشقةُ، والموجود الأمرُ (3).

وقال البيضاوي: "لولا": كلمةٌ تدل على انتفاء الشيء لثبوت غيره (4).

قال القاضي (5): والحق: أنها مركبة من "لو" الدالة على انتفاء الشيء لانتفاء غيره، و"لا" النافية، فدل الحديث على انتفاء الأمر بثبوت المشقة؛ لأن انتفاء النفي ثبوتٌ، فيكون الأمر منفياً لثبوت المشقة، انتهى (6).

وقال ابن القيم في "البدائع": اعلم أنَّ "لو" حرف وضع للملازمة بين أمرين، يدل على أن الجزء الأول منهما: ملزوم، والثاني: لازمٌ، هذا وضع هذا الحرف وطبيعته، وموارده في هذه الملازمة أربعة: فإنه إما أن يلازم

(1) انظر: "عمدة القاري" للعيني (6/ 180)، وفيض القدير "للمناوي"(5/ 339).

(2)

انظر: "فتح الباري" لابن حجر (2/ 375).

(3)

انظر: "مغني اللبيب" لابن هشام (ص: 359).

(4)

انظر: "تفسير البيضاوي"(1/ 336).

(5)

في الأصل: "العلقمي" والصواب ما أثبت، وهو من تتمة كلام القاضي البيضاوي، كما نقله الشارح من "الفتح".

(6)

انظر: "فتح الباري" لابن حجر (2/ 375).

ص: 231

بين نفيين، أو ثبوتين، أو بين ملزوم مثبت، ولازم منفيٌ، أو عكسه، ونعني بالثبوت والنفي هنا: الصوري اللفظي، لا المعنوي.

فمثال الأول: {قُلْ لَوْ أَنْتُمْ تَمْلِكُونَ خَزَائِنَ رَحْمَةِ رَبِّي إِذًا لَأَمْسَكْتُمْ خَشْيَةَ الْإِنْفَاقِ} [الإسراء: 100]، {وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَحِيمًا} [النساء: 64]، {وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا} [النساء: 66].

ومثال الثاني: "لو لم تكنْ ربيبتي في حَجْري، لما حَلَّتْ لي"(1)، "لو لم يخفِ اللهَ لم يعصِهِ"(2).

ومثال الثالث: {وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلَامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ} [لقمان: 27].

ومثال الرابع: "لو لم تُذْنِبوا، لذهبَ اللهُ بكم، ولجاء بقومٍ يُذْنِبون، فيستغفرونَ اللهَ، فيغفرُ لهم"(3). فهذه صورة ورودها على النفي والإثبات.

قال: وأما حكم ذلك، فأمران:

(1) رواه البخاري (4813)، كتاب: النكاح، باب:{وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ} [النساء: 23]، ومسلم (1449)، كتاب: الرضاع، باب: تحريم الربيبة وأخت المرأة، عن أم حبيبة بنت أبي سفيان رضي الله عنها.

(2)

قال الحافظ السخاوي في "المقاصد الحسنة"(ص: 526): اشتهر في كلام الأصوليين وأصحاب المعاني وأهل العربية من حديث عمر رضي الله عنه، وذكر البهاء السبكي: أنه لم يظفر به في شيء من الكتب، وكذا قال جمع جمّ من أهل العربية. ثم رأيت بخط شيخنا أنه ظفر به في "مشكل الحديث" لابن قتيبة، لكن لم يذكر له ابن قتيبة إسناداً، انتهى.

(3)

رواه مسلم (2749)، كتاب: التوبة، باب: سقوط الذنوب بالاستغفار، عن أبي هريرة رضي الله عنه.

ص: 232

أحدهما: نفي الأول لنفي الثاني؛ لأن الأول ملزومٌ والثاني لازمٌ، والملزوم يعدم عند عدم لازمه.

والثاني: تَحَقُّقُ الثاني لتحقق الأول؛ لأن تحقق الملزوم يستلزم تحققَ لازمه "لو لم تذنبوا إلخ" مثل قوله صلى الله عليه وسلم: "لولا أن أشق على أمتي"، فمخافةُ وجود المشقة متحققةٌ، فتحقق لازمه، وهو عدُم أمرِ الإيجاب للسواك، وأطالَ الكلام على ذلك - رحمه الله تعالى - (1).

