الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحديث السابع
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "إذَا جَلَسَ بَيْنَ شُعَبِهَا الأَرْبَعِ، ثُمَّ جَهَدَهَا؛ فَقَدْ وَجَبَ الغُسْلُ"(1)، وفي لفظ:"وَإِنَ لَمْ يُنْزِلْ"(2).
(1) * تَخْرِيج الحَدِيث:
رواه البخاري (287)، كتاب: الغسل، باب: إذا التقى الختانان، واللفظ له، ومسلم (348)، (1/ 271)، كتاب: الحيض، باب نسخ الماء من الماء، ووجوب الغسل بالتقاء الختانين، وأبو داود (216)، كتاب: الطهارة، باب: في الإكسال، والنسائي (191، 192)، كتاب: الطهارة، باب: وجوب الغسل إذا التقى الختانان، وابن ماجه (615)، كتاب: الطهارة، باب: ما جاء في وجوب الغسل إذا التقى الختانان.
(2)
رواه مسلم (348)، (1/ 217)، كتاب: الحيض، باب: نسخ الماء من الماء، ووجوب الغسل بالتقاء الختانين.
* مصَادر شرح الحَدِيث:
"معالم السنن" للخطابي (1/ 74)، و"الاستذكار" لابن عبد البر (1/ 276)، و"إكمال المعلم" للقاضي عياض (2/ 197)، و"المفهم" للقرطبي (1/ 601)، و"شرح مسلم" للنووي (4/ 39)، و"شرح عمدة الأحكام" لابن دقيق (1/ 104)، و"العدة في شرح العمدة" لابن العطار (1/ 225)، و"فتح الباري" لابن رجب (1/ 366)، و"فتح الباري" لابن حجر (1/ 395)، و"عمدة القاري" للعيني (3/ 247)، و"سبل السلام" للصنعاني (1/ 85)، و"نيل الأوطار" للشوكاني (1/ 276).
(عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا جلس) الضمير المستتر فيه وفي قوله: "جهد" للرجل، وترك إظهاره؛ للعلم به، وقد جاء مصرَّحًا به في روايةٍ لابن المنذر من وجهٍ آخرٍ عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال:"إذا غشي الرجلُ امرأته، فقعد"(1)(بين شعبها)؛ أي: المرأة، والشعب: جمع شُعْبَةٍ، وهي لغةً: القطعةُ من الشيء.
(الأربعِ) بالجر-: بيان للشُّعب، والمراد بها: يداها ورجلاها، وقيل: رجلاها وفخذاها، وقيل: ساقاها وفخذاها، وقيل: فخذاها وإسكتاها، وقيل: فخذاها وشفراها، وقيل: نواحي فرجها الأربع.
قال الأزهري: الإسكتان: ناحيتا الفرج، والشَّفْران: طرفا الناحيتين (2).
ورجح القاضي عياض الأخير (3).
واختار ابن دقيق العيد: الأول؛ لأنه أقرب إلى الحقيقة، أو هو الحقيقة في الجلوس بينهما، وعبارته: وكأنه تحويم على طلب الحقيقة الموجبة للغسل. والأقرب عندي: أن يكون المراد: اليدين والرجلين، أو الرجلين والفخذين، ويكون الجماع مكنيًا عنه بذلك، ويكتفَى بما ذكر عن التصريح.
قال: وأما إذا حملَ على نواحي الفرج، فلا جلوس بينهما حقيقةً، وقد
(1) رواه ابن المنذر في "الأوسط"(2/ 81)، والدارقطني في "العلل" (8/ 259). وانظر:"فتح الباري" لابن حجر (1/ 395).
(2)
انظر: "الزاهر في غريب ألفاظ الشافعي" للأزهري (ص: 359).
(3)
انظر: "إكمال المعلم" للقاضي عياض (2/ 197)، و"مشارق الأنوار" له أيضاً (2/ 254)
يكتفى بالكناية عن التصريح؛ لاسيما في أمثال هذه الأماكن التي يستحيا من التصريح بذكرها (1).
(ثم جَهَدها) -بفتح الجيم والهاء-، يقال: جَهَد وأجهد؛ أي: بلغ المشقة (2).