واستدل بعض الأصوليين بهذا على أن الأمر للوجوب؛ لأن كلمة "لولا" تدل على انتفاء الشيء لوجود غيره، فيدل على انتفاء الأمر لوجود المشقة، والمنتفي لأجل المشقة إنما هو الوجوب، وأما الاستحباب، فثابتٌ عند كل صلاةٍ، فيقتضي ذلك أن الأمر للوجوب (2).

قال بعض أهل العلم من الأصولين -أيضاً-: في هذا الحديث دليلٌ على أن الاستدعاء على جهةِ الندب ليس بأمر حقيقة؛ لأن السواك مندوبٌ عند كل صلاةٍ من الفرائض والنوافل (3).

قال الشافعي: وفيه دليلٌ على عدم وجوب السواك؛ لأنه لو كان واجباً، لأمرهم به، شق عليهم، أو لم يشق، انتهى (4).

وفي روايةٍ عند النسائي: "لفرضْتُ عليهم"(5) بدل "لأمرتُهم".

(1) انظر: "بدائع الفوائد" لابن القيم (1/ 59 - 60).

(2)

انظر: "شرح عمدة الأحكام" لابن دقيق (1/ 60).

(3)

ذكره أبو إسحاق الشيرازي في "اللُّمع"(ص: 13)، ونقله عنه ابن حجر في "الفتح"(2/ 375).

(4)

انظر: "الأم" للإمام الشافعي (1/ 23).

(5)

رواه النسائي في "السنن الكبرى"(3032).

ص: 233

وإلى القول بعدم وجوب السواك ذهب أكثر أهل العلم، بل زعم بعضهم فيه الإجماع.

لكن حكى الشيخ أبو حامد، وتبعه الماوردي، عن الإمام إسحاق بن راهوية، قال: هو واجب لكل صلاة، فمن تركه عامداً، بطلت صلاته.

وعن داود الظاهري: أنه قال: هو واجبٌ، لكن ليس شرطاً.

واستدل به على أن الأمر يقتضي التكرار؛ لأن الحديث دل على كون المشقة هي المانعة من الأمر بالسواك، ولا مشقة في وجوبه مرةً، وإنما المشقة في وجوب التكرار.

وفيه نظرٌ؛ لأن التكرار استفيد من قيد (عند كل صلاة)(1).

وفيه: ما كان النبي صلى الله عليه وسلم عليه من الشفقة على أمته.

وفيه: جواز الاجتهاد منه فيما لم ينزل عليه فيه نص؛ لكونه جعلَ المشقةَ سبباً لعدم أمره، فلو كان الحكم متوقفاً على النص، لكان سببُ انتفاء الوجوب عدمَ ورود النص، لا وجود المشقة.

قال ابن دقيق العيد: وفيه احتمالٌ للبحث والتأويل (2).

قال العلقمي: وهو كما قال، ووجهه أنه يجوز أن يكون إخباراً منه صلى الله عليه وسلم بأن سبب عدم ورود النص وجود الشفقة، فيكون معنى قوله:"لأمرتهم"؛ أي: عن الله بأنه واجبٌ (3).

(1) انظر: "فتح الباري" لابن حجر (2/ 376).

(2)

انظر: "شرح عمدة الأحكام" لابن دقيق (1/ 66).

(3)

انظر: "فتح الباري" لابن حجر (2/ 376)، و"شرح الزرقاني على الموطأ"(1/ 194).

ص: 234

قلت: ويجوز أن يكون فوض اللهُ أمرَ ذلك لنبيه صلى الله عليه وسلم؛ كما قيل في تكرار وجوب الحج لمَّا قال له القائل: أفي كل عامٍ؟ فقال: "أما إني لو قلتُ: نعم، لوجب، ولما أطقتُم .. " الحديث (1).

واستدل به النسائي وغيره على استحباب السواك للصائم بعد الزوال؛ لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: "لكل صلاة"(2).

قلت: وهي الرواية الثالثة عن الإمام أحمد، والأولى: الكراهة، والثانية: الإباحة (3).

واختار كونَ السواك مستحباً حتى بعدَ الزوال للصائم: شيخُ الإسلام ابن تيمية (4)، وتلميذُه ابن القيم، وانتصر له في "الهدي"(5).