وهذا لا يراد به حقيقتُه، وإنما المقصود منه: وجوبُ الغسل بالجماع، وإن لم ينزل (3).
ولمسلم من طريق شعبة، عن قتادة:"ثم أجهد"(4).
ورواه أبو داود من طريق شعبة وهشام معًا، عن قتادة، بلفظ:"وألزقَ الختانَ بالختانِ"(5) بدل قوله: "ثم جَهَدَها".
وهذا يدل على أن الجهد هنا كناية عن معالجة الإيلاج.
ورواه البيهقي من طريق ابن أبي عروبة، عن قتادة مختصرًا، ولفظه: إذا التقى الختان، (فقد وجب الغسل)(6).
وروي هذا اللفظ من حديث عائشة، أخرجه الشافعي من طريق
(1) انظر: "شرح عمدة الأحكام" لابن دقيق (1/ 104 - 105).
(2)
انظر: "فتح الباري" لابن حجر (1/ 395). وانظر: "مشارق الأنوار" للقاضي عياض (1/ 161)، و"النهاية في غريب الحديث" لابن الأثير (1/ 320)، و"شرح عمدة الأحكام" لابن دقيق (1/ 105).
(3)
انظر: "شرح عمدة الأحكام" لابن دقيق (1/ 105).
(4)
تقدم تخريجه في حديث الباب.
(5)
تقدم تخريجه في حديث الباب.
(6)
رواه البيهقي في "السنن الكبرى"(1/ 163)، بلفظ:"إذا التقى الختان، وجب الغسل، أنزل أو لم ينزل".
سعيد بن المسيب عنها، وفي إسناده علي بن زيد، ضعيفٌ (1)، وابن ماجه من طريق القاسم بن محمد عنها، ورجاله ثقاتٌ (2).
وفي "صحيح مسلم" عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه، قال: اختلف في ذلك رَهط من المهاجرين والأنصار، فقال الأنصاريُّون: لا يجب الغسل إلا من الدًّفقِ، أو من الماء، وقال المهاجرون: بلى، إذا خالط، فقد وجب الغسل.
قال أبو موسى: فأنا شفيعكم من ذلك، فقصتُ فاستأذنت على عائشة، فأُذن لي، فقلت لها: يا أُمَّاه! أو يا أم المؤمنين! إني أريد أن أسألك عن شيء، وإني أستحييك، قالت: لا تستحيي أن تسألني عما كنت سائلًا عنه أمك التي ولدتك، فإنما أنا أمك، فقلت: فما يوجب الغسل؟ قالت: على الخبيرِ سَقَطْتَ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"إذا جلس بينَ شُعَبِها الأربع، ومسَّ الختانُ الختانَ؛ فقد وجب الغسلُ"(3).
والمراد بالمس والالتقاء: المحاذاة، وقد قدمنا في الخِتان: أنه متى حاذى الختانُ من الرجل الختانَ من المرأة، تكون الحشفةُ داخل الفرج.
ومعنى الحديث: أن الغسل لا يتوقف على الإنزال، (و) قد جاء مصرَّحًا به (في لفظٍ) لمسلم من حديث أبي هريرة هذا:(وإن لم ينزل)،
(1) رواه الإمام الشافعي في "مسنده"(ص: 159).
(2)
رواه ابن ماجه (658)، كتاب: الطهارة، باب: ما جاء في وجوب الغسل إذا التقى الختانان.
(3)
رواه مسلم (349)، كتاب: الحيض، باب: نسخ الماء من الماء، ووجوب الغسل بالتقاء الختانين، وعنده:"بل إذا خالط" بدل "بلى إذا خالط"، و"فأنا أشفيكم" بدل "فأنا شفيعكم".
ووقع ذلك في رواية قتادة -أيضاً-، رواه ابن أبي خيثمة في "تاريخه"، ولفظه:"أنزل أو لم ينزل"، وكذا رواه الدارقطني، وصححه، وأبو داود الطيالسي، وغيرهم (1).
تنبيه:
الحكم عند جمهور الأمة وغالب الأئمة على مقتضى هذا الحديث في وجوب الغسل بالتقاء الختانين من غير إنزالٍ.