وقال في "الفروع": هي أظهر (6)، واختارها في "الفائق"، وإليها ميله في "مجمع البحرين"، وقدمه في "نهاية ابن رُزين" و"نَظْمِها"(7).

قال في "الإقناع": هو أظهر دليلاً (8)، وهو المختار؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: "من

(1) رواه مسلم (1337)، كتاب: الحج، باب: فرض الحج مرة في العمر، عن أبي هريرة رضي الله عنه، بلفظ:"لو قلت: نعم، لوجبت، ولما استطعتم".

(2)

بوَّب النسائي في "سننه"(1/ 12) على حديث أبي هريرة رضي الله عنه هذا بقوله: باب: الرخصة بالسواك بالعشي للصائم.

(3)

انظر: "الفروع" لابن مفلح (1/ 95).

(4)

انظر: "مجموع الفتاوى" لشيخ الإسلام ابن تيمية (25/ 266).

(5)

انظر: "زاد المعاد" لابن القيم (2/ 63).

(6)

انظر: "الفروع" لابن مفلح (1/ 95).

(7)

انظر: "الإنصاف" للمرداوي (1/ 118).

(8)

انظر: "الإقناع لطالب الانتفاع" للحجاوي (1/ 31).

ص: 235

خيرِ خصال الصائم السواكُ" رواه ابن ماجه من حديث عائشة رضي الله عنها (1).

وقول عامر بن ربيعة رضي الله عنه: رأيت النبيَّ صلى الله عليه وسلم ما لا أحصي يتسوَّكُ وهو صائمٌ. رواه الإمام أحمد، وأبو داود، والترمذي، وحسنه، ورواه البخاري تعليقاً (2).

وتخصيصه قبل الزوال دعوى مجردةٌ عن الدليل.

وفي البخاري: كان ابن عمر رضي الله عنهما يستاك أولىَ النهار، وآخِرَه (3) -يعني: وهو صائمٌ-.

واعلم: أن المشهور من المذهب استحبابُ السواك كلَّ وقتٍ اتفاقاً، إلا بعدَ الزوال للصائم، فيكره؛ وفاقاً للشافعي؛ لما في حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال:"خلوفُ فمِ الصائمِ أطيبُ عند الله من ريح المِسْك" متفقٌ عليه (4).

(1) رواه ابن ماجه (1677)، كتاب: الصيام، باب: ما جاء في السواك والكحل للصائم، والدارقطني في "سننه"(2/ 203)، والبيهقي في "السنن الكبرى" (4/ 272) وقال: عاصم بن عبيد الله ليس بالقوي.

(2)

رواه الإمام أحمد في "المسند"(3/ 445)، وأبو داود (2364)، كتاب: الصوم، باب: السواك للصائم، والترمذي (725)، كتاب: الصوم، باب: ما جاء في السواك للصائم، وقال: حسن، ورواه البخاري في "صحيحه"(2/ 682) معلقاً بصيغة التمريض.

(3)

ذكره البخاري في "صحيحه"(2/ 681) بصيغة الجزم. وانظر: "تغليق التعليق" لابن حجر (3/ 154).

(4)

رواه البخاري (1795)، كتاب: الصوم، باب: فضل الصوم، ومسلم (1151)، كتاب: الصيام، باب: فضل الصيام.

ص: 236

والخلوف إنما يظهر غالباً بعد الزوال؛ ولأنه أثرُ عبادةٍ مستطابٌ شرعاً، فأشبهَ دمَ الشهيد، وشعثَ الإحرام عمَّن كان مُحْرِماً، وأولُ النهار لا خلوف فيه من الصوم غالباً (1).

قال في "شرح الوجيز": وعنه: يستحب؛ وفاقاً لمالك، وأصحاب الرأي؛ واختارها الشيخ تقي الدين.

تتمة:

يتأكد استحباب السواك عند الصلاة؛ لهذا الحديث، ولما روى الإمام أحمد، وأبو داود من حديث عبد الله بن حنظلة الغسيل رضي الله عنهما: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أُمر بالوضوء لكل صلاة، طاهراً كان أو غير طاهر، فلما شق ذلك عليه، أُمر بالسواك لكل صلاة (2).