وخالفَ في ذلك داودُ الظاهري وبعضُ أصحابه مستندًا لحديث: "إنما الماء من الماء" من حديث أبي سعيدٍ الخدري، قال: خرجت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الاثنين إلى قباء، حتى إذا كنا في بني سالم، وقف رسول الله صلى الله عليه وسلم على باب عتبان، فصرخ به، فخرج يجر إزاره، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"أَعْجَلْنا الرجلَ"، فقال عتبان: يا رسول الله! أرأيتَ الرجلَ يُعجل عن امرأته، ولم يُمْنِ، ماذا عليه؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"إنما الماءُ من الماء"(2).
وفي لفظٍ آخر: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر على رجل من الأنصار، فأرسل إليه، فخرج ورأسه يقطر، فقال:"لعلنا أعجلناك"، قال: نعم يا رسول الله، قال:"إذا أُعجلْتَ، فلا غسلَ عليك، وعليك الوضوءُ" رواه مسلم، وكذا البخاري (3)، إلا أنه لم يقل:"إنما الماء من الماء"، ولا قال:"لا غسل عليك".
(1) رواه الدارقطني في "سننه"(1/ 112)، وأبو داود الطيالسي في "مسنده" (2449). ورواه أيضاً: الإمام أحمد في "مسنده"(2/ 347)، وغيرهم.
(2)
رواه مسلم (343) كتاب: الحيض، باب: إنما الماء من الماء.
(3)
رواه البخاري (178)، كتاب: الوضوء، باب: من لم ير الوضوء إلا من المخرجين، ومسلم (345)، كتاب: الحيض، باب: إنما الماء من الماء.
وأخرج مسلم، عن أُبي بن كعب رضي الله عنه، قال: سألتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الرجل يصيب من المرأة فيكسلُ؟ قال: "يغسل ما أصابه من المرأة، ثم يتوضأ ويصلي"(1).
وفي لفظٍ: يأتي أهله، ثم لم ينزل -بدل: يكسل-؟ قال: "يغسل ذَكَره، ويتوضأ"(2).
وأخرج مسلم، عن زيد بن خالد الجهني: أنه سأل عثمان بن عفان رضي الله عنه، قال: قلت: أرأيتَ إذا جامعَ الرجلُ امرأته ولم يُمْنِ؟ قال: يتوضأ كما يتوضأ للصلاة، ويغسل ذكره، قال عثمان: سمعتُه من رسول الله صلى الله عليه وسلم (3).
وعن أبي أيوب رضي الله عنه: سمع ذلك من النبي صلى الله عليه وسلم (4).
زاد البخاري: فسألت عن ذلك عليَّ بن أبي طالب، والزبيرَ بن العوام، وطلحةَ بن عبيد الله، وأبيَّ بنَ كعب رضي الله عنهم، فأمروه بذلك (5)؛ أي: بمثل ما أمربه عثمانُ بن عفان رضي الله عنه.
وفي روايةٍ: فقالوا مثل ذلك (6).
(1) رواه مسلم (346) كتاب: الحيض، باب: إنما الماء من الماء.
(2)
رواه مسلم (346)، (1/ 270) كتاب: الحيض، باب: إنما الماء من الماء.
(3)
رواه مسلم (347)، (1/ 270)، كتاب: الحيض، باب: إنما الماء من الماء.
(4)
رواه مسلم (347)، (1/ 271)، كتاب، الحيض، باب: إنما الماء من الماء.
(5)
رواه البخاري (177)، كتاب: الوضوء، باب: من لم ير الوضوء إلا من المخرجين.
(6)
هي من رواية الإسماعيلي، كما ذكر الحافظ ابن حجر في "فتح الباري"(1/ 397)، وليست من رواية البخاري كما يوهم صنيع الشارح، وسيذكره الشارح قريبًا معزوًا إلى الإسماعيلي.
فهذا ظاهره الرفع؛ لأن عثمان أفتاه بذلك، وحدثه به عن النبي صلى الله عليه وسلم، فالمسألة تقتضي أنهم أيضاً أفتوه وحدثوه.