وفي حديث عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "فضلُ الصلاةِ بالسواكِ على الصلاةِ بغيرِ سواكٍ سبعون صلاةً" رواه الإمام أحمد، وأبو يعلى، وابن خزيمة في "صحيحه"، وقال: في القلب من هذا شيءٌ، والحاكم، وقال: صحيح الإسناد (3).

(1) وهذا ما نقله ابن قدامة في "الكافي"(1/ 22) عن ابن عقيل. وانظر: "المبدع" لابن مفلح (1/ 99).

(2)

رواه الإمام أحمد في "المسند"(5/ 225)، وأبو داود (48)، كتاب: الطهارة، باب: السواك.

(3)

رواه الإمام أحمد في "المسند"(6/ 272)، وابن خزيمة في "صحيحه" (137) وقال: أنا استثنيت صحة هذا الخبر؛ لأني خائف أن يكون محمد بن إسحاق لم يسمع من محمد بن مسلم، وإنما دلَّسه عنه، وأبو يعلى (4738)، والحاكم في "المستدرك"(515)، والبيهقي في "السنن الكبرى"(1/ 38)، وفي "شعب الإيمان"(2773).

ص: 237

وقول ابن خزيمة: في القلب منه شيءٌ، مع إيراده له في "صحيحه"؛ لكونه من رجاله محمدُ بنُ إسحاقَ صاحبُ "السيرة"، وهو مدلِّس، فخاف ابنُ خزيمة في أن يكون ابنُ إسحاق لم يسمع من ابن شهاب.

وقول الحاكم: صحيحُ الإسناد على شرط مسلم، فيه نظرٌ؛ فإن ابنَ إسحاق إنما أخرج له مسلمٌ في المتابعات.

قال الإمام ابن القيم في كتابه "المنار المُنيف" بعد إيراده لهذا الحديث: لم يرو في "الصحيحين"، ولا في الكتب الستة، ولكن رواه الإمام أحمد، وابن خزيمة، والحاكم في "صحيحيهما"، والبزار في "مسنده"، والبيهقي، وإسناده غير قوي؛ وذلك أن مداره على ابن إسحاقَ عن الزهري، ولم يصرِّحْ بسماعه منه، بل قال: ذكر الزهريُّ عن عروةَ، عن عائشة رضي الله عنها، فذكره، وله شاهد، فقد رواه البيهقي من طريق معاويةَ بنِ يحيى الصيرفي، عن الزهري، ومعاويةُ هذا ليس بقويّ، وقال في "شعب الإيمان": تفرد به معاوية بن يحيى، ويقال: إن ابن إسحاق أخذه عنه (1)، ورواه من حديث الواقدي، عن عبد الله بن أبي يحيى الأسلمي، عن أبي الأسود، عن عروة، عن عائشة رضي الله عنها، عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولفظه:"الركعتانِ بعدَ السواكِ أحبُّ إلى الله من سبعينَ ركعةً قبلَ السواك"(2)، لكن الواقديَّ لا يُحتج به (3).

وأخرج أبو نعيم في كتاب "السواك"، عن ابن عباس رضي الله عنهما مرفوعاً: "لأَنْ أُصلِّيَ رَكعتين بسواكٍ، أحبُّ إليَّ من أن أُصلي سبعينَ ركعةً

(1) رواه البيهقي في "شعب الإيمان"(2774).

(2)

رواه البيهقي في "شعب الإيمان"(2775)، وفي "السنن الكبرى"(1/ 38).

(3)

انظر: "المنار المنيف" لابن القيم (ص: 19) وما بعدها.

ص: 238

بغيرِ سواكٍ". قال الحافظ المنذري: إسناده جيدٌ (1).

وأخرج أبو نُعيم أيضاً بإسنادٍ حسنٍ عن جابر رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم:"ركعتانِ بالسواك، أفضلُ من سبعينَ ركعةً بغير سواكٍ"(2).

وبيان هذا - والله أعلم -: أن السواك سنةٌ من سنن الصلاة المطلوبة عندها، وهو مرضاةٌ للربّ، مَطْهَرَةٌ للفم، ولم يزل النبي صلى الله عليه وسلم يحثُّ عليه ويفعلُه، حتى إنه استاكَ عند موته - وهو في السياق كما يأتي -.