وقد صرح بذلك الإسماعيلي في رواية له، ولفظه: فقالوا مثل ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم.
قال الإسماعيلي: لم يقل ذلك غيرُ الحمّاني، وليس هو من شرط البخاري. وقد حكى الأثرمُ عن الإمام أحمد رضي الله عنه: أن حديث زيد بن خالد المذكورَ في هذا الباب معلولٌ؛ لأنه ثبت عن هؤلاء الخمسة الفتوى بخلاف ما في هذا الحديث، وكذا حكى يعقوب بن أبي شيبة عن عليِّ بن المديني أنه شاذ.
والجواب عن ذلك:
أن الحديث ثابت من جهة اتصال إسناده، وحفظِ رواته، ولعل فتواهم بخلافه، لثبوت ناسخِه عندهم، فذهبوا إليه، وكم من حديث منسوخٍ وهو صحيح من حيث الصناعةُ الحديثيةُ!
وقد ذهب جمهورُ الأمة وأكثرُ الأئمة [إلى] أن ما دل عليه حديث الباب بالاكتفاء بالوضوء إذا لم ينزل المجامعُ منسوخٌ بما دل عليه حديثُ أبي هريرة وعائشةَ المذكورَين قبله.
والدليل على النسخ: ما رواه الإمام أحمد، وغيره، من طريق الزهري، عن سهل بن سعد، حدثني أُبيُّ بنُ كعبٍ: أن الفتيا التي كانوا يقولون: الماء من الماء، رُخصة كان رسول الله صلى الله عليه وسلم رَخَّصها في أول الإسلام، ثم أمر بالاغتسال بعدُ. صححه ابنُ خزيمة، وابن حبان، وقال الإسماعيلي: هو صحيح على شرط البخاري. ورواه أبو داود، وابن خزيمة، وذكره الترمذي (1).
(1) رواه أبو داود (215)، كتاب: الطهارة، باب: في الإكسال، والترمذي (110)، =
وهو صريحٌ في النسخ، على أن حديث:"الغسل وإن لم يُنزل" أرجحُ من حديث: "الماء من الماء"؛ لأنه بالمنطوق، وترك الغسل من حديث الماء من الماء بالمفهوم، أو بالمنطوق أيضاً، لكن ذاك أصرح.
وروى ابن أبي شيبة وغيره، عن ابن عباس رضي الله عنهما: أنه حمل حديث الماء من الماء على صورة مخصوصة، وهي: ما يقع في المنام من رؤية الجماع (1)، وهو تأويلٌ يجمع بين الحديثين من غير معارض كما في "الفتح"(2)، انتهى.
وفي "مسلم" باب: نسخ الماء من الماء، ووجوب الغسل، ثم روى بسنده، عن أبي العلاء بنِ الشِّخِّير، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينسخ حديثُه بعضُه بعضًا (3).
والحاصل: وجوبُ الغسل بتغييب الحشفة في الفرج الأصلي، وإن لم ينزل، وفاقًا للأئمة الثلاثة، ولجمهور الأمة، والله أعلم.
* * *
= كتاب: الطهارة، باب: ما جاء أن الماء من الماء، وابن ماجه (609)، كتاب: الطهارة، باب: ما جاء في وجوب الغسل إذا التقى الختانان، والإمام أحمد في "المسند"(5/ 116)، وابن خزيمة في "صحيحه"(225)، وابن حبان في "صحيحه"(1173).
(1)
رواه الترمذي (112)، كتاب: الطهارة، باب: ما جاء أن الماء من الماء، عن ابن عباس، قال: إنما الماء من الماء في الاحتلام. وفي إسناده مقال كما أشار الترمذي.
(2)
انظر: "فتح الباري" لابن حجر (1/ 398). قال الحافظ ابن رجب: وهذا التأويل إن احتمل في قوله: "الماء من الماء"، فلا يحتمل في قوله:"إذا أعجلت أو أقحطت، فلا غسل عليك"، وفي قوله:"يغسل ما مسَّ المرأة منه، ويتوضأ ويصلي" كما في "الفتح" له (1/ 384).
(3)
رواه مسلم (344) كتاب: الحيض، باب: إنما الماء من الماء.