وكان السواك من أُذن النبيِّ صلى الله عليه وسلم موضعَ القلمِ من الكاتب، فإذا كانَ هذا شأن السواك، فلا يمتنع أن تكون الصلاة التي يستاك لها، أحبَّ إلى الله من سبعين صلاة لم يستك لها؛ وإن كان ثواب السبعين أفضل، كما نبه عليه ابن القيم في "المنار"(3).

وذكرنا ما فيه من الأحاديث والآثار في رسالتنا: "بغية النساك في فضل السواك"(4).

ويتأكد السواك أيضاً عند الوضوء؛ لحديث: "لولا أن أشقَّ على أمتي، لأمرتهم بالسواك مع كلِّ وضوءٍ" رواه الإمام أحمد، من حديث أبي هريرة (5).

وفي معنى الوضوء الغسلُ، وعند قراءة القرآن؛ لأن الملَكَ يضع فاه

(1) انظر: "الترغيب والترهيب" للمنذري (1/ 102).

(2)

المرجع السابق، الموضع نفسه.

(3)

انظر: "المنار المنيف" لابن القيم (ص: 29).

(4)

وقد قامت دار الصميعي في الرياض بنشره، بتحقيق عبد العزيز الدخيل.

(5)

رواه الإمام أحمد في "المسند"(2/ 460)، والإمام مالك في "الموطأ"(1/ 66)، وابن خزيمة في "صحيحه"(140)، وغيرهم.

ص: 239

على في المصلِّي، فلا يخرج من في المصلي قرآنٌ إلا في جوف المَلَك، ومثل المصلي غيرُه؛ إذ الملائكةُ تضع ذلك عند كل قراءة.

* وهل مثل قراءة القرآن مطلَقُ الذكر؟ لم أر من تعرَّض له، والظاهر: نعم؛ لأن السواك ينظف مجاري ذكر الله - تعالى -، وذلك مطلوب؛ لأنه ينشط العبادة، ويرضي الرب، ويطهر الفم، ويُرغم الشيطان.

وعند الانتباه من النوم، ليلاً كان أو نهاراً، ولعل مثلَه: الإفاقةُ من نحو إغماء، لما في "الصحيحين" من حديث حذيفة رضي الله عنه الآتي.

وفي حديث عائشة رضي الله عنها: كان النبي صلى الله عليه وسلم لا يرقد من ليلٍ أو نهارٍ، فيستيقظ، إلا تسوك قبل أن يتوضأ (1).

وعند تغير رائحة الفم بمأكول أو غيره.

قال بعض الشافعية: ولو كان التغير بأكل صائمٍ بعد الزوال ما له ريح سهواً.

وعند دخول مسجدٍ، وعند دخول منزلٍ، كما في "صحيح مسلم" عن شُريح بن هانىء، قال: سألت عائشة رضي الله عنها: بأي شيءٍ كان يبدأ رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دخل بيته؟ قالت: بالسواك (2). والمسجدُ أولى بذلك.

وعند إطالة سكوت؛ لأن به يحصل تغير رائحة الفم غالباً.

وعند صفرة أسنانٍ؛ لأن السواك شُرع لتنظيف الفم وتطييب رائحته،

(1) رواه أبو داود (57)، كتاب: الطهارة، باب: السواك لمن قام من الليل، وابن أبي شيبة في "المصنف"(1791)، والطبراني في "المعجم الأوسط"(3557). وإسناده ضعيف؛ كما ذكر ابن حجر في "التلخيص الحبير"(1/ 63).

(2)

رواه مسلم (253)، كتاب: الطهارة، باب: السواك.

ص: 240

فتأكد لزوال الصفرة المنافية للتنظيف، ولأنه ينشأ عن الصفرة تغيرٌ غالباً.

وعند خروجه من منزله إلى الصلوات؛ لحديث زيدِ بن خالدٍ الجُهَنِيِّ رضي الله عنه قال: ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخرج من بيته لشيءٍ من الصلوات حتى يستاك. رواه الطبراني بإسنادٍ لا بأس به (1).

وزاد غير واحدٍ: خلوّ المعدة من الطعام، وكأن من أخلَّ بذكرها، استغنى عنها بدخولها تحت قولهم: تغير رائحة فمٍ، والله أعلم (2).

* * *

(1) رواه الطبراني في "المعجم الكبير"(5261).

(2)

انظرت "الإنصاف" للمرداوي (1/ 118 - 119).

ص: 